قليلٌ من الحظ
عادت الآنسة لوفابل إلى إنجلترا في الرابع عشر من سبتمبر.
بينما كانت تجلسُ في القطار في طريقها من باريس إلى كاليه، كانت الكآبة البادية عليها تتناقَض بشدَّة مع حالتها المزاجية المتألقة التي كانت قد بدأَت بها عطلتها. كانت ثقتُها بنفسها قد وهنَت، ومثل سفينة فخمة مذهبة، تعرَّضَت لعاصفة، كانت تحمل علامات محنتها الأخيرة في مظهَرها المتدهور.
كان الطقس حارًّا، لكنها ارتدَت مِعطفَها المصنوع من شَعر الجمَل لتُخفي ما تعرَّضَت له بدلة الساتان السوداء من ضرَر. لم تستطع إخفاء جواربها المُنسلة بهذا المِعطَف، لكن حالتها المزاجية كانت قد انحدَرَت إلى مستوًى أصبحَت لا تهتمُّ فيه بالتفاصيلِ الشخصية التافهة. وقد كشَف وجهُها الباهت وعيناها الثقيلتان عن إصابتها بصداع نصفي، بينما غطَّى شريطٌ لاصق جرحًا سطحيًّا على جبينها.
كان ارتباكُ روحها أسوأَ بكثير من محنتها الجسدية. كانت قد عانت من نوبة مربكة للغاية من خيبة الأمل ومن خسارةٍ مالية. لكن أكثر ما كان يؤلمُها هو معرفتُها بأن حظَّها كان قد تخلَّى عنها لأول مرة في حياتها.
لم تَستطِع فهمَ ما أصابه من نُضوب. وفيما هي تنظر إلى الحقول البُنية القاتمة ولوحات الإعلانات التي تمرُّ بسرعةٍ جوار النافذة، حاولَت تحديد مصدر سوء حظها.
وحسمَت الأمرَ في نفسها بقولها: «بدأ الأمر في لندن، عندما تركتُ الحقيبةَ الصغيرةَ خلفي واضطُررتُ لاستعارة صندوق المجوهرات من الليدي بونتيبول.»
لكن هذا الحل لم يُرضِها؛ لأنه أخفَق في تفسيرِ عُطلةٍ كانت دون المستوى في كُل تفاصيلها. بدايةٌ سيئة تبعَتْها رحلة قطار مروِّعة وتعقيدات التشابكات الشخصية.
قالت لنفسها إن من المؤكَّد أن اللصَّين حاولا سرقة صندوق المجوهرات منها لأنها كانت لا مبالية بما يكفي لئلَّا تُداري التُّويج الذي عليه. كانت حادثةً بشعة وشنيعة، لكن — وبما أن وقوعها كان محتومًا — كان من الأفضل لو أنها كانت قد حدثَت ذلك اليوم في كلين شايديج. إذ كانت ستتجنَّب الفظائع التي مرَّت بها في مغامرتها في باريس، وما كانت ستؤدي إلى تغييرٍ في خطَطها.
ولو كان الأمر قد جرى على ذلك النحو، كانت شركة توماس كوك ستُرتِّب لعودتها من جريندلوالد بحيث تتمكَّن من الوصول إلى لندن في مساء الثالثَ عشرَ من سبتمبر؛ أي في الوقت المناسب لتلتزم بموعدها مع الميجور براند. ولكن من المحتمل الآن أن يكون السيد لِيمون قد أتمَّ بيعَ أثاثِها وأن تكون قد أضاعت فرصةً ذهبية لإثبات نجاح العنصر الشخصي.
قالت لنفسها: «لقد بذلتُ قصارى جهدي. لم أترك شيئًا للصدفة. حتى إنني خاطرتُ بالتخلف عن القطار لشراء الخزامى البيضاء.»
ضاقت عيناها وهي تسترجع مساراتِ حظِّها والتواءاته. كان الضررُ ناجمًا عن حقيقة أنها كانت خلال أيامها الأخيرة في سويسرا في حماية رفيقاتها من النساء بشكلٍ لا إرادي. وبتأجيل الهجوم عليها حتى زيارتها إلى باريس، أصاب هؤلاء الناس الطيبون جدولها الزمني بالاضطراب في اللحظة الأخيرة، ومن ثَم دمَّروا جدول أعمالها المُحكَم التخطيط.
لو أنها كانت قد التقت بهن لأول مرة في الفندق في جريندلوالد، لَظَللنَ غريبات بالنسبة لها. كانت تلك الليلة في قطار كاليه-إنترلاكن بدايةً لعلاقةٍ عامة من الألفة بينهن، كانت فيفا هي المسئولة عنها. فلو كانت فيفا غير موجودة — وغير قادرة على إظهار تصرُّفها غير الأناني — لتجاوزَت عائلةُ فورس عربتَها عندما كانتا تقومان بجولتهما في القطار بحثًا عن مقعدٍ في زاوية.
ويمكن تفسير وجود فيفا هناك بحقيقة أنها كانت قد صاحبَت الآنسة لوفابل، وزعمَت أنها تعتبرها تميمةَ حظها. ومع ذلك، في المجرى الطبيعي للأحداث، لم يكن ينبغي لهما أن تلتقيا؛ حيث كان مقعد الآنسة لوفابل محجوزًا في عربة بولمان، بينما كانت فيفا في العربة الأخيرة. كان لقاؤهما نتيجةَ اندفاعِها في اللحظة الأخيرة للِّحاق بالقطار.
تمكَّنَت الآنسة لوفابل من فكِّ آخرِ حلقاتِ اللغز. فسألَت نفسها: «هل يُمكنكِ أن تتغلبي على ذلك؟ بدأ حظي السيئ بالخزامى البيضاء.»
أثار اندهاشَها أنها بدأَت تضحك. ثم لاحظَت أن القطارَ كان يقتربُ من الساحل. كانت الشجيراتُ تتأرجح مع الريح، وأشار تمايُل أسلاك التلغراف إلى أن عبور القناة سيكون صعبًا. وبينما هي تُشاهِد تحليقَ طيور النورس فوقَ رأسِها، واندفاعَ الرمال التي نفخَتْها الريح، سبقَتْها أفكارها إلى المنزل رقم «١٩» بماديرا كريسنت، بالجزء الشمالي الغربي.
كان من الغريب بالنسبة لها أن تفكِّر في أنه لم يعُد ملكًا لها بعد الآن. لم تكن تشعُر بالندم عليه ولكنها كانت مرتبكةً بسبب شعورٍ طفيفٍ بالقلق. وبينما اتخذَت قرارًا بأن تكتب إلى السيدة براند تطلب إعادة حقيبة يدها الصغيرة، تساءلَت إنْ كان بإمكانها أن تطلب تضمين ألعاب ديفيد وسكوتي في الطرد. كان معظمُها موادَّ مطاطية تضرَّرَت بسبب أسنان الحيوانَين وتُرِكَت في حُجرة لَعِب الحيوانَين الأليفَين في الطابق العلوي من منزل لندن.
ثم قرَّرَت بشيءٍ من التردُّد عندما فكَّرَت في انتقادِ بكنجهام: «ربما لن أفعل. قد يعتقدون أنني غريبة الأطوار.»
وبينما هي متجهِّمة وغارقة في التفكير في مشكلتها، كان العنصرُ الشرير قد طُرِد بالفعل من جو المنزل رقم «١٩» بماديرا كريسنت بفعل اجتياح الصِّبية له. كانت عائلة براند قد تملَّكَت منزلها الجديد. وأخذَت مجموعة من الأطفال تصرخ كالبرابرة من الحماس بينما يُهروِلون صعودًا وهبوطًا على الدرَج، يستكشفون مملكتهم من القبو إلى العلِّيَّة.
عندما وصَلوا إلى الطابق الأعلى واكتشَفوا الغُرفَ الكبيرة المجهَّزة بأرضياتٍ مطاطية، وسلالمَ مُعلَّقة مصنوعة من الحبال وأجهزة أخرى لممارسة الرياضة لحيوانَين محصورَين، استولَوا على مملكتهما على الفور. صاح الولدُ الأكبر بالخبر لأمه التي كانت في الردهة. كان قد سمع والدَيه يُناقِشان الآنسة لوفابل — ولكن ليس بالاسم — لذا عبَّر عن امتنانه بالتشهير.
«أمي، لقد تركَت لنا العزباءُ المباركة ألعابَ أطفالها.»
صعدَت الآنسة لوفابل على مَتْن العبَّارة المتجهة إلى القناة، غيرَ واعيةٍ لتحطُّم سمعتها. كان مزاجُها ما زال كئيبًا، رغم أن الهواء المالح بثَّ فيها رُوحَ الحياة بينما هي تتكئ على جانب السفينة وتُشاهِد فقاعات الرغوة أدنى منها. كانت السماءُ ملبَّدةً بالغيوم، ولكن، بين الحين والحين كانت ومضاتٌ من الضوء تنبثق من بين السحب وتسقُط على بقعٍ خضراء وسط البحر المتقلِّب.
ومع تمايُلها مع تمايُل السفينة، تذكَّرَت فجأةً الشاب الذي كان قد حدَّد موعدًا في وقتٍ مبكِّر من ذلك الصباح لإجراءِ عرضٍ على المِكنَسة الكهربائية. بحلول ذلك الوقت، كان الشابُّ المسكين قد أُصيب بخَيبة أمل. انزعجَت الآنسة لوفابل حين تذكَّرَت أنها قد خذلَتْه؛ لأنها كانت متأكدةً أنه أحد الفاشلين في الحياة، رغم عدم اكتراثه. وعلى الرغم من أنها في ظل تغيُّر الظروف لم تكن تستطيعُ شراءَ مكنسة كهربائية، كان بإمكانها أن تدفَع له مقابل خدماته.
فكَّرَت في نفسها: «أتمنى أن أتمكَّن من إرسال شيء له للتعويض عن إضاعة وقته. لكنني لا أعرف ماذا فعلت ببطاقته.»
لم يكُن عليها أن تقلَق؛ لأن العنوان الذي فقدَتْه كان مجرد عنوان خيالي ابتدعَه السيد هنري واتكينز لأغراض العمل. إضافةً إلى ذلك، كان السيد كلارنس كلوب قد غيَّر مكانَ إقامته في الوقت الحالي. فبدلًا من المكوث في الشقة القاتمة، كان يُقيم مرةً أخرى على نفقة الحكومة.
كان لديه ما يكفي لأن يشغَل عقلَه عن سجَّاد الآنسة لوفابل. كان من الصعب التفكير في دافعٍ حقيقيٍّ مقبول لشرح سبب اختبائه داخل مبنًى مغلَق ولماذا هاجم درابزين السلم بوحشيةٍ بواسطة قضيب تذكيةِ نار المطبخ.
مرةً أخرى كان محظوظًا بتجنُّب الفوضى التي كان يمكن أن يُخلِّفها قتل شرطي. كان الشرطي — الذي كان ظلُّه على الجدار قد خدعَ كلارنس بشكلٍ متعمَّد — مستعدًّا للهجوم وكان قد تجنَّبه في الوقت المناسب. ولكن ما كان يُزعِج كلارنس المسكين هو الانبعاجُ الشديد في درابزين السلم الخشَبي الصُّلب والمصنوع من الماهوجني؛ فقد بدا أن الشرطة تعتبره دليلًا على وجود نيةٍ للقتل …
لم تكن الآنسة لوفابل تعرف عن هذا، ولكنها نسيَت أمر كلوب بدَورِها بينما كانت تُشاهِد تلالَ دوفر البيضاء وهي تزداد وضوحًا. في واقع الأمر شعَرَت بفَورة من الحماس الوطني عندما لمسَت قدمُها أرضَ الوطن مرةً أخرى. وعندما كانت من بين أول مَن مرُّوا من خلال الجمارك دون أن يعترضَها أحد، ارتفعَت معنوياتُها إذ اعتبرَت هذا دليلًا على أنها تتلقى معاملةً تفضيلية.
وكان مرورها السريع من الجمارك قد وفَّر لها وقتًا لتناول كوبٍ من الشاي وشطيرة لحم من إحدى العربات. وحيث لم تكن قد تناولَت إلا وجبةَ الإفطار الكونتيننتال المعتاد، فقد بثَّت فيها تلك الوجبةُ الخفيفة رُوحًا جديدة. وبحلول الوقت الذي غادر فيه قطارُها محطة دوفر، كان الصُّداع في رأسها قد توقَّف وكانت مطمئنةً وفي حالةٍ من القناعة الحالمة وهي تُطالع المناظرَ الطبيعيةَ التي تمُرُّ مُسرِعة.
لاحظَت أن أول نسمةٍ من الصقيع كانت قد أصابت البلاد؛ إذ كانت هناك أغصانٌ ذهبيةٌ مُعلَّقة بين أوراق الأشجار الداكنة. وكانت البساتين مكدَّسة بأكوام من التفاح الأحمر الصغير. وكدليلٍ آخر على حُلول الخريف، كانت الأسيجة مُزيَّنة بنباتات الظيان الأبيض التي ذكَّرَتها بمهرجان الحصاد في هايفيلد والمنافسة المحمومة لتزيين مِنبَر الوعظ.
فجأة، ارتفعَت معنوياتُها أكثر عندما أدركَت أنها عائدةٌ إلى كل ما كان عزيزًا عليها؛ حياتها المُنظَّمة، ومنزلها الوثير، وحديقتها الجميلة، وحياة القرية البسيطة الحركة وذات الأهمية الكبرى. كان أولئك الذين تُحبُّهم ينتظرونَها للترحيب بها. كانت سعيدةً بأنها عائدةٌ مباشرةً إلى منزل البحيرة بدلًا من العودة من رحلتِها إلى لندن. وعلى الرغم من خيبة أملها على الصعيد المالي، فلم يكن المال هو العامل الأول …
وبينما كانت سيدتُها تفكِّر فيها، كانت إلسي في حالةٍ من الإثارة السعيدة. ولكن حتى وهي تستعدُّ لاستقبال الآنسة لوفابل، كانت تشعُر بالبرودة كلما فكَّرَت في أنها نجت بأعجوبة. كانت اليوم لا تستطيع أن تفهم ما الذي حملَها على التمرُّد على الأوامر والشروع في السفر إلى منزل لندن.
كان عدَم ركوبها القطار الذي كان ينتظر عندما وصلَت إلى المحطة محضَ صُدفة. فعندما سمعَت بوق سيارة مستمرًّا على الطريق خلفَها، رأت الآنسة بيت تُشير إليها بجنون. للحظة، كانت عازمةً على الركض إلى الرصيف، ولكن تغلَّبَت التوجيهاتُ التي لديها على رغبتها وعادت متجهِّمة إلى السيارة.
وبعد أن أوضحَت الآنسة بيت تغيير خطة الآنسة لوفابل، أُصيبَت بغُصَّة في حَلْقها، بحيث لم تتمكَّن من شُكْرها على تدخُّلها.
قالت إلسي: «كنت سأنال عقابًا شديدًا لو أنها كانت قد اكتشفَت ما فعلتُه.»
وعلَّقَت الآنسة بيت: «وكنتِ ستستحقين كلَّ ما يحدث لكِ. ما الذي جعلكِ تفعلين شيئًا غبيًّا كهذا؟»
هزَّت إلسي رأسَها بخجل.
وأجابت: «سيطر عليَّ شيءٌ ما. لم أستطع أن أتحمَّل بقاءَها وحدَها في ذلك المنزل اللندني اللعين.»
وعندما غادرَت الآنسةُ بيت، نَدِمَت إلسي على تعبيراتها غير المهذَّبة، خاصةً أن ديفيد لم يكن موجودًا لتحمُّل اللوم عنها. لم تعرف إلسي أن الآنسةَ بيت أحبَّتْها أكثر عندما وقفَت وفغَرَت فاها، بينما تغيَّر وجهُها من الأحمر إلى الأبيض، دليلًا على شدة انفعالها ومشاعرها.
تلك الظهيرة، وفي ظل الأمان الذي كان يتمتَّع به منزل البحيرة، نسَّقَت إلسي وعاءً خلَّابًا من أزهار الكبوسين على طاولة الزينة الخاصة بالآنسة لوفابل، بينما حاولَت تثبيتَ فكرةٍ ما في رأسَي ديفيد وسكوتي بالتكرار المستَمر.
«السيدةُ عائدةٌ إلى البيت اليوم.»
كانت الآنسةُ لوفابل سعيدةً جدًّا بالعودة إلى البيت. مع مرور كُلِّ دقيقة كان القطار يُقرِّبها أكثر وأكثر إلى بابِ منزلها. كان هناك أمرٌ واحدٌ فقط غير واضحٍ بشأن المستقبل، وهو احتمالُ مقابلتها لبكنجهام. كانت متأكدةً أنه سيفي بوعده ويُخضِعها لمناقشة مزعجة أخرى.
بينما كانت في سويسرا، كان له تأثيرٌ مزعج؛ إذ أخذ يُعكِّر صَفْو أفكارها المستقرة ويُحاوِل أن يقلبَ روتينَها السعيد رأسًا على عَقِب. حتى في هذه اللحظة، بينما تعود تدريجيًّا إلى روتينها، كانت تشعُر وكأنَّ شيئًا ما ليس في مكانه الصحيح.
قالت في نفسها: «لا جدوى من قُدومه. إنه يعلَم أنني سأرفُضه.»
في تلك اللحظة، انبثقَت أشعة الشمس من خلال الغيوم وغمَرَت المشهد الكئيب بضوءٍ ذهبي. وبينما كانت تُحدِّق في الحقول التي تحوَّل لونُها، انشَق قالبُ عقلِها الصُّلب فجأة، ليُقبل بفكرةٍ جديدة ومُدهِشة.
«كل الناس الآخرين يتزوجون. أنا لستُ فريدة … لماذا لا أتزوَّج؟»
كان التغييرُ في وجهة النظر يتضمَّن انعطافًا عنيفًا في مسار تفكيرها بحيث أثَّر عليها كصدمةٍ جسدية تقريبًا. أصبح وجهُها أحمر اللون وتوهَّجَت عيناها من شدة رفضها للتهديد بالتراجُع. كانت قد اعتادت أن تكونَ الآنسة لوفابل. كانت تعرفُ الآنسة لوفابل عن كثَب وكانت تُحبُّها كثيرًا.
ولكن الآن، كان هناك غريزةٌ قويةٌ مدفونة تحثُّها على أن تحلَّ غريبة محل الآنسة لوفابل. كانت السيدة بكنجهام هي العنصر المجهول وكان غموضُها يمثل تحديًا للمستقبل.
قبلَت الآنسة لوفابل هذا الاختبارَ الجديدَ لشخصيتها. وكما كانت قد أبلت بلاءً حسنًا في كل ما أخذَتْه على عاتقها، كانت متأكدةً من أن زواجها سيكون ناجحًا. كحافز، سيتضمَّن الأمر خططًا وتعديلات. ستُضطَر إلى بناء جناح جديد لمنزل البحيرة ومساعدة بكنجهام في تأسيس مهنة ملائمة.
ولكنها كانت قد حسمَت أمرها بشأن نقطةٍ واحدة؛ يجب أن يغيِّر زوجُها المستقبلي اسمَه الأول. كان هناك «ديفيد» واحد فقط — القط الفارسي الأزرق. لتجنُّب الالتباس، ستمنَحُه اسمَها المفضَّل «هوبرت» مقابلَ هديَّته المتمثِّلة في اسم «فلورا».
بينما استمرَّت فكرة الزواج في التوسُّع داخل ذهنها، انجرفَت مع موجةٍ عارمة من الإثارة، بحيث لم تلاحظ عندما تبدَّلَت الحقول والأسوار وحلَّت محلها الأبنية. وقد نكَصَت مندهشةً عندما دخل القطار تحت قُبة محطة فيكتوريا. مرةً أخرى، سارت الآنسة لوفابل على الرصيف ووجهُها مشرقٌ بالسعادة. غادَرَت الباحة وعبَرَت الطريقَ إلى شارع فيكتوريا، بينما كانت تتدرَّب على إعلانِ خِطبتها لزوجة القس.
«لن توفِّري الشايَ من أجلي لفترةٍ طويلة. فأنا سأتأهَّل لاجتماعات الأمهات المباركة.»
وفجأة، وبينما كانت تدخل أحد متاجر الشاي، أصابَتْها نوبة من الشوق للبيت. شعَرَت أنها لا تستطيع تحمُّل دقيقة أخرى بعيدًا عن منزل البحيرة العزيز عليها. كان هناك قطار أبكر يعود إلى هايفيلد، ولكن ركوبه كان يتطلب التعجُّل للِّحاق به، لذا استبعدَتْه من برنامجها.
ألقت نظرةً سريعة على ساعتها، واكتشفَت أنه لا يزال هناك هامشٌ محدود من الوقت للِّحاق بالقطار. لكن للأسف، لم تستطع أن تقرِّر أي وسيلةِ نقلٍ أسرع. كانت قد سمعَت أن قطارات الأنفاق تُجنِّب الناسَ الازدحامَ المروري؛ ولكن إذا عادت إلى المحطة ونزلَت إلى السكك الحديدية الداخلية، فستُضطَر إلى السير صعودًا على التَّل من الجسر.
مرَّت الدقائق وهي واقفةٌ في حيرة من أمرها. وبعد أن تركَت سيارات الأجرة الفارغة تمُرُّ بجانبها، أخذَت السيارات تطُوف وراياتُها تتدلَّى. بدأَت تعتقد أنها أضاعت الكثير من الوقت وأنه كان من الأفضل لو أنها تخلَّت عن الفكرة لصالحِ تناوُل الشاي في هدوء، وذلك حين تقدَّمَت حافلة من تشارينج كروس من زاوية الشارع.
اعتبرَت الآنسة لوفابل مرور الحافلة اقتراحًا بائسًا؛ لأنها بدَت ممتلئةً بالفعل، بينما كان هناك مجموعةٌ من الناس تَنتظر في مكان توقُّفها، على مسافة بعيدة قليلًا في الشارع. لكن في تلك اللحظة، رفَع شرطيٌّ يدَه فتوقَّفَت الحافلة عند الآنسة لوفابل.
وعندما استغلَّ أحدُ الركاب توقُّف الحافلة فقفَز خارجًا، صَعِدَت هي على الدرَج وغاصت في مقعده الشاغر.
بدا ما حدَث فألَ خيرٍ للمستقبل؛ استعادة رسمية لمستواها الحقيقي من الحظ الجيد. فأخذَت تبتَسم لكُلِّ مَن حَولَها في حماس وابتهاج.
«أخيرًا! هذه هي المرَّة الأولى التي يَبتسِم لي فيها الحظُّ طَوال هذه الرحلة.»