سر عاشقة
قال أحدهم: دعاني فتى من أهل المدينة إلى غادة حسناء، فلما دخلنا عليها إذا هي أحسن الناس وجهًا، وإذا بها انخراط وجه وسهو وسكوت، فجعلنا نبسطها بالمزاح والكلام ويمنعها من ذلك ما تكتمه، فقلت في نفسي: والله إن بها لهيامًا وطائفًا من الحب، فأقبلت عليها فقلت: بالله تصدقيني ما الذي بك؟ فقالت: برح الذكر، ودوام الفكر، وخلو النهار، وتشوق إلى من سار، والذي يرى ما وصفت لك، فإن كنت ذا أدب صرمت العتب عن ذي الكرب، واجتهدت في الطلب لدواء من قد أشرف على العطب، كما قال الشاعر:
قال: فوالله لقد خفت على عقلي أن تسلبه بلفظها الحسن، فقلت: جعلني الله فداءك، وهو الذي صيرك إلى ما أرى يستحق هذا منك، فوالله إن الناس لكثير، فلو تسليت بغيره فلعل ما بك يسكن أو يخف، فقد قال أحدهم:
فأقبلت عليَّ فقالت: والله لقد رمت ذلك، فكنت كما قال قيس بن الملوح:
فأسكتتني والله بتواتر حججها عن محاورتها، وما رأيت كمنطقها ولا كشكلها وأدبها وكمال خلقها.