نجية وانفلتت
هذا الشعر خلق لينشد لا ليُنْقَد.
جمال له روعة تخرس الألسنة، وبهاء يحسُّ المرء أنه من التجديف محاولةً وصفه أو تحليله.
امدح، لا تخف! فلن تتهم نفسك بالغلو، مثل هذا الفن لا تليق به إلا التسابيح.
هي الموسيقى، والإحساس المرهف، والبلاغة الطليقة، تلتقي مرةً كل جيل، فتتآلف وتتحالف، وتبلغ رقمًا قياسيًّا جديدًا، فتراها هناك على ذروة الذروة، في سعيد عقل، وتحس — وهذا مقياس العظمة — حين تتغنى بشعره أنك معه هناك — في الذروة — تتفيأ أهداب رندلي وتداعب جدائلها.
وبين الكاتب الواقعي والشاعر الرمزي عداء خفي.
يقول هذا: «ما شأن أديب يستوحي قرقعة عجلات الترامواي، وطرطقة السنكري، ويستلهم صليل ملعقة على صحن؟» ويسخر ذاك مستفهمًا: «ما معنى غد البلبل» و«خليج القمر» و«شط الظنون»؟ حدثني إذن عن «خيبة البندورة»، و«طموح البسكلات»، و«نبل المجرفة».
وينفلت عن الجموع سعيد عقل، فتصيح: «الله! الله!» ما الرمزية؟ هي الواقعية تجنحت وأبت أن تكتسي، وما الغموض والإبهام؟ هو الوضوح يترنح، وتذكر — بسبب شعر سعيد عقل — أن أنبل ما في الحياة وأعمقها هو مبهم غامض، واسمه الله.
بعد أن يصحى الناس من السكرة الأولى في قراءة رندلي، سيفطنون إلى أن سعيد عقل قفز — بشعره لا بنثره — إلى الضفة الثالثة من نهر اللغة. يسألونك هل على الفنان أن ينحدر إلى مستوى العامة؟ أقول إن المبدع يرتفع إلى صعيد العامة، وهذا الخلاف جاءنا في شعره باللغة العادية التي نريدها. أملك نفسك بعد الرجفة الأولى، وأَعِد الترنم بالأبيات تَرَ أن تلك الألواح السابحة بين الغيوم والنجوم تشدها إلى الأرض أسلاك، وأن ميكانيكية اللغة العامية قولبت ألوانها.
ليس لنا أن نصفك يا «رندلي»، ولكن لنا أن نعري الرءوس وننحني وفي العيون دموع فخر وإعجاب.