أسماء ومجيد
كان لسيد بني بشر ابنة بديعة الجمال، لطيفة القد والاعتدال يقال لها: أسماء، فسمعت ذات يوم بذكر فتى شاعر حسن الوجه، رائق الجمال يقال له: مجيد، فتشوقت إلى لقياه لتسمع كلامه وتختبر شعره ونظامه، فخرجت يومًا مع بنات عمها إلى غدير قريب منه، فبينما هي بالانتظار إذا بمجيد مقبلًا إليها بوجه يفضح البدر ويزهو على النجوم الحسان، فلما رأينه البنات هممن إليه وسلمن عليه وقلن له: أهلًا وسهلًا، فنحن بانتظارك مع سيدتنا، وكانت أسماء تزهو عليهنَّ حسنًا وجمالًا، وقد تمايلت بغصنها الذابل بين أترابها العذارى فلاحت كالبدر بين الكواكب، فلما رآها عرفها ومال قلبه إليها طوعًا لسحر أجفانها وعينيها، فسلم عليها وأنشد:
فأجابته تقول:
وما زالا يبثان نار الوجد والغرام إلى آخر النهار ثم افترقا عن بعضهما بقلب كاد أن يفارق الجسد، ولما علم بذلك أعمامه وأقرباؤه نهوهُ عن حب تلك الفتاة فلم ينتهِ، بل هام فيها أكثر من الأول وسار كالعادة نحو الغدير عله يرى وجه أسماء، فلما وصل لم ير أحدًا فهاج منه لاعج الغرام وأنشد يقول:
وما زال على تلك الحال يأتي فيناجي الخيال في ذاك الغدير المنفرد إلى ذات يوم بينما كان جالسًا يفتكر في أسماء أتاه رسول من قِبَلها يُعلمه عن مكانها وما هي فيه من العشق والصبابة وأنها قريبًا تأتي للغدير لأجل الإقامة، فلما علم بذلك الخبر رقص قلبه من الفرح وسار توًّا إلى الغدير فرآها بانتظاره على مثل نار الغضا، فسلَّم عليها وأنشد:
فأجابته أسماء تقول:
فلما سمع كلامها كاد يذوب من الهيام، ودام معها على حديث وشكوى مدة من الزمان ثم اعتذرت رغمًا عنها وسارت إلى أهلها، ولما رأى أبو الفتاة علائم الضعف لائحة في وجهها سألها عن السبب فأبت إفشاءه، فألح فأطلعته عليه، وكان يحبها حبًّا شديدًا ولا يريد إلا راحتها، فأرسل إليه فقدم فزوّجه بها ودفعها إليه.