البطاقات تتحدث
خلال الأيام القليلة التالية، كانت الآنسة لوفابل تعاني من قلقٍ بالغ. كانت ترغب في الذهاب إلى سويسرا دون تأخير. في الليل، كانت تحلم بجبال الثلج ذات القمم المتجمِّدة، والتي تنتصب في ارتفاعاتٍ شاهقة. وخلال النهار، كانت ترى باستمرار سلسلةَ الجبال الثلاثية المكوَّنة من جبال إيجير، ومونك، ويونجفراو.
وعندما كانت رغباتها في ذروتها، أصبحت وسائل تلبية تلك الرغبات تستحوذ على فكرها. إذ أرسل السيد ليمون لها شيك الميجور براند للإيجار المقدَّم للمنزل رقم «١٩» بماديرا كريسنت. كانت قيمة الشيك أعلى من أعلى توقعاتها، وخاصةً بعد أن تعيَّن عليها أن تعترف بأن المنزل يقع في حيٍّ غير عصري.
وعلى الفور حلَّقَت أفكارها نحو بكنجهام.
«أتساءل إن كانت له علاقة بذلك. كانت تلك مجرد ذريعة ليعود. لقد أراد أن يراني مرةً أخرى.»
ثم تهلَّل وجهها فجأةً بفكرة واتَتْها. أدركتْ أنه لا يوجد الآن شيء يعوقها عن البدء في رحلتها إلى جريندلوالد. بإمكانها الاستمتاع بكلِّ دقيقة في أسبوعَي الإجازة دون أيِّ قلق من أن تفقد اتصالها بالميجور براند وتفوِّت مقابلته. والأكثر من ذلك، أنها كانت تستطيع أن تتجنَّب تمامًا أن تبيت آخِر ليلة في لندن. فإذا ما غيَّرتْ جدولها الزمني لرحلة العودة، فستستطيع العودة مباشرةً إلى منزل البحيرة وتستقلُّ قطار العمَّال من هايفيلد في صباح يوم الرابع عشر من سبتمبر.
قالت في نفسها: «أرغب حقًّا في أن أَلقى ترحيبًا بعودتي. أريد أن أعرف أن شخصًا ما يتوقَّع عودتي. شخصًا ينتظرني.»
في تلك اللحظة، كادت أحسن حظوظ الآنسة لوفابل أن تؤمِّن لها الفوز. إذ كانت على وشك الاستسلام لرغبتها الشديدة عندما تذكَّرت أنها قد سدَّت الطريق على نفسها بحركةٍ مبتسرةٍ وخاطئةٍ خطأً فادحًا.
كانت ملتزمة بالبقاء لأجل المهرجان بسبب إلسي. كانت تعرف أنها إن أخلفتْ وعدها لزوجة القسِّ، فلا يمكن أن تتوقع أن تتلقى خادمتها معاملةً تفضيلية ومميزة. ولمَّا كانت غيرَ قادرة على تخييب أمل الفتاة، قرَّرت الالتزام بخطتها الأصلية والسفر إلى سويسرا في اليوم التالي للمهرجان.
أكملَت الآنسة لوفابل جميع ترتيباتها للرحلة. فاشترتْ تذاكر القطار، وأتمَّت حجزها، وسجلت حجزًا في غرفة هادئة في فندق متواضع ولكنه جيد الطراز. كان يفصلها عن عطلتها أقلُّ من أسبوع حين تغيَّر شعورها بشكلٍ كامل.
وجدت نفسها تخشى أن تفارق إلسي وحيواناتها الأليفة. كانت تصيبها غصَّة في حلقها كلما جرى سكوتي جريته الشهيرة حول الحديقة أو استرخى ديفيد مادًّا قوائمه الأربعة كنجمِ البحر.
كما تغيَّر الطقس أيضًا فكان مثاليًّا، مع هبوب نسيمٍ قوي يثير الغيوم ويبقيها متحركةً تحت سماء صافية الزُّرقة.
لم يبدُ بيتها أكثرَ جاذبية أو حديقتها أكثر جمالًا بهذا الشكل من قبل. كما تفتَّحت زهور الخريف مبكرًا، حين ظلَّت زهور الصيف تتراقص، فالتقت زهور الأقحوان وزهور النجميات والداليا مع زهور الدلبوت والمخملية والخشخاش التي كان من المقرَّر أن تحلَّ محلَّها.
«إنها جريمة أرتكبها إن تركتُ كلَّ هذا»، هكذا قالت وهي تحدِّق في الأحواض المنسَّقة على طريقة «كيلواي» الخاصة بها، حيث امتزجَت الألوان الأرجواني والوردي والأزرق والبرتقالي والقرمزي والأصفر في غشاوةٍ زاهية تشبه قوسَ قزح.
فذكَّرتها إلسي: «لكنكِ ستقطفين الكثير من زهور الذنيان الجبلي.»
متجاهلةً قراءة «نيوز أوف ذا وورلد»، أمضَت الخادمة وقتَ فراغها في الاطلاع على الأزياء في أعمدة الإعلانات في جرائد الآنسة لوفابل بغيةَ العثور على شيءٍ ملهِم لفستان جديد.
إذ أفضَت إلى سيدتها قائلةً: «أرغب في أن أبدو كسيدة، لا كنجمة سينما.»
واصلَت الآنسة لوفابل بعنادٍ تحضير المعلبات والمخللات لكشك المنتجات؛ ولكن قبل ثلاثة أيام من المهرجان، أوقفت العمل وركبت الحافلة التي مرَّت عبر هايفيلد في طريقها إلى أماكن أكثر أهمية.
وبعد رحلة مسافتها ثلاثة أميال، نزلتْ أمام نُزُل في قرية كبيرة تكاد تكون بلدة صغيرة. في شارع القرية، كانت هناك محلات تبيع السمك واللحم؛ وهي تجارةٌ مرفوضة في هايفيلد وفقًا للمعايير الخاصة بالمكان. وكان هناك أيضًا بنكٌ وسينما صغيرة وعيادتان لطبيبٍ بشري وطبيب أسنان ومكتب محامٍ.
كانت الآنسة لوفابل تكره المهمة التي كانت ملتزمةً بها. وقد شدَّت على أسنانها بحزمٍ وإصرار وهي تخفض رأسها لتدخل باب مبنًى قديم من الخشب والجص. كان داخل المكتب مظلمًا كالكهف، وتنبعث منه رائحة الورق العفِن التقليدية، لكن المحامي نفسه كان ذا رُوحٍ مرِحة وبهيجة.
قالت له الآنسة لوفابل: «أريد أن أكتب وصيتي.»
فقال لها وهو يبتسم: «إجراءٌ مناسب، لقد فاجأني أنكِ لم تفعلي ذلك من قبل. أنتِ دائمًا تتَّسمين بالعملية.»
فقالت: «في الواقع، سنجعلها قصيرةً وبسيطة. يجب أن أوقِّع عليها قبل أن أذهب إلى جريندلوالد.»
كان المحامي يعرف كلَّ شيء عن زيارتها؛ حيث كان يعيش في هايفيلد وكان يتنافس معها على مسابقات الزهور.
وقال لها: «ثروتكِ جيدة جدًّا.»
ردَّت الآنسة لوفابل، وهي تبتسم لمَّا أثنى على ممتلكاتها: «أوه، أتظنُّ هذا حقًّا؟ والآن، أريد تَضْمين كلِّ شيء وأن تذهب نصف الحصيلة إلى خادمتي — إلسي وردزورث — والنصف الآخَر إلى الجمعيات الخيرية. ها هي القائمة. ستأخذ إلسي قطتي وكلبي، لكني أريد وثيقةَ وصاية لهما.»
فسألها: «هل تشكِّين في الخادمة؟»
وأجابته: «كلَّا بالطبع. لكنها ليست قوية، وهي مُخلِصة لي لدرجة أنني أخشى أنها قد تنهار إذا حدث لي شيء. ها هي قائمةٌ بالأشخاص الذين أثق فيهم لرعاية حيوانَي الأليفَين حتى يموتا. كما ترى، تأتي الآنسة بِيت في المقام الأول.»
دوَّن المحامي تعليماتها. وكان معتادًا على كتابة الوصايا والعهود الأخيرة لدرجة أنه لم يجد أيَّ شيء يتناقض مع الموت فيما يخصُّ عميلة مثلها مفعمة بالحيوية والنشاط. وحين صافحها عند انصرافها، ألقى بدعابةٍ على مسامعها.
فقال: «لا تُخبري الخادمة عن الوصية وإلا قد تجدي في الشاي سمَّ فئران.»
ارتاحت الآنسة لوفابل عندما تمَّت تسوية الأمور أخيرًا. وقد زارتْ مكتب المحامي مرةً أخرى، عند توقيع الوصية والشهادة عليها في الليلة التي سبقتْ حفلة الحديقة. وهذه المرة، هنَّأها المحامي على مظهرها المتألِّق.
وقال: «أتنبأ بأنه سيمضي وقت طويل جدًّا قبل أن تتحقق استفادة لأحدهم من خلالِكِ.»
ومع شروق اليوم التالي، كانت الآنسة لوفابل سعيدةً لأنها بقيتْ من أجل الحفلة. كانت الحفلة دائمًا حدثًا محليًّا مهمًّا، لكنَّ الإثارة زادت هذا العام بفضل رعاية الليدي بونتيبول.
وعندما وصلت الآنسة لوفابل وإلسي إلى ساحة هايفيلد بارك — حيث كانت تقام الحفلة — شكَّلتا تباينًا واضحًا. إذ أظهرت إلسي ذوقها السليم المعتاد في فستانها الجديد وبدتْ كأيِّ فتاة تنتمي إلى الطبقات الراقية. من ناحيةٍ أخرى، لم تحاول الآنسة لوفابل التنافس مع خادمتها، ولكنَّها ارتدتْ فستانًا تقليديًّا أبيضَ من الكتان، قصير الأكمام ويظهر ذراعَيها المسفوعتَين بالشمس.
وأول ما دخلتا السرادق، سحبَت الآنسة بيت الآنسة لوفابل جانبًا.
وهمست قائلةً: «من المفترض أن تكون السيدة رام عرَّافة غامضة. تطلق على نفسها اسم «زورا». لا تُظهري أنكِ تعرفينها وإلا خابتْ توقعاتها.»
وكما وعدت الآنسة لوفابل، أنبأ تصفيق مفاجئ بدخول الليدي بونتيبول. كانت الليدي بونتيبول امرأةً جميلة، بغضِّ النظر عن حقيقة أنها كانت تستعين بكلِّ حيل الموضة وصناعة الأزياء. كان فستانها مصدرَ إلهامٍ لجنسها، في حين أن كلمتها كانت نموذجًا مثاليًّا عن نوعيتها وطبيعتها. إذ تمكنت ببضع كلمات من أن تقنع جمهورها بأنها لم تحضر من قبل مثلَ هذا الحدث الساحر، ولم تلقَ ترحيبًا أحرَّ من ترحيب هؤلاء القوم المبهجين.
والأهمُّ من ذلك، أنها ضربتْ مثالًا للجمهور بالتجول بين الأكشاك. وبمجرَّد أن وصلت إلى كشك المنتجات، استدعتْ رئيسةَ لجنة الشاي، زوجة القسِّ، التي كانت ترافقها. ومن ثَم، وفي غياب التقديمات المعتادة، ألقَت الليدي بونتيبول نظرةً على متعهِّدي الأكشاك واختارتْ إلسي بائعةً، الأمر الذي سبَّب إزعاجًا مستترًا للآنسة لوفابل.
كانت خائبةَ الأمل؛ لأنها كانت تتطلع إلى أن يتمَّ تقديمها لهذه الشخصية المجتمعية الساحرة، لكنها أخفتْ مشاعرها عندما أخذَت المساعدة الأخرى جانبًا. لاحظتْ أن إلسي كانت توصي بوعاءٍ من عسل الخلنج بأقصى درجات الاحترام، قبل أن تنشغل بزبون آخَر. بل فُوجئت أكثر بعد مرور وقت قليل، حين وجدت أن الليدي بونتيبول لا تزال في الكشك وتتجاذب أطراف الحديث مع خادمتها.
ففكَّرت في نفسها: «آمل أن إلسي لا تتظاهر بأنها من عِلية القوم.»
ثم سرعان ما شعرتْ بالخجل من شكوكها التافهة الجائرة؛ لأن وجه الفتاة احمَرَّ من السرور عندما وقعت عينُها عليها.
وقالت بفخرٍ لليدي بونتيبول: «هذه هي سيدتي.»
رحَّبت بها الليدي بونتيبول في سرورٍ تمكنتْ من جعله يبدو صادقًا.
وقالت: «خادمتكِ كانت تقيم رابطةً بيننا. عرفتُ أن أختها خادمة عند قريبتي. وأنا أعرفها جيدًا.» (لكنها لم تُضِف «عيانًا».) «كانت تخبرني أيضًا عن المباهج التي أعدَدتِها لها. كم أنتِ متفهِّمة وعطوفة … والآن يجب أن أشتري شيئًا منكِ. شيئًا صنعتِه بنفسكِ.»
لم تكُن الآنسة لوفابل مبهورةً جدًّا بشخصية الليدي بونتيبول لتعطيها سعرًا استغلاليًّا لجبن الدامسون الذي صنعَتْه. وبينما كانت تبيعها، تمكَّنت أن تدسَّ وسط الكلام معلومةَ أنها ستسافر خارج البلاد في اليوم التالي.
صاحت الليدي بونتيبول: «وأنا أيضًا. يا لها من صدفة! أين ستذهبين؟»
«جريندلوالد.»
«آه، مكان رائع. أغبطكِ على ذلك. أنا سأقود السيارة. سأذهب إلى دلماسية. وقد أعود عبر سويسرا. لذا قد نلتقي مرةً أخرى.»
«ألن يكون غريبًا لو التقينا في باريس؟ يتعيَّن أن أشتري قبعة. لا أرتدي القبعات في العادة، لكن قبعتكِ تجعلني أشعر أن ارتداء قبعةٍ قد يكون فكرةً جيدة.»
«إذَن يجب أن أخبركِ باسم صانع القبعات. لكن يجب أن تُبقيه سرًّا.»
أخرجَت إلسي قلم رصاص وورقة، وائتُمنت الآنسة لوفابل بسرٍّ حُرِم منه المقرَّبون من الليدي بونتيبول. ثم أنهت الليدي جولتها حول الأكشاك، وتناولت الشاي مع زوجة القسِّ — التي عاتبتْها على التدخين كثيرًا — وغادرتْ.
وبعد أن غادرتْ، تلاشى السِّحر من الحفلة. لم تشعر الآنسة لوفابل بأيٍّ من حماسها المعتاد لأنْ تجمع أكبرَ مبلغ. وبينما كانت تنظر حولها إلى الملامح المألوفة لأيِّ حدث ترفيهي ريفي صغير؛ أصبحت ضجِرةً وكثيرةَ الانتقاد. كان هناك قلَّةٌ من الشباب، ونقصٌ كبير في عدد الرجال. كان الحدث يحتاج إلى شخصٍ بجرأةِ بكنجهام لإثارة الاهتمام. من المؤكَّد أن محاولة بيعه جرَّةً لا يريدها من المخللات ستكون بمنزلة شهادة على قدراتها على الإقناع.
وفجأةً تذكَّرَت العرَّافة.
فقرَّرَت: «الأمر كلُّه هراء … ولكني سأجعلها تقرأ طالعي.»
وفي طريقها إلى خيمة زورا، أوقفتْها الآنسة بِيت.
وقالت: «جلبتْ لنا الليدي بونتيبول بعضَ المصوغات المصرية. ابتاعي لنفسكِ جُعرانًا من قبرِ مومياء؛ ليجلب لكِ حُسن الحظ. فأنتِ تؤمنين بالأساطير.»
«كلَّا … لا أومن بالأساطير»، هكذا صرَّحَت الآنسة لوفابل وهي تختار جُعرانًا بلونَين أزرق وأخضر.
ولمَّا وصلتْ إلى وِجارِ العرَّافة، استقبلتْها سيدةٌ محلية تعمل موظفةَ استقبال وضابطة استخبارات. أخذت شلنًا من الآنسة لوفابل واختفتْ خلف الستائر في الحجرة الداخلية. وبعد تهامُس على عجل، أُدخِلَت الآنسة لوفابل إلى كهفِ الغموض الحارِّ والمليء بالدُّخان والمُضاء بمصباح أرجواني خافت. وأخفقت البخور الشرقية في إخفاء رائحة نوع السجائر التي تستخدمها السيدة رام، لكنَّ العرَّافة نفسها كانت قد تبدَّلت تمامًا.
كانت ترتدي مجموعةً من الثياب السوداء، وكان رأسها ووجهها يغطِّيهما حجابٌ لونُه بحُمرة النبيذ، تحتهما لمَعَ قناعٌ بلون الذهب المعدني، مشقوقٌ عند العينَين والشفتَين. بدا مظهرها وحشيًّا وغير بشري لدرجة أنَّ الآنسة لوفابل شعرتْ براحةٍ كبيرة عندما بدأ التمثال في الكلام بصوتٍ مصطنَع.
«البطاقات أم اليد؟»
«البطاقات، من فضلكِ.»
بدأت العرَّافة تنشر جزءًا من حزمة البطاقات على طاولةٍ صغيرة، وبدأت في العدِّ بالأصابع المغطَّاة بقفازٍ ذهبي.
وقالت: «ستتلقين رسالةً تحتوي على دعوة. أظنُّ أنها لحفل زفاف. نعم، ها هو الخاتم، جنبًا إلى جنب مع القلوب. خلال شهر، قد تصلكِ هديةٌ من رجل مُسِن. وقريبًا جدًّا ستحصل لكِ مفاجأة. أرى أيضًا رحلة. ستسافرين إلى خارج البلاد.»
علَّقت الآنسة لوفابل: «نعم، أنا ذاهبة إلى جريندلوالد. ليس خبرًا حصريًّا. الجميع يعرف ذلك.»
«أرى ذلك في البطاقات. في هذه الرحلة ستلتقين بأصدقاءَ جُدد. ويوجد في طالعكِ رجال. يفكِّر أحدهم فيكِ الآن.»
«لا بد أنه الرجل الذي أعطيتُه بعضَ الفكَّة.»
ثم بدأت الآنسة لوفابل في محاولةِ تفسير البطاقات بنفسها حين ملَّت العناصر التقليدية.
فسألت: «أليست هذه بطاقةَ الموت؟»
أجاب الوثن: «ليس بالضرورة. فقط حين تقترن مع بطاقات أخرى.»
«لكن هناك بطاقة آس بستوني مقلوبة، مع بطاقتَي عشرة وتسعة من بطاقات البستوني. هذا سيئ، أليس كذلك؟»
«ينبغي أن تكوني حذِرة بالتأكيد.»
«ممَّ؟»
«من رجل.»
«أهو عدوي؟»
«كلَّا، أنتِ محاطة بالأصدقاء. هذا الرجل يُعادي رجلًا آخَر بالتأكيد.»
فجأةً نسِيَت العرَّافة صوتها الرنَّان، وصارت نبرة صوتها عميقة.
وقالت في تبرُّم: «كل شيء مربِك للغاية. لا أحد يتمنَّى لكِ الشرَّ؛ ومع ذلك هناك تهديدٌ لسلامتكِ. من واجبي تحذيركِ بأن هناك خطرًا.»
«أمرٌ جيد أنني كتبت وصيتي. هل الرجل الخطير شخصٌ أعرفه؟»
«كلَّا، إنه غريب.»
«إذَن، لماذا اختارني أنا؟ هذا لا يُعقَل.» وحين أدركت الآنسة لوفابل أنها بدأت تأخذ طالعها على محمل الجِد، بدأت تضحك. وأردفت: «لا بد أنه سائق قطار. سأكون ضحيةَ حادث قطار.»
فأجابتْها العرَّافة: «كلَّا، يكمن الخطر في المنزل … هل يمكنني النظر إلى يدكِ لِلحظة؟»
وعندما مدَّت السيدة رام المتنكِّرة يدها؛ شعرت الآنسة لوفابل بأنَّ أصابعها ترتجف قليلًا.
فقالت قارئةُ الطالع: «أوه، هذه يدٌ محظوظة جدًّا. لديكِ كلُّ شيء: زوج، سعادة، أطفال، رخاء، حياة مديدة. فقط … هناك الإشارة نفسها إلى وجودِ خطر.»
«شكرًا.» ثم ألقَت الآنسة لوفابل نظرةً على ساعتها وصاحت فجأةً: «يا إلهي، لم تتناول إلسي الشاي. يجب أن أعود سريعًا للتخفيف عنها.»
وممَّا أثار اندهاشها أن السيدة رام رافقتْها إلى المدخل.
وشدَّدت تقول لها بصوتها الطبيعي: «أرجوكِ كوني في غاية الحذر. هذا ليس أمرًا يُستهان به. تذكَّري أنني أخبرتكِ بطالعكِ من قبل … وقد تحقَّق.»
وما إنْ عادت إلى خيمتها حتى برزتْ رأس السيدة بِيت من الباب في الخلف.
وسألتْها: «هل أنتِ متاحةٌ لتُخبريني عن طالعي؟»
أجابت السيدة رام بصوتٍ مضطرب: «ليس الآن. انصرفي أرجوكِ. يجب أن أدخِّن قليلًا لأهدِّئ أعصابي قبل أن أستقبل الزبون التالي. سأشرح لكِ لاحقًا.»
استمرَّ الحفل برتابة حتى وصَلَ إلى نهايته، وقد مضى الوقت مملًّا على الآنسة لوفابل ومثيرًا على إلسي. وبعد فترة، ألقى القسُّ خطابَ شكر عام، وأعلن فيه مجموع الإيرادات. ثم صفَّق الجميع وعزفتْ فرقة القرية الموسيقية «حفظ الله الملك.»
وعندما أُطفِئَت آخِر الأضواء الملونة وأصبحت الحديقة شبهَ مهجورة، توقفت الآنسة لوفابل عن حزم الأمتعة وتحدَّثت إلى إلسي.
«لقد تذكرتُ للتوِّ أنني تركتُ حقيبتي الصغيرة في لندن. سأرى إذا كان بإمكاني استعارة واحدة من السيدة بوسانكيه.»
ولمَّا كانت الآنسة لوفابل تفتخر بأنها لا تستعير شيئًا من أحد، كانت زوجة القسِّ هي الشخص الوحيد الذي يمكنها التوجُّه إليه. كانت تعرف أن المديرة السابقة للمستشفى يمكن الاعتماد عليها دائمًا للتعامل مع الحالات الطارئة.
وفي هذه المناسبة، لم تخذل السيدة بوسانكيه الآنسةَ لوفابل.
إذ قالت: «كلَّا يا عزيزتي، لا يمكنني التخلِّي عن واحدةٍ من حقائبي. فأنا دائمًا ما أستخدمها. ولكن يوجد شيءٌ هنا قد يفي بالغرض. وضعتْ خادمة الليدي بونتيبول تلك الخردوات المصرية القديمة في علبة مجوهراتٍ قديمة. وتركتْها كنفاية غير مرغوبٍ فيها … هاكِ هي.»
وبعد أن بحثتْ خلف بعض الطاولات المكدَّسة، أخرجت علبةً غالية الثمن ولكنها مهترئة قليلًا.
قَبِلَت الآنسة لوفابل العلبةَ بحماس.
وقالت: «إنها مصنوعةٌ من جلدٍ رائع. أجمل بكثير من حقيبةٍ رخيصة جديدة. أودُّ استعارتها لعطلتي.»
«هي لكِ. ولكن أَبقِي التُّوَيج بعيدًا عن الأنظار.»
مَثَّل حصول الآنسة لوفابل على علبة المجوهرات مرحلةً حاسمةً في مباراة بين قوتَين كبيرتَين متعاديتَين. كان الحفل قد رتَّب الأمور لصالح مصير الآنسة لوفابل الخبيث والمبهَم؛ وذلك من خلال تشكيل جدول أعمالها الزمني، لكن حين كانت على وشك الانهزام، دفَعَ الحظ بالليدي بونتيبول إلى المباراة.
كانت لا تزال هناك فرصةٌ ضئيلة.
ومع ذلك، كان هناك شخصٌ لم ينخدع بأي أوهام بالأمان. فبينما كانت الآنسة لوفابل وإلسي تسيران في طريق عودتهما إلى منزل البحيرة — وهما مثقلتان بالكثير من الأشياء المكدَّسة — دخلت الآنسة بِيت خيمة العرَّافة. كانت السيدة رام قد خلعتْ قناعها الذهبي وكانت تدخِّن عندما تحصي مكاسبها التي لم تتسلَّمها بعدُ.
سألت الآنسة بِيت: «ماذا كان خطبكِ عندما دخلتُ عليكِ من قبل؟»
كان سؤالها مثل إشارة للسيدة رام لتتحوَّل إلى أداءٍ درامي.
فقالت: «أوه يا عزيزتي. لقد تعرَّضتُ لصدمة فظيعة للغاية. كنت أقرأ البطاقات لشخصٍ ما — لا أستطيع أن أخبركِ مَن هي — ورأيتُ ميتةً شنيعة. كانت يدها أيضًا تُظهر ذلك — انقطاع في خطِّ الحياة … ستُقتَل.»