أبو ريحانة وحاملة القربة
قال الأصمعي: مررت بالبصرة بدار الزبير بن العوام فإذا أنا بشيخ من ولد الزبير يُكنَّى أبا ريحانة ما عليه إلا شملة تستره، فسلمت عليه وجلست إليه أُحدِّثه، فبينا أنا كذلك إذ طلعت علينا جارية حسناء تحمل قربة، فلما نظرها لم يتمالك أن قام إليها ثم قال: أيتها الفتاة غنِّي لي صوتًا، فقالت: إن مواليَّ أعجلوني، قال: لا بد من ذلك، قالت: أما والقربة على رأسي فلا، قال: فأنا أحملها، فأخذ القربة وحملها على عنقه، واندفعت الجارية فغنت:
فطرب الرجل وصرخ صرخة وضرب بالقربة الأرض فشقها، فقامت الجارية تبكي وقالت: ما هذا جزائي منك يا أبا ريحانة، أسعفتك بحاجتك وعرضتني لما أكره من مواليَّ، قال: لا تغتمي فإن المصيبة عليَّ دخلت دونك، وأخذ بيدها فتبعته إلى سوق فنزع عنه الشملة مستترًا بيديه وباعها واشترى بثمنها قربة دفعها إليها، فاجتاز به رجل من الطالبية، فلما نظر إليه وإلى حالته عرف قصته فقال: يا أبا ريحانة أحسبك من الذين قال الله — تعالى — فيهم: فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (البقرة: ١٦)، فقال: لا يا صاحبي، ولكني من الذين قال الله — تعالى — فيهم: فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ (الزمر: ١٧، ١٨)، فضحك منه العلوي وأمر له بألف درهم وخلعة.