عروة بن حزام وعفراء العذرية
كان لعروة بن حزام ابنة عم من أعظم مشاهير عصرها حسنًا وجمالًا وأدبًا وظرفًا وفصاحة تُدعى عفراء، فرُبِّيا معًا وله من العمر أربع سنين، فكان يألفها وتألفه ويلعبان معًا غالب الأحيان، فلما بلغا الحُلُم سأل عمه تزويجها فوعده ذلك وأخرجه إلى الشام فجاء ابن أخ له يدعى أثالة بن سعيد بن مالك فرأى عفراء خارجة من خدرها حاسرة عن وجهها ومعصميها وعليها إزار خز فوقعت من قلبه بمكانة عظيمة فخطبها من عمه فزَّوجه بها وعادوا إلى الشام، فلما بلغ عروة ذلك بهت لا يحر جوابًا وزادت به لواعج النوى فأنشد:
وما بلغ الحي حتى أخذه الهذيان والقلق وأقام أيامًا لا يتناول طعامًا حتى شفت عظامه ولم يخبر بسره أحدًا، ولما أشفى ويئس من الشفاء وعلم الضجر من أهله قال لهم: احتملوني إلى البلقاء فإني أرجو الشفاء، فلما حلَّ بها وجعل يسارق عفراء النظر في مرورها عاودته الصحة فأقام كذلك إلى أن لقيه شخص من عذرة فسلَّم عليه، فلما أمسى دخل العذري على زوج عفراء وقال له: متى أتى هذا الوغد فقد فضحكم بكثرة تشبيبه، فقال: من تعني؟ قال: عروة، قال: أنت أحق بما وصفت، والله ما علمت بقدومه، وكان زوج عفراء مُتَّصفًا بالسيادة ومحاسن الأخلاق في قومه، فلما أصبح جعل يتصفح الأمكنة حتى لقي عروة فعاتبه وأقسم أن لا ينزل إلا عنده، فوعده ذلك، فذهب مطمئنًا، أما عروة فإنه عزم ألا يبيت الليل وقد علموا به، فخرج فعاوده المرض فتُوفي بوادي القرى دون منازل قومه، فلما بلغ عفراء موته قالت لزوجها: قد تعلم ما بينك وبيني، وبين الرجل من النسابة وما عندي من الوجد وإن ذلك على الحسن الجميل فهل تأذن لي أن أخرج إلى قبره فأندبه فقد بلغني أنه قضى؟ قال: ذلك إليكِ، فخرجت حتى أتت قبره فتمرغت عليه وبكت طويلًا ثم أنشدت:
ولما فرغت من الشعر ألقت نفسها على القبر وأنشدت تقول بطرف قد عراه الأفول:
وما فرغت من شعرها حتى غابت عن الوجود فحُرِّكت فإذا هي ميتة فدُفنت إلى جانب حبيبها.