حصان طروادة!
في صباح اليوم التالي … وقبل الفجر بساعة زمن مثلما طلب «برقوق» … كان الثلاثة عمَّال يركبون سيارة النقل … ولديهم من المعدات ما يكفيهم لإنهاء المهمتين وعندما اقتربوا من الموقع بعد مسيرة ساعة … أشار لهم «برقوق» على هضبة تتوسط طريق غير ممهَّد. وقال لهما: هذه هي الجبَّانة.
وبدون مقدمات سمع أصوات دقات عنيفة على أرضية صندوق السيارة فنظر من الزجاج الخلفي … فرأى مجموعة من الرجال يرتدون الزي البدوي … يطلبون منه التوقف … وقد افترشوا أرض الصندوق.
فأوقف السيارة «عثمان» في حركة مفاجئة … فألقاهم جميعًا على ظهورهم … وقفز «برقوق» ومن خلفه «مصباح» مغادرَين السيارة … وبقي «عثمان» خلف عجلة القيادة.
ومن الخلف قفز أربعة رجال يُمسكون بعِصِيٍّ غليظة … ووقفوا متحفزين يسألون الأصدقاء … فقال أحدهم: مَن أنتم؟
فرد «برقوق» بعصبية قائلًا: عُمَّال يا ابن عمي … هل حدث شيء؟
فقال آخر: وما الذي أتى بكم إلى هنا؟
برقوق: الحجارة … جئنا لنحصل على الحجارة!
فقال الرجل الأول مرة أخرى: وهل يوجد هنا محجر؟
فصاح «برقوق» في غضب: إن لدينا ترخيص من المحافظة …
فقال له في عدم تصديق: كيف تسمح لكم المحافظة بالتفجير في منطقة آثار؟
برقوق: وهل أنت حارس تابع للدولة؟
وهنا تدخَّل ثالثهم يقول في غلظة: لماذا تتحدث أنت وحدك ولا يتحدث هذا الواقف إلى جوارك؟
وفي دهاء رد «برقوق»: أنا كبيرهم يا ابن عمي!
وفي هذه اللحظة قفز «عثمان» مغادرًا السيارة وهو يصيح غاضبًا: ما هذه العطلة … هل ستنهون هذه المهمة أم نعود؟
فقال «برقوق» يسترضيه: اصعد أنت إلى السيارة ونحن قادمون خلفك.
فقال كبيرهم ولم يكُن قد تحدث بعد: لن يصعد أحد إلى السيارة، ولن يتحرك أحد منكم مترًا بعد ذلك … وستعودون من حيث أتيتم.
وحاول «برقوق» أن يسترضيهم، فلم يسمح له كبيرهم بالكلام … بل أمرهم بالعودة، وبدون سيارة.
– ماذا؟
قالها «برقوق» صارخًا … فدفعه أحدهم بعصاه في صدره … فألقاه على ظهره وهو يقول له: ما قاله المعلم أوامر لا تُرد!
فصاح «عثمان» مُستنكرًا: إنها سيارتي … وأنا لم أفعل لكم شيئًا.
فقال الرجل مرَّة أخرى: ستعودون سيرًا على الأقدام.
وهنا تدخل «مصباح» وقال لهم: ألستَ من قبيلة «أولاد علي»؟
فردوا في صوت واحد: لا … لسنا من أولاد «علي» ولا «محمود»!
فكتم «عثمان» ضحكة وهو يرى رد فعل «مصباح» على أول محاولة له.
وبعد جهد شاق … وافق الرجال على إخراجهم من المنطقة بالسيارة … ثم تركوهم بعد ذلك يبحثون عمَّن يعود بهم إلى المقر.
وبالطبع لم يُلاقوا مشقة كبيرة في ذلك فقد قام «مصباح» بالاتصال بالمقر فأرسلوا لهم سيارة جيب … ما إن رآها «عثمان» حتى صاح قائلًا: لا لن أركب.
فقال له «مصباح» ضاحكًا: لماذا يا «عثمان» … لقد حضرت السيارة سريعًا.
وفي الطريق إلى المقر قام «عثمان» بالاتصال ﺑ «أحمد» وسأله عن وصول السيارة بهذه السرعة … فقال له: السيارة خرجت من المقر بعد خروجكم بدقائق.
فتساءل «عثمان» في دهشة قائلًا: لماذا يا «أحمد» … هل كنت تعرف أنهم سيسرقون السيارة منا؟!
أحمد: كنا نتمنى ذلك.
كان التليفون مفتوحًا يسمعه كلُّ مَن بالسيارة. فصاح «برقوق» مذهولًا: أكنتم تعِدُّون السيارة للسرقة؟!
وهنا صاح «أحمد» في سعادة قائلًا: يا لك من زكي يا «برقوق»! إنني جد سعيد لأنني أتعامل معك!
فردد «عثمان» العبارة وهو يفكر قائلًا: كنتم تعِدُّون السيارة للسرقة … معنى هذا أن السيارة مُلغمة بكاميرات التصوير الدقيقة وأجهزة التنصُّت.
فأكمل «أحمد» قائلًا: والمُعدات التي كانت على ظهر السيارة هي الأخرى مُجهزة تجهيزًا باهرًا لنقل كل كلمة تصدرُ في المكان … وأيضًا أجهزة إطلاق إشارات … حتى يُمكننا تتبُّعها ومعرفة مكانهم.
وهنا صاح «مصباح» قائلًا: المهمة الآن أصبحت يسيرة للغاية.
أحمد: هي لم تكُن يسيرة إلا بفكرة عبقرية … ستنفجر لدى أحدكم بين لحظة وأخرى … وأنا في انتظارها … وفي انتظاركم الآن لأروي لكم شيئًا مسليًا.
كانت السيارة قد وصلت إلى حرم المقر … عبر ممرات سرية طويلة … ومنها انتقلت إلى الجراج الداخلي … ومنهم انتقل ثلاثتهم إلى القاعة الكبرى حيث كان يجلس «أحمد» بين مجموعة الشياطين يشاهدون على شاشة البلازما العملاقة فيلمًا مُسليًا أطلق عليه «أحمد» اسم أحد الساذجين … وكان هؤلاء الساذجون هم سارقو سيارة النقل … إنهم سعداء جدًّا بها … ويعملون بهمة ونشاط على نقل ملكيتها لكبيرهم … وقد ضحك الشياطين كثيرًا لهذا الوصف … فقد كان يُعبِّر عمَّا يضعونه بالسيارة تعبيرًا دقيقًا.
فقد خلعوا لوحة أرقامها … وقاموا بتثبيت لوحة أرقام جديدة … وشرعوا بهمة ونشاط في إعادة دهنها لتغيير لونها.
ولم يكتفِ «أحمد» بالمشاهدة فقط … بل قام بتحميل كل ما يراه على ذاكرة الكمبيوتر كدليلٍ عليهم في حالة ما إذا احتاج إليه.
كل هذا جيد وجميل … ولكننا حتى الآن لا نعرف كيف سنقتحم الجبَّانة … فالموقف هناك في غاية الخطورة.
وهنا قالت «إلهام» وفي صوتها وقار الحكمة: نحن نحتاج إلى «حصان طروادة»!
– وما حصان «طروادة» هذا؟
هكذا سألهم «برقوق» فأجابته «إلهام» قائلة: «حصان طروادة» هو خدعة لجأ إليها اليونانيون الآخيون بعد عشر سنوات تقريبًا من الحصار المستمر لبلدة «طروادة» في «الأناضول» دون أن يتمكنوا من اقتحام أسوارها المنيعة … فقاموا بإنشاء حصان خشبي هائل … اختبأ فيه الجنود الآخيون وعندما استيقظ الطرواديون وتبيَّنوا أن سفن أعدائهم قد أبحرت … اعتقدوا أن الحصان دُمية هائلة تمشي على عجل … فأدخلوه «طروادة» فخرج منه الجنود وقاموا بنَهْب «طروادة» وإحراقها وكان ذلك في القرن التاسع قبل الميلاد.
أثناء حديث «إلهام» … توقف الجميع عن الكلام … إنه حديثٌ شيِّق … مهم … وبمجرد أن توقفت عن الكلام قال لها «أحمد»: هذا هو الإلهام … وهذه هي العبقرية.
فعلَّقت «ريما» بخفة دم قائلةً: إذا أردت معرفة الإلهام فابحث عن «إلهام».
ابتسم «أحمد» وقال: نعم … حقيقي … فما قالته «إلهام» هو وسيلتنا لدخول الجبَّانة.
وفي تواضع جم قالت «إلهام» معلقة: أنا لم آتِ بجديد … فقد فعلت أنت ذلك بإدخال الكاميرات وأجهزة التنصُّت عبر السيارة النقل.
أحمد: لا يا «إلهام» حصان «طروادة» لم ينقل المعدات … بل نقل جنود … ونحن نريد أن ننقل جنودنا إلى داخل الجبانة، مثلما فعل اليونانيون!
فصاح «عثمان» ليعلن عن الخطوة التالية قائلًا: إذن فنحن نحتاج إلى حصان «طروادة»!
وهنا قال «برقوق» معترضًا: تريدون إدخال حصان خشبي يحمل رجالًا إلى الجبانة؟
ولم ينتظر إجابتهم … بل أكمل قائلًا: باب الجبانة والدهاليز والممرات لا تسمح إلا برجل متوسط الطول بالسير فيها … فقال «أحمد» مبتسمًا: إذَن فهذه مواصفات الحصان … إنه قصير!
برقوق: وغير مكتنز فالممرات ضيقة.
أحمد: سندخل الحصان نائمًا!
صفَّق «عثمان»: وهو يقول: ما تقومون به رائع … أشعر أننا سنصل لمواصفات نهائية لحصان «طروادة».
وهنا علق «مصباح» قائلًا: تقصد حصان الجبانة.
كان «برقوق» شاردًا بعيدًا … وظن «عثمان» أنه وصل إلى تصور لفكرة الحصان … فقال له: أشعر أنك وصلت إلى الحل يا «برقوق»!
أفاق «برقوق» من شروده وقال: لست مع الحصان الآن!
شعر «أحمد» بالقلق لأجله … فقال يسأله: شاردٌ مع مَن إذَن يا «برقوق»؟
حاول «برقوق» أن يُراوغ إلا أنه استسلم في النهاية وقال له: أشعر أنهم عرفوني يا أستاذ «أحمد».
أحمد: مَن يا «برقوق»؟!
برقوق: سارقو سيارة النقل!
اقتربت منهما «إلهام» وسألته قائلة: ولماذا تقول ذلك يا «برقوق»؟!
شرد «برقوق» بعينيه وهو يقول: أحدهم نظر لي متوعدًا.
تدخل «عثمان» في الحديث قائلًا: هل عملت معهم يومًا ما؟
برقوق: إن لي علاقة بأكثر تجار الآثار في «مصر»!
وقال «أحمد» يُطمئنه: لن يضروك بشيء وهم بين أسوار السجون.
عثمان: ولماذا القلق وهم لا يعرفون عنك شيئًا يُسيء لك عندهم.
برقوق: من الممكن أن يكونوا قد تتبعونا.
أحمد: دون أن نعرف؟
برقوق: نعم … فهم متمرسون!