حصر وتبويب
استعرضنا فيما سبق عددًا من مسرحيات توفيق الحكيم الاجتماعية التي عالَج منها مشكلةً بذاتها، شغلته منذ فجر حياته الأدبية، وظلت تشغله على نحوٍ حادٍّ إلى أن تزوَّج في سنة ١٩٥٦، ولاحظنا أنه قد استمر بوجه عام في كتابة المسرحيات الاجتماعية، وبخاصة في فترة عمله صحفيًّا بجريدة «أخبار اليوم»، ولكنه في الواقع لم يقتصر على المسرحيات الاجتماعية، بل كتب أيضًا المسرحيات النفسية والريفية — كما يقول — بل السياسية مثل «براكسا أو مشكلة الحكم»، وقد نشر في أول الأمر مجلدَيْن بعنوان «مسرحيات توفيق الحكيم»، تضمَّنت المجموعةُ الأولى مسرحيات «سر المنتحرة» و«نهر الجنون» و«رصاصة في القلب» و«جنسنا اللطيف».
وتضمَّنت المجموعة الثانية مسرحيات «الخروج من الجنة» أو «الملهمة» و«أمام شباك التذاكر» و«الزمار» و«حياة تحطَّمت». وكان نشر هاتين المجموعتين في عام ١٩٣٧، ومن قبل ذلك كان قد نشر «أهل الكهف» سنة ١٩٣٣، و«شهرزاد» سنة ١٩٣٤، كلًّا في كتاب منفصل باعتبارهما من المسرحيات الذهنية التي يعتزُّ بها توفيق الحكيم بنوع خاص، ثم نشر في سنة ١٩٣٩ مسرحية «براكسا أو مشكلة الحكم»، وفي سنة ١٩٤٢ «بجماليون»، وفي سنة ١٩٤٣ مسرحية «سليمان الحكيم»، وفي سنة ١٩٤٩ مسرحية «الملك أوديب»، وفي سنة ١٩٥٥ «إيزيس»، وفي سنة ١٩٥٧ مسرحية «الصفقة»، وفي السنتين الأخيرتين نشر «رحلة إلى الغد» و«أشواك السلام»، وقد طُبِعت كل واحدة من هذه المسرحيات في كتاب خاص.
وفي أثناء كل ذلك طُبِعت بعض مسرحيات المجتمع، أو المسرحيات المنوعة في كُتِب خاصة لمناسبة تمثيلها على المسرح أو حاجة المدارس إليها، كما نُشِرت مسرحية «المرأة الجديدة» مع ثلاث مسرحيات أخرى متعلقة بمشكلة المرأة في كتاب خاص ١٩٥٢، ولكن توفيق الحكيم قد أراح القراء والدارسين بجمع كل مسرحياته في مجلدَيْن كبيرَيْن، صدر أحدهما باسم «مسرح المجتمع»، وصدر الآخَر باسم «المسرح المنوَّع»، وهما يضمان جميع مسرحياته بما فيها المسرحيات التي نُشرت أولًا في المجلدَيْن المعنونَيْن «مسرحيات توفيق الحكيم»، ثم المسرحيات التي نُشِرت في كتاب «المرأة الجديدة»، ولم يبقَ من تأليفه المسرحي خارج هذين المجلدَين إلا مسرحياته الكبيرة، وأغلبها من النوع الذهني التي نشر كلًّا منها في كتاب خاص. ولكن العملية التي قام بها توفيق الحكيم تبدو مخلخلة الأساس؛ فمجموعة «مسرح المجتمع» يقول المؤلف إنها من وحي المجتمع المصري في أعوامه التي تمخضت عنها الحرب العالمية الأخيرة؛ أيْ إنها تمثِّل مرحلة زمنية محددة في تاريخ إنتاج المؤلف المسرحي، وذلك بالرغم من أنه لم يبدأ في كتابة المسرحيات الاجتماعية منذ تلك الفترة فحسب، بل ابتدأ كتابتها — كما رأينا — منذ مطلع حياته الأدبية؛ أيْ منذ كتب مسرحية «المرأة الجديدة» في سنة ١٩٢٣، كما أنه واصل كتابة المسرحيات الاجتماعية بعد سنة ١٩٥١، بل وألَّف بعد ثورة ٢٣ يوليو سنة ١٩٥٢ مسرحيات اجتماعية تصدر عن فلسفة اجتماعية بذاتها، وهي الفلسفة الاشتراكية التي نادت بها هذه الثورة، والتي تقدِّس العمل وتعتبره الوسيلة الوحيدة لكسب العيش، وكل هذا واضح في مسرحية «الأيدي الناعمة» التي كتبها توفيق الحكيم سنة ١٩٥٤، ونفس الفلسفة تَحدَبُ على الطبقة العاملة في الريف وتسعى إلى أن ترفع عنها غبن القرون وذلها، وتمكِّن لها من رد جشع الإقطاعيين وسيطرتهم التي كانت تُلقِي الفزع بل الوهم في نفوس أبنائها، على نحوِ ما صوَّر توفيق الحكيم نفسه في مسرحية «الصفقة» التي نشرها سنة ١٩٥٧.
وكان من الأفضل أن يضم «مسرح المجتمع» جميعَ مسرحيات المؤلف الاجتماعية القديمة، بما فيها الخاص بمشكلة المرأة، ومسرحيته الجديدة و«الأيدي الناعمة» ذات الفلسفة الاجتماعية المحددة والموجودة في مجموعة «المسرح المنوَّع»، الذي يضم أشتاتًا من المسرحيات في تاريخ إنتاجه دون أي ترتيب زمني أو موضوعي فني.
وعلى أية حال فإننا نعتقد أن خير تبويب ممكن للإنتاج المسرحي لتوفيق الحكيم هو تقسيمه إلى ما يمكن تسميته ﺑ «مسرح الحياة»، ثم ما يسميه هو ﺑ «المسرح الذهني» الذي برع فيه واشتُهر به وتركَّزت فيه أصالته، على أن تخرج مسرحياته الاجتماعية التي كتبها بعد الثورة من مسرح الحياة لنضعها فيما نسميه ﺑ «المسرح الهادف».