الأعرابي ومحبوبته
قال ابن الزهري: خرجت في نشدان ضالة لي فآواني المبيت إلى خيمة أعرابي، فقلت: هل مَن قرى؟ فقال لي: انزل، فنزلت، فثنى لي وسادة وأقبل عليَّ يحدثني ثم أتاني بقرى فأكلت، فبينا أنا بين النائم واليقظان إذا بفتاة قد أقبلت لم أرَ مثلها جمالًا وحسنًا، فجلستْ وجعلتْ تُحدِّث الأعرابي ويُحدثِّها إلى أن طلع الفجر ثم انصرفت، فقلت: والله لا أبرح موضعي هذا حتى أعرف خبر الجارية والأعرابي، فمضيت في طلب ضالتي يومًا ثم أتيته عند الليل، فأتى بقرى، فبينا أنا بين النائم واليقظان وقد أبطأت الجارية عن وقتها قلق الأعرابي فكان يذهب ويجيء وهو يقول:
ثم أتاني ونبهني وقال لي: إن خلتي التي رأيت بالأمس قد أبطأت عليَّ وبيني وبينها مسافة طويلة لا آمن عليها من سبع مفترس فابقَ هنا لأبحث عنها، ثم مضى فأبطأ قليلًا، ثم جاء بها يحملها بين يديه وقد فتك بها أحد السباع فوضعها بين يدي، ثم أخذ السيف ومضى، فلم أشعر إلا وقد جاء بالأسد مقتولًا، ثم أنشأ يقول:
ثم قال لي: هذه ابنة عمي كانت عزيزة عليَّ فمنعني أبوها أن أتزوجها، فزوجها رجلًا من أهل هذه البيوت، فخرجت من مالي كله ورضيت بالمقام هنا على ما ترى، فكانت إذا وجدت خلوة أو غفلة من زوجها أتتني فحدثتني وحدثتها كما رأيت من سلامة النية وطهارة الفؤاد، وقد آليت على نفسي ألا أعيش بعدها، فأسألك بالحرمة بيننا إذا أنا مت فالففني وإياها بهذا الثوب وادفنا في مكاننا هنا، واكتب على قبرنا هذا الشعر:
ثم اتكأ على سيفه فخرج من ظهره فسقط ميتًا، فلففتهما في الثوب وحفرت لهما فدفنتهما في قبر واحد وكتبتُ عليه كما أمرني.