تخلف فضل عن سعيد بعد حبها له
بينما كان سعيد يومًا في مجلس الحسن بن مخلد إذ جاءه غلام برقعة من فضل، فقرأها فإذا
هي تصف شوقها وتشكو ما تلقاه على البعد، فكتب إليها هذه الأبيات:
يا واصف الشوق عندي من شواهده
قلب يهيم وعين دمعها يكفُ
والنفس شاهدة بالود عارفة
وأنفس الناس بالأهواء تأتلف
فكن على ثقة مني وبينة
أني على ثقة من كل ما تصف
فلما وصل إليها الجواب طاب قلبها وسارت إليه وأقامت عنده عامة النهار وكرت راجعة،
ولما تعشقت بنان بن عمر المغني وعدلت عن سعيد أسف عليها وأظهر تجلدًا ثم قال
فيها:
قالوا تعزى وقد بانوا فقلت لهم
بان العزاء على آثار من بانا
وكيف يملك سلوانًا لحبهم
من لم يطق للهوى سترًا وكتمانا
كانت عزائم صبري أستعين بها
وصارت عليَّ بحمد الله أعوانا
لا خير في الحب لا تبدو شواكله
ولا ترى منه في العينين عنوانا
فلما بلغها الأبيات وما يقاسي لأجلها ندمت على ما كان وعادت فقالت له: ها أنا أموت
وتستريح مني، فأنشأ يقول:
لا مُتِّ قبلي بل أحيا وأنت معًا
ولا أعيش إلى يوم تموتينا
لكن نعيش بما نهوى ونأمله
ويرغم الله فينا أنف واشينا
حتى إذا قدر الرحمن ميتتنا
وحان من أمرنا ما ليس يعدونا
متنا جميعًا كغصني بانة ذبلا
من بعد ما نضرا واستوثقا حينا
واجتمع بها ذات يوم في مجلس حافل، وبينا هم جالسون إذ دخل عليهم بنان المذكور، فأقبلت
عليه فضل بحديثها، فغضب سعيد غضبًا شديدًا، وتبين بنان القصة فانصرف، وأقبل عليها سعيد
يعذلها ويؤنبها ساعة ثم أمسك، فقالت منشدة:
يا من أطلت تفرسي
في وجهه وتنفسي
أفديك من متدلل
يزهو بقتل الأنفسِ
هبني أسأت وما أسأت
بلى أقول أنا المسي
أحلفتني أن لا أسارق
نظرة في مجلسي
فنظرت نظرة مخطئ
أتبعتها بتفرس
ونسيت أني قد حلفت
فما عقوبة من نسي
فقام سعيد وقبَّل رأسها وقال: لا عقوبة عليه، بل نحتمل هفوته ونتجافى عن
إساءته.