الأكثر خطورة!
عندما عاد الشياطين إلى المقر السري الكبير كان معهم «برقوق» فقد وعدوه أن يجعلوا موقفه جيدًا في القضية … هذا في حالة إذا ما تعاون معهم … أما العقيد المزيف وجنوده … فقد قاموا بتسليمهم للشرطة بتهمة محاولة السطو عليهم واختطاف سيارة الطوارئ وكذلك اختطاف «برقوق».
وفي تمام الساعة الثامنة من مساء نفس اليوم … عقد رقم «صفر» معهم اجتماعًا مهمًّا في قاعة الاجتماعات الصغرى عبر شبكة الإنترنت … وهي شبكة الاتصالات الداخلية للمقر عبر الكمبيوتر … وبالطبع لم يحضر «برقوق» هذا الاجتماع.
– مساء الخير عليكم … كانت تحية رقم «صفر» قبل أن يستطرد قائلًا: كانت مصادفة مثيرة … أن تُلقي العصابة ﺑ «برقوق» في طريق «أحمد» في الوقت الذي كلفتنا فيه رئاسة المنظمة بالبحث وراء ذيول أكبر عصابة لتهريب الآثار في تاريخ «مصر».
إن رءوس هذه العصابة وراء القضبان يُحاكَمون … ليس كلهم في الحقيقة … فهناك بعض الشخصيات المهمة منهم الآن خارج «مصر» هاربون … وهؤلاء سوف نقوم بعملية خاصة لهم إن لم يتمكن البوليس الدولي من القبض عليهم.
أما الموجودون في الداخل فهم الأكثر خطورة … إنهم العالمون بمواقع الآثار المدفونة … والخبيرون بطُرق التفتيت والوصول لها بعيدًا عن أعين رجال الأمن وهؤلاء لا يضيرهم القبض على تاجر آثار كبير أو صغير … فالطرق لديهم كثيرة ومفتوحة لمزيد من الأسواق وصالات المزادات.
لذلك كان وقوع «برقوق» بين أيدينا مكسبًا كبيرًا لنا.
إن «برقوق» هو دليلنا لأوكار هؤلاء الخائنين الذين يخونون تاريخ هذا البلد العظيم … ويبيعونه للأثرياء من تجار المخدرات والسلاح.
لقد أخبرنا «برقوق» أن أحد الجبَّانات التي فرَّغها اللصوص من محتوياتها من المومياوات والتماثيل والقلائد … تحولت إلى قلعة تحت الأرض … لها الكثير من المنافذ … وبها الكثير من الدهاليز … وتكتظ بأصنافٍ شتى من الأسلحة الخفيفة والثقيلة والقنابل اليدوية والمواقع الآلية … إن اقتحام هذه القلعة لا يحتاج للقوة بقدر ما يحتاج لدهاء … ذلك أنه من الممكن أن تحتوي الجبَّانة على آثار تتعرض للتدمير أثناء الهجوم … وهذا خطيرٌ للغاية.
أيضًا لا نريد أن يهرب منهم أحد لأن هذا معناه ميلاد عصابة جديدة … لأن كل واحد فيهم رأس كامل بما يحويه من معلومات … ولن يعجز عن صُنع جسد يضم آخَرين له كأعوان.
أيضًا لا نُريد أن يُصاب أحدٌ منكم بأذًى … ولا نريد ﻟ «برقوق» أن يكون ضحية … بل نُريد له أن يبدأ حياته معنا، وأن نساعده على إسقاط كل التهم المنسوبة إليه … ونعينه على بناء حياة جديدة بكل مقوماتها … فيكفي ما سيقدمه لنا من عون … كإثبات لشعوره بالندم ورغبته في التطهر.
أعِدُّوا الخطة وأبلغوني بالتطورات … وأعدكم أني سأُقدِّم للخطة التي تحوز قبولكم جميعًا … كل الدعم … وفقكم الله إلى إنجاح هذه العملية … إلى اللقاء!
ما إن اختفت الصورة المُشفرة لرقم «صفر» من على الشاشة … حتى صاحت «ريما» قائلة: لنعقد اجتماعًا.
فنظر لها «عثمان» في دهشة مصطنعة وقال: نعقد ماذا … ألسنا في اجتماع؟!
ابتسم «أحمد» … وفي محاولة منه لنزع فتيل الصراع الذي أوشك أن يحتدم بين «ريما» و«عثمان» قال: بالفعل الاجتماع مُنعقد ومَن لديه أي تصوُّر مُهم فليطرحه فورًا.
لم ترفع «ريما» عينيها عن «عثمان» … فقد بدأ هو بمشاغبتها … فسألها «أحمد» ليُنسيها ما جرى قائلًا: أشعر أن لديكِ شيئًا تريدين إخبارنا به يا «ريما»؟!
التفتت إليه «ريما» قائلة: نعم … أليس علينا أولًا إعداد ملف كامل للعملية يحوي معلومات كافية عن موقعها وطبيعة المكان وغيره.
أحمد: نعم … نعم … يجب تحديد موقع الجبَّانة وهذا بمعاونة «برقوق» وسيذهب معه أحدنا لزيارة المكان ورؤيته رؤيا العين.
فتدخلت «إلهام» مُعلنة بقولها: ولكن يجب أن يتم ذلك خفية … دون أن يشعر بنا أحد.
فقال «أحمد» يطمئنها: بالطبع سيكون خفية بالذات إذا كانت زيارة المكان مُهمة بالنسبة لكل المجموعات التي ستشترك في المهمة.
عثمان: أتقصد أننا سنزورها تباعًا؟
أحمد: لسنا كلنا بالطبع.
عثمان: أعرف أنك تقصد مجموعة العمل!
أحمد: نعم.
عثمان: إذَن فعلى هذه المجموعة دراسة طبوغرافية المكان وطبيعة المجتمع المحيط به … ومناخه … لأنها عناصر مُهمة في أية معركة.
وأخيرًا فجَّرَ «مصباح» مفاجأته المثيرة للجدل … باقتراحه الذي عرضه قائلًا: أنا أرى أن الاحتكاك بهم في معركة محدودة … سيكشف عن إمكانياتهم.
أحمد: تقصد عتادهم العسكرية؟
مصباح: وأيضًا مهارتهم في استخدامه … ومدى استعدادهم للدفاع عن الموقع.
اعترض «بو عمير» قائلًا: لا … لا … لا داعي لكشف أنفسنا لهم الآن … فعنصر المفاجأة سيكون مُهمًّا في حسم هذه المعركة لصالحنا.
ونظر «أحمد»، ﻟ «مصباح» ينتظر رده على ما قاله «بوعمير» … وكان «مصباح» جاهزًا بالإجابة فقد قال: لن نجعلها معركة لأجل الآثار، بل سنخلق سببًا للعراك اعتياديًّا … يُمكنهم أن يقابلوه في أي مكان ولأي سبب.
ولكن «بو عمير» كان مُصرًّا على رأيه في أن هذا الصراع الجانبي لا داعي له لأنه سيكون كالمصل الواقي يُثير انتباه جهاز المناعة في الجسم … فلا يكون هجوم الأجسام الُمسببة للمرض عليه مفاجئًا له.
وكان هذا أيضًا رأي «إلهام» التي قالت: أنا أيضًا أرى أنه لا داعي لأن نخسر عنصر المفاجأة … فهو حليفٌ مهم … سيُعيننا على الفوز في هذه المعركة.
أصبحت الرؤية واضحة أمام «أحمد» … فقال لهم: الآن لكي نعدَّ الخطة التي طلبها منا رقم «صفر» علينا مُعاينة الموقع.
غدًا صباحًا سيتحرك «عثمان» و«مصباح» و«برقوق» لزيارة المكان.
عثمان: أنا أرى أن ينضم إلينا «برقوق» لأنه لديه معلومات تهمنا.
أحمد: نعم يا «عثمان» يُمكنك استدعاؤه.
خرج «عثمان» من القاعة وغاب لدقائق ثم عاد ومعه «برقوق» … وما إن دخلا … حتى قدَّمت «ريما» له مقعدًا … واتخذ «عثمان» مقعده.
وما إن نظر «أحمد» إلى «برقوق» حتى رفع يده له بالتحية … فحياه «أحمد» مبتسمًا وقال له: غدًا صباحًا ستكون دليلًا لنا في رحلتنا إلى الجبَّانة التي أخبرتنا عنها.
برقوق: هل ستهاجمونها؟
أحمد: ليس الآن … ولكن هذه المرحلة أهم من مرحلة الهجوم … ونحن نعتمد على وعدٍ منك بأن تكون صادقًا معنا.
انزعج «برقوق» مما قاله «أحمد» وقاطعه قائلًا: إن مصلحتي عندكم يا سيد «أحمد» … وأنا لن أنسى أنك أنقذتني من الموت ومن العجز.
أحمد: هل لك ملاحظات على الإعداد للرحلة؟
برقوق: أولًا سنحتاج لسيارة نقل … وتصريح باستعمال متفجرات.
ابتسم «أحمد» … ما هذا الطلب العجيب؟! وسأله قائلًا: تصريح باستخدام متفجرات؟ كيف؟
ومَن الذي سيوافق عليه ومن أين أحصل عليه؟
وداخل «برقوق» شعور بأنه الأفضل … لأنه يعلم ما لا يعلمون … فعلا صوته وهو يقول: يا أستاذ «أحمد» إنها متفجرات تُستخدم في تفجير الجبال للحصول على الحجر الجيري والرخام … وهي عملية تتكرر كل يوم عشرات المرات في عشرات المواقع.
اعتدلت جلسة كل الحضور … وأنصتوا في اهتمام وفي إعجاب بهذا الرجل الضئيل الجسم … الكبير العقل جدًّا … وكما قال «عثمان»؛ الداهية … فقد قال له: أكمل يا داهية!
ضحك «برقوق» من فرط سعادته وعاد يُكمل قائلًا: يا أستاذ «عثمان» المكان هناك مليءٌ بالعيون المراقبة والراصدة لكل مَن يمر أو يدخل … أو يخرج منه … ويجب أن يكون لنا مُبرر معقول للذهاب إلى هناك.
فخرج «أحمد» عن صمته وقال مُصدقًا على كلامه: أنا أرى أنها خطة جيدة للبقاء في المكان لفترة زمنية معقولة والتحرك بحرية.
فصاح «برقوق» مُحذرًا بقوله: لا … التحرك بحرية لا … لن يتركوا أحدًا يتحرك بحريته … وقد يُعرضنا هذا للخطر.
فقاطعه «أحمد» بقوله ليُطمئنه: أنا لا أقصد ما فهمته … والآن عليك اختيار اثنين من هنا ليذهبا معك.
أدار «برقوق» رأسه يمينًا ويسارًا … يفحص بعينيه الشياطين اﻟ «١٣» الجالسين حوله … ثم أشار بكل يده عندما وقع بصره على «مصباح» ثم قال: هذا أولهما.
أحمد: لماذا؟
برقوق: لأن ملامحه هي نفس ملامح أهل البادية.
ومرةً أخرى أدار رأسه يُمنةً ويُسرةً ثم عاد وربت بيده على ساق «عثمان» الجالس بجواره وقال: والأستاذ «عثمان» هو ثالثنا.
فعقَّب «أحمد» موافقًا بقوله: سيذهب معك «مصباح» و«عثمان» فمتى ستتحركون؟
برقوق: قبل الفجر بساعة!
أحمد: أليس هذا مبكرًا؟
برقوق: إن الموقع قُرب العلمين … ونريد أن نصل هناك مبكرًا!
أحمد: إذَن عليكم أن تستعدوا … وفقكم الله!
كان «عثمان» أول مَن غادر قاعة الاجتماعات ومن خلفه كان «مصباح» مُمسكًا بيد «برقوق» الذي توقف فجأة عن السير قائلًا: إلى أين نحن ذاهبون؟
توقف «عثمان» أيضًا … والتفت إليه وهو يقول: سنتناول شايًا ساخنًا … ونتحدث لبعض الوقت ثم ننام استعدادًا لرحلة الغد.
فاكتست بهجة «برقوق» بالدهشة وهو يقول لهما: والسيارة النقل … وملابسكم وملابسي مَن المسئول عنها؟
عثمان: إدارة المقر ستقوم بتجهيز كل شيء!
صاح «برقوق» غاضبًا يقول: أنا ليس لي شأنٌ بإدارة المقر … يجب أن أرى كل شيء بنفسي.
تدخل «مصباح» مُحاولًا إنهاء الموقف فقال له: ماذا تريد أن ترى؟
برقوق: السيارة النقل والجلباب الخاص بي وأيضًا الخاص بكلٍّ منكما.
فقاطعه «عثمان» قائلًا: سترى كل شيء بنفسك الآن.
واصطحبه إلى إدارة المَهمات … وفي الجراج الخاص بها … أشار «عثمان» على السيارة النقل شريكتهم في العملية … فصاح «برقوق» من فرط إعجابه بها قائلًا: يا لكم من شياطين!
ضحك «عثمان» لهذا التعبير وأيضًا للتعبير الذي ظهر على وجهه وهو يتفحص السيارة وقد كتب على مؤخرتها كثيرًا من العبارات التي يكتبها السائقون على سياراتهم.
وعلَّق في مرآتها الأمامية كفًّا آدمية مفتوحة الأصابع وغيرها الكثير وتنفَّس «برقوق» بعمق وهو يقول: الآن أنا مطمئنٌ ويُمكنني أن أنام.