وانبلج الفجر!
أول مارس ١٩٠٤ هو عيد ميلاد الزعيم سعادة.
تشرق شمس أول مارس، وأنا أكثر احترامًا لسعادة مني له في مثل هذا اليوم من السنة الفائتة.
ولو أنه قيل لي أي عمل في حياتك أنت أشد فخرًا به من أي عمل سواه، لأعلنت فورًا من غير مفاضلة بين عمل وعمل أن مفخرتي في الحياة هي أنني أحد العاملين في النهضة القومية الاجتماعية.
وسيظل مقياسي في عيني نفسي ما أنتجه من أجل هذه الحركة.
ينتظم البعض في حزب فرارًا من غرم أو رجاءً لمغنم، ما كنت هاربًا من شيء حين اعتنقت عقيدة سعادة.
أما الغنم — كما شاعت مفاهيمه — فهذه النهضة لا تعد إلا بالحرمان.
وقد يقبل البعض على منظمة بسحر مغناطيس قائدها الشخصي، وأنا لم يتسنَّ لي الاجتماع بالزعيم إلا مرتين، أولاهما كانت غايةً في الاختصار.
ولرب فانٍ آمن بمن يعده بالخلود والسعادة بعد الموت، وسعادة لم يكن نبيًّا، وما كفر بدين، بل قال إن العبادة وأمر الدين ليسا من خصائصه، بل هما من اختصاص الفرد، له أن يمارسهما، كما أرادهما الله، مناقب ومحبة.
ليس لسعادة تقديس خاصٌّ في نفوسنا كشخص، بل هو كأي منا يكتسب التقدير والاحترام على قدر إنتاجه؛ فنحن إذ نكرمه نقدِّس أعماله وأقواله.
لا يهمنا من أمره إلا ما بشَّر به من إيمان، وما فعلت تعاليمه في قلوب تلامذته، وما تجسدت فيهم من أعمال.
وليست له في عيوننا مكانة خاصة إلا لأنه كان — ولا يزال — القومي الاجتماعي الأمثل.
يزيد احترامه في عيني كل يوم؛ لأنني أتفهمه كل يوم، وأستشعره بالقوة التي أطلقها كلَّ يوم.
لقد درست الكثير، واختزنت الكثير، وأنتجت الكثير، وجاء هذا الغائب فأصبت منه ومن تلامذته في لحظة علم ثقافةً هزلت عندها شهادات المدارس ووثائق الحياة.
إنه يوحي إليَّ الاحترام، هذا الرجل الذي أيقظ احترام الذات في صدور مواطنيه، وجعلهم يستشعرون بالقوة والكرامة، هنالك حيثما كان الضعف، وكانت المهانة.
أعرف عن قادة استثاروا الحيوية بالعاطفية، أو بالبغضاء، أو برشوة الوعود، وقادة عبئوا جهود أمة في أزمة مخاطر أو لحظة حاسمة.
ولكنني لا أعرف قائدًا غير سعادة، استثار شعبًا من هناء الميضعة، وجند مناضلين في أمة تعوَّد مواطنوها معايشة النظام المغلوط، وألفوا ذله، واطمأنوا إلى بؤسه.
لا أعرف سواه من اهتاج زوبعةً في سبيل عقيدة ترتكز على رصانة العلم.
إنه لم يستثر طبقةً على طبقة، ولا رسمل حركته بالتحريض، ولا فتح بوابته للمطرودين عن أعتاب سواه، بل استنفر جنودًا، وكرز بالحق والخير والجمال، وبالحب يغمر أفراد أمة كلهم فيها مواطنون.
إنه لم يَعِدْ تلامذته بالمغانم، بل علَّمهم أن يتغذوا بالجوع من معجن الاضطهاد.
لذلك لم يهرع إليه إلا الشريف المعطاء.
إنه نهض بالفرد إلى الصعيد الأسمى والأمجد حين علم الفرد كيف يرقى بالمجتمع، ويحيا متفانيًا فيه.
لكل من رفقاء الزعيم ميلادان؛ أحدهما، أول مارس.