الفصل الرابع
في قصر الأمير
المشهد الأول
(طرفة وحده)
ملأتُ الأرض بأسًا وافتخارا
وصرتُ بكل مكر لا أُجارَى
وفي حَلِّ المصاعب لي دهاء
يفلُّ المشرفية والشِّفارا
١
يروم الفاتك الظَّلَّام قتلي
ونار الحقد تستعر استعارا
يروم بأن يُصَيِّرني دفينًا
ليُصْلِي شعبه المسكين نارا
أنا أدري سرائره وإني
لسوف أزيح عن ذاك الستارا
وأُظْهِر بَغْيَه في كل فجٍّ
فيلقى في الورى خِزْيًا وعارا
٢
لقد أنقذتُ مَنْ ظلموه حتى
رأيتُ العدل ينتصر انتصارا
ألا يا أيها الباغي انتقامًا
فصبرًا لا تَمَلَّ الانتظارا
لسوف تذوق كأس الموت مني
وعينك لا ترى أبدًا نهارا
بحدِّ مهنَّدِي وسنان رمحي
أدمِّر عرشك العالي دمارا
وإن تك جاهلًا قدري وبأسي
فسَلْ عني المجاهل والقِفارا
لقد أنقذت الناصر من الموت؛ لأحارب به هذا الأمير الذي مات ضميره وخنقت جرائمه وجدانه،
يكيد لي ليقتلني لأنه لم يَعُد واثقًا بي بعدما علم أن الناصر لا يزال حيًّا، يسعى
ليميتني لتموت مخاوفه ويدفن معي في الضريح جرائمه الهائلة، لقد أنقذت الحارس من السجن
بدهائي، وها هو اليوم حرٌّ طليق منضمٌّ إلى الثائرين، أجل أيُّها الفاتك، سينتصر عليك
طرفة
كاتب سرِّك ويذيقك عَلْقَم الظلم، أنت تنتظر أن الأمير خالدًا يَشُدُّ أزرك إذا تمرَّد
عليك شعبك
ولم يخطر ببالك قطُّ أن طرفة لم يقابل أميرًا، ولم يحدِّث بشأنك وزيرًا، بل زوَّر لك
هذا
الكتاب لتطمئنَّ ويسكن ثائر خوفك، أمرتني بتنظيم جيش يقاوم الخوارج وها قد نظَّمته
وهيَّأته للانضمام إلى صفوفهم عند مسيس الحاجة، ظننتَ طرفة ضعيفًا فنصبت له الفخاخ، فدونك
فخاخًا تسقط فيها لا محالة.
المشهد الثاني
(طرفة – جابر)
جابر
(يدخل بعَجَلةٍ)
:
تحيةً وسلامًا.
طرفة
:
ما بالك؟
جابر
:
جئت لأطلعك على دسيسة هائلة.
طرفة
:
وما هي تلك الدسيسة؟
جابر
:
لقد تأكَّد الأمير أن الناصر لا يزال حيًّا وأنَّنا أنقذناه.
طرفة
:
وغير ذلك؟
جابر
:
أنت تدري أنه سيميتنا شرَّ مِيتَة، فكُنْ على حذر.
طرفة
:
لا تخف يا جابر فهو يعجز عن أن يُلْحِقَ بنا أدنى أذى، لقد دنت ساعة الانتقام
من ذلك العاتي.
جابر
:
قرَّبها الله.
طرفة
:
ولكنك قبل تلك الساعة ستُجرَّد من ثوب الجندية ويُقْضَى عليك بالموت.
جابر
:
بالموت؟ ويلاه!
طرفة
:
لا تخف فسأنقذك من براثن الموت كما أنقذت سواك، فالوداع الآن.
جابر
:
كلمة يا طرفة.
طرفة
:
قل ما تريد.
جابر
:
ولماذا يقضون عليَّ بالموت؟
طرفة
:
لتأكُّدِهم إنقاذك للناصر.
جابر
:
إذن أَهْرُب.
طرفة
:
وإلى أين؟ كن شجاعًا فالهرب عار على الشجاع (يخرج).
المشهد الثالث
(طرفة وحده)
أَقِلْ عثراتي جابر العثرات
ونجِّ من الباغي الظلوم حياتي
عليك اتكالي يا قدير فقوِّني
ورد أيا قيوم كيد عِدَاتي
٣
المشهد الرابع
(جابر – الفاتك ومَعِيَّته)
الفاتك
(يدخل ومعه مَعِيَّته)
:
ما تفعل هنا يا جابر أتدبِّر مكيدة ثانية لمولاك؟ الحَقْ بفرقتك.
جابر
:
أأنا أكيد لمولاي؟ (يركع) عفوًا سيدي
فحياتي وَقْفٌ عليك.
فاتك
:
لسانك يتكلم وقلبك مملوء خبثًا وشرًّا، اخرج يا ناكر الجميل وانتظر الساعة
التي يستحقك بها العدل يا خائن العرش والوطن.
صالح
:
إنه أمين يا مولاي.
فاتك
:
لا أيها الوزير، فأنت لم تعرف شيئًا من أسراره، اخرج أيها اللئيم مخافة أن
أدنِّس سيفي بدمك.
(جابر يخرج.)
فاتك
:
لقد سئمتْ نفسي متاعب السلطة، وكرهتْ نفسي الحياة المملوءة عذابًا وحذرًا،
فأعدائي يتهدَّدوني والخطر مُحدِق بعرشي، وفي هذا الموقف لم أجد لي مساعدًا
ونصيرًا، ماذا علمتم عن البطل المجهول؟ عن قيامة الناصر من بين الأموات؟ عن
السجين الفارِّ؟ آه من الخونة!
عارف
:
لم نفهم شيئًا جديدًا غير أنه مجهول حتى من أقوامه الذين يحارب معهم ويدفعهم
إلى الثورة والهياج.
فاتك
:
ألم يكفِ شعبنا حتى يأتي الغرباء ويساعدوهم علينا؟ لو أتاني أحد برأس هذا
الرجل لأعطيته نصف ملكي.
صالح
:
ليس ذلك بالسهل فحوله عصابة من الرجال الأشدَّاء، علينا يا مولاي أن نهتم
بقضية الناصر، فالشائع أنه حيٌّ ومع الثائرين يحارب.
حلزة
:
مولاي لا تثق بكل ما يُقال، فبمثل هذه الظروف يكثر القيل والقال.
فاتك
:
إن وجود البطل المجهول حقيقة واضحة، والناصر لم يَمُت، لقد نَبَشْت قبره فلم أجد
فيه رفاتًا.
حلزة
:
إذا صحَّ وجود البطل المجهول فهو الأمير الناصر.
فاتك
:
لا يبعد أن يكون، الويل للخونة، ماذا نصنع؟
صالح
:
الرَّأْي رَأيك يا مولاي.
فاتك
:
لقد أكَّد لي بعض الجنود أن جابرًا لم يقتل الناصر، ولطرفة كاتب سرِّي يد في
المسألة.
عارف
:
لا أظنه يُقْدِم على هذه الخيانة.
فاتك
:
بلى، فصداقته القديمة للناصر حملته عليها، وقد فهمت أن جماعة الناصر تتأهب
لثورة هائلة.
صالح
:
فلنهتم بما نقاومهم به.
فاتك
:
بماذا أقاوم وليس لديَّ رجل أثق به غير القائد بدر، فجابر رجل خائن وطرفة أشد
خيانةً منه.
عارف
:
لا تقنط يا مولاي فحولك شعب طويل عريض فجنِّد منه مَن تشاء.
المشهد الخامس
(المذكورون – بدر)
(بدر يدخل ويحيِّي الأمير.)
فاتك
:
وماذا عرفت عن الثائرين؟
بدر
:
لا شيء جديد.
فاتك
:
هاتِ الجند إلى هذا المكان والموسيقى أيضًا، وجِئْ بجابر وجرِّده من ثوبه
العسكري على مرأى من الشعب فقد حكمت بموته.
بدر
:
أمرك سيدي (يخرج).
المشهد السادس
(المذكورون – طرفة)
عارف
:
لقد أصبت مولاي.
فاتك
:
نعم، وهذا أقل عقاب يناله جابر الخائن.
(طرفة يسترق الحديث من بين جدران الملعب.)
فاتك
:
وما رأيكم بطرفة الخائن الأعظم، أريد أن أمحو آثاره من الوجود، ولكن ذلك يهيِّج
الشعب عليَّ ويحملهم على النفور مني.
حلزة
:
يستطيع مولاي قتله دون أن يعلم الشعب بذلك.
(طرفة يهز رأسه.)
صالح
:
وكيف ذلك؟
حلزة
:
نُغْري أحد الجنود فيقتله ثم تحكمون بقتل الجندي القاتل.
صالح
:
إن هذا الظلم فظيع.
فاتك
:
دعونا من هذا فالساعة لم تأتِ بعد، ما رأيكم أتزداد نار الثورة
اضطرامًا؟
حلزة
:
ما زالت الحال على هذا المنوال فنار الثورة لا تخمد.
فاتك
:
آه، ثورة … قلاقل … بلابل … ما أشقى الفاتك!
المشهد السابع
(المذكورون – بدر والجنود وجابر)
بدر
(تُعْزَف الموسيقى ويدخل الجند بخطًى عسكرية، ثم يقف بدر في
الوسط ويدعو جابرًا قائلًا)
:
تعالَ إلى هنا يا خائنًا مولاه بعد أن حَلَف.
جابر
(يقف في الوسط)
:
مولاي الأمير، اسمح لي أن أدافع عن نفسي، ثم اقتلني.
فاتك
:
صه يا لئيم، قبَّح الله وجهك.
جابر
:
أنا بريء يا مولاي.
بدر
(يقترب منه)
:
باسم مولانا وأميرنا الفاتك أنزع منك سيفك وشارات الجندية، (إلى جنديَّين) قيِّداه بالسلاسل، واهتفوا جميعكم
فليسقط الخائن فليحيَ الأمير.
الجميع
:
فليسقط الخائن، فليحيَ الأمير.
فاتك
:
سيروا بهذا الخائن ليُشْنَق غدًا.
الجنود
(تُعْزَف الموسيقى ويخرج الجنود بخطًى عسكرية، ثم
يهتفون)
:
فليحيَ الأمير.
حلزة
:
الأعمال بالكمال يا سيدي.
فاتك
:
وما تعني أيها النديم؟
حلزة
:
يجب أن تفتك بكاتب سِرِّك طرفة منبع الويل والبلاء.
فاتك
:
سأمطرنَّ ذلك العَقُوق صواعقَ غضبي، فالموت أقل عقاب يستحقه، أمَّا الآن فاخرجا
أيُّها الوزيران، وجهِّزا من القوات ما يدفع عنا طوارق الحدثان، وأنت أيها النديم
اخرج معهما، وعد إليَّ بالعوَّاد ليغني لي قليلًا قبل الرقاد لعل في نغماته ما
يقتل شجوني وأحزاني (يخرج الجميع).
المشهد الثامن
(الفاتك وحده)
ما أصعب سياسة الناس! فمنذ تقلُّدي الحكم وأنا طريد الهموم والهواجس، أخاف من خيالي
ولا أثق بأحد من رجالي، أمرت اليوم بقتل جابر وسأُلْحِقُ به طرفة كاتب سِرِّي، إني أرى
قتل
هذا الخائن يريح ضميري فهو وحده عالم بكل أسراري وفي يده أوراق هامة إذا أَبْرَزها للأمير
الأعظم أوردني كأس الحتوف.
المشهد التاسع
(الفاتك – حلزة – العواد)
حلزة
(يدخل)
:
أيَّ نَغَم تريد يا مولاي؟
فاتك
:
يا غزالي كيف عني أبعدوك؟
يا فؤادي آه ما هذا العذاب
أفأقضي كل عيشي في اضطراب؟
وأنا مُلقًى على فرش العقاب
أكذا في أرضنا تحيا الملوك؟!
مضَّني السهد وجافاني الرقاد
وقضيت العمر في أشقى جهاد
خانني جسمي وعاداني العباد
قُبِّح الدهر فقد أشقى الملوك
حلزة
(يُطِل)
:
لقد رقد، فلنذهب.
المشهد العاشر
(الفاتك – الأشباح)
فاتك
(في الحلم)
:
إليكم عني … أنا أفعل ما تريدون … خُذوا العرش، حياتي، أبقوا على حياتي … ابعد
عني.
(يظهر له ثلاثة أشباح.)
فاتك
(يشير إلى جهة الأشباح)
:
لا تقتلوني … خذوا التاج والمُلك … إلى الوراء تبدَّدوا أيها الناس … أين
سيفي؟ (يمد يده) أين خنجري؟ (ينهض ويمسكه فيقع من يده ويسقط على الأرض فيستفيق من
نومه مذعورًا قائلًا) ما هذا الحلم الرهيب؟ ما هذه الأشباح لقد
راعني منظرها حتى في الحلم.
المشهد الحادي عشر
(الفاتك – الأعمى)
(الأعمى يدخل مارًّا في الملعب.)
فاتك
:
ويلاه، هذا هو … إن نمتُ تخيفني الأشباح وإن استفقت راعتني الحقائق، فمتى ينتهي
عذاب الضمير؟
الأعمى
:
الانتقام … الانتقام … أين أنت يا رب؟
فاتك
:
إنه يريعني … إنه يخيفني … رباه.
الأعمى
:
نامت عيونك والمظلوم منتبه …
الثُّوَّار
(من الخارج)
:
أسود البطش والحرب
دَنَا يوم الوغى هُبِّي
(الأعمى يرتجف ويخرج مهرولًا.)
فاتك
:
حلزة، أين أنت؟
المشهد الثاني عشر
(الفاتك – حلزة – الثائرون)
حلزة
(يدخل)
:
هنا يا مولاي.
الثائرون
(من الخارج)
:
لقد كِدْنا أعادينا
وأَفْنَتْهم مواضينا
وما خابت مساعينا
بيوم الطعن والضرب
(الفاتك صامت يكلم حلزة بالإشارة.)
الثائرون
:
بثأر أميرنا الناصر
سيأخذ لَيْثُنا الظافر
فاتك
:
ما هذه الأناشيد، أهم جنودنا يا ترى؟
الوزيران
(يدخلان ومعهما الحاجبان)
:
حيَّا الله الأمير.
فاتك
:
أهلًا بالمخلصين الأمناء.
عارف
:
ما بال مولانا مضطرب البال؟
فاتك
:
الخوف ملء الفؤاد يا عارف.
صالح
:
وممَّن تخاف؟
فاتك
:
ممَّن أخاف؟ أخاف من نصير المظلومين من عدوِّ البُغاة، ماذا عرفتم عن
الثورة؟
عارف
:
لقد اتَّقَدت نيرانها، وانضمَّ الشعب إلى الثُّوَّار فوجَّهتُ الجيش والقُوَّاد إليهم.
فاتك
:
أنا خائف من الفشل فقد رأيت حلمًا مزعجًا.
صالح
:
أأنت تصدِّق الأحلام؟
فاتك
:
ما هي إلا صوت النفس التي تشعر بما سيحفُّ بها من الحوادث.
المشهد الثالث عشر
(المذكورون – جندي – حسان)
جندي
(يدخل قائلًا)
:
مولاي أمِّنِّي!
فاتك
:
تكلم.
جندي
:
أطال الله بقاء مولاي، لقد قُتِلَ القائد بدر في عراك مع الثائرين، ولم ينجُ
منَّا إلا طويل العمر.
فاتك
:
والَهْفَ نفسي عليك يا بدر! إن عرشي مائل إلى السقوط، اخرجوا جميعًا وجنِّدوا من
أصدقائي الأمناء جيشًا يُفْني هؤلاء الخوارج، وأنت أيها الجندي اذهب إلى طرفة
وادعُهُ عاجلًا.
(الجميع يخرجون.)
الفاتك
:
حسان، ابقَ هنا.
لَهْفَ نفسي نجم سعدي قد أَفَل
وسيغدو قصر آبائي طَلَل
خانني دهري ترى ماذا العمل؟
إن قلبي بِلَظَى الخوف اشتعل
وفؤادي في اضطراب وخَبَل
أيُّها الناس ارحموني فأنا
تاعسٌ ليلُ شقائي قد دَنَا
خانني البِشْر وعاداني الهَنا
جعل اليوم قصوري موطِنا
وبلاني الدهر في أشقى العلل
إن كفي سفكت أذكى الدِّما
واستباحت في الورى ما حُرِّما
وحسامي قد غدا يشكو الظَّما
إن آثامي اشتكى منها الحِمَى
وانحنى من ثقلها راسي القُلَل
٥
إن كأس الظلم يُرْدِي مَن ظلم
ليتني لم أظلم الشعب ولم
ساعديني يا سما زلَّ القَدَم
وندمنا حين لا يُجْدي الندم
أنا غرقان ولا أخشى البَلَل
(ينتفض) لسنا في مقام يفيدنا به الندم …
حسان!
حسان
:
نعم.
فاتك
:
سِرْ في هذه الطريق فلا بد أن يكون طرفة قد صار على مقربة من القصر، ومتى
التقيت به بشَّ له وحدِّثه بلطف، ثم خذه على غِرَّة واطْعَنْه بهذا الخنجر
المسموم (يدفعه إليه) طعنة نجلاء.
(حسان يتناول الخنجر بهيئة مريعة ويخرج.)
فاتك
:
إنَّ قَتْلَ طرفة ينقذ عرشي فهو يدير الثائرين وينفخ نار الثورة ويوهمنا أنه
معنا.
المشهد الرابع عشر
(فاتك – طرفة)
طرفة
(يدخل)
:
السلام يا مولاي.
فاتك
(على حِدَة)
:
لقد نجا الخائن (إلى طرفة) ألم تلتقِ بحسان
في الطريق؟
طرفة
:
لا، لم أر أحدًا.
فاتك
:
ألم ترَ الحاجب الذي أرسلته يدعوك؟
طرفة
:
لا، لم أر أحدًا ألم تفهم؟
فاتك
:
إذن ماذا تريد؟
طرفة
:
أريد مناقشتك الحساب، ومطالبتك بمواعيدك الكاذبة.
فاتك
:
ما هذه اللهجة؟ أكذا تخاطب مولاك؟
طرفة
:
لقد مضى الزمن الذي كنت به مولاي، أما الآن فأنا مولى نفسي وقد أتيت أسألك
الوفاء بوعدك.
فاتك
:
أيُّ وعدٍ؟
طرفة
:
ألم تعدني بعشرة آلاف دينار؟
فاتك
:
ومن أين لك هذا المبلغ في ذمتي؟
طرفة
:
ثمن لساني، ولقاء إخفاء الأوراق التي أرسلتها لمَّا كنت في ديوان سليمان باشا
وبها تقول لي: دُسَّ له السُّمَّ في الشراب؛ فأكون أنا مقامه وتكون أنت مقامي.
فاتك
:
رحماك ربي!
طرفة
:
لا تدعُ الإله، فهو ناقم عليك أيها المسخ الجهنمي.
فاتك
:
تذكَّر يا طرفة أني وليُّ نعمتك.
طرفة
:
أذكر ذلك، بَيْد أن الباشا يجعلني مكانك متى أطلعته على خيانتك.
فاتك
:
قل ما تريد ثمن تلك الأوراق؟
طرفة
:
لا أسلِّمك إياها ولو أعطيتني ملكك!
فاتك
(يركع)
:
اسمع رجاء مولاك.
طرفة
:
لم تَدَعْ للرحمة مجالًا.
فاتك
:
قل ما تشاء يا طرفة، واعفُ عني الآن.
طرفة
:
أعفو ولكن …
فاتك
:
قل، قل فأنا راضٍ بكل ما يرضيك.
طرفة
:
إذن امضِ هذه الأوراق.
فاتك
:
وما فيها؟
طرفة
:
تدفع لي عشرين ألف دينار، وتجعلني واليًا مؤبَّدًا على الولايات الغربية
والشمالية، وتعفو عن جابر.
فاتك
:
واليًا مؤبدًا؟ عشرين ألف دينار؟ أعفو عن جابر؟ وما أبقيت لي؟
طرفة
:
ما بقي يكفيك، امضِ هذه الصكوك.
فاتك
(على حِدَة)
:
أين رجالي الآن؟ (إلى طرفة) هاتها
لأمضيها، (يمد يده لجيبه) إن خاتمي ليس معي
فلنَدْعُ الحاجب ليأتي به.
طرفة
:
كأنك تريد الإيقاع بي؟ امضِ عليها بيدك وكفى.
فاتك
:
وأين هي الأوراق التي تعيدها لي؟
طرفة
(يخرجها من جيبه)
:
هذه هي.
(فاتك يتناولها فجأة ويضعها في فمه.)
طرفة
(يضع مسدسه على صدغ الفاتك صارخًا به)
:
امضِ يا خائن وإلا قتلتك.
(فاتك يوقِّع مرتجفًا ويأخذ طرفة الأوراق.)
المشهد الخامس عشر
(المذكورون – الظافر)
(الظافر يهجم على الفاتك شاهرًا خنجره.)
فاتك
(يرتمي على مقعده صارخًا)
:
ويلاه.
طرفة
(يعترض الظافر صارخًا)
:
ابعد فساعته لم تأتِ بعد.
(يُرخى الستار.)