عبيد النعالي وأحد العُشَّاق
قال عبيد النعالي: انصرفت من جنازة من مسجد الرضا في وقت الهاجرة، فلما دخلت سكك البصرة اشتد عليَّ الحر، فتوخيت سكة ظليلة واضطجعت على باب دار فسمعت ترنمًا يجذب الفؤاد، فطرقت الباب واستقيت ماءً، فإذا فتى بديع الجمال نحيل من شدة السقام أدخلني إلى غرفة نظيفة له، فلما هدأ بالي وراقت أحوالي خرج الفتى ومعه وصيفة تحمل طستًا وماء ومنديلًا، فغسلت يدي وشربت وأخذت ردائي، وجلست فلبثت يسيرًا وإذا بالفتى قد أقبل ضاحكًا ليؤنسني والعبرة تنحدر من عينيه، ثم جيء بالطعام فأقبل يأكل كأنه نغص بما يأكله، وهو في ذلك يبسطني، فلما انقضى أكلنا أتتنا بشراب فشرب قدحًا وشربت آخر، ثم زفر زفرة ظننت أن أعضاءه قد انقضت وقال لي: يا أخي، إن لي نديمًا فقم بنا إليه، فقمت وتقدمني ودخل مجلسًا فإذا قبر عليه ثوب أخضر وفي البيت رمل مصبوب، فقعد على الرمل وطرح لي رداءه فقلت: والله لا قعدت إلا كما تقعد، وأقبل يردد العبرات ثم شرب كأسًا وشربت وأنشأ يقول:
ثم أكبَّ على القبر مغشيًّا عليه، فجاءه غلام بماء فصبه على وجهه فأفاق، فشرب ثم أنشأ يقول:
ثم قال لي: قد وجب حقي عليك فاحضر غدًا جنازتي، قلت: يطيل الله عمرك، قال: إني ميت لا محالة، فدعوت له بالبقاء، فقال: إن طاوعتني فأنت قائل:
فانصرفت وقد طال ليلي ونفذ صبري، وغدوت إليه فإذا هو قد مات.