هيام قيس ومكاتبته لليلى
ثم زادت آلامه وهجر الأهل وهام في البراري والقفار وهو يترنم بهذه الأبيات:
فرآه عن بُعدٍ رجلٌ يُدعى نوفل بن مساحق فسأل عنه فقيل: إنه قيس بن الملوح، وإنه ما وصل إلى ما وصل إلا من حبه ليلى، فقال: وأنى لي وصولًا إليه؟ قالوا: اذكر له ليلى فيدنو منك ويأتي آنسًا فرحًا، فتقدم إليه نوفل وسلَّم عليه وقال له: بحياة ليلى التي هي عندك أعز الناس أن تنشدني من نفائس أشعارك ما تشنف به مسمعي، فأنشده قيس قصيدته التي مطلعها:
فلما سمع نوفل شعره اهتز طربًا وقال: لله درك على هذه الألفاظ الرشيقة والمعاني البديعة الرقيقة، ولكن خلِّ عنك هذا الحزن واتكل على الله فهو قادر على نجاتك، فقال قيس: كيف أطيق الصبر وقد اشتعل قلبي بنار الهوى أيما اشتعال؟ فدعني بالله أهيم في وجدي ولا أهتدي إلى هداي، فتركه نوفل وسار وبقي قيس هائمًا ينشد الأشعار.
وكانت ليلى منذ تزوجت لا تنشف لها دمعة ولا تبرد لها لوعة لشدة وجدها وخوفها على قيس حبيبها، فكتبت إليه يومًا تشكو حالها وختمت الرقعة بهذه الأبيات:
فلما بلغت قيسًا تلك الرقعة كتب إليها يقول: من قيس بن الملوح الهائم الوامق إلى سيدة الملاح وكوكب الصباح ليلى العامرية، ورد إليَّ كتابك أيتها الحبيبة فقرأته طربًا بعابق شذاك وأنا لم أزل في هذه القفار أهيم مع الوحوش والغزلان وحيدًا ذليلًا أقاسي الضر والأحزان حتى صرت نحيلًا كالخيال من شوقي، وكادت تقضي علىَّ تباريح الهوى والسلام.
فلما بلغ ليلى حال قيس وما يلقاه على النوى حزنت عليه وبكت من شدة الالتياع.