مفارقة عنترة لابنة عمه
كان عنترة من شدة حبه لعبلة وشغفه بها ينشد فيها الأشعار ويردد ذكرها دومًا، فلما بلغ عمه ذلك الخبر غضب منه وحقد عليه فأبعده عن الأحياء التي فيها عبلة، فسار كئيبًا كسير الفؤاد إلى جهة بني فزارة فنزل ورجل من قومه يدعى حذيفة على مرج أفيح، وكان الوقت ربيعًا والأرض قد رفلت ببديع زهرها ونشرت حللها الملونات على الصحاري والربوات وفاح بها الزهر من سائر الجهات، فلما رأى حذيفة تقصير عنترة في أكله وشربه قال له مشفقًا: يا عنترة إلى متى يكون هذا الغم والكمد؟ ألا تعلم أن هذا يهدم ما تبنيه من مجدك وعلاك وأن عمك خاسر في هذه الفعال التي سوف يندم عليها؟ فقال عنترة: والله يا حذيفة لا آسف إلا على الجميل الضائع وعدم اعتباري في أعينهم، ثم جالت الدموع في عينيه وتحسر مما جرى له، فقام وأوسع في الفلاة ليسلي نفسه من ذاك البلاء وإذا بسرب حمام تساقطن على أغصان الشجر وتجاوبن بالنوح كما تتجاوب النساء الثاكلات، فأجرين من جفناته العبرات، وتصاعدت من أنفاسه الزفرات، فأنشد: