جميل وبثينة وكثير عزة
قال كثير: لقيني جميل مرة فقال لي: من أين أقبلت؟ قلت: من عند أبي الحبيبة؛ أعني بثينة، فقال: وإلى أين تمضي؟ قلت: إلى الحبيبة؛ أعني عزة، فقال: لا بد أن ترجع عودك على بدئك فستجد لي موعدًا من بثينة، فقلت: عهدي بها الساعة وأنا أستحيي أن أعود، فقال: لا بد من ذلك، فقلت: فمتى عهدك بها؟ قال: في أول العيد، وقد وقعت سحابة بأسفل وادي الردم فخرجت ومعها جارية لها تغسل ثيابها، فلما أبصرتني أنكرتني وضربت بيدها في الماء، فالتحفت به تسترًا، وعرفتني الجارية فأخبرتها فتركت الثوب في الماء وتحدثنا حتى غابت الشمس وسألتها الموعد، فقالت: أهلي سائرون وما وجدت أحدًا غيرك يا كثير حتى أرسله إليها، فقال له كثير: فهل لك في أن آتي الحي فأنزع بأبيات من الشعر أذكر فيها هذه العلامة إن لم أقدر على الخلوة بها، قال: ذلك الصواب، فأرسله إليها، فذهب وقال: انتظرني حتى أعود، ثم سار حتى أناخ بهم، فقال له أبوها: ما ردك يا كثير، فأنشدته وبثينة تسمع من وراء الخدر:
فضربت بثينة صدرها وقالت: اخسأ اخسأ، فقال أبوها: مهيم يا بثينة، قالت: مثلهُ يأتينا إذا نام الناس من وراء هذه الرابية، ثم التفتت إلى الجارية وقالت: ابغي من الدومات حطبًا واذبحي لكثير شاة وسويها له، فقال كثير: أنا أعجل من ذلك، وخرج وراح إلى جميل فأخبره، فقال له جميل: الموعد الدومات بعد أن تنام الناس، وكانت بثينة قد قالت لأختها أم الحسين وليلى ونجيا بنات خالتها أني قد رأيت في نحو نشيد كثير أن جميلًا معه، وكانت قد آنست إليهنَّ واطمأنت بهن وكاشفتهن بأسرارها فخرجن معها، وكان جميل وكثير خرجا حتى أتيا الدومات، وجاءت بثينة ومن معها فما برحوا حتى برق الصبح، فكان كثير يقول: ما رأيت عمري مجلسًا قط أحسن من ذلك المجلس ولا مثل علم أحدهما بضمير الآخر ولم أدرِ أيهما كان أفهم.