سيارة ملغومة!
انطلق صف السيارات الطويل مُخترِقًا شوارع العاصمة البرازيلية التي تقع فوق قمَّة إحدى الهضاب العالية التي يَزيد ارتفاعها عن ألفَي متر عن سطح البحر …
ومع طابور السيارات المُتسابقة التي اندفعت بكل سرعتها راح الجمهور المُحتشِد يُصفِّق ويُهلِّل رافعًا الأعلام الملوَّنة، على حين بدت مباني العاصمة العالية وناطحات السحاب في الخلف والأجناب كأنها أذرع ضخمة نبتت حول الهضبة الفسيحة.
وأخيرًا غادرت السيارات المتسابقة الضواحي المُزدحِمة من العاصمة البرازيلية … وانفتح أمامها طريق عريض يشق الهضبة، على حين امتدَّت إشارات الطريق وأسهُم العلامات تُرشد السيارات المتسابقة وسائقيها في يُسرٍ واضح إلى الطريق المطلوب اتِّباعه …
كانت سيارة الفريق العربي في المقدمة ضمن سيارتَين أو ثلاث احتفظتا بالسبق منذ بدايته، ومن الخلف على مسافة أقل من كيلومتر تبعتها سيارة الشياطين، وقام «أحمد» بتثبيت السرعة بحيث يَحتفِظ بنفس المسافة بينه وبين سيارة الفريق العربي حتى يُمكنه التدخل في اللحظة المناسبة إذا ما تعرَّضت سيارة «سالم» لأيِّ خطر …
وقال «عثمان» ﻟ «أحمد»: لا أظنُّ أن سيارة «سالم» ستتعرَّض لأي خطر الآن … إن من يخططون للتخلُّص منه لا بدَّ وأنهم سيَنتظرُون دخولنا منطقة الأحراش قبل أن يبدءوا عملهم.
أحمد: أظنُّ أنك مُحقٌّ في استنتاجك … ولكن علينا ألا نترك شيئًا للمُصادَفة أو التخمين.
هزَّ «عثمان» رأسه في صمتٍ ونظر في ساعة يده وقال: لقد مرت نصف ساعة … أظن أن السيارات المعاونة ستَلحق بنا على الفور.
أحمد: أعتقِد أن السيارات المُتسابقة ستُقلِّل من سرعتها بعد أن تُغادِر العاصمة حتى تستطيع أن تكون على مسافة قريبة من السيارات المعاونة التابعة لها إذا ما حدث لها أي عطل.
ضحك «عثمان» قائلًا: ها قد بدأت تُفكِّر كسائق سباق مُحترِف.
وبالفِعل فما إن غادرت السيارات المُتسابقة العاصمة حتى قلَّلت من سرعتها … وتقدمت عدة سيارات سيارة الفريق العربي على حين كانت سيارة الشياطين لا تزال تتبع سيارة «سالم» مع الاحتفاظ بنفس المسافة.
نظر «عثمان» إلى السيارات المارقة حوله وهو يقول: سيكون مُمتعًا لو انطلقنا بسُرعة سيارتنا القُصوى فيجد هؤلاء المتسابقون أن هناك تحديًا حقيقيًّا لهم.
قطَّب «أحمد» حاجبَيه قائلًا: في مثل هذه السباقات الطويلة وخاصةً إذا كانت بلا مراحل توقُّف خاصة، فيُستحسَن للسيارات المشاركة ألا تبدأ سباقها بسرعتها القصوى … تمامًا كسبَّاقي وعدَّائي المسافات الطويلة … إنهم يبدءون سباقهم في الجري بسُرعة أقل، ثم يُنهونه بأسرع ما يكون …
عثمان: معك حق … وإن كنت أعتقد أن المَراحل الأخيرة من السباق ستَحتاج لما هو أكثر من السُّرعة والمهارة في قيادة السيارات … سأتَّصل بسيارتنا المُعاونة لأستطلع في أي مكان هم.
وأمسك «عثمان» بجهاز لا سِلكي صغير على شكل ولاعة وأخذ يبثُّ رسالة إلى سيارة الشياطين التي يقودها «قيس» و«إلهام» و«زبيدة» …
وتلقت «إلهام» الرسالة فجاوبت «عثمان» بأن سيارتَهم لا تزال على مشارف العاصمة، وأنها تسبق السيارات المعاونة جميعًا وعلى مسافة قليلة منها تتبعُهم السيارة المُعاوِنة للفريق العربي.
ألقى «عثمان» نظرة إلى لوحات المسافة على الطريق وقال: إنَّ هناك أكثر من مائة كيلومتر تفصلُنا عن سيارة بقية الشياطين … وأعتقِد أنها ستَتضاعَف قبل حلول المساء.
أحمد: سيُمكِن تعويضها بسهولة في المساء عند الراحة للتزوُّد بالوقود …
ونظر في مؤشر الوقود أمامه قائلًا: سوف يفرغ الوقود في سيارتنا بعد ثلاث ساعات تمامًا أي بعد مغيب الشمس بدقائق قليلة.
عثمان: أظنُّ أن خزان البنزين لسيارة الفريق العربي له نفس سعة خزاننا … وعلى ذلك فسوف تتوقَّف في مكانٍ قريبٍ منَّا للتزوُّد بالوقود.
أحمد: سوف نَنتهِز الفُرصة ونُحاوِل أن نُقيم عملية تعارف مع أفراد الفريق … إن هذا سيسهل مهمتنا.
وساد الصمت بعد حديث «أحمد» … وكانت أغلب السيارات المُتسابِقة قد تعدَّت سيارة الشياطين والفريق العربي الذي ظلَّ يسير على سرعة لا تتجاوَز المائتي كيلومتر في الطريق المنبسِط.
وفجأةً هتف «عثمان» في «أحمد»: انظر يا «أحمد»!
ولم يكن «أحمد» بحاجة إلى تنبيه وتحذير من «عثمان»، فقد لفَت انتباهه السيارة الحمراء التي خرجت من أحد الطرق الجانبية بسرعة كبيرة لتتوسَّط المسافة بين سيارة الفريق العربي وسيارة الشياطين.
قال «عثمان» بقلق: إنها تبدو كإحدى سيارات السباق بسرعتها العالية!
أحمد: ولكني لم أُشاهِدها ضمن السيارات المتسابقة، بالإضافة إلى أنها لم تَنطلِق معنا أو تسلك طريق السباق … إنَّ هذه السيارة تُثير الشك!
عثمان: معك حق …
وأخرج «عثمان» نظَّارة مقربة من تابلوه السيارة وألقى نظرة نحو السيارة الحمراء التي كانت تسبقهم بخمسمائة متر وقال مُندهشًا: إنَّ هذه السيارة لها سائق واحد فقط بلا مُساعد … وهذا ضد قوانين السباق!
أحمد: كما توقَّعتُ … إنها ليست إحدى سيارات السباق.
وأخذ «عثمان» النظارة المكبِّرة وألقى نظرة نحو السيارة الحمراء وقال بدهشة: عظيمة: إن طريقة السائق في القيادة تبدو عجيبة … فهو جالس كأنه تمثال لا يتحرَّك!
وأزاح النظارة عن عينيه بدهشة، وهتف «عثمان»: إنه ليس سائقًا بشريًّا … هذا مؤكَّد!
وفجأة زادت السيارة الحمراء من سُرعتها، واندفعت كالصاروخ خلف سيارة الفريق العربي، وتناقصت المسافة بين السيارتين بسرعة، وأفسح «سالم» الطريق للسيارة الحمراء لكي تتجاوَزه جهة اليسار، ولكن السيارة اندفعت بشدة نحوه من الخلف حتى كادَت أن تصطدم بسيارة الفريق العربي لولا أن انحرف «سالم» بسيارته في آخر لحظة.
وصاح «أحمد» وقد أدرك سرَّ ما يَجري أمامه: إنها سيارة ملغومة موجهة عن بعد … لو اصطدمت هذه السيارة بسيارة «سالم» فسوف تنسفها!
هتف «عثمان» في حدة: انسِف هذه السيارة يا «أحمد» بأحد الصواريخ.
أحمد: لا أستطيع … إنها قريبة جدًّا من سيارة «سالم»، ولو نسفناها فربما تنفجر سيارة «سالم» أيضًا.
وزاد «أحمد» من سُرعة سيارته حتى بلغت سرعتها القُصوى، وانطلقَت فوق الأرض كأنها تطير بصوت يصمُّ الآذان خلف السيارة الحمراء …
وعاودت السيارة الحَمراء هُجومها على سيارة «سالم»، ويبدو أن «سالم» قد أدرك ما تبغيه السيارة المهاجمة من الخلف فانحرَفَ بسيارته تجاه الطريق الصَّخري على الجانب الأيمن واستدار استدارة كاملة وتأهَّب لملاقاة السيارة المهاجمة وجهًا لوجه …
واستدارت سيارة الشياطين أيضًا بصوتٍ حادٍّ لتُصبح في مواجهة السيارة المهاجمة التي اندفعت نحو سيارة «سالم» …
وضغط «سالم» على دواسة البنزين في سيارته بأقصى قوته … وزأرت السيارة بكلِّ قوَّتها فوق الأرض الصخرية ولكنها لم تتحرَّك، فقد انحشرَت عجلاتها الخلفية في شقٍّ صخري عريض، وأخذت العجلتان الخلفيتان تدوران بجُنون داخل الشق بدون أن تقدر على دفع السيارة خارجه … وتناقصت المسافة بينها وبين السيارة المُهاجمة التي اندفعت نحوها كوحش كاسر ولم يَعُد باقيًا غير خمسين مترًا تقطعهم السيارة الحمراء في أقل من ثانية …
وصرخ «أحمد» وهو يَستدير بسيارته نصف دورة: الآن …
وانطلق صاروخ من أسفل ماسورة العادم في سيارة «أحمد» وأصاب السيارة الحمراء المهاجمة في مُنتصَف المسافة، وانفجَرَت السيارة الحمراء ككُتلة من الجحيم المُستعِر في عدة انفجارات متوالية مما يقطع بأنها كانت تحمل كمية كبيرة من المتفجرات.