مالك بن عقيل العذري ومعشوقته سعدى
كان مالك بن عقيل العذري يحب سعدى حبًّا شديدًا، وكانت ذات فصاحة وجمال وأدب ولطف وكمال، وكان في الحي رجل يحبها وهي لا تحبه فغار منهما فوشى به إلى أهلها، فحجبوها عنه فتراسلا بالمحبة، وبلغه فأرسل زوجته عن لسانها إلى مالك بشتم وقطيعة، ولم يعرف أنها زوجة ذلك الرجل، ولم تدرِ الزوجة تفصيل الأمر، وكان عند مالك أنفة فخرج إلى مكة ناقضًا للعهد، فلما بلغ زوجة ذلك الرجل وجه الحيلة وما أخفاه زوجها أخبرت سعدى بما تمَّ، فخرجت على وجهها إلى مكة حتى اجتمعت به وكان مالك مع كعب بن مسعدة الغفاري يمشيان في القمر فسمعها كعب تقول إلى نسوة بجانبها: إى والله هو ثم قربن من كعب فقالت إحداهن: قل لصاحبك:
فقال كعب لمالك: قد سمعت فأجب، قال: قد انقطعت فأجب أنت، فقال ولم يحضره غيره:
وانصرفا، فما استقر بهما المقام إلا وجارية تقول: أجب المرأة التي كلمتك، فلما جاء كعب إليها قالت: أنت المجيب؟ قال: نعم، قالت: فما أقصر جوابك، قال: لم يحضرني غيره، فقالت: لم يخلق الله أحب إليَّ من الذي معك، فقال: عليَّ أن أحضره إليك، فقالت: هيهات فضمنه الليلة القابلة فرآه في منزله فأخبره بالقصة كالمكاشف وقال: لقد ضمنت لها حضورك الليلة القابلة، فلما كان الوقت مضيا فإذا بالمجلس قد طُيِّب وفُرش فجلس مالك وجلست سعدى أمامه فتعاتبا، فأنشدته أبيات عبد الله بن الدمينة:
فأجابها:
فالتفتت إلى كعب وقالت: ألا تسمع؟ فغمزه فكف ثم أنشدت:
فأجابها:
ثم قبَّلها وأنشد:
فأجابته:
ثم افترقا، فقالت لكعب: ما قلت لك أنك لا تفي بضمانتك، ولكن إذا كان السحر فأتني، فجاء كعب فإذا بالصياح فسأل الجارية عن الخبر، فقالت: حين خرجتما جعلت سعدى في عنقها ما خنقت به نفسها فلحقناها فخلصناها، فجلست ساعة تحادثنا وتفتكره فتقول: إنه لقاسي القلب، ثم شهقت فماتت، فلما بلغ الشاب خبر موتها ندم ثم لزم قبرها فجاءته في النوم فقالت: هلا كان هذا من قبل، فمات من وقته.