ينعدم الضياء فتتساوى النساء
كان اليوم التالي واحدًا من أسعد الأيام التي تذكرها الآنسة لوفابل. بدأ شعورها المستمر بالامتنان عندما استيقظت على السَّكينة الذي يتميَّز به الريف، بدلًا من الأبهة الكئيبة لغرفة نومها في لندن. كانت إلسي دائمًا ما «تنام في ساعة متأخِّرة» في صباح يوم الأحد، ويحذو ديفيد حذوها؛ فقد كان ملتفًّا حول نفسه في سلته، ويقبض على أنفه بإحكام ببراثنه الضخمة.
عادةً، كانت الآنسة لوفابل تستلقي في السرير حتى وصول شاي الصباح؛ لكنها في هذا الصباح شعرَتْ بنشاطٍ زائد، ولم تستطع الانتظار. ارتدت ثوب كيمونو، ألوانه باهتة؛ ونزلَتْ إلى الطابق السفلي، وفتحت الباب الأمامي، فدخلت أشعة الشمس.
كانت صحف الأحد على الدَّرَج. فأخذت صحيفة «تايمز» وأعقبتْها بصحيفة «أوبزرفر»، من أجل الحفاظ على منظور ذهني متوازِن، على الرغم من أنها لم تعرف أيَّ الصحيفتَين كانت تقرأ. أمَّا إلسي، فكانت مخلِصة لصحيفة «نيوز أوف ذا وورلد» التي كانت تغذيتَها الأدبية الرديئة للأسبوع بأكمله.
كانت الآنسة لوفابل عادةً ما تمزح بشأن حُبها للقصص المثيرة، لكنها كانت تعرف أن حياة الخادمة ستفقد بعضَ تشويقها إذا نفد المورد من الضحايا. في ذلك الصباح وللمرة الأولى، ارتعدتْ عند إدراكها أنَّ الأهوال الحقيقية في العالم يتمُّ تمثيلها لتوفير ترفيهٍ لأمثال إلسي.
«الأشخاص الذين كانوا على قيد الحياة يوم الأحد الماضي، أصبحوا اليوم موتى. بعضُهم قُتِل. هذا رهيب. في حين أن تسير بصورة جميلة ولا تلتفت لأحد.»
بعد أن أعدَّت الشاي، صبَّت كوبًا لنفسها، ثم حملت الصينية إلى غرفة الخادمة. أمَّا إلسي — بشَعرها المصفَّف تحت شبكة التثبيت والمنامة الخضراء الفاتحة من الساتان الصناعي التي ترتديها — فبدتْ كسيدة البيت؛ لأنها كانت في موقعٍ أكثر تفضيلًا، وكان بإمكانها إنفاق أجرتها على ملابسها ومظهرها.
استيقظت إلسي فجأةً في حالةٍ من القلق الشديد.
وصاحتْ بنبرة تأنيب: «أوه، سيدتي، لم يكن ينبغي أن تنتظريني. لماذا لم تطرُقي على الجدار عندما استيقظتِ؟»
«لا تتلعثمي يا إلسي. هناك زكيبةٌ رائعة من جرائم القتل بانتظاركِ هذا الصباح. صحيفتكِ «نيوز أوف ذا وورلد» لن تكلفكِ الكثير. لكن، كم تبدين أنيقة، وأنتِ بهذا الزي الأخضر!»
احمرَّ وجه إلسي الشاحب لهذا الثناء.
واعترفت: «خطر لي أنكِ ستحبين أن تتناسق ملابسي مع الغرفة.»
«يا لكِ من ساذجة سخيفة.»
كان تعليق الآنسة لوفابل مميزًا ومحسوبًا لجعل الخادمة على راحتها، حيث كانت هذه هي اللغة التي تفهمها. ولكن عندما نزلتْ إلى الطابق السفلي، أرادتْ أن تتباهى أمام العالَم أجمع بهذا الدليل الجديد على ولاء إلسي. شربتْ لوفابل شايها ثم أخذت تتجوَّل حافيةَ القدمَين في الحديقة الخلفية على العشب، بينما كان شَعرها الأشقر الطويل ينساب مع النسيم.
كان الجوُّ بالخارج أبردَ بكثير، وقد أخذت أوراقُ الأشجار الخضراء تلتمع باستمرار أمام السماء الملبَّدة بالغيوم البيضاء. وأخذَت الآنسة لوفابل تتجوَّل حول منزلها وهي تبدو أقربَ شبهًا إلى السيدة التي ذكرها الشاعر شيلي في قصيدته «النبات الرقيق». على الرغم من أنها دائمًا ما كانت غيرَ بليغةٍ عندما يتحرك حسُّها للجمال؛ فإنها كانت واعية جدًّا لنقاء الضوء، وألوان الزهور وظلال الشروق غير المألوفة.
ثم سرعان ما حطَّمت الصورة الشعرية المتوهَّمة من أجل القيام بحركاتٍ بدنية. إذ شعرَت الآنسة لوفابل بأنها مشحونةٌ بالطاقة التي لا يمكن تفريغها إلا من خلال ممارساتٍ جسدية عنيفة. كانت كلُّ قفزة وركلة رمزًا لانتصار الانبعاث على الاندثار؛ حتى وإن لم تُعِر اهتمامًا لفكرةٍ شريرة تلاشت مع أشباح الليل الأخرى؛ الصورة الباهتة لجسدٍ منتَهَك، عديم الشكل كأحد دُمى إلسي، مُتكومًا على الأرض في ظلام منزل لندن.
ولكن على الرغم من أنها كانت قد أفلتت من الخطر الوشيك والداهم، لم يفُتها تمامًا؛ إذ عاود استهدافها. فحينها، وفي شقة لندنية قاتمة، كان شاب مليح الوجه يمدُّ ذراعه نحو سماعة الهاتف. طلب الشاب الرقم على وجه السرعة ثم تحدَّث بحذر في الهاتف.
فقال: «أهذا أنت؟ اسمع. لقد وقع مني شيءٌ ليلةَ أمس … كلَّا، كلَّا، إنه في الحقيبة المعدَّة ليوم الثالث عشر من سبتمبر.»
حتى في المواقف القاتمة، مثل تنفيذ حُكم الإعدام في سجين مُدان، ثمةَ بوادر إنسانية لطيفة، مثل تقديم وجبة أخيرة جيدة، تجعل الواقع القاسي أكثر احتمالًا قليلًا. وقد استمتعَت الآنسة لوفابل بالتأكيد بإفطارها في ذلك الصباح، ذلك أنه كان الطعام المعتاد ليومِ الأحد — اللحم المقدَّد والنقانق. وبعد ذلك، وبينما كانت تنتظر أن تدقَّ أجراس الكنيسة، سارت على العشب إلى حيث كانت إلسي تقشِّر البازلاء.
بدَت الآنسة لوفابل مختلفةً وتكاد تكون غيرَ فاتنة في أفضل فستان وقبعة ترتديهما، وكانت تواصل شدَّ قفَّازها. كانت تتوق إلى سيجارة، لكنها لن تدخِّنها حتى تفرغ من «القداس»، وفقًا لأحد القواعد التي وضعتْها لنفسها.
سألتْها إلسي: «هل معكِ مال؟ أنتِ لا ترغبين في أن تعاني من عجزٍ مالي ولا يبقى معكِ سوى ورقةٍ مالية واحدة، مثل يوم أمس، صحيح يا سيدتي؟»
كانت هذه التذكرة إشارةً إلى أنها تريد من سيدتها أن تخبرها بشيء عن رحلتها إلى لندن من دون أن تذكُر شيئًا عن تفاصيل العمل. فعلى الرغم من أن الآنسة لوفابل كانت تتحدث إليها من دون قيود، فإنها لم تكُن تُفضي بأمر مسائلها المالية إلا لمحاميها ومدير حسابها البنكي وحسب. ونتيجةً لذلك، كانت إلسي تكِنُّ لسيدتها أكبر احترام وإجلال؛ فكانت تراها تملك أموالًا كثيرة، وتعدُّها في مستوى أيِّ قطبٍ يرافقه عددٌ كبير من السكرتيرات والمساعدين.
فعادت الآنسة لوفابل تقول: «لم أخبركِ بما حدث أمس. زارني في المنزل ثلاثة رجال. كانوا «جميعًا» يرتدون القفازات.»
غمغمتْ إلسي: «هذا يُثبت رأيي.»
«صحيح. لا يمكن أن يكون ثلاثتهم مجرمين.»
«لا يسعنا أن نعرف يقينًا … أوه سيدتي، انظري إلى هذا الملاك.»
نظرَت الآنسة لوفابل إلى ديفيد الذي تمدَّد على الأرض على ظهره ومطَّ قوائمه، وكان يركل بنشاطٍ وهو يهاجم قرن بازلاء بشراسة. وفجأةً شرعتْ تضحك على شيء تذكَّرته من إعلانٍ لصابون — كان الإعلان عن طفلٍ يتمدَّد ويسترخي على منشفة بعد أن تحمَّم.
فقالت: «إلسي، أليس وضعنا غريبًا؟ ها نحن ذا، امرأتان ناضجتان تجيش عاطفتنا تجاهَ قِط، في حين أنه يجب أن يكون لكلٍّ منا أطفالها.»
عبَّرت إلسي عن اعتراضها بحماس: «هو ليس بقِط. إنه ديفيد.»
«أعرف. أعرف. لكن ألَا ترغبين في طفلٍ يا إلسي؟»
«أرغب في طفل منكِ لأعتني به. لا أريد شيئًا إلا أن يكون ملكًا لكِ.»
«وهذا سيتطلَّب زوجًا. إنْ كان هذا رأيك، فشكرًا لكِ يا إلسي، كلَّا لا أريد ذلك. ها هو الجرس. أراكِ لاحقًا.»
استمرَّ الشعور بالتقدير الشديد لمَا تتمتع به الآنسة لوفابل من أنعمٍ في أثناء القداس في الكنيسة الحجرية باردة الجوِّ، والتي تقع عند أعلى الجبل. وحين انتهى القدَّاس، اجتازتْ باحةَ الكنيسة وانتظرتْ إلى جوار الحاجز الذي يحيط بالقمَّة. كانت تحدِّق في الفراغ، فوق الأشجار وأسطُح المنازل نحو خطِّ التِّلال البعيد، وذلك حين أتتْ زوجة القسِّ في الممرِّ الذي برزتْ منه شواهد القبور.
صاحَت الآنسة لوفابل: «سأمكث لحضور حفل الحديقة.»
أقرَّت زوجة القس: «فتاة صالحة. هل يمكنكِ تولِّي المسئولية الكاملة عن المشروبات المرطبة؟ أريدكِ أن تتولي أمرَ التنظيم وتجعلي الآخرين يعملون.»
ابتسمت الآنسة لوفابل بسبب الثناء على قدراتها الإدارية.
وعاهدتْها قائلةً: «بشرطٍ واحد. يجب أن تساعد إلسي في كشك المنتجات.»
«ألن تكون أكثر نفعًا وهي تقدِّم الشاي؟»
«نعم … ولكن هذا لن يمثِّل أيَّ تغيير لها. أوه، أعرف أنكم جميعًا تحسبون أنها كسولة ومتغطرسة، ولكنها تعطيني شيئًا لا يمكن شراؤه بالمال. إنها مخلصة لي. أعرف أنها ستتبعني «إلى المشنقة — بل وبعدها».»
وضحكت الآنسة لوفابل لتُثبت أنها ليست مثارةً عاطفيًّا، حيث أضافت: «سأضيف هلامَ النعناع وجبنةَ البرقوق كأساسٍ للتفاوض.»
وعندما أومأتْ زوجة القسِّ بتجهُّم تعبيرًا عن موافقتها، نزلت الآنسة لوفابل الدَّرَج الطويل المكوَّن من طابقَين محدِثة صوتَ قعقعة وهي تشعر بالظَّفر. وفي الأسفل، كانت الآنسة أجاثا بِيت تنتظرها مع قطيعٍ من الكلاب.
فسألتْها: «كيف هو الوضع في لندن؟»
أجابَت الآنسة لوفابل: «كئيب. ولهذا السبب عُدتُ.»
«إذن لم تكن عودتكِ بسبب عنصر الجذب الجديد. ظننتُ أنكِ سمعتِ عن الأمر. لقد وعدت السيدة رام بقراءة الطالع في الحفلة. لا يمكن أن تكوني قد نسيتِها.»
«السيدة رام.» وبينما كانت تستمع، عادت أفكار الآنسة لوفابل بذاكرتها إلى ليلة عيد القديسين الجامحة — صوت خرفشة الأوراق الجافة — وألسنة اللهب تتقافز في فقاعات كهرمانية، واللهب المزدوج ينعكس في العيون السوداء الجذابة.
فسألتْ بحماس: «هل ستأتي بجهازها معها؟»
«لوحها الروحي؟ كلَّا، ليس في حفلةٍ بالكنيسة. فهذا يوحي كثيرًا بالسحر ويُذكِّر به. سيكون عليها أن تقتصر على قراءة الكفِّ والبطاقات. بالطبع، سيتم تسمية الأمر «قراءة الشخصية». ولكن الجميع سيتوافدون عليها، بعد الطريقة التي تنبَّأت بها لكِ.»
«كان ما حدث معي مجردَ ضربة حظ. لقد تخبَّطَتْ مع بقيتكُنَّ.»
«لكننا كنَّا نلهو فقط. نطرح أسئلةً غبية لتحفيزها فحسب.»
«أعرف أنكنَّ كنتنَّ تفعلن ذلك. في الواقع، يجب أن أُلقي معها نظرةً أخرى على المستقبل؛ لأنني أتوقع أن أتصدَّر عناوين الأخبار مرَّة أخرى.»
«آمل أن يكون الداعي شابًّا هذه المرة.»
تجهَّمت الآنسة لوفابل وهي تهزُّ رأسها نفيًا؛ ولكن في طريقها إلى منزل البحيرة، استنكرت ذكرى جملتَين غير مترابطتين — «فتاة مثلكِ» و«سنلتقي مرةً أخرى». في ذلك الوقت، كانت غاضبة من جُرأة بكنجهام؛ ولكن وهي تتأمَّل الآن، كانت هاتان الجملتان تشيدان بخُيلائها عن طريق تمييزها عن العوانس الراشدات في الأبرشية.
ظلَّت الآنسة لوفابل تهنِّئ نفسها طوال اليوم على تفادي قضاء يوم الأحد في عزلة في لندن. فأكلتْ أكثر من اللازم ودخَّنت أكثر من اللازم وقتلتْ حشرات الحديقة دون مراعاةٍ لأساليب «سيدة النبات الرقيق» الإنسانية. ومن ثَم استيقظت يوم الإثنين على شعورٍ بندم غير مُجدٍ وعلى فرصة ضائعة.
وافقها السيد ليمون الرأيَ عندما اتصلتْ بمكتب العقارات. كان متحدثًا فصيحًا وكان يعتقد أن الأعمال لا يمكن أن تكون شرعيةً دون الحد الأقصى للكلمات أثناء القيام بها.
قال: «يؤسفني أنكِ لم تتمكني من البقاء خلال عطلة نهاية الأسبوع. هناك جوانب حول هذا العرض أودُّ أن أتوسع في الحديث عنها. كما هو الحال، يمكنني فقط أن أعطيكِ الأساسيات. أخبرتكِ أن هناك احتماليةً لبيع المنزل رقم «١٩» بمنطقة ماديرا كريسنت إلى الميجور براند. والآن، أظنُّ أنه يمكن أن أفعل ما هو أفضل من ذلك لكِ. لقد قابلتُ السيد والسيدة براند وأُعجِبتُ بهما. إنهما شخصان ممتازان وموثوقان جدًّا، وما إلى ذلك. ولكنَّ الميجور هو الشخص المسيطِر بالتأكيد فيهما.»
قاطعتْه الآنسة لوفابل، من دون تدقيقٍ حول المعنى: «لقد وُلدَ بتلك الصفات.»
«إلى حدٍّ ما. ما أودُّ قوله هو الآتي. زوجته تحت سيطرته بعض الشيء، وأظنُّ أنه لا يقدِّر ذوقها كثيرًا. فهي تتَّسم بالرقة في حين أنه يتَّسم بالصلابة والجدية. يحبُّ الأشياء القوية. الأشياء الصُّلبة. لا أظنُّ أنه سيثق بها لتأثيث المنزل، بافتراض أنه سيشتريه. والآن، لقد خطر لي …»
فأكملَت الآنسة لوفابل جملته: «قد يرغب في شراء أثاثي.»
«بالضبط. أظنُّ أنكِ لا تعرفين كم دفعتِ مقابله؟ هل لديكِ فكرةٌ عامة؟ هل احتفظتِ بإيصالات الشراء؟»
«أعرف سعرَ كلِّ قطعة والقيمة الإجمالية.»
«حقًّا؟ مدهِش. إذَن إنْ أرسلتِ لي جميع التفاصيل، فسأقرِّر السعر الذي سنحاول عرضه عليه. وهنا يأتي دوركِ أنتِ. من الصعب أن نعرض عليه الأمر بفظاظة، لذا آمل ألا تستائي عندما أقول إنني متأكد أنكِ ستحصلين على سعر أفضل إذا أجريتِ معه مقابلةً شخصية.»
«ولماذا أنا بالتحديد؟»
«لأنني، كرجل عركَتْه الحياة، يتعيَّن عليَّ أن أستخلص طبائع الناس. لا أقصد الإيحاء بأن الميجور ليس زوجًا وأبًا من طرازٍ رفيع، ولكني أظنُّ أنه قابلٌ للتأثر. وأنا متأكِد من أنكِ ستخلفين لديه انطباعًا جيدًا بشكلٍ خاص. لقد شكا لي بمرارة من مستوى الفتيات العصرية في الكورال. إنه يقارنهن بشكلٍ سلبي بفتيات جيبسون لجورج إدواردز … هل تفهمين ما أقصد؟»
احمرَّ وجه الآنسة لوفابل من السرور.
وقالت: «نعم. أنا من نوعه المفضَّل. متى سألتقي به؟»
«سأرتب الاجتماع ليكون في الرابع عشر من سبتمبر، في مكتبي، في الساعة العاشرة والنصف تمامًا. سيلحق بقطار السفينة في الظهيرة. لن يعودوا إلى لندن قبل ذلك. سيذهبون إلى اسكتلندا وأيرلندا بعد ويلز. تلقيتُ رسالةً منه بالبريد السريع، هذا الصباح … أترين كم هو مهم لكِ أن تراعي هذا الموعد؟»
وعدَتْه الآنسة لوفابل: «يمكنك الاعتماد عليَّ. أستطيع أن أوفِّقه مع عطلتي.»
عندما شرحَتْ له ترتيباتها، فزع السيد ليمون.
وقال: «إنها مجازفةٌ أن ترتِّبي الأمر من دون أن تتركي مساحةً من الوقت في حين أنكِ ستكونين في طريق العودة من خارج البلاد. قد تكون القناة مضطربة وهائجة للغاية فلا تستطيعين العبور. ألا يمكنكِ تغيير تاريخ زيارتك لسويسرا؟»
«مستحيل. لقد كرَّستُ نفسي للتو لمهرجان محلي. لا أستطيع تركهم في مأزق كهذا. لا تقلق، سأحضُر … ولكن، حتى لو تأخرتُ، فأنا واثقةٌ أنك تستطيع التحدث نيابةً عني.»
«شكرًا لكِ يا آنسة لوفابل. ولكن تذكَّري، أنا أعتمد على لمستكِ الشخصية.»
كانت معنويات الآنسة لوفابل مرتفعةً عندما أنهَت المكالمة. ورغم أن من عادتها أنها لا تشير إلى عمل أو تذكُره حتى يكتمل، فإنها أخبرتْ إلسي بنِيَّتها في بيع المنزل رقم «١٩» بمنطقة ماديرا كريسنت، مع محتوياته.
فقالت لها: «المكان يعجُّ بأفكار الآخرين. آمل ألا أُضطَر لقضاء ليلةٍ واحدة حتى هناك. لكن الآن عاد حظِّي مرة أخرى، بعد ما حدث يوم السبت. وكذلك حظك يا إلسي. لديَّ بعض الأخبار الجيدة لكِ.»
وعندما أخبرت الخادمة أنها ستترقى إلى رتبةِ بائعة في الحفل، بدلًا من التجول في الأرجاء مع الخادمات الأخريات، حاولَت الفتاة التحدث عدَّة مرَّات دون جدوى.
فاندفعت تقول: «أنتِ تعرفينني. أنا أنأى بنفسي. وأتمتَّع بقدرٍ من الاعتزاز … لكن عندما أمضي في عملٍ من أجل أي أحد، فإني أمضي فيه إلى أقصى الحدود.»
فهمت الآنسة لوفابل مغزاها. كانت إلسي تحاول أن تخبرها أنها لن ترافقها فقط إلى حبل المشنقة، بل ستحلُّ محلَّها.
لم يكُن احتمال التضحية بعيدًا كما يبدو. فخلال يوم الأحد، كان ثمَّة فكرةٌ تتشكَّل في عقل إلسي. كانت تقدِّس الهزل مثل معظم الناس الكئيبين. وكانت عودة سيدتها المفاجئة قد أثارت اهتمامها وأثارت خيالها باعتبارها كوميديا هزلية رائعة.
وبدورها، بدأت تتساءل إذا كانت تستطيع أن تفاجئ الآنسة لوفابل. يمكنها تركُ الحيوانات الأليفة برعاية السيدة بِيت في ليلة الثالث عشر من سبتمبر والبقاء مع الآنسة لوفابل في لندن خلال الليل.
تخيلت الإثارةَ التي ستشعر بها عندما تتسلل إلى الظلام في البيت الفارغ وتنتظر أن تُدخِل سيدتها المفتاحَ في القفل. وبمجرد أن تسمعه، ستشغل الضوء، وتفتح الباب وتقول: «الآنسة لوفابل ليست موجودة في المنزل»، هذا إذا استطاعت أن تمنع نفسها من الضحك قبل أن تقول جملتها.
لم تستطع رؤية أيِّ علَّة في خطتها. كان موظَّفو المكتب العقاري يعرفونها جيدًا ولن يعترضوا على منحها مفتاحًا، خاصةً أنهم يعرفون أن من المتوقَّع عودة الآنسة لوفابل من خارج البلاد في ذلك المساء.
كانت الأحداث تسير على خيرِ ما يرام بالنسبة للشاب في الشقة اللندنية المظلِمة نوعًا ما. إذا انعدم الضياء تساوت النساء، وامرأة تعدل أخرى فيما يتعلَّق بغرضه الخاص.
كانت المسألة: مَن سيدخل أولًا إلى المنزل رقم «١٩» بمنطقة ماديرا كريسنت، بلندن، في ليلة الثالث عشر من سبتمبر؟