كوب قهوة
غادرت الآنسة لوفابل جريندلوالد في الحادي عشر من سبتمبر، قبل يوم من الموعد الذي كانت قد حددته. كانت السيدة فورس هي السبب غير المباشر في تغيير خطتها. بعد رحيل بكنجهام، لم يكن هناك رجال غير مرتبِطين في الفندق، باستثناء القس. فعندما تأكدت من حقيقة أن له زوجةً مريضة في الدير، قررت السيدة فورس الذهاب إلى مكانٍ آخر.
قالت: «قد نجرب الذهاب لساحل دلماسية. لقد حصلت على قسط راحتي بالفعل، لذا يجب ألَّا أكون أنانية. أوليفيا تريد بعض الحياة الاجتماعية مرة أخرى. في كل الأحوال، سنذهب إلى مكانٍ أنيق.»
لاحقًا علَّقت الآنسة لوفابل قائلةً لفيفا: «آمل أن تلتقي برجلٍ لطيف. إنها من النوع المهمَل والتي يمكن أن تكون أفضلَ زوجة.»
كانت الآنسة لوفابل دائمًا ودودةً فيما يتعلق بموضوع الزواج لأي شخص غيرها، لكن فيفا لم تشاركها حماسها.
فقالت: «لا أمل لها. إنها لا تتمتع بأي سحر بالتأكيد. ينبغي أن أبدأ العمل على وجهها بإزالة أسنانها الأمامية.»
شهقت الآنسة لوفابل وقالت: «لكنَّ أسنانها مثالية. حتى لو كانت بارزةً قليلًا؛ فإنها تضفي على وجهها شخصيتها.»
«لكنها توحي بأنها شيء يُؤكَل به.»
«وفيمَ تستخدم الأسنان لغير ذلك؟»
«لنبتسم بها. وميض اللون الأبيض يوفر التبايُن مع أحمر الشفاه. كما أنها ضرورية أيضًا لدعم هيكل الوجه.»
بحلول هذا الوقت، اكتشفت الآنسة لوفابل أن فيفا ليس لديها رُوح دعابة. عندما تذكرت تقدير بكنجهام المادح لصفاتها، تساءلت إن كان هذا يمثِّل مصدرَ جذب آخَر في رأيه.
وبعد أن غادر آل فورس جريندلوالد، صارت فيفا تمنح الآنسة لوفابل رفقتها الحصرية. كان هدفها هو رعاية ليدي بونتيبول في المستقبل، الأمر الذي كانت تعتبره دعايةً لا تُقدَّر بثمَن.
أوضحت قائلةً للآنسة لوفابل: «إذا ضمنتِ ملكة النحل، سيتبعها السِّرب.»
اعترضت الآنسة لوفابل قائلة: «السرب كله من النحل العامل. لا يوجد وقت لتجميل الوجوه في مجال صناعة العسل. فضلًا عن ذلك، أخبرتكِ بالفعل أنني لا أملك أيَّ تأثير على ليدي بونتيبول.»
«أنتِ متواضعة جدًّا. لا عليكِ. فقط فكِّري في الأمر.»
وبدلًا من اتباع نصيحتها، أصبحَت الآنسة لوفابل مصابةً بشيء من الدبلوماسية السائدة؛ حيث حاولت إقناع فيفا بالانضمام إلى آل فورس.
فقالت لها: «يجب ألَّا يُهدَر شبابُكِ وتُهدَر جاذبيتكِ الشديدة في هذه البرية.»
لكن للأسف، أبدَت فيفا صلابةً في مواجهة هذا المقترح.
فقالت: «لقد أمر طبيبي بثلاثة أسابيع من الراحة والهدوء التام لأعصابي. لذا سأبقى ثلاثة أسابيع لا تقِلُّ يومًا … كلما كنت أجرب علاجًا جديدًا للوجه، كنت دائمًا ما أتبع الصيغة بأمانة، حتى إن تعارضتْ مع تقديري.»
سألت الآنسة لوفابل، وهي تحدق بتشكُّك في وجه فيفا رابط الجأش تمامًا، والذي رأت بشكل مبهم أنه يشبه صَدَفة مزخرفة: «هل قلتِ: «أعصاب»؟»
«نعم. نتيجةً للإرهاق. فقد تركتْني إحدى فتياتي لتنشئ عملًا لنفسها. في الواقع كنت أستلقي وأظلُّ مستيقظة وأتساءل إنْ كانت ستأخذ أيًّا من عملائي. هذا سيخبركِ عن حالة أعصابي.»
«لماذا لا تجمعي بين عملكِ واهتمامٍ آخر؟»
«سأفعل ذلك. أنوي الزواج.»
كانت خطة فيفا مزيجًا دقيقًا من الضراوة واللباقة، بحيث لم تكن الآنسة لوفابل ندًّا يضاهيها. وحيث كانت طيبة القلب جدًّا لدرجةِ ألَّا تصارحها بقسوة؛ فقد تخلَّت عن محاولاتها للذهاب في جولاتٍ ونزهات طويلة بمفردها.
فهمستْ للجبال قائلة: «في المرة القادمة.»
لكنها لو تمكنتْ من التخلص من مرافقتها، لكانت وجدت رفقة أخرى. ذلك أن الزوجَين أمور كانا يتعقبانها، يتحيَّنان فرصةً لتجربة تلك التكتيكات المفاجئة التي لا تتناسب مع طِباعهما. فكلما خرجتْ شخصية نسائية وحيدة من الفندق، كانا يتبعانها مثلَ الظلال الخبيثة، حتى اللحظة المحتومة التي تلتقي فيها بامرأةٍ أخرى.
بدا لهما أن هذه الحراسة المستمرة دليلًا آخر على أن الخادمة ترتدي زيًّا أكثر تكلفةً مما تدل عليه قيمتها الظاهرية. وفي الليلة التي سبقتْ مغادرتها لجريندلوالد، حصلا على تأكيدٍ آخَر لنظريتهما.
غادرت الآنسة لوفابل الفندق بعد العشاء لتشتري البرقوق الأخضر لرحلتها بالقطار. سارت إلى كشك الفاكهة المفضَّل لديها في طرفٍ من القرية، وقد كانت الإضاءة في المكان ضعيفة جدًّا. وكان الشارع مزدحمًا بمجموعة من الطلاب الصاخبين الذين يغنون ويصرخون عند عودتهم من عطلةِ تخييم.
وخلصت الآنسة لوفابل إلى أن أحدهم كان، ولا بد، غير حذِر في التعامل مع عصاه؛ لأنها أثناء مشاهدتهم شعرت بكاحلها ينعقف فجأة.
وبدلًا من أن تمسك بطاولة كشك الفاكهة، سقطت الآنسة لوفابل على وجهها. ذلك أن الغريزة التي ستجعل معظم الناس يحاولون حماية أنفسهم قد غلبها دافعٌ أقوى منها، ألَا وهو الاحتفاظ بعلبة المجوهرات. إذ كانت تحتوي على تذاكرها، وأموالها، وجواز سفرها الثمين.
وفي الظلام وفي أثناء الفوضى والتشوُّش، لم تلحَظ الرجل الصغير اللطيف الذي كان يرتدي قبعة من الصوف تغطي عينَيه، والذي ساعدها على الوقوف. ولم تلحظ أيضًا أن المرأة التي بجانبه كانت تحمل حقيبةً يمكن أن تكون بديلًا لحقيبتها الخاصة، لو كانت قد سقطت على الرصيف.
وحتى تفاؤلها القوي لم يكُن منيعًا أمام هذه المصيبة الأخيرة. فقد جُرِحَت ركبتها وأُصيب ذراعاها بكدماتٍ عندما سقطت. كما انسلَّ آخر جورب كان لديها، حين انفكَّت خياطةُ تنُّورتها الساتان السوداء، التي كانت تشكِّل نصف زيِّها المسائي.
شعرت الآنسة لوفابل بالحيرة بسبب ذلك الحادث، حين سارت تتعثَّر وتترنح في طريق عودتها إلى الفندق، حتى إنها انهارت في الكرسي الأول في الشرفة وتحدثت باندفاع.
«هل تؤمن بالحظ؟»
طرحَت السؤال على أقرب شخص وجدتْه قبل أن تتعرف على ملامح القس التي توحي بالذكاء والحكمة.
ثم قالت: «أوه، أنا آسفة. أظن أنني لا ينبغي أن أطرح عليك أنت تحديدًا هذا السؤال.»
فابتسم القسُّ وقال: «ولمَ لا؟ إن الحظ دائمًا ما يمثِّل موضوعًا مثيرًا للنقاش. على الرغم من ذلك، أنا لا أومن به. إيماني الشخصي هو أن كل شيء يجري كما قَدَّره الرب.»
فقالت الآنسة لوفابل بإصرار: «لكنَّ الأحداث الكبيرة تتأثر بالتفاصيل الصغيرة.»
«لا أتفق مع هذا القول. إنما هي شخصياتنا التي تحدِّد القَدَر. قد تعتبرين أن لديكِ دليلًا على أن بعض الأحداث الهامة تعتمد على حدثٍ غير مهم. لكنْ في الواقع، ردَّة فعلكِ تجاه هذا الأمر الصغير كانت هي ما طوَّر الوضع.»
وبينما كان القس يتحدث، تذكرَت الآنسة لوفابل الرغبة التافهة في تأكيد أهميتها في «كلاين شايديج» التي أدَّت إلى تعرفها على الليدي بونتيبول، ومن ثَم إلى احتكار فيفا لرفقتها.
فقالت ببطء: «أعتقد أنك محِقٌّ. مثال ذلك تلك الليلة التي دخل فيها الرجل إلى غرفة نومي. لقد انهرتُ تمامًا. لو كانت لدي شخصية أكثَر توازنًا؛ لمَا فقدتُ شُرفَتي ومنظر الجبال.»
فذكَّرها القس: «يمكن تدارُك تلك المحنة، والليلةَ إذا أردتِ.»
«أوه، كلَّا لم أقصد ذلك. دائمًا ما أتكلم دون تفكير. كان لُطفًا شديدًا منك أن اقترحتَ ذلك. على أي حال، لا يستحقُّ الأمر الإقدام على أي تغيير الآن.»
وبينما كان القس يدخن في صمت، عادت إلى مناقشتها.
«مع ذلك، أنا أومن بالحظ؛ لأنني كنت محظوظةً بشكل استثنائي. الأمور تسير دائمًا على ما يُرام بالنسبة لي. كل شيء ما عدا هذه العطلة. كنت أتطلَّع إليها، ولكنَّها كانت مخيِّبة لآمالي. لقد ساء كل شيء من بدايتها إلى نهايتها.»
فقال القس: «لقد نسيتِ شيئًا. أنتِ لم تصلي بعدُ إلى النهاية. أنتِ تُصدرين حُكمًا مبكِّرًا. فوجهة نظركِ تقتصر على معرفتكِ الحالية، وقد يكون كلُّ حادث جزءًا مقنَّعًا من حُسن الطالع. وعندما أقول «الطالع»؛ فأنا لا أعني «الحظ».»
قالت الآنسة لوفابل بنبرةِ شك: «آمل أن تكون محقًّا. سأعود إلى الوطن غدًا.»
«إذَن أتمنى لكِ «رحلة ميمونة».»
غادرت الآنسة لوفابل جريندلوالد وهي في أفضل حالاتها، فكانت البَرَكة حصنَها وأشعة الشمس مصدرَ بهجتها. كانت تستطيع تحمُّل النظر إلى قمة جبل أيجر المغطاة بالثلج دون الشعور بالألم؛ لأنها كانت تتطلَّع إلى لمِّ الشمل في ظروفٍ أكثر سعادة. ومن اللحظة التي دخلتْ فيها القطار الخشبي الصغير، شعرت أنها في طريق عودتها إلى منزل البحيرة المحبَّب لها.
وسمحتْ لنفسها بالتجول طويلًا في إنترلاكن. وأثناء تجوُّلها في شارع هوهيويج، كانت بين الفينة والأخرى تنتقل ببصرها بين قمة يونجفراو البيضاء اللامعة والزهور الرائعة في حدائق الفنادق. كان هذا التردِّي في هوة تعظيم الجبال ناتجًا عن عودة الحياة فيها إلى روح البستانية. وعندما وصلت إلى المتاجر الحديثة الأنيقة، كانت تتباطأ أمام الساعات والدانتيل حتى تشبَعَ ممَّا هو معروض في النوافذ.
بعد ذلك عبرَت الجسر، حيث كانت المياه الزرقاء والخضراء لا تزال تتلاطم وتتسابق بعد مرورها الأخير عبر أحد السدود، وسارت حذاءَ النهر عائدةً إلى محطة إنترلاكن-أوست. ثم جلستْ إلى طاولة تحت أشجار القسطل الصفراء قُبالةَ فندق دو لاك، وطلبتْ كوبًا من القهوة، لتمضية الوقت. وعندما فتحتْ علبة سجائرها، تقدَّم رجل صغير مهذَّب فجأةً بعود ثِقاب مشتعل.
وقال لها: «اسمحي لي.»
وعندما رفعتْ نظرها لتشكره، لاحظتْ رفيقته وتعرَّفت عليها من زيِّها الأسود الرقيق والمزيَّن بفرو القرود. كان الجالسان على الطاولة المجاورة هما الزوجَين المتباينَين اللذين لاحظتْهما من قبل؛ مرةً في محطة فيكتوريا، وبعدها في قطار يونجفراويوخ.
كان الزوجان أمور متأهبَين لاتخاذ إجراءات يائسة، وكانا قد وضعا خطةَ حملة لتغطية عدة احتمالات. كان آخِر أمل لهما في اغتراف الثروة يعتمد على جرأتهما ومهارتهما في الاستفادة من الرحلة إلى إنجلترا. رطَّبت السيدة أمور بلسانها شفتَيها المصبوغتَين في توتُّر ثم ابتسمت للآنسة لوفابل.
وقالت: «عذرًا. ألمْ نلتقِ من قبل؟ أعني، على الجبل؟»
سألت الآنسة لوفابل وهي تتذكر بصعوبة: «أي جبل؟»
«الجبل ذو الاسم الطريف. من الغريب أن نواصل لقاء الأشخاص أنفُسِهم هنا، حتى ينتاب المرء شعور بأنه يعرفهم. إذا كانوا إنجليزيين أعني، مثلكِ ومثلنا. لكنْ يمكن للمرء أن يجلس إلى جانبهم في كورنر هاوس لسنواتٍ ولا يحدِّثهم.»
ولمَّا لم تُبدِ الآنسة لوفابل أيَّ تجاوب، بدأ أمور بالاعتذار.
«اعذريها يا سيدتي. فهي تشتاق للوطن. تريد العودة إلى طفلتها.»
أدركَت السيدة أمور أن التعليق كان خطأً، بالنظر إلى حقيقة أنَّ الوصيفات ينبغي ألَّا يحملنَ أعباءً. ثم تذكَّرت أعمال الليدي بونتيبول الخيرية — والتي تضمَّنت الرفق بالحيوان — فألهمتْها محاولتَها التالية.
فقالت بنبرةٍ تنطوي على الشكوى: «هذه وقاحةٌ منه. طفلتي هذه قطةٌ صغيرة. يا إلهي، هي تعرف معنى كلِّ كلمة أقولها. إنني على استعداد لأن أموت جوعًا ولا أتركها تجوع. لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن للناس أن يكونوا قساةً مع الحيوانات الأليفة.»
فصرَّحت لها الآنسة لوفابل: «أولئك ليسوا بشرًا. إنهم كائناتٌ منحطَّة.»
وافقتْها السيدة أمور: «هذا صحيح.»
كان الزوجان أمور في وقتٍ من الأوقات قد قدما عرضًا في قاعة موسيقية، حيث زعمت السيدة أمور أن لديها عينَين يمكنهما اختراق أي شيء ومعرفة محتوياته. لم يدُم العرض طويلًا؛ لأن عقلها كان لا يُتقن تفسير كود الإشارات التي كان يشير بها زوجها، رغم نظرتها الساحرة.
والآن بينما كانت تنظر إلى علبة الآنسة لوفابل، لم تكن في حاجة إلى عينٍ خارقة لمعرفة أنَّ الجواهر كانت بداخلها. كانت الخادمة قد تخلَّت عن ارتداء السراويل القصيرة — بما تحويه من جيوبٍ سريَّة — وارتدت البدلة الحريرية السوداء الضيِّقة، التي كان من الواضح أنها منحةٌ من سيدتها لها.
ورغم أنَّ السيدة أمور كانت تزعم أنها تتمتع بالحنكة والفطنة، كانت سليقة زوجها هي ما رأبت الفجوة بينهما وبين ضحيتهما. فبينما كانت تحاول تحسين تعارُفهم بإبداء تعليقٍ حول الطقس، تحدَّث أمور بصوتٍ محبط.
«اسكتي يا ميمي. ألَا ترين أن السيدة لا تريد إزعاجًا؟»
لمس تواضُع هذا التعليق المهذَّب قلبَ الآنسة لوفابل الجواد. فضلًا عن ذلك، وبصرف النظر عن الحاجة إلى العزلة التي كانت أمرًا ضروريًّا للتواصل مع الجبال، كانت طبيعتها سخيَّة. وقد بدأت تشعر بالوحدة منذ عادت إلى إنترلاكن وما بها من تعقيد. فذَكَّرَت نفسها بأن هذين الزوجَين الصغيرَين المثيرَين للشفقة هما رفيقا سفر — إلى إنجلترا وكذلك إلى الخلود — وأنه من العادي أن يُقحما شيئًا مثيرًا للاهتمام في عطلتهما.
وبعد أن سألتْهما عن انطباعاتهما عن سويسرا، تحدَّث أمور بحماسة.
«هل يمكنني أن أسمح لنفسي أن أطلب منكِ أن تشربي القهوة برفقتي أنا وزوجتي؟ هناك الكثير من الوقت قبل وصول القطار.»
شكرتْه وأوضحتْ أنها قد طلبَت القهوة بالفعل. وبينما كانت تتحدث، جلَبَ النادل كوبًا يعبق بالبخار إلى الطاولة. وقد تبادل الزوجان أمور النظرات في حين أنها كانت تنتظر أنْ تبرد قهوتها، ثم فتحَت السيدة أمور صحيفةً أسبوعيةً للأفلام.
وسألتْها: «هل رأيتِ هذه الصورة؟»
بدأت الآنسة لوفابل تحملق في الصور الفوتوغرافية لعملٍ درامي عن الجريمة.
فعلَّقت تقول: «أحبُّ الأعمال الدرامية الجيدة عن الجريمة. لكنْ ينبغي للعمل أن يكون مقنعًا. بالطبع، أنا لا أنغمس في العمل فأصدِّقه تمامًا، لكني أحب أن أنجرف معه.»
سألتْها السيدة أمور: «هل شاهدتِ فيلم «الرجل النحيل»؟ كانت الطريقة التي تصرفتْ بها الشخصيات مزعجة. فهي لم تكن مثل الحياة الزوجية الحقيقية.»
كبحَت الآنسة لوفابل ابتسامةً تنمُّ عن شعور بالذنب، عندما تخيَّلت نفسها مع بكنجهام في دورَين مماثلَين.
وقالت: «أوافقكِ الرأي. معظم الأفلام غير واقعية. الخطف والمشروبات المخدِّرة. إنها سخيفة.»
وقرَّبَت الجريدة من وجهها حتى حجبتْ رؤيتها للطاولة. هنا امتدتْ يد أمور بسرعة وكأنها تنتظر إشارة، وأسقطتْ حبةً بيضاء في فنجان قهوتها.
واصلت الآنسة لوفابل: «مثل هذه الأمور لا تحدُث في الحياة الحقيقية. ولا حتى في الخارج.»
تبادل الزوجان نظرة. كانا يعرفان أن القطار سيكون شبهَ فارغ في البداية، لذا إذا استطاعا مشاركةَ عربةٍ مع الآنسة لوفابل؛ يمكنهما اعتبار الجواهر مِلكهما. إذ سرعان ما ستغطُّ الآنسة لوفابل في نومٍ عميق.
ولمَّا جاء صوتُ صفير المحرك من بعيد نظَرَ أمور في ساعته.
وقال: «هذا قطارُ باريس. لا تنسَي شُرب قهوتكِ، يا آنسة.»
اضطربَت الآنسة لوفابل لهذا التنبيه. فمدَّت يدها لوعاء السكر بتسرُّع وأسقطتْ فنجانها بأكمام معطفها، فسالَت القهوة على الطاولة وتساقطتْ على الحصى.
فتمتم أمور بغضب: «يا لسوء الحظ!»