غسان بن جهضم وزوجته أم عقبة
كان غسان بن جهضم مفتونًا بحب ابنة عمه أم عقبة، وكانت من أجمل النساء وأحسنهن
وأفضلهن خصالًا، فلما حضرته الوفاة جعل ينظر إليها ويبكي، ثم قال لها: إني منشدك
أبياتًا أسألك فيها عما تصنعين بعدي وأرجوك أن تصدقيني، فقالت: قل فوالله لا أكذبك
أمرًا، فأنشد:
أخبري بالذي تريدين بعدي
ما الذي تضمرين يا أم عقبهْ
تحفظيني من بعد موتي لما قد
كان مني من حسن خلقٍ وصحبهْ
أم تريدين ذا جمال ومالٍ
وأنا في التراب رهن سجنٍ وغربهْ
فأجابته:
قد سمعنا الذي تقول وما قد
خفته يا خليل من أم عقبهْ
سوف أبكيك ما حييت شجوًا
بمراثٍ أقولها وبندبهْ
فقال:
أنا والله واثقٌ بك لكن
ربما خفت منك غدر النساء
بعد موت الأزواج يا خير من عو
شر فارعي حقي بحسن وفاء
إنني قد رجوت أن تحفظي العهد
فكوني إذا مت عند رجائي
فلما مات توافد عليها الخُطَّاب، فقالت:
سأحفظ غسانًا على بعد داره
وأرعاه حتى نلتقي يوم نحشرُ
وإني لفي شغل عن الناس كلهم
فكفوا فما مثلي من الناس يغدرُ
سأبكي عليه ما حييت بعبرةٍ
تسيل على الخدين مني فيكثرُ
فلما طالت الأيام وكثر إلحاح الناس أجابت الخاطب، فلما كانت الليلة التي زُفَّت بها
جاءها غسان في النوم فأنشد:
غدرت ولم ترعي لبعلك حرمةً
ولم تعرفي حقًّا ولم تحفظي عهدا
ولم تصبري حولًا حفاظًا لصاحبٍ
حلفت له يومًا ولم تنجزي وعدًا
غدرت به لما ثُوِّي في ضريحه
كذلك يُنسى كل من سكن اللحدا
فانتبهت مرعوبة كأنما كان معها، فقالت لها النساء: ما دهاك؟ قالت: ما ترك غسان لي
في
الحياة إربًا ولا في السرور رغبة، أتاني في المنام فأنشدني هذه الأبيات، ثم جعلت ترددها
وتبكي، فشاغلنها بالحديث، فلما غفُلنَّ عنها أخذت شفرة فذبحت نفسها ووفت لزوجها.