(ب) أبرز الموانئ التجارية للغرب الأوروبي
تميَّزت الموانئ المسيحية عن نظيرتها الإسلامية؛ فنطاقها التجاري كان أوسع واشمل،
وامتدَّت إلى مُدن المغرب والمشرق الإسلامي ووصلت حتى الهِنْد والأندلس، بالإضافة
إلى أن منتجاتها غزت الأسواق المسيحية عامة.
فمن بين تلك الموانئ المهمة موانئ الجمهوريات الإيطالية (جنوة، بيزا، البندقية،
أمالفي)، فكان لوضعها الجغرافي دور محوري في تجارة البحر المتوسط،
٢٤٥ فمثلت محطة لإعادة توزيع البضائع سواء القادمة من أوروبا أو من المشرق
إلى بلدان البحر المتوسط.
٢٤٦
واعْتُبر ميناء جنوة من أعظم الموانئ في البحر المتوسط نظرًا لحجم التجارة
المتداولة من خلاله، ولأن تُجَّاره جابوا جميع البلاد والأماكن وجلبوا شتى أنواع
التجارات، وقد ساعد على ذلك ما امتلكوه من قوةٍ بحريةٍ ضخمة أهَّلتهم لذلك، هذا
بخلاف شعبها الذي كان يُعتبر من أمهر صناع السفن في منطقة البحر المتوسط؛ ولهذا
تُعتبر سفنها الأَمْيَز والأفضل،
٢٤٧ لذلك شهد ميناء جنوة الكثير من التوسعات لاستقبال أكبر عدد من السفن
والمراكب، كما حدث في ٧٠٠ﻫ/١٣٠٠م، ٧٢٩ﻫ/١٣٢٨م، ٨٦٦ﻫ/١٤٦١م،
٢٤٨ في الوقت الذي غيرت فيه جنوة من سياستها الاقتصادية والسياسية خاصة مع
بداية القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي.
٢٤٩
أُضيف إلى ذلك ميناء بيزا التجاري، فكان من أبرز الموانئ التجارية في البحر
المتوسط لما تمتع به من مكانة؛ نتيجة قوة أسطوله البحري الذي جاب أرجاء البحر
المتوسط تجاريًّا وحربيًّا،
٢٥٠ فكانت بيزا مركزًا بحريًّا لنقل البضائع والمنتجات من وإلى منطقة البحر
المتوسط بشقَّيه الغربي والشرقي،
٢٥١ فاشتهرت بالعديد من الصناعات والتجارات ومن أكثرها وأشهرها تجارة
المنسوجات والأقمشة والصوف وإعادة توزيعها، حيث ساهمت في زيادة النمو التجاري
لبيزا.
٢٥٢
ولكن مع بدايات القرن ٨ﻫ/١٤م بدأت بيزا تفقد أهميتها التجارية بعد أن كانت من أهم
المحطات التجارية في غرب البحر المتوسط خاصة خلال القرنين السادس والسابع
الهجريين/الثاني والثالث عشر الميلاديين؛ فلم تَعُدْ قادرة على أن تلبِّي
الاحتياجات اللازمة لحركة الرواج التجاري من مسايرة التقدم والتطور البحري
ولتفكُّكها السياسي والنزاعات الداخلية، مما حال دون المحافظة على مكانتها التجارية
الرائدة في شبكة التجارة البحرية في البحر المتوسط.
٢٥٣
واعْتُبرت موانئ جزر البليار (ميورقة، منورقة، يابسة) من المحطات التجارية في
البحر المتوسط، فميورقة ملتقًى تجاريٌّ كبير بين موانئ البحر المتوسط الغربي سواء
من جنوب إيطاليا أو برشلونة وأيضًا الموانئ الفرنسية، فاعْتُبرت نقطة البداية
للعديد من الرحلات التجارية الكتالونية والإيطالية والفرنسية إلى الشمال الإفريقي،
واعْتُبرت جزر البليار وسيلةً بحرية آمنة للطريق البحري الذي ربط الموانئ الإيطالية
بإسبانيا.
٢٥٤
وعلى الرغم من ذلك فقد عانى التجار الكتالونيون في كثير من الأوقات من ويلات
الضرائب التي فرضتها ميورقة عليها؛ مما أدى إلى قلة التبادل التجاري بينهما، خاصة
في ظل الصراعات التي كانت موجودة.
٢٥٥
وبرزت أهمية الموانئ الكتالونية في عملية التجارة سواء مع مُدن الغرب الإسلامي أو
الغرب الأوروبي التي أصبحت مع بداية ق٨ﻫ/١٤م ذات نشاطٍ تجاريٍّ متميز على صعيد
التجارة مع بلدان البحر المتوسط كافة،
٢٥٦ وظهر تأثير القراصنة واضحًا من خلال حجم المبادلات التجارية بين
الموانئ الكتالونية ومُدن المغرب الإسلامي خلال القرن ٩ﻫ/١٥م، خاصة على المنتجات
الزراعية والجلد والصوف والأقمشة وغيرها من البضائع، وبالأخص من قِبل قراصنة
ميورقة.
٢٥٧
ولعبت الصراعات الدائرة بين كتالونيا — باعتبارها مسيطرة على ميورقة بعد سقوطها
من قبضة الحكم الإسلامي — والدول المحيطة بها؛ دورًا في قلة التبادل التجاري معها،
فقد برزت أهمية الموانئ الكتالونية في النشاط التجاري مع مُدن الغرب الإسلامي
والمسيحي، التي تطورت مع بداية ق٨ﻫ/١٤م، مع بلدان البحر المتوسط كافة،
٢٥٨ واستمرت حتى القرن ٩ﻫ/١٥م.
٢٥٩
ميورقة
محطةٌ تجاريةٌ مهمة في عمليات التبادل التجاري بين عالمي الغرب الإسلامي
والغرب المسيحي؛ فمنها تبدأ الرحلات التجارية منطلقة لموانئ البحر المتوسط في
النصف الثاني من يوليو من كل عام، باعتبارها وسيلةً بحريةً آمنة للطريق البحري
الذي ربط موانئ الحوض الغربي للبحر المتوسط بعضها ببعض، فاعْتُبرت نقطة البداية
للعديد من الرحلات التجارية الكتالونية والإيطالية والفرنسية إلى الجنوب
لطرابلس، وجربة، وإفريقية، ووهران، وبجاية، وبقية موانئ المغرب مواصلة بعد ذلك
إلى الأندلس ومملكة أراجون ومملكة جنوب إيطاليا والموانئ الفرنسية،
٢٦٠ ولكن في الأوقات التي كان فيها تعنت من أراجون مُنع بيع البضائع
القادمة من بجاية وإِفْرِيقِيَّة على التجار الذين لا يحملونها على سفن
ميورقية.
٢٦١
واعتبرت ميورقة أن رواجها التجاري مع المناطق المجاورة مع كلٍّ من
صِقِلِّيَّة وسردينيا ومُدن الغرب الإسلامي ليس من أجل النمو الاقتصادي لها
فحسب، ولكن من أجل الاستقرار السياسي المصاحب لهذا النمو في منطقة الحوض الغربي
للبحر المتوسط، وهو ما ينعكس بدوره على اقتصادها.
٢٦٢
فحظيت موانئ المغرب بواحدة وثلاثين رحلةٍ تجارية مقارنة بإِشْبِيلِية وجزيرة
يابسة لكل واحدة رحلتان ورحلة لجنوة سنويًّا،
٢٦٣ ويرجع ذلك للعلاقات الجيدة والمعاهدات التجارية واستمرار التبادل
التجاري حتى في فترات النزاع، ففي ٦٧٣ﻫ/٦ أغسطس ١٢٧٤م سمح ملك أراجون لاثنين من
التجار الميورقيين بالتجارة في تلمسان،
٢٦٤ وعلى النقيض من ذلك لاقى التجار الكتالونيون في بعض الأوقات الضرر
من ويلات الضرائب التي فُرضت عليهم من سلطة ميورقة جراء الصراعات والاضطرابات
الدائرة بينهم.
٢٦٥
وما تُظهره معاملات التبادل التجاري بين التجار الميورقيين وتجار الغرب
الإسلامي من خلال عمليات البيع والشراء، التي تعكس هذا التواجد التجاري داخل
بلدان الغرب الإسلامي واستعانتهم بالوسطاء التجاريين لترويج سلعهم وبضائعهم
وبخاصة النَّسيجية،
٢٦٦ فحظي الغرب الإسلامي بنصيبٍ كبير من التجارة الميورقية وخاصة
القُطْن، التي دلَّت عليها التصاريح التجارية، وذلك ما بين عامي
٧٤٢ﻫ/١٣٤١م-٧٤٣ﻫ/١٣٤٢م، والتي بلغت ٣٨ تصريحًا من ٨٧ تصريحًا لكافة موانئ البحر
المتوسط، وهذا يوضِّح الأهمية التجارية التي عادت على جزر البليار جراء حركة
التبادل التجاري مع الغرب الإسلامي وخاصة الساحل المغربي،
٢٦٧ وصدَّرت ميورقة المنتجات النَّسيجية — الصوفية — لبلدان المغرب
الإسلامي لما امتلكته من مُقوماتٍ صناعية وزراعية أهَّلتها لأن تكون في هذه
المكانة، وهو ما أشار إليه التبادل التجاري بينهما خاصة خلال القرن
٨ﻫ/١٤م.
٢٦٨
وعن دور ميورقة كمركز لتوزيع السلع والبضائع القادمة من الغرب الأوروبي،
فكانت الأقمشة الكَتَّانية والمَنْسوجات البيضاء القادمة من بلاد الفلندر، ومن
شمال فرنسا، بالإضافة للمَنْسوجات الصوفية، وتوزيعها وإرسالها إلى الغرب
الإسلامي وبخاصة لتونس عن طريق التجار الميورقيين، ففي ٦٤٥ﻫ/أبريل ١٢٤٧م رتب
التاجر الميورقي جون دي باس
Joan de Bas لنقل
كمية من قماشٍ فلامنكي وبرفانسي من ميورقة إلى تونس.
٢٦٩
ومن بين السلع والبضائع ذات الأهمية الاستراتيجية التي صدرتها ميورقة الصوف؛
فاحتلت تجارته مرتبة مرموقة بين المبادلات التجارية،
٢٧٠ في حين أصبحت الأصواف الإسلامية ولفتراتٍ طويلة بفضل جودتها مطلبًا
لعديد من المُدن سواء ميورقة وجنوة وبيزا وما أظهرته العديد من الرسائل
والوثائق،
٢٧١ وما حظيت به ميورقة من دورٍ تجاريٍّ مهم في إعادة تصدير الأصواف
والمنتجات؛ لما امتلكته من مقوماتٍ صناعية وزراعية أهَّلتها لتكون في هذه
المكانة، وما أشارت إليه عمليات التبادل التجاري خلال القرن ٨ﻫ/١٤م
٢٧٢ جعلها تُعيد تصنيع وتصدير المنتجات النَّسيجية — الصوفية — لبلدان
الغرب الإسلامي وغيرها من البلدان، ففي عام ٧٣٠ﻫ/١٣٢٩م وصل ثمن برنوس من صوف
مغربي صُنع في جزر البليار إلى ما بين ٢٥ إلى ٢٦ فلسًا ميورقيًّا،
٢٧٣ ومارست نفس الأمر مع مُدن المناطق الشمالية خاصة توسكان.
٢٧٤
وأرسلت في منتصف ٨ﻫ/١٤م كمية من الصوف قُدرت ﺑ ٥٠٠ كيلوجرام لميورقة بيعت بعشرين
دينارًا، وأرسلت تسعة قناطير من جزز الأغنام المغربية عام ٧٣٠ﻫ/١٣٢٩م وبيعت
باثني عشر دينارًا أي بسبع وعشرين فلسًا برشلونيًّا للقنطار الواحد، وهو ما
يعادل ٤٤ فلسًا ميورقيًّا،
٢٧٥ ومع بدايات القرن ٩ﻫ/١٥م تحول الأمر بالنسبة لميورقة، فقد اعتمدت
على ما تنتجه من أصواف وما يُجلب إليها من الشواطئ الإسبانية والموانئ
الإنجليزية عن طريق التجار والبحارة الميورقيين الذين اعتادوا التردد على تلك
المناطق، فكان من أبرز هؤلاء التجار الذين اشتهروا بتجارة الصوف التاجر
التوسكاني «دانتي»
Datini وهو من أبرز التجار
الذين عملوا بالتجارة الميورقية خلال القرن ٨-٩ﻫ/١٤-١٥م، وكانت له العديد من
الشركات التجارية، ويُعتمد على سجلاته التجارية كوثيقة للمعاملات التجارية
لجزيرة ميورقة.
٢٧٦
ووصل بعض التجار الميورقيين لألمَرِيَّة في٧٣١ﻫ/١٣٣٠م على متن قاربٍ محمَّل
بأربعين بالة من قماش وصوف وغيرها من البضائع والسلع الأخرى، فمن بين ما نقل
هذا القارب ١٢ كيسًا من القطن، ١٦٦ جرارًا من الزيت، ١٦ من سلال
التين،
٢٧٧ وفي ٧٣٢ﻫ/١٣٣١م أَبحَر خمسة تجار ميورقيين على ظهر سفينةٍ ميورقية
مُحمَّلة بالشمع والجلد والأصواف بيعت في تلمسان بأكثر من ٥٠٠ دينار ثم عادت
إلى ميورقة.
٢٧٨
loos-وحَمل التاجر الميورقي برناط دي
طوس
Bernât de Tous، القمح والجلد من تونس والحرير من ألمَرِيَّة على إحدى
السفن الميورقية للتاجر هاجينت
فالنتي
Huguet Valenti، كما وصل التاجر علي بن محمد في عام ٧٦٦ﻫ/١٣٦٤م
لميورقة قادمًا من تونس على إحدى السفن الميورقية محملًا ببعض السلع من
إِفْرِيقِيَّة ومن غَرْنَاطَة ومنتجات من مناطقَ أخرى، قُدِّرت هذه الشحنة
بسبعة عشر قنطارًا من النيلة، والصوف، والجلود، والشمع.
٢٧٩
وبالإضافة للصوف كان الحرير من بين تلك البضائع التي أُرسلت لميورقة وخاصة
القادم من المناطق الأندلسية ومن المشرق الإسلامي؛ لأنها لم تشتهر بالحرير ولا
صناعته، يقول الزهري
٢٨٠ عن ذلك: «ولا يعرفون الحرير ولا ثمرته إلا ما يُجلَب إليهم من بلاد
الأندلس والشَّام.» والورق أو الكاغد لميورقة، ففي عام ٧٢٥ﻫ/١٣٢٤م اشترى ديوان
القنصلية في ميورقة عددًا من فرائد الورق من فاس بسعر ٦٤ فلسًا للفريدة
الواحدة، خاصة عن طريق الوسطاء التجاريين من اليهود الذين تعهدوا بتوريد الورق
إلى ملك أراجون.
٢٨١
وأجرى أبو العباسي أحمد أبو سليم أمير تلمسان في عام ٧٨٤-٧٨٥ﻫ/١٣٨٢-١٣٨٣م
عملية مبادلةٍ تجارية مع تجار ميورقة ببعض البضائع الموجودة في المخازن
السلطانية من الزيت، الفلفل الغاني، ومبادلتها بأصوافٍ قادمة من ميورقة، فكانت
هذه المبادلة سببًا في حدوث نزاع بين الطرفين نظرًا لمطالبة الأمير بدفع قيمة
الأصواف نقدًا،
٢٨٢ وجرت الاستعانة ببعض الوسطاء التجاريين لترويج بعض السلع والبضائع
القادمة من ميورقة — خاصة النَّسيجية منها — لمُدن الغرب الإسلامي.
٢٨٣
هذا التبادل الكبير للنسِيج وحجم المبادلات التجارية بين الموانئ الكتالونية
ومُدن المغرب الإسلامي خلال القرن التاسع الهجري/الخامس عشر الميلادي وميورقة؛
جعل تجارة النَّسيج والأقمشة عُرضة للعديد من غارات القرصنة في حوض البحر
المتوسط الغربي،
٢٨٤ وبالأخص قراصنة ميورقة على المنتجات الزراعية والجلد والصوف
والأقمشة وغيرها من البضائع.
٢٨٥
وأغارت في شوال من عام ٧٠٢ﻫ/١٣٠١م ثلاث سفن تابعة لقراصنة كتالونيين على مرسى
تونس واستولوا على مركب لتجار بيزيين محمل بالصوف قيمته ثلاثون ألف دينار
«بتاريخ شهر شوال من عام اثنين وسبعماية وصل للحضر العلية غراب وشيطيان
للقطلانيين فأخذوا في المرسى بها طريدًا للبيشانيين بالصوف قيمتها بما فيها
ثلاثون دينارًا وأخذوا شيطيا للجنويين فيه وسق للمسلمين البونيين قيمته بما فيه
عشرة آلاف دينار وسلورة للبيشانيين بالقطر وفي هذا هناك حرم المرسى ونقض
للصلح.» واستولوا على مركبٍ جنوي موثق بسلع لبعض تجار بونة قيمته عشرة آلاف
دينار، وفي نفس الشهر خرج من ميورقة مركب «شيطي» ليغير على مدينة بنزرت واستولى
على مركب لتجارٍ مسلمين قادم من بجاية ومحمل بمَنْسوجات وأقمشة قُدِّرت قيمتها
ﺑ ٤٠ ألف دينار، واستولى أيضًا على جفن لتجار من بونة قيمة ما كان عليه من
بضائع خمسة آلاف دينار،
٢٨٦ وفي صفر ٧٠٤ﻫ/١٣٠٤م سطا مراكبان كتالونيان على مركب لتجارٍ مسلمين
محمل بمَنْسوجات وملابس وغيرها من السلع قُدِّر ثمنها ﺑ ٥٠٠٠٠ دينار.
٢٨٧
وتعرَّضت السفن المحمَّلة بالصوف لغارات القراصنة الذين سعوا لاقتناصها
والاستيلاء عليها خاصة السفن الإيطالية المنوطة بنقل الصوف من إنجلترا، كما
تعرَّضت سفينةٌ أخرى محمَّلة بالصوف قادمة من ميورقة في طريقها لبرشلونة عام
٨٠٠ﻫ/١٣٩٧م، لغارة القرصان الباسكي بيرو
بايا
Pero Paya فاستولى على السفينة وما بها من بضائع، وبعد أن فرغ من
نهبها وسرقتها حرقها.
٢٨٨
الجُمهوريات الإيطالية
من بين المناطق التي نشطت معها تجارة الغرب الإسلامي وبالأخص تجارة النَّسيج؛
الجُمهوريات الإيطالية (جنوة، بيزا، البندقية، أمالفي)، فكان لوضعها الجغرافي
دورٌ محوري في تجارتها عبر البحر المتوسط،
٢٨٩ ومحطة لإعادة توزيع البضائع سواء القادمة من الغرب الأوروبي أو
المشرق الإسلامي لبلدان البحر المتوسط،
٢٩٠ من الكَتَّان المصْري والصقلي الذي نقله التجار الجنويون لمُدن
الغرب الأوروبي وجنوة ليُعاد تصنيعه وبيعه ومن ثم تصديره إلى مُدن وبلدان الغرب
الإسلامي.
٢٩١
واحتلت تجارة الأصواف مكانةً كبيرة في المبادلات التجارية بين الغرب الإسلامي
والجمهوريات الإيطالية،
٢٩٢ فكانت كل من بجاية وتونس وجربة وطرابلس من أكثر المُدن المصدرة
للصوف إلى مرسيليا وجنوة وبيزة والبندقية،
٢٩٣ وطلب الصوف الأندلسي للممالك الإسبانية على الرغم من أن مواصفاته
أقل من الصوف الإنجليزي في صناعة المَنْسوجات الصوفية الخشنة وذلك على حد قول
أوليفيا ريمي كونستبل،
٢٩٤ لأن الجمهوريات الإيطالية أنتجت صوفًا رديئًا نسبيًّا مقارنة
بالأصواف الأخرى؛ لذا اضطرت إلى الاعتماد على الصوف القادم من غرب البحر
المتوسط.
٢٩٥
ونظرًا للاضطرابات السياسية في المغرب الأقصى في القرن ٧ﻫ/١٣م، تقلص عدد
الرحلات التجارية في ذلك الوقت وتركَّزت على مدينة بجاية وتونس،
٢٩٦ وعلى الرغم من توقُّف العلاقات التجارية وتعطُّلها بينهما زمن
الحملة الصليبية على تونس عام ٦٦٩ﻫ/١٢٧٠م فإنها لم تنقطع وبدأت مرةً أخرى، فعاد
الهدوء والسلام النسبي بينهما،
٢٩٧ وعلى الجانب الآخر استوردت بلدان الغرب الإسلامي الأقمشة من فرنسا
وجنوة وميلان.
٢٩٨
وكان لموانئ وهران وهنين وسبتة دورٌ مهم في ربط التجارة الأوروبية بمُدن
الغرب الإسلامي خاصة وهران؛ فانتظمت بها الحركة التجارية وكُثِّفت باتجاه
مرسيليا، فاحتلت المرتبة الأولى في تجارتها في ذلك الوقت التي استمرت لمنتصف
القرن ٨ﻫ/١٤م.
٢٩٩
واعتبرت بجاية من بين أكثر الموانئ المغربية أفضلية بالنسبة لجنوة من حيث
قيمة وقدر المبادلات التجارية بصفةٍ عامة، فبين عامي ٥٥٠ﻫ/١١٥٥م–٥٥٩ﻫ/١١٦٤م
بلغت قيمة التعامل التجاري بينهما ٥٢٢٨ ليرة جنوية، وحظيت سبتة بتعامل تجاري
وصل ﻟ ١٦٨٣ ليرة، وتونس ﻟ ٨٠٢ ليرة، وسلا ﻟ ٣٩٠ ليرة، وطرابلس ﻟ ١٤٢
ليرة.
٣٠٠
وتبرز العقود التجارية التي ورد ذكرها في الوثائق الجنوية حجم المبادلات
التجارية للنسِيج، خاصة القادم من المُدن الإيطالية، وبالأخص جنوة في اتجاه
أسواق الغرب الإسلامي، ففي عام ٥٥٣ﻫ/١١٥٨م أرسل التاجر اليهودي إسماعيل لشريكه
في بجاية حُمولة من القُطْن تبلغ ثلاثة عشر قنطارًا بواسطة شركةٍ تجارية
ليمونوس دي نيرفي
Raimundus de Nervi،
بالإضافة إلى سبعة قناطير أخرى؛ لتُباع في الأسواق المغربية؛ لأن التجارة
الجنوية مع موانئ الغرب الإسلامي شكلت جانبًا مهمًّا في جنوة؛ فكانت تمثل
ضمانات لقروض بحرية تجارية،
٣٠١ وفي عام ٥٥٤ﻫ/١١٥٩م أُبرم عقدٌ تجاري بين التاجرين الجنويين
دي ريفينو
De Rufine ودي دالنو
De Dalneo، لإرسال شحنةٍ تجارية لبجاية من
الفلفل والتوابل والقُطْن بما قيمته ٥٣ ليرة جنوية، وحَمل التاجر الجنوي ريسبيس
غيدو دي بونو في عام ٥٥٥ﻫ/١١٦٠م، قطعًا من القُطْن بعد أن سدَّد رسوم الشحن
التي قاربت إحدى عشرة ليرة لإرسالها لبجاية،
٣٠٢ ونقل كمية من الأبسطة عام ٥٥٥ﻫ/١١٦٠م لمدينة سبتة عن طريق التجار
الجنويين، حَمل بوتاروليوس
Botarolius أربعة
منها،
٣٠٣ ونقل التاجر الجنوي أيدو وليام في عام ٥٥٧ﻫ/١١٦١م، عشر قطع من
الحرير الفاخر إلى بجاية بما قيمته ٣٢ ليرة جنوية،
٣٠٤ كما تعاقد تاجرٌ جنوي آخر في عام ٥٥٧ﻫ/١١٦١م على نقل ٩٤ رطلًا من
الحرير الخام وعشرة أثْوَاب من الكَتَّان الإسباني لبلاد المغرب،
٣٠٥ ووقَّع التاجر جيوفاني سكريبا عقدًا في نفس العام من أجل شحن عشر
قطع ثِياب أَنْدلسية له.
٣٠٦
واتفق التاجر أنفوساس ناتا
Anfossus Nata
عام ٤٥٣ﻫ/١١٦١م على نقل كمية من الكَتَّان لبجاية لصالحه يستغل ربحها في شراء
بعض السلع المغربية والمتاجرة بها، بالإضافة لكمية أخرى لمصلحة بلانكاردوس
Blancardus،
٣٠٧ وحَمل التاجر بونوسيوهيانس ليركاريوس كمية من الحرير والكَتَّان
الإسباني إلى بجاية، فتلقَّى تعليمات بشراء الشمع أو حجر الشب أو الذهب من ربح
عملية البيع في أيٍّ من الأماكن على ساحل المغرب أو في وهران أو سبتة، ليسدِّد
ثمن بعض مَنْسوجات قد اشْتُريت من جنوة؛ لأن السداد ارتبط بالوصول الآمن
للسفينة ولحمولتها.
٣٠٨
وفي عقدٍ آخر سُجِّل في العام ذاته نقل التاجر الجنوي بونوسيوهانيس
Bonusiohannis كمية من الحرير لصالح
التاجر ويليام مالوناس
William Mallonus بقيمة
٩٤ ليرة جنوية لبجاية،
٣٠٩ وعام ٤٥٥ﻫ/١١٦٣م قام إنجو
بيديلوس
Ingo Bedellus بنقل كميات من الحرير والورق بما يفوق ٣٢ ليرة إلى
تونس لصالح ويليام كيريولاس
William Ciriolus،
وفي عام ٤٥٧ﻫ/١١٦٤م نُقلت كمية من القُنَّب لبجاية بقيمة ٤٤ ليرة،
٣١٠ وحُمِلَتْ كميةٌ كبيرة من المَنْسوجات الجنوية إلى بجاية في عام
٥٥٩ﻫ/١١٦٤م قُدرت قيمتها ﺑ ٤٤ ليرة.
٣١١
وشحن في عام ٥٧٨ﻫ/١١٨٢م فاسالوس
ستراليرا
Vasallus Straleira كمية من الحرير بقيمة ثماني عشرة ليرة لسبتة،
واحتفظت مَنْسوجات الغرب الإسلامي بتواجدها في الأسواق الإيطالية، وهو ما
أظهرته بعض العقود التجارية؛ ففي عقدٍ مؤرَّخ في ٥٨٠ﻫ/١١٨٤م ذُكر فيه جملة من
قطع النَّسيج مكونة من ستة أثْوَاب من صوفٍ غرناطي أربعة منهم خضر واثنان
باللون البني.
٣١٢
واتفق التاجر رولاندوس دي
ساويا
Rolandus de Suddea في عام ٥٨٢ﻫ/١١٨٦م على شحن ما يقرب من ٢٨ قطعة من
الأبسطة قيمتها ٢٨ ليرةً جنوية، والتاجر أوتو دي كاستيلو
Otto de Castello الذي حَمل ٤٩ قطعة قيمتها ٢٤٫٥ ليرة لمصلحة
أوتو مالوناس
Otto Mallonus، بالإضافة
لبعض من قطع السجاد المصنوع من السَّاج والمُطعَّم بالمجوهرات واللؤلؤ والمُعطر
بالمسك، كما حُمِلَتْ بعض الأقمشة الصوفية كالسَّاج لبجاية ولعلها قادمة من
مصْر أو بلاد المشرق، وفي عام ٥٨٧ﻫ/١١٩١م نُقلت كميةٌ كبيرة من الساج لسبتة
بواسطة التجار الجنويين، وفي العام التالي نُقلت كميةٌ أخرى لسبتة وبجاية بقيمة
٢٣ ليرة.
٣١٣
وشغل قماش الفستيان
Fustians حيزًا في
المبادلات التجارية بين جنوة والمغرب، فلاقى رواجًا كبيرًا، وجُلب بواسطة
التجار اللومباردين من مراكز تصنيع الأقمشة الشهيرة في مدينتي ميلانو وبافيا
Milan & Pavia ثم إلى
جنوة،
٣١٤ ففي عام ٥٨٨ﻫ/١١٩٢م حمل التاجر اللمباردي فيسكيانو إيكموس
Ficiano Iacomus بالَتَين من قماش
فستياني غير مصبوغ إلى بجاية.
٣١٥
وظلت تونس لفتراتٍ طويلة من أهم الأماكن المصدِّرة للصوف للمُدن الإيطالية؛
لأن نسبةً كبيرة من سكانها كانوا دباغين وتجار أصواف وفراء، فبين عامي
٥٩٢–٥٩٤ﻫ/١١٩٥–١١٩٧م باع بعض التجار التونسيين كمية من جلود الأغنام، قُدِّرت
بتسعة قنطارات، لعدد من التجار البيزيين، كما حصل التاجر البيزي باسي باسنو
Pace Pisano على شحنة من جلود الأغنام بلغت
قيمتها ١٥١٨ دينارًا،
٣١٦ وحصل عدد من التجار البيزيين والجنويين على ٢٣٤٠ قنطارًا من الجلد
المدبوغ وجلود المواشي،
٣١٧ وهذه الكميات الكبيرة من الجلود والأصواف تظهر الطلب المتزايد لتلك
السلعة التي دائما كانت مطلبًا لعدد من المُدن في ميورقة وجنوة وبيزا.
٣١٨
وأُرسلت في عام ٥٩٤ﻫ/١١٩٧م كمية من الكَتَّان من جنوة بقيمة ٥٣ ليرةً إلى
سبتة، وفي عام ٥٩٧ﻫ/١٢٠٠م أُرسلت شحنة أخرى من الكَتَّان بقيمة ٥٩ ليرةً لسيدة
تُدعى ياكوبا زوجة التاجر أيدو
مالوناس
Ido Mallonus في بجاية، ولعلها مرسلة من مدينة شامبين
Champagne أحد مراكز صناعة الكَتَّان المهمة في
الغرب المسيحي، بالإضافة إلى مدينة كولون الألمانية وشبة الجزيرة الأيبرية،
فمنها يُعاد تَصدير وبيع الكَتَّان لموانئ الغرب الإسلامي عن طريق التجار
الجنويين، ونقل التاجر الجنوي بونوسيوهانيس
Bonusiohannis كمية من الكَتَّان الأندلسي لبجاية تقدر ﺑ ٤٣
مقياسًا — كانة — لصالح التاجر ويليام
مالوناس
William Mallonus.
٣١٩
ومع بداية القرن ٧ﻫ/١٣م شهدت العلاقات التجارية الجنوية مع بلدان الغرب
الإسلامي نشاطًا ملحوظًا، فوقَّعت جنوة عددًا من المعاهدات التجارية للحصول على
بعض الامتيازات التجارية، التي من خلالها تستطيع الحصول على المواد والسلع التي
ترغب في المتاجرة فيها،
٣٢٠ فتصدر ميناء سبتة قائمة المعاملات التجارية الجنوية خلال النصف
الأول من هذا القرن، تليها بجاية التي بدأت أهميتها التجارية تزداد.
٣٢١
وهناك إشاراتٌ تدل على أن المَنْسوجات الغرب إسلامية — خاصة الأندلسية —
وُجدت بأسواق أوروبا من خلال قائمة الضرائب التي فرضتها مونبيليه
بفرنسا،
٣٢٢ كالتي فُرضت على مَنْسوجات أَنْدلسية على المناطق الواقعة على طول
نهر يبرو
Ebro، كما وَضع حكام طليطلة عام
٦٠٤ﻫ/١٢٠٧م ضريبة على المَنْسوجات الأندلسية، وهو ما أبرزته العقود الجنوية
خلال تلك الفترة التي ذكرت أصنافًا من الحرير الأندلسي بيعت في جنوة خاصة في
مجموعة من العقود الجنوية المؤرخة في ٥٩٧ﻫ/١٢٠٠م، و٦٢١ﻫ/١٢٢٤م
و٦٣٦ﻫ/١٢٣٨م.
٣٢٣
ففي إحدى الرسائل التجارية التي أرسلها التاجر التونسي «محرز القابسي» يشكو
فيها من تاجرٍ بيزي تأخر عن دفع ثمن شحنة من الجلود والصوف، قُدرت بتسعة قناطير
وثمنها ٢٩٫٥ دينارًا، وأنه دفع منها خمسة دنانير فقط، فيذكره بقوله: «فأنت يا
صديقي ذكرك ذكر خير عندنا، وأنت مشكور الأحوال عند التجار، وعند من سافر
معك.»
٣٢٤ فضلًا عن كميات من الجلود وجزز الشياه — التي استخلص منها الصوف —
فكان من جملة ما بيع في إحدى الصفقات التجارية لبعض التجار البيزيين ١٤٨٥ جلد
خروف بقيمة ٢٥١٫٦ دينارًا،
٣٢٥ فيظهر الاحترام المتبادل والعلاقات الودية بين التجار البيزيين
والتونسيين من خلال قول محرز القابسي في رسالته: «أنت أيها الصديق العزيز لك
سمعةٌ طيبة في بلادنا، وتتمتع أنت ومن يأتي معك باحترام التجار.»
٣٢٦ ما يعكس رغبة تجار الغرب الإسلامي في استمرار تلك العلاقات قائمة،
رغم الفتور السياسي في بعض الأوقات، أو تعنت تجار المُدن الإيطالية عن سداد ما
عليهم لصالح التجار المسلمين.
كما كان لبعض العائلات التجارية الجنوية نشاطٌ ظاهر داخل مناطق الغرب
الإسلامي، خاصة عائلة التاجر الجنوي ماندويل
Manduel ففي ٦٢٩ﻫ/١٢٣٢م، الذي كلف ابنه بالسفر من جنوة إلى
وهران لنقل ست شحنات من القُطْن في اتجاه ميناء وهران ومنطقة تلمسان، وهذه
العائلة لم تتردَّد في الحصول على منافذَ تجاريةٍ تلمسانية،
٣٢٧ لأن تلمسان من المناطق التي تعاملت معها الجمهوريات الإيطالية،
لجلب الأكسية الصوفية والقطنية وكذلك الكتانية والحريرية، لا سيما تجار بيزا
والبندقية،
٣٢٨ وفي الاتجاه المقابل تواجد تجار الغرب الإسلامي في أسواق جنوة، ففي
عام ٦١٩ﻫ/١٢٢٢م سافر التاجر السبتي محمد بن معلم إلى جنوة على ظهر سفينةٍ
جنوية، ومعه العديد من السلع لبيعها.
٣٢٩
ولم يَغب التجار الفرنسيون عن المشهد التجاري في الغرب الإسلامي؛ فأرسل
التاجر المرسيلي بيار قاروت
Pierre Garotier
في عام ٦٢٧ﻫ/١٢٣٣م وسْقَين من القُطْن مع التاجر هوق دي تامبل
Hugues du Temple من مرسيليا لبيعها في
بجاية،
٣٣٠ وفي عقدٍ جنوي مؤرخ في ٦٢٢ﻫ/١٢٢٥ يشير إلى أن ١٨٠٫٥ رطلًا من
الحرير الأندلسي بيعوا لتجار من جنوة،
٣٣١ كما أرسل التاجر الجنوي مانديال
Manduel شحنة من القُطْن ومعها اثنتا عشرة قطعة من الحرير
والقماش الكتاني لبجاية في٦٣٠ﻫ/١٢٣٣م، ونقل التاجر بيار فلقيي
Pierre Falguiers من مرسيليا إلى بجاية
كمية من قماش القُطْن وبعض المَنْسوجات الأخرى كاللحف.
٣٣٢
وفي المقابل ونتيجة للغزو التجاري للأسواق الأوروبية من قِبَل مدن الغرب
الأوروبي التي طوَّرت نشاطها الاقتصادي والتجاري فيما يتعلق بالصوف والكَتَّان
والقطن وكذلك الحرير، فعلى الرغم من ذلك ظل الحرير الأندلسي محافظًا على قيمته
التجارية فلم يجد منافسًا قويًّا لفتراتٍ طويلة، لأن مصانع الغرب الأوروبي رغبت
في تصنيع الصوف الخام والكَتَّان والقُطْن أكثر من الحرير، وهو ما تؤكده عقود
التجارة؛ ففي مملكة أراجون في عهد الملك جيمس الأول هناك غيابٌ تام لمَنْسوجات
الغرب الإسلامي خاصة الأندلسية في أسواق أراجون، في حين توافرت المَنْسوجات
الفلامندية والإيطالية وكذلك من ميلانو وبرشلونة والعديد من المُدن المسيحية،
بعد أن منح جيمس الأول للتجار المحليين بعض الامتيازات التجارية لإجادتهم
أعمالهم وما يتعلق بتجارة النَّسيج.
٣٣٣
فقد طلب تاجر من دينة ومونبيليه يُدعى سيمون
ريكارد
Simon Ricard عن طريق وكيله في مدينة مرسيليا عام ٦٤٦ﻫ/١٦ مارس
١٢٤٠م، إعطاء ٥٤٣
Sous للتاجر المرسيلي
جان فيلافور
Jean Villefort والمسافر إلى
سبتة ليشتري بها كمية من الحرير،
٣٣٤ وفي عام ٦٥٩ﻫ/١٢٥٧م قام التاجر الجنوي بوونجيونفاني براسيو
Buongionvanni Baurratio بنقل
أربعة عشر رطلًا في كيس من القُطْن القادم من بلدان المشرق.
٣٣٥
وتُظهر العديد من الوثائق أهمية تجارة الصوف في العلاقات التجارية بين الغرب
الإسلامي ومُدن الغرب المسيحي؛ ففي الخمسة شهور الأولى من عام ٦٨٨ﻫ/١٢٨٩م نقل
تجارٌ جنويون كميةً كبيرة من الصوف [قُدرت بثمانية مكاييل] لعدد من المُدن
والموانئ المسيحية، وما حصل عليه أحد التجار الجنويين بعد أن كلف نائبه بشراء
٤٠٠ قنطار من الصوف و٩٠ قنطارًا من الجلد المدبوغ، وأيضًا ما تعاقد عليه التاجر
البيزي فرانسيس ميلا
Frances Mella في ٢٤
أبريل عام ٦٨٨ﻫ/١٢٨٩م لشراء ١٥٠ قنطارًا من الصوف شُحن من مدينة بونة،
٣٣٦ وفي جمادى الأولى ٦٩٠ﻫ/مايو ١٢٩١م، حمَّل تاجر بيزي على ظهر سفينة
بندقية كميةً كبيرة من الصوف والشمع من ميناء عنابة.
٣٣٧
وتوجد إشارات عن التبادل التجاري للنسِيج بين موانئ الغرب الإسلامي وموانئ
جزيرة قُبرص عن طريق التجار الجنويين، كالتاجر الجنوي سيموني دي بارا
Simone de Barra الذي وفر السفن
التجارية للعديد من التجار لحمل كميات تحوي ما بين ٦٠–٨٠ قنطارًا من القُطْن من
جزيرة قبرص لميناء بجاية، وكان ذلك عام ٧٠١ﻫ/١٣٠١م عن طريق التاجر أنطونيو إليونيس
دارنزانو
Antonio Elianis de Arenzano.
٣٣٨
وتدلُّ بعض الوثائق الجنوية أن صوف المرينو صُدِّر إلى جنوة عن طريق تجارٍ
تونسيين لأسواق الغرب المسيحي، ففي رسالة عام ٧٠٧ﻫ/١٣٠٧م، الصادرة من قنصل
الجالية الجنوية في مدينة بيزا، تذكر أن سيمون ستاتكوني الموكل من قبل بسكال
أوسوديماري أن تارتارنيودي نيجرو تسلم ٤٩ كيسًا من الصوف المريني أرسلها جابر
بن بسكال من تونس والمناطق المجاورة.
٣٣٩
وتُظهر معاهدةٌ تجارية بتاريخ ٢١ جمادى الأولى ٧١٣ﻫ/١٤ سبتمبر ١٣١٣م، جاءت في
فقرةٍ صريحة تقضي بعدم دفع التجار البيزيين لأي ضرائب عند بيعهم الكَتَّان أو
القُطْن: «وإذا باع بيشاني كتانًا أو قطنًا أو غير ذلك من السلع الموزونة، فلا
يؤدي في ذلك رطلًا ولا طعمًا للديوان ولا للتراجمة.»
٣٤٠
وفي عام ٧٥٨ﻫ/١٣٥٦م وضمن الاتفاقية الموقَّعة بين طرابلس والبندقية التي نصت
على أن هناك ضريبة تُدفع على الصوف، وخاصة أردأ الأنواع من الصوف؛ فكان يُدفَع
«تومين» واحدٌ على كل بيزنظي من ثمن الصوف، وتلك الضريبة تُدفع للتراجمة، وهم
من يقومون بالوساطة التجارية في الصفقات من السلع والبضائع،
٣٤١ وهذه الاتفاقية تُدلِّل على أن العلاقات التجارية بين مدن الغرب
الإسلامي والبندقية قد استمرت حتى منتصف القرن ٨ﻫ/١٤م، ولعلها استمرت بعد
ذلك.
وعلى الرغم من ذلك فقد استمرت العلاقات التجارية بين الجمهوريات الإيطالية
ومدن الغرب الإسلامي، وخاصة مدن المغرب ومن ضمنها جربة، التي قصدتها القوارب
والسفن التجارية القادمة من بيزا وجنوة لتحميل الأصواف الناعمة التي اشتهرت
بها؛ لما امتلكته من ثروةٍ حيوانية ومقوِّماتٍ زراعية أهَّلتها لأن تكون الوجهة
المفضَّلة لشراء الصوف إبان القرن ٨ﻫ/١٤م.
٣٤٢
واتجهت المبادلات التجارية للنسِيج مع بلدان الغرب الإسلامي في القرن ٩ﻫ/١٥م
إلى بدائلَ أخرى خاصةٍ مع الغرب الأوروبي،
٣٤٣ فمراسلات التاجر التوسكاني دانتي
Datini تفيد بأن المغرب الإسلامي لم يفقد أهميته التجارية
بالنسبة للصوف مع ميورقة، وتؤكد على قيام العديد من المبادلات التجارية للصوف
في معظم بلدان المغرب عن طريق التاجر اليهودي استيرش إكسبيلي
Asturuch Xibili،
٣٤٤ وفي عام ٨٤٩ﻫ/١٤٤٤م منع المجلس البلدي البندقي تصدير القُطْن
القادم من بلاد الشَّام إلى المغرب؛ لأن التجار البنادقة أعادوا تصدير القُطْن
السوري إلى موانئ بجاية،
٣٤٥ كما وقعت بعض الخلافات في عام ٨٦٤ﻫ/١٤٥٩م بين التجار الجنويين
تُظهِر أن التاجر الجنوي جورج جرجير ستيلا كان من أبرز التجار الذين اهتموا
بتوريد بعض المَنْسوجات والمواد الخام لطرابلس، ومن مستوردي الصوف والكَتَّان
خاصة من قسنطينة قبل عام ٨٧٥ﻫ/١٤٧٠م، بالإضافة إلى العديد من الأعمال التجارية
الأخرى التي تعامل معها وغيره من التجار الجنويين.
٣٤٦