كثير عزة ومجنون ليلى
قال المفضل بن الحسن: دخل كثير عزة على عبد الملك بن مروان فجعل ينشد شعره في عزة وعيناه تذرفان، فقال له عبد الملك: قاتلك الله يا كثير هل رأيت أحدًا أعشق منك؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، خرجت مرة أسير في البادية على ناقة لي، فبينا أنا أسير إذ نظر إليَّ شخص فأكدته فإذا رجل قد نصب شركًا للظباء وقعد بعيدًا منه، فسلمت عليه فرد السلام، فقلت: ما أجلسك هاهنا؟ قال: نصبت شركًا للظباء فأنا أرصدها، فقلت: إن قمت له لديك فصدت هل تطعمني؟ قال: إي والله، فنزلت فعلقت ناقتي وجلست أحدثه، فإذا هو أحسن خلق الله حديثًا وأرقه وأغزله، فما لبثنا أن وقعت ظبية في الشرك، فوثب ووثبت معه فخلصها من الحبال ثم نظر في وجهها مليًّا فأطلقها وأنشأ يقول:
ثم أصلح شركه، وغدونا إلى موضعنا، فقلت: والله لا أبرح حتى أعرف أمر هذا الرجل، فأقمنا باقي يومنا فلم يقع شيء، فلما أمسينا قام إلى غار قريب من الموضع الذي كنا فيه وقمت معه فبتنا به، فلما أصبح الصباح غدا فنصب شركه، فلم يلبث أن وقعت ظبية شبيهة بأختها بالأمس فوثب إليها ووثبت معه فاستخرجها من الشرك ونظر في وجهها مليًّا ثم أطلقها فمرَّت، وأنشأ يقول:
ثم عدنا إلى موضعنا فلم يقع يومنا شيء، فلما أمسينا صرنا إلى الغار فبتنا فيه، فلما أصبحنا عدل إلى شركه وغدوت معه فنصبه وقعدنا نتحدث، وقد شغلني يا أمير المؤمنين حسن حديثه عما أنا فيه من الجوع، فبينا نتحدث إذ وقعت في الشرك ظبية فوثب إليها ووثبت معه، فاستخرجها من الشرك ثم نظر في وجهها وأراد أن يطلقها فقبضت على يده وقلت: ماذا تريد أن تعمل؟ أقمت ثلاثة أيام كلما صدت شيئًا أطلقته، فنظر في وجهي وعيناه تذرفان وأنشأ يقول:
فرحمته يا أمير المؤمنين وبكيت لبكائه، ونسبته فإذا هو قيس بن معاذ المجنون، فذلك والله أعشق مني يا أمير المؤمنين.