الخدعة الكبرى!
انطلقت من ماسورة مدفع الدبابة دانة انفجرت بعنف شديد على مسافة قليلة من سيارتي الفريق العربي، وأحس «أحمد» بنفسه يطير من فوق سقف السيارة ويسقط فوق الأرض من شدة الانفجار، على حين انحرفت سيارة «سالم» بشدة جهة اليمين لتخترق بعض الأشجار الكثيفة وتمرق من بينها … أما السيارة الثانية فقد أصابها انفجار القنبلة بعطب فتوقفت على حافة الطريق، واندفع راكباها يغادرانها ويَعدُوان نحو الطريق الجانبي خلف سيارة «سالم».
وتحركت الدبابة هادرة وهي تتقدم للأمام … وزحف «أحمد» فوق الطريق محاذرًا ألا يكشف نفسه للدبابة … ولكن فجأة انطلقت دانة أخرى من الدبابة أصابت السيارة الثانية المعطوبة فانفجرت السيارة وتحوَّلت إلى شظايا وكتلة من اللهب … واندفع «أحمد» يجري بعيدًا عن الجحيم المشتعل، فانطلق من الدبابة سيل منهمر من الرصاص خلفه، فقفز «أحمد» في الهواء وسقط بعيدًا واحتمى خلف إحدى الأشجار العريضة وصوبت الدبابة مدفعها نحو سيارة «سالم» التي اندفعت تشق طريقًا متعرجًا وسط الأشجار، وانطلقت دانة ثالثة من ماسورة مدفع الدبابة خلف سيارة «سالم»، ولكن القنبلة أخطأت السيارة وأصابت إحدى الأشجار الضخمة فتهاوت الشجرة فوق الأرض بصوت داوٍ …
وأدرك «أحمد» أن عليه محاولة تعطيل الدبابة وجعلها تكفُّ عن إطلاق قنابلها ضد سيارة «سالم» … وكان ما لديه من أسلحة بسيطًا لا يمكنه التأثير في دبابة ضخمة …
وعلى الفور بث «أحمد» رسالة سريعة إلى بقية الشياطين يخبرهم فيها بهجوم الدبابة ويطلب المعونة … ولكنَّ سيارتَي الشياطين كانتا على مسافة نصف ساعة …
وأدرك «أحمد» أن عليه أن يواجه الدبابة وحيدًا، بقنابله اليدوية ومدفعه الرشاش … راحت الدبابة تقترب وتقترب وماسورة مدفعها مصوبة للأمام … وعلى مسافة قريبة وقعت سيارة «سالم» فيما يشبه المصيدة، عندما سدت الطريق أمامها عدة أشجار كثيفة منعتها من التقدم للأمام، ومن الخلف كانت الشجرة الضخمة التي سقطت من انفجار دانة الدبابة تسد عليها طريق العودة والمناورة، وحتى الخروج من السيارة كان مستحيلًا لكثافة الأشجار حولها التي كانت تعوق فتح أبوابها.
وشاهد «أحمد» الدبابة وهي تَقتحم طريق الأشجار وتصوب مدفعها نحو سيارة «سالم» … وكان عليه التصرف بسرعة والمخاطرة مهما كان ثمنها … اندفع «أحمد» وسط الأشجار كاشفًا عن نفسه وأخذ يطلق سيلًا عارمًا من الرصاص من مدفعه الرشاش تجاه الدبابة … وكان يعلم أنه لا تأثير لطلقات الرصاص على بدن الدبابة المصفح، ولكنه كان يريد تحويل أنظار قائدها إليه لحماية «سالم» وإعطائه فرصة لمغادرة السيارة والاختفاء بعيدًا … وأمسك «أحمد» بقنبلة يدوية انتزع فتيلها وألقاها نحو الدبابة، وانفجرَت القنبلة أسفل الدبابة بدون أن تصيبها بسوء …
والتمعت عينا «أحمد» عندما شاهد ماسورة الدبابة وهي تستدير نحوه، وانطلقت دانة من الماسورة لتنفجر مكان «أحمد»، الذي كان أسرع في حركته فقد قفز مبتعدًا ليحتمي خلف بعض الأشجار … ومرةً أخرى ظهر «أحمد» من جهة عكسية وهو يطلق رصاصه نحو الدبابة، وألقى بقنبلة أخرى أسفلها … ودارت ماسورة الدبابة تجاهه محاولةً ضربه … وطاشت قنبلتها مرة أخرى … وتحسس «أحمد» جيوبه … كان كل ما لديه قنبلة واحدة، وقد فرغ الرصاص من مدفعه الرشاش … وأحس «أحمد» بحرج موقفه.
ولا بدَّ أن قائد الدبابة أدرك نفاد ذخيرة «أحمد»، فاستدار نحوه وقد قرر التخلص منه أولًا … وتحركت ماسورة الدبابة ببطء نحو «أحمد» الذي كشف عن نفسه وسط الأشجار … كان عقل «أحمد» قد بدأ يعمل بسرعة بالغة …
وانطلقت الدانة من الدبابة في نفس اللحظة التي ألقى «أحمد» فيها بنفسه في جوف حفرة صغيرة خلفه ليحتمي من انفجار القنبلة … وتصاعد الغبار والشظايا من انفجار القنبلة … وألقى قائد الدبابة نظرة إلى مكان «أحمد» فشاهد آثارًا للدمار فعلت وجهه ابتسامة شيطانية وتأكد من موت عدوِّه …
وتحركت الدبابة في اتجاه سيارة «سالم» … ومرَّت من فوق الحفرة التي اختبأ «أحمد» فيها، وفي براعة وخفة تعلق «أحمد» بمؤخرة الدبابة ثم تسلق سطحها …
وتوقفت الدبابة مصوبة ماسورتها نحو سيارة «سالم» الذي انحشر بداخلها ولم يستطع الخروج، وفي أقل من الثانية أخرج «أحمد» قنبلته الأخيرة ورفع غطاء برج الدبابة ثم أسقط القنبلة في جوف الدبابة وألقى بنفسه لأسفل بعيدًا …
ودوَّى صوت انفجار مكتوم داخل الدبابة … وسكن كل شيء بها … وتنفس «أحمد» الصعداء أخيرًا … لقد انتصرَ الشياطين مرة أخرى.
تقدم «أحمد» نحو سيارة «سالم»، وعاوَنَه في إزاحة الأشجار الساقطة حول السيارة وخروجه منها ورفيقه … وتقدم «سالم» نحو الدبابة الساكنة على مسافة قليلة منه، ولم يصدِّق عينَيه أنه نجا منها ومن قنابلها … وفي صمتٍ احتضن «سالم» «أحمد» وهو يقول له: لا أدري كيف أشكرك أيها الصديق … إنك تبدو بارعًا في القتال مثل شيطان!
ضحك «أحمد» قائلًا: إنني شيطان بالفعل.
تساءل «سالم»: ولكن كيف أتيت في اللحظة المناسبة لتُواجِه هذه الدبابة؟!
قص «أحمد» على «سالم» ورفاقه الثلاثة كيف أنه تعلَّق بسقف سيارتهم، وكيف أمكنه اكتشاف القنابل الموقوتة وإبعادها في الوقت المناسب ثم مواجهته للدبابة.
قال «سالم» ذاهلًا: يا إلهي! ونحن الذين كنا نظنك من الأعداء عندما انفجرت القنبلة اليدوية على الطريق وشاهدناك وأنت تعدو نحو سيارتنا …
أحمد: لقد انتهى كل شيء الآن … وها أنت ترى أنك بحاجة إلى حماية حقيقية فترة السباق الباقية.
هز «سالم» رأسه بصمت ثم قال: معك حق … خاصةً وقد انفجرت سيارتنا المعاونة وسنحتاج إلى سيارة معاونة أخرى …
أحمد: سوف تكون سيارتنا المعاونة في خدمة سيارتك أيضًا … بشرط أن تضع نفسك تحت حمايتنا …
قال «سالم» ضاحكًا: وأنا موافق بشرط ألا تجعلاني أفوز بالسباق بمثل طرقكم الشيطانية …
انفجر الجميع ضاحكين … وظهرت سيارتا الشياطين عن بُعد، وتعاون الجميع في إخراج سيارة «سالم» من وسط الأشجار إلى طريق السباق مرة أخرى … واعتذر سائقا شاحنة «سالم» المتفجِّرة بأنهما لم يعد لهما أية فائدة، وودَّعا «سالم» واستقلا إحدى السيارات العائدة إلى العاصمة البرازيلية.
وأخيرًا انطلق الموكب … سيارة «سالم» ومساعده في الأمام … وخلفها على مسافة قليلة سيارة الشياطين وبداخلها «أحمد» و«عثمان» … وعلى مسافة أخرى سيارة الشياطين الثانية وبداخلها «قيس» و«زبيدة» و«إلهام».
وكان الصباح قد أشرق تمامًا … وشاهد الشياطين عددًا من سيارات الإسعاف والإطفاء وهي تتجه في الطريق العكسي نحو السيارة المتفجرة … وقالت «إلهام»: إنهم يأتون متأخرين دائمًا!
زبيدة: وسوف تكون المفاجأة مُذهِلة للمسئولين عن السباق عندما يشاهدون الدبابة … ولن يعرف أحد بالحقيقة أبدًا!
قيس: إن الشياطين لا يتركون أثرًا وراءهم أبدًا …
وتساءلت «إلهام» بعينين ضيقتين: تُرى أي نوع من الأخطار سنُواجهها هذه المرة؟
أجابها «قيس»: مَن يدري؟!
زبيدة: مهما كان نوع الخطر الذي سنواجهه فنحن لا نخشاه … لقد اعتدنا مواجهة الأخطار المجهولة حتى صارت جزءًا من حياتنا …
وفي السيارة الأمامية أخذ «أحمد» و«عثمان» يُراقبان إشارات الطريق وعلامات المسافة، وقال «أحمد»: لقد بدأنا منطقة الغابات … إنها تمتد مسافة لا تقل عن ألف كيلومتر قبل الوصول إلى حدود «بيرو» …
تساءل «عثمان»: هل سنَخترقُها؟!
رد «أحمد»: لا … إن اختراق هذه الغابات ضياع مؤكد وتيه لا نهاية له … إن خرائط السباق تشير إلى أننا سنأخذ طريقًا محاذيًا للحدود البرازيلية مع «بوليفيا» لحين الوصول إلى حدود «بيرو» … وإن كانت منطقة الحدود مليئة بالغابات أيضًا …
وساد الصمت بين الشياطين، وبعد وقت قصير بدأت أولى ملامح الغابات البرازيلية الكثيفة التي امتدَّت جهة اليمين واليسار بكثافة شديدة … وتعالت من قلب الغابات أصوات مختلطة لحيوانات وطيور وزواحف بأنواع لا تحصى …
وكان الطريق متعرجًا غير مستقيم ينحرف جهة اليمين مرة وجهة اليسار مرة أخرى … ولم يكن هناك أيٌّ من السيارات المتسابقة حولهم …
واستمرَّت السيارات الثلاث في سيرها المتعرج وهي تتبع إشارات الطريق والأسهم، وتعجب الشياطين أن الطريق صار مُلتويًا بطريقة عجيبة حتى لكأنهم اخترقوا الغابات نفسها، وبعد ساعات من السير الشاق أحس الشياطين أنهم يدورون في حلقات مفرغة، فأوقف «أحمد» سيارته وتوقفت السيارتان الأخريان …
وتطلع «أحمد» حوله بدهشة فشاهد الغابات الكثيفة تسد الطريق حولهم في كل اتجاه ولم يكن الطريق يوحي بأنه طريق سباق أبدًا! قالت «إلهام» مندهشة: يبدو أننا قد ضللنا الطريق! إن هذا الطريق مسدود وهو لا يمكن أن يكون طريق سباق أبدًا …
زبيدة: ولكننا اتبعنا إشارات الطريق …
ضاقت عينا «أحمد» وهو يقول بشك: ولماذا لا تكون هذه الإشارات خاطئة وتم وضعها عمدًا لتضليلنا …؟!
قيس: أتقصد يا «أحمد» أنهم أرادوا تضليلنا في هذه الغابات الكثيفة؟!
أحمد: هذا واضح … إنهم موقنون أننا لن نستطيع الخروج منها أحياءً أبدًا …
عثمان: سوف نتبع إشارات الطريق التي قادتنا إلى هنا بطريقة عكسية للخروج من هذه الغابات، والعودة إلى الطريق مرة أخرى …
وافق الجميع وأسرعوا إلى سياراتهم واستداروا بها … وما كادوا يسيرون أقل من كيلومتر حتى اختفت إشارات الطريق الزائفة … كأن يدًا قد أخفتها من المكان … ووجد الشياطين أمامهم أكثر من طريق داخل الغابات وهم لا يدرون أيهم يؤدي إلى خارج الغابات الكثيفة المهولة …
وأحس الشياطين بالمأزق الذي صاروا فيه مع «سالم» … لقد كان عليهم أن يدخلوا حربًا مع الطبيعة هذه المرة في أحراش مجهولة لم تطأها قدم إنسان، وعامرة بكل أنواع الأخطار الطبيعية التي لا تخطر ببال إنسان … لقد سقطوا في الخدعة الكبرى …!