مطلوب حيًّا أو ميتًا!
لاحظ «أحمد» أن الشيروكي تفسح الطريق لسيارة «اللاند كروزر» وأن «اللاند كروزر» تنطلق بسرعة جنونية غير عابئة بالطريق ولا بمراقبة الرادار.
ولم تمر دقائق إلا ووجدوها تسير بجواره … وينفتح زجاج نافذة السائق ففتح «أحمد» زجاجه وقال له مبتسمًا: هل يمكنني تقديم المساعدة لك؟
السائق: نعم … فمعي مَن يُريد محادثتك.
وانفتح الزجاج الخلفي … ورأى «أحمد» رجلًا مسنًّا يجلس خلف السائق … فقلل من سرعة السيارة قليلًا حتى سار بجواره … فرآه يبتسم ويقول له: مساء الخير عليك.
أحمد: مساء الخير … أحقًّا تريدني؟
الرجل: نعم … فقد عرفت أنك شاب شجاع.
أحمد: وماذا يمكنني أن أقدم لك؟
الرجل: أنا أريد الرجل الذي يجلس بجوارك.
نظر «أحمد» إلى الرجل المُصاب وقال له: هل تعرفه؟!
المصاب: لا.
أحمد: إنك لم تخبرني ما اسمك؟
الرجل: برقوق.
أحمد: هل هذا اسمك حقًّا أم تُضللني؟
برقوق: لا … أقسم لك أنه اسمي!
التفت «أحمد» إلى «اللاند كروزر» وكان الرجل ينتظر نتيجة الحوار … فقال له «أحمد»: إنه لا يعرفك … فهل تعرفه؟!
الرجل: بالطبع!
أحمد: ما اسمه؟
الرجل: برقوق!
أحمد: ومَن أنت؟
الرجل: أنا أعمل لمصلحته!
أحمد: كيف وقد عرضتموه للقتل؟!
الرجل: هذا لم يحدث.
في هذه الأثناء انسحبت السيارة الشيروكي من الطريق … وعبرت الجزيرة الوسطى وانتقلت إلى الاتجاه المضاد … و«أحمد» يتابعها باهتمام.
فعلق الرجل قائلًا: دعك منهم.
وهنا صاح «برقوق» من الآلام قائلًا: إني أموت أيها الشاب.
فقال الرجل في ودٍّ ظاهر: هل ستتركه يموت؟
أحمد: ليس هذا شأنك … وإن لم تخبرني مَن أنت وماذا تريد … سأنهي هذا اللقاء حالًا.
صاح «برقوق» من الألم قائلًا: إن كان لديه حل لي فدعه يُقدمه.
وهنا احتد الرجل وقال في تهديد مباشر: إنه لا يريدك … وأنت لم تُفِده الآن … ونحن لن نتركك تعرِّضه للموت وفي هذه اللحظة … ظهرت سيارة شرطة تتبعها دراجتان بخاريتان … فانطلقت «اللاند كروزر» مبتعدة بعد أن قال الرجل المُسِن ﻟ «أحمد»: لن نتركه لك … فأعواننا على الطريق كثيرون.
وانطلقت في هذه اللحظة موسيقى تليفونه المحمول وعرف من شاشته الخارجية أن الطالب هو «عثمان» ففتح الخط وقال له: هل أرسلتم سيارة الطوارئ؟
عثمان: إني أحادثك منها.
أحمد: وأين أنتم الآن؟
عثمان: أنا أرى «اللاند كروزر» على مرمى بصري … ولكن من الاتجاه الآخَر.
أحمد: هل آتي إليك؟
عثمان: لا … توقف أنت على جانب الطريق … وسألحق بك أنا.
كان الطريق خاليًا … فانحرف «أحمد» انحرافًا حادًّا حتى غادر الطريق الأسفلتي … وسار لبضعة أمتار فوق الرمال قبل أن يُوقف السيارة … ويُطفئ محركها في انتظار حضور «عثمان» الذي لم يدعه ينتظر طويلًا. فها هي سيارة الطوارئ تُوغل في الرمال حتى تجاوزت «اللاند كروزر».
ومن خلفها كانت سيارة البوليس تتبعها … وما إن توقفت حتى نزل منها ضابط برتبة عقيد … فتقدَّم إليه «أحمد» وحيَّاه ثم قدَّم له بطاقته الأمنية … فرحَّب به وسأله عن سبب وقوفه في هذا المكان … وسأله أيضًا عن سيارة الطوارئ … وما الداعي لوجودها … فقدَّم له «عثمان» الذي أخرج بطاقته الأمنية هو الآخَر … وكان «برقوق» في هذه الأثناء يجلس مرتعدًا في انتظار أن يراه العقيد … وهو ما حدث … فقد سألهما عنه … وطلب أن يرى بطاقته الأمنية … ورغم أن «أحمد» أخبره أنهم في مهمة رسمية وأن «برقوق» عميلٌ لهما … لم يتردد … وأصر أن يتعرف عليه ويرى بطاقته الأمنية.
وعندما رأى إصابته … قال لهم: ألا ترون أن كل شيء هنا مريب!
أحمد: نعم … ولكني أخبرتك أننا في مهمة رسمية.
العقيد: هذا لا يبرر كل ما أراه … سيارة طوارئ … ومُصاب … وتعتيم أمني على إصابته … ووقوفكم في هذا المكان … وفي النهاية تقدِّمون لي بطاقات أمنية مشكوك فيها.
لم يحتمل «أحمد» طريقة الكلام … وصاح غاضبًا: بطاقات ماذا؟
ومثله «عثمان» الذي احتد عليه قائلًا: اطلب قيادتك وأخبرهم بما يجري … وستعرف مَن نحن.
ورغم كل ذلك فإن الضابط لم يستسلم … بل طلب اصطحاب «برقوق» في سيارته لعرضه على المستشفى العام … ثم أشار لجنوده … فترجلوا عن السيارة … وحضروا إليه مسرعين في خطوة عسكرية … ولكنها … مصطنعة!
نعم … هذا ما اكتشفه «أحمد»!
فهؤلاء ليسوا جنود شرطة … وبالتالي ليس هذا ضابطًا.
ورغم أن ما يجري هو تمثيل … فإن الجنود كانت لديهم بنادق يُشهرونها في وجه الشياطين … ولم ينتظر «عثمان» بل أرسل إشارة صوتية في صفيرٍ حاد … فانفتحت طاقة مستديرة في سقف سيارة الطوارئ … وخرج مدفع حديث ومن خلفه خوذة يرتديها قناص ذو ملامح جامدة … وحول أرجل الجنود … رقصت مجموعة من الطلقات … فأحدثت صفيرًا حادًّا … دفع الجنود للجري مهرولين غير عابئين بنداء «عثمان» أن يستسلموا وإلا تعرضوا للموت … ولا لنداء قائدهم بالتوقف … مما دفع «عثمان» للضحك وهو يقول للعقيد: أهؤلاء جنودك؟
وهنا أخرج «أحمد» قيدًا حديديًّا وقال له: أنت مقبوض عليك يا حضرة الضابط … ووضع في يده القيد ثم اصطحبه إلى سيارة الطوارئ … فرماه في مؤخرتها … وأمر عملاء المنظمة فحملوا الحافلة … ووضعوا عليها «برقوق» ثم عادوا به إلى سيارة الطوارئ.
وبعد أن فحصه الطبيب … قرر إجراء جراحة عاجلة لإخراج الرصاصة وإلا ستسبب له عجزًا دائمًا إذا تأخر خروجها.
نظر له «أحمد» متسائلًا: فاستطرد الطبيب يقول: وكأنما فهم ما يدور بذهنه: لن تذهب إلى أي مستشفًى فالسيارة مُجهَّزة.
أحمد: هل ستُجريها له أثناء عودتنا إلى المقر؟
الطبيب: لن نتحرك من هنا حتى أنتهي من العملية … لأن اهتزاز يدي يعني إصابة عصب مُهم قد يؤدي إلى شلل.
وهنا صاح الرجل قائلًا في فزع: لا … لا … نجريها هنا أرجوك يا دكتور.
وخضع «أحمد» لرغبة الدكتور. وكان عليه إعداد الموقع كله لمواجهة أية طوارئ تستجد.
فقال «عثمان»: إن وقوف سيارتنا وسيارة الطوارئ سويًّا هنا … قد يثير الشبهات.
عثمان: أوافقك الرأي … سأبقى أنا في سيارة الطوارئ، وعليك أنت اصطحاب «اللاند كروزر» إلى مكان آخَر غير بعيد عن هنا.
أحمد: ومَن سيعاون الجرَّاح أثناء إجراء العملية؟
عثمان: لدينا ممرضة ماهرة … وهي بكل المقاييس مفاجأة.
وهنا ظهرت «إلهام» وهي تقول: مفاجأة … أليس كذلك؟
ضحك «أحمد» من داخل قلبه … وطلب منهم سرعة البدء في إعداد «برقوق» للعملية تفاديًا للمضاعفات.
وحتى لا يثير وقوف السيارة انتباه المارين على الطريق … فقد قاد «عثمان» لعدة كيلومترات داخل الصحراء.
أما «أحمد» فقد قاد «اللاند كروزر» إلى حافة الطريق … ووقف يتابع عن بُعد كل ما يطرأ على المكان حتى يستطيع التصرُّف مُبكرًا.
ورغم أن الظلام خيَّم على المكان … فإنه لم يمنع الجرَّاح من البدء في إجراء العملية فسيارة الطوارئ مُزودة بمولد تيار كهربائي متطور … فمَن صمَّمها حسبَ حساب كل شيء إلا شيئًا واحدًا … هو هروب أحد الجنود المزيفين الذين كانوا في صُحبة العقيد … فقد كان من الخطأ تركهم دون متابعة.
لقد توغل هؤلاء الرجال في عمق الصحراء … وكمنوا في سكون حتى خيم الظلام وبدءوا كالثعالب يتحركون هنا وهناك … حتى عثروا على ضالتهم … سيارة الطوارئ … فأخذوا يطوفون حولها عن بُعد … ويتشممون أخبارها … فماذا يريدون؟!
إننا لو حاولنا قراءة أفكارهم الآن سنعرف أن لديهم قائدًا مقيدًا في مؤخرة السيارة ولديهم الرجل الأهم «برقوق» إنه رجلٌ بخمسين مليون دولار.
وهذا ثمن ما يملك من معلومات عن صفقة الآثار الكبرى … فلو أن هذا الرجل مات فسيتم إفشال القضية وإنقاذ كل مَن ذُكر اسمه فيها … ولو أنه عاش … فيستطيع الإجابة عن أسئلة كثيرة تهمهم عن مصادر الآثار في الداخل وكذلك أسواق الآثار بالخارج … وهي معلوماتٌ تفيدهم كثيرًا في العمل دون الحاجة لوسطاء.
إذن فهذا الرجل مطلوب حيًّا أو ميتًا!
وأول ما لفت نظر هؤلاء الجنود … أن كابينة القيادة كانت فارغة وبلا حراسة … وهي موقع جيد للحصول على ما يبغون … فببساطة يتم اختطاف السيارة بمَن فيها … وبالفعل تسلل أحدهم إلى كابينة قيادة السيارة تحت حماية بقية زملائه الذين كانوا يتحركون في الظلام كالقطط … وأخذ يبحث عن مفتاح إدارة المحرك فلم يجده فأخرج ما لديه من معدات … وحل التابلوه وأخذ يبحث بين الأسلاك التي ظهرت أمامه عن سلك كهرباء إدارة المحرك … فلم يصل إلى شيء … فجرَّب يُعرِّي سلكين وقام بتوصيلهما بواسطة مشترك معدني، فلم يتغير من الأمر شيء … فعمل على تعرية سلك ثالث وقام بتوصيله بأحد السلكين فأضاء نور الكابينة … ففصله مرة أخرى حتى لا يلفت نظر أحد من الشياطين … وعندما وصل بطرف السلك الآخَر … اهتز النور بداخل السيارة ما بين شدة وخفوت … فقفز بخفة من نافذة الكابينة … وزحف ليختبئ تحت السيارة.
خرج «عثمان» ليستطلع الأمر … فوجد أن الثعالب المختبئين في الظلام فرصة للفوز به وقد كان … فقد تكاثروا عليه … وما كاد أن يتغلب عليهم حتى خرج له المختبئ تحت السيارة … فسحبه من قدميه … وأسقطه أرضًا … وهم من فوقه يقيدونه ويكممونه ثم وضعوه في كابينة القيادة.
وكانت الخطوة التالية لهم هي الإفراج عن العقيد المزيف … كبيرهم … فقاموا بتفتيش «عثمان» وحصلوا منه على مجموعة الكروت الذكية التي بحوزته … وقاموا بتجربتها الواحد تلو الآخر … حتى تمكنوا من فتح باب المؤخرة … فأخرج أحدهم كشافًا ضوئيًّا وأخذ يتحرك بصوت خافت قائلًا: لقد أتينا يا زعيم … والآن … سوف تخرج إلينا لنعود سويًّا ومعنا «برقوق».
لن نسلمه يا زعيم للسلطات … وسنكوِّن معه عصابة تهريب كبرى … ودع الحكومة تنشغل بمَن لديها.
وما إن أضاء الكشاف وسط ضوئه داخل مؤخرة السيارة … حتى صفعته المفاجأة … وقبل أن يفيق منها … كانت قدم «عثمان» تنطلق صاروخًا في بطنه … فتكتم الصوت في صدره … وتطرحه أرضًا.