مفهوم العلم في القرآن الكريم١
(١) الموضوع والمنهج
مفهوم «العلم» في القرآن الكريم مفهوم رئيسي مثل مفاهيم «الله، الإيمان، العمل، الدنيا، الآخرة … إلخ.» مما يدل على أهمية العلم.
وهو الذي على أساسه ظهرت تصورات العلم في العلوم الإسلامية العقلية النقلية؛ أصول الدين وأصول الفقه وعلوم الحكمة وعلوم التصوف، أو العلوم النقلية الخالصة؛ علوم القرآن والحديث والتفسير والسيرة والفقه، أو العلوم العقلية الخالصة؛ الرياضية كالحساب والهندسة والفلك والموسيقى والجبر، أو الطبيعية، الطب والصيدلة والكيمياء والمعادن والنبات والحيوان.
أما العلوم النقلية الخمسة فتبدأ أيضًا بكتاب «العلم» كما هو الحال في «الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي، وكما يفعل البخاري في صحيحه، وفي كتب الفقه والسيرة والتفسير. أما العلوم الرياضية والطبيعية فإنها تؤسس العلوم الاستنباطية والاستقرائية في آنٍ واحد، العقلية والتجريبية، النظر والاعتبار بلغة القدماء.
وقد كُتبت عدة مؤلفات في مفهوم العلم كموضوع مستقل مثل «جامع بيان العلم وفضله» للقاضي عبد البر، كما ظهر في عناوين عدة مؤلفات مثل «إحصاء العلوم» للفارابي، «أبجد العلوم» لحسن صديق خان، و«مفتاح العلوم» للسكاكي، وغيرهم.
وأساسها جميعًا مفهوم «العلم» في القرآن الكريم الذي كان المصدر الأول لتصور العلم في منظومة العلوم الإسلامية القديمة قبل أن يزاحم الوافد الغربي الموروث القديم، وتنشأ تصورات جديدة للعلوم الرياضية والطبيعية والإنسانية في نزاع بينها وتضارب بين مناهجها ومعارضة الاستنباط بالاستقراء، والنظر بالتجربة والاتساق بالتصديق، وحيرة العلوم الإنسانية بين المنهجين قبل أن تستقل بمناهج خاصة مثل الظاهريات، وبالرغم من محاولات «وحدة العلوم» عند هيجل أو «العلم الشامل» عند ليبنتز.
ومنهج «تحليل المضمون» منهج من مناهج العلوم الاجتماعية واللسانية لتحليل الخطاب، خطب الرؤساء والمديرين والقادة أو العلماء والفقهاء والدعاة للتعرف على مكونات الفكر ومساره. يبدأ من اللفظ إلى المعنى، ويعتمد على التحليل الكمي لتردد الألفاظ وتركيب الجملة وفقه اللغة، والفرق بين الاسم والفعل والحرف، والنكرة والمعرفة، والمرفوع والمنصوب والمجرور، واسم الفاعل واسم المفعول واسم الفعل، إلى آخر ما يعرفه فلاسفة اللغة ودلالتها على الفكر.
ويُطبَّق على كل أنواع النصوص، النص الديني والأدبي والقانوني والتاريخي، ولكل نص أبعاده المركبة أو البسيطة، فالصحة التاريخية أهم للنص الديني والذي أوجب «النقد التاريخي للكتب المقدسة» منها إلى النقد الأدبي، بالرغم من وجود قضية الانتحال، والنص التاريخي والنص القانوني، وقضية اقتضاء الفعل أو الإلزام أقرب إلى النص الديني والقانوني اللذين يوجبان الفعل منهما إلى النص الأدبي والنص التاريخي، والبعد الجمالي للنص أقرب إلى النص الأدبي والديني منهما إلى النص التاريخي والنص القانوني، وقضية التفسير المعنوي المجازي أقرب إلى النص الديني والنص الأدبي منها إلى النص القانوني، بالرغم من أهمية روح القانون، والنص التاريخي، وقضية الإبداع الفني أقرب إلى النص الأدبي والنص الديني منها إلى النص القانوني والنص التاريخي، والمعرفة التاريخية أقرب إلى النص التاريخي والنص الديني، قصص الأنبياء، منها إلى النص الأدبي والنص القانوني.
وقد تكون لآية واحدة أكثر من دلالة من حيث الشكل أو المضمون، وفي هذه الحالة تستعمل مرة واحدة وذلك لكثرة الآيات التي تفيد نفس المعنى، وتفاديًا للتكرار.
وهو منهج دقيق مضبوط يتجنب إصدار الأحكام العامة خارج منطق البرهان، ويبدأ بنقطة دقيقة هي تحليل الألفاظ. فالفكر لغة، والمعنى عبارة، والمفهوم لفظ، والتصور تركيب يتجنب إصدار الأحكام العامة سلبًا أم إيجابًا، والبداية بالأحكام المسبقة التي تفرض نفسها على النص، من خارج النص وليس من داخله، واللغة ليست موضوعًا شكليًّا، مجرد ثوب للمعنى، صوت دال، تعبير وإيصال، بل «اللغة منزل الوجود» كما يقول هيدجر، تكشف عالمًا بأكمله، يتجاوز المعاني إلى الوجود ذاته الذي يتكشف للوعي؛ لذلك «في البدء كانت الكلمة». والكلمة قول وفعل، معنى وشيء، صورة ومضمون، صوت وصورة، ماهية ووجود، خالق ومخلوق. الكلام صفة من صفات الله، والوحي كلام الله، وقول ثقيل يلقى على النبي، وهو الوحي. معرفة البشر بالحياة والكون والمصير، وبالنظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية. والقول اقتضاء فعل، توجه نحو العمل كما هو الحال في أنواع القضايا في فلسفة اللغة المعاصرة. ليس مجرد وصف أو تقرير بل هو أمر أو نهي، ومِن ثَم لا يعني «تحليل المضمون» أي وقوع في الشكلانية المعاصرة عندما يصبح «تحليل الخطاب» وسيلة وغاية وليس فقط وسيلة لتجاوز اللغة إلى العالم الخارجي.
وهو أحد المناهج وليس المنهج الأوحد، ولا يوجد منهج كامل يتناول الموضوع من جميع جوانبه، بل هناك تكامل المناهج من أجل إنارة الموضوع المتعدد الجوانب؛ إذ يغلب على منهج «تحليل المضمون» الإيحاء بالشكلية، فاللغة صورة الفكر، واللفظ ثوب المعنى بتعبير القدماء، فهل يمكن الاقتراب من المضمون بالشكل؟ يرد الفنان إيجابًا وكذلك عالم اللسانيات وفيلسوف التجربة والوضعي المنطقي، ويرد الرومانسي بالنفي، فالفكر عاطفة وانفعال ما قبل الألفاظ، ويشاركه الظاهراتي الذي يعتبر عالم الماهيات عالمًا مستقلًّا قبل الحمل المنطقي، وكما عرض هوسرل في «التجربة والحكم»، والمثالي الذي يثبت الحدس والتصورات والمفاهيم والمُثُل كأفكار قبلية سابقة على التجربة واكتساب اللغة مثل ديكارت وكانط، ومِن ثَم يحتاج تحليل المضمون التحول من تحليل الألفاظ إلى تحليل المعاني، ومن تحليل اللغة إلى وصف المعاني أو «الماهيات» المستقلة قبل حلولها في الألفاظ.
وإذا أمكن الانتقال من عالم الألفاظ إلى عالم المعاني، ومن عالم المعاني إلى عالم الأشياء، فكيف يتم الانتقال من عالم الأشياء إلى عالم الأفعال. فاللغة اقتضاء، والعبارة مطلب، والقضية أمر، «افعل» أو «لا تفعل». يحتاج تحليل المضمون إذن بالإضافة إلى عالم الألفاظ وعالم المعاني وعالم الأشياء إلى عالم السلوك والعلوم السلوكية.
بهذا المعنى يتحول منهج تحليل المضمون من مجرد تحليل للأشكال اللغوية إلى وصف للمضمون على مستوى المعاني والأشياء والبواعث وحركة التاريخ، فالشكل مدخل إلى المضمون.
ونظرًا لأن «العلم» الآن أصبح جزءًا من الوافد الغربي، بل إن الحضارة الغربية قدمت نفسها على أنها حضارة العقل والعلم، والإنسان والتاريخ، فرض المنهج المقارن نفسه من أجل عقد حوار ثقافي بين مفهوم العلم الموروث من القدماء وتصور العلم الوافد من المحدثين فيما يتعلق بأوجه التشابه والاختلاف. صحيح أن مفهوم العلم الموروث يستنبط من نصوص ومنهج تحليل المضمون ولكنها نصوص تُفهَم بالعقل، وتُرَد إلى التجارب الحية، وصحيح أيضًا أن تصور العلم الوافد من الغرب الحديث يعتمد على العقل والتجربة، إلا أنه يشارك مفهوم العلم الموروث في اعتماده أيضًا على العقل والتجربة. فهناك مقاييس مشتركة بين الموروث والوافد يسمح بالمقارنة بينهما، خاصةً وأن الباحث العربي الآن يعيش بين ثقافتين، وافدة وموروثة، وما زال ينقل عن القدماء أو المحدثين منذ عصر النهضة دون أن يوحد بينهما في وحدة عضوية كما فعل الفلاسفة مع اليونان، واكتفى بقراءة أحدهما في الآخر على نحو جزئي انتقائي.
(٢) فعل العلم
(٣) علم العلم
وفي تحليل معاني اسم «العلم» تتراوح بين سبعة حقول دلالية.
-
(أ)
الله نموذج العلم المطلق الذي يفيض على العلم الإنساني. الله وحده هو العالم والإنسان هو المتعلم، ما يستطيع تعلمه فيما ينفعه وليست أمورًا نظرية خالصة مثل «الروح» الذي يظل خاصًّا بالعلم الإلهي.٢٢ الله وحده عالم الغيب والذي يُطلِع عليه البشر إذا شاء، وهو دافع للإنسان على المزيد من العلم والبحث والاستقصاء.٢٣ هو وحده العالم بالتاريخ، الحاضر في الزمان، الماضي والحاضر والمستقبل والإنسان لا يعلمه إلا بالرواية.٢٤ علم الله هو العلم المطلق الشامل في حين أن علم العلماء علم نسبي محدود، وهذا ليس إقلالًا من شأن العالم بل تأكيدًا على تقدم العلم وترقي العلماء والرغبة في مزيد من العلم والشوق إليه.٢٥وهو الذي يعطي الوحي ويرسل الأنبياء وينزل الكتب ويؤتي الأنبياء بعضًا منه على نحو قبلي. اختارهم الله عن علم، وهو العلم المنزل الذي يجمع بين النظر والعمل، بين الفكر والسلوك، بين العدل والرحمة، وعلم الله يقتضي الاستجابة، فهو اقتضاء فعل، علم يتحقق.٢٦
-
(ب)
والراسخون في العلم هم الذين يرثون العلم الإلهي ويعلنون عنه، ويجدون البراهين على صدقه،٢٧ وأولو العلم هم الذين يشهدون على الحق مع الله والملائكة على الله نموذج العلم، ووحدانيته أي وحدة العلم،٢٨ وأحيانًا «ذو العلم» عندما يكون متلقيًا للعلم مبلِّغًا له وناقلًا إياه،٢٩ وهم الذين «أوتوا العلم» عندما يتحققون من صدق ما أوتوه يوم القيامة في نهاية التاريخ، وهم الذين يعرفون صدقه ويطيعونه ويحذِّرون الناس من الجهل به وعصيانه،٣٠ وهو علم في الصدور أي علم شعوري، يؤدي إلى الإيمان والتصديق.٣١
-
(جـ)
وضده الجهل، وإصدار الأحكام بغير علم مثل نسبة بنين وبنات إلى الله، وهو منزه عن التشبيه، أو عبادة صنم لا سلطان له أو وثن لا قوة له، وسب الله أي الكفر بالعلم وتجاوزًا له،٣٢ والجهل كذب يؤدي إلى الضلال لأنه قول بغير علم، وهو وزر يؤدي إلى عبادة وهم، والقول لا يكون إلا عن علم وإلا كان قولًا أهوج لهو الحديث. القول لا يكون إلا عن علم،٣٣ والعلم بيان وإعلان وليس تكتمًا أو إخفاءً.٣٤ أما النسيان فطبيعي في الإنسان وهو في أرذل العمر. فالعلم تذكر والجهل نسيان كما صرح أفلاطون.٣٥
-
(د)
والعلم ضد الهوى: العلم موضوعي ثابت دائم أصيل، والهوى انفعال متغير وطارئ. الله ليس الهوى بل الحق، والهوى ليس العلم، ويؤدي إلى الضلال.٣٩والعلم ضد الظن. العلم يقين، والظن شك، والظن ليس هو الاحتمال. فالاحتمال علم بلا دليل. عيب الظن هو إصدار حكم يقيني فيه، وهو أيضًا الخرص. العلم هو البرهان، والتحدي بالعلم هو التحدي بالبرهان من أجل التصديق بالعلم، والعلم مثل الإيمان. لا إيمان بلا تصديق ولا علم بلا تصديق.٤٠
- (هـ)
-
(و)
والعلم هو العلم العملي وليس العلم النظري، العلم المتوجه نحو العمل وليس النظري الخالص، وهو ما وضح في علم أصول الفقه، عند الشاطبي في «الموافقات». فكل مسألة نظرية لا ينتج عنها أثر عملي فهي خارجة عن العلم «عارية» عنه. العلم إجابة على سؤال، والسؤال عن موضوع عملي كما هو الحال في «أسباب النزول».٤٣ قد يكون للأشياء ظاهر وباطن، وقد تكون الأحكام على الخير والشر نسبية في الزمان. قد يكون الخير شرًّا والشر خيرًا في الإدراك،٤٤ والعلم في حاجة إلى تأويل وفهم وجهد إنساني.٤٥والعلم ضد السفه الذي يؤدي إلى قتل الأولاد. فالعلم نظر يتبعه عمل، وإذا كان العلم يؤدي إلى السلوك القويم، فإن السفه يؤدي إلى الضلال العملي مثل قتل النفس.٤٦
- (ز)
(٤) علم العالم
- (أ)
يقرن العليم بالحكيم لبيان اتحاد العلم بالحكمة، فالعلم دون حكمة كما يقرر الغزالي بإنكاره السببية يطعن في العناية كما فعل في «تهافت الفلاسفة»، ومِن ثَم أتت ضرورة قرن الحكمة بالعلم لإثبات السببية حتى يطمئن الإنسان للعيش في العالم كما أراد ابن رشد في «تهافت التهافت»، وقد تختلف الأولوية بين «عليم حكيم» و«حكيم عليم» على التبادل.
ومن مظاهر الحكمة تعليم الملائكة ما لم يكونوا يعلمون في حين أن للبشر علمَين؛ علم نقلي، وعلم عقلي، وحي وفطرة، والتوبة، ورفع الدرجات لمن يشاء، والخلود في الجنة، والجزاء والغنى من فضل الله، وفرائض الله، ومعرفة حدوده، والرسول، والعذاب، والمغفرة، واللطف، والحشر، وأحكام الآيات وبيانها، والقرآن،٦٥ والله أيضًا عليم حكيم مع الخائنين.٦٦ - (ب) ثم يقرن العليم بالسميع لبيان انفتاح العلم الإلهي على الحواس، وأنه لا تعارض بين القبلي والبعدي، بين العقلي والحسي كما تصور كانط، فالله يسمع الدعاء ويتقبله، وهو الذي يستجيب لدعاء المظلومين المضطهَدين، ويسمع همس الذين يبدلون كلامه، ويسمع نوايا البر والتقوى والصلح بين الناس دون الحلف باسمه، ويسمع عزم الطلاق، والقتال في سبيل الله، فالله يسمع الأفعال والأقوال، والكفر بالطاغوت، والإيمان بالله والاستمساك بالعروة الوثقى لا انفصام لها، والذرية المتتالية، وعبادة من لا يضر ولا ينفع، وما يسكن في الليل والنهار والظواهر الطبيعية، لا يبدل كلماته أحد، والاستعاذة من الشيطان، والاستعاذة بالله، وبلاء المسلمين بلاءً حسنًا، وليحيا من حيي على بينة، والتوكل على الله وعلى الباغي تدور الدوائر، والصلاة سكن على التائبين، والعزة لله، وهو الذي يصرف كيد الكافرين، وهو الذي يعلم القول في السماء والأرض، ويزكِّي من يشاء، وخير للنساء أن يستعففن، وتحديد الآجال والرزق.٦٧وهو علم عن خبرة وليس فقط عن طريق السمع بل من مجمل الحواس، موت الإنسان وتقواه ومعرفته، والإصلاح بين الزوجين، كل ذلك يتم عن خبرة. فالعلم عقل وواقع، قبلي وبعدي، إلهي ولكن تم تصديقه في التجربة الإنسانية.٦٨
- (جـ) وعلم الله شامل محيط بكل شيء في صيغة «واسع عليم»، وجوده علمه، يؤتي ملكه من يشاء لأن علمه يسع كل شيء، ويضاعف الأجر لمن يشاء فلا حد لرحمته، ومغفرته وفضله مثل علمه، بل إن من مظاهر سعة العلم إغناء الفقير وإفقار الغني تحقيقًا للمساواة والعدل الاجتماعي.٦٩ وهو الفتاح العليم ضد الانغلاق والانطواء والقطعية والثبات.٧٠
- (د) وهو عليم حفيظ، علمه ثابت لا يضيع مثل علم يوسف، علم مدون أقرب إلى قوانين التاريخ والحقائق الإنسانية العامة ضد النسبية والشك واللاأدرية والعدمية.٧١
- (هـ)
- (و) وهو مقرون بالعزة في «العزيز العليم»، وتعني العزة القضاء العادل والترفع عن الهوى والميل، والسمو المعرفي. يعني العلم الترفع وليس الخسة، وحسن التقدير وليس التطرف، والتوازن والاعتدال، لا فرق بين الكون والمجتمع، بين العالم والناس، والتنزيل أحد مظاهر العدل، والعطاء المعرفي أحد مظاهر الفضل الإلهي.٧٤
- (ز)
(٥) علم المعلوم
-
(أ)
الله عليم بكل شيء، يتجاوز علمه العلم الإنساني «وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ» تسوية السموات السبع، وعلم ما في السموات وما في الأرض. فهو الأول والآخر، الظاهر والباطن. هو العالم بجميع مخلوقاته، لا تخفى عليه خافية، ويضرب الله الأمثال لبيان علمه. يدفع إلى التقوى، ويبين سبل الهدى، ويحذِّر من الضلال، ويكتب على الناس أفعالهم لتحضر أمامهم يوم القيامة، ويعرض لهم تاريخهم أفرادًا وجماعات،٩٧ وهو عليم بأفعال الناس الداخلية مثل كتمان الشهادة، والظلم الذي لا يغني عن الحق شيئًا.٩٨
-
(ب)
وهو عليم بذات الصدور؛ بالغيظ والأهواء، ويعلم خفايا النفس، ما ظهر منها وما بطن، السر والعلن، في القول والفعل، في النظر والعمل، في الليل والنهار. ويمحص الله ما في القلب ليمتحن العباد ويعلم صدقهم، والتقوى تنبع من القلب، ولا تظهر فقط في الأعمال الخارجية، ويعلم أعمال الجوارح مقياس الاستحقاق يوم القيامة، وتصدق الكلمات في التاريخ، ويعلم أن الوعد حق.٩٩
-
(جـ)
والله عليم بالظالمين؛ والظلم من صنع البشر وبما قدمت أيديهم من فرار ونكوص، وهم المفسدون؛ لذلك لا يتمنون الموت خوفًا من العقاب. يبغون الفتنة كي تسري بين الناس الذين يصغون لها، ويخصص القرآن العلم بكيد النساء، سلاح الضعيف في مواجهة القوي.١٠٠ والله أيضًا عليم بالأفعال الخيرة للبشر مثل الإنفاق والذي له الجزاء الأوفى، والإنفاق جهاد مثل الجهاد بالنفس، والله عليم بالمتقين، ويخصص القرآن بالتبشير بالغلام العليم لإبراهيم الذي وفَّى.١٠١
(أ) المعلوم الإلهي
والمعلوم في الفعل الإلهي يتراوح بين نفس المجالات الدلالية الثلاثة، العلم الإلهي ذاته، والمخلوقات والظواهر الإنسانية والاجتماعية، أي حقول دلالية ثلاثة: الله والعالم والإنسان.
-
(١)
عِلم الله لذاته هو العِلم المطلَق الشامل اللامحدود، في حين أن العِلم الإنساني نسبيٌّ وجزئيٌّ ومحدود، ولا يعني ذلك إقلالًا من شأن العِلم الإنساني، بل أملًا في المزيد، وسعيًا إلى الكمال، وعدمَ اليأس من المستقبَل أو الغرور في الحاضر. علم الله قبلي لم يأتِ من التجربة على عكس العلم الإنساني التجريبي الإحصائي، والإحصاء بطبيعته ناقص مثل الاستقراء. علم الله حقيقي، علم الأشياء كما هي عليه وليس الأشياء كما تبدو، فالخير خير والشر شر في العلم الإلهي، وفي العلم الإنساني قد يكون الخير شرًّا والشر خيرًا، والله يعلم المفسد من المصلح. يعلم كل شيء من كل جوانبه وليس من منظور واحد كما هو الحال في العلم الإنساني.١٠٢وأول علم لله هو علمه بذاته، ونفي ألوهيته عمَّن سواه،١٠٣ وهو وحده يعلم الغيب ولا أحد سواه، ما في البر والبحر، ما في السموات والأرض، وأفعال العباد وتأييدهم الرسل الذين يخبرون بالغيب، والغيب هو ما لا يعرفه الإنسان وما يغيب عن حواسه، وليس الغيب في ذاته.١٠٤ ولا يعلم الملائكة جنوده إلا هو، ولا علم لهم إلا ما علَّمهم الله إياه.١٠٥والله يعلم على الإطلاق ما لا يعلمه البشر. الله هو الحد الأقصى في العلم والإنسان هو الحد الأدنى، ومِن ثَم لا يحاجج الإنسان فيما ليس له به علم، وضرب الأمثال لله يتجاوز حدود العلم البشري. علم الله لا حجاج فيه ولا جدال، وهو علم مفيد للبشر في حياتهم مثل صنعة اللباس لتحميهم من الحر والبرد، وعلم الكتابة لتدوين العقود حفظًا للحقوق، ومن متطلباته الإيمان به وتقوى الله اتقاءً لعذاب الآخرة.١٠٦يعلم الله ما تختانه النفس وما تخفيه؛ لأنه لا شيء يخفى عليه، مثل مواعدة النساء سرًّا، ويتوب عليها إذا تابت. يعلم أسرار القلوب ويكافئها. يعلم ما يقوله الإنسان، ومِن ثَم عدم نجاح الكذب في إخفاء الحقيقة، إخفاؤها عمَّن؟ الله يعلم ما في النفس على الإطلاق ولا تعلم النفس ما في علم الله تمامًا، ومِن ثَم يحذر الإنسان العمل السري لأنه لا سر على أحد مثل السرقة والقتل وكل «جريمة» يعاقب عليها القانون، وهذا أكبر دافع على الصدق والسكينة والاطمئنان خشية من الكذب والفضيحة، وتكثر التشبيهات لهذه الإحاطة العلمية، الأمام والخلف، الأعلى والأدنى، واليمين والشمال، أي الجهات الست، ما بين السموات والأرض وتحت الثياب، والمستقر والمستودع، ما تحمل كل أنثى وما تغيض به الأرحام، والله يتوجَّه طبقًا لما في القلوب نحو الصادقين وبعيدًا عن المنافقين. يعلم ما تحت الثياب وما يستره الغطاء. يعلم المصدقين والمكذبين، وما على الرسول إلا البلاغ، والله يعلم ما في القلوب.١٠٧وهو الذي يعلم تأويل النصوص ومعانيها على ما هي عليها وحقائقها الثابتة، والإنسان يعلم تحققاتها التاريخية في الزمان والمكان طبقًا لسياقاتها الاجتماعية والمصالح العامة بالرغم من دعوى الصوفية أنهم يشاركون الله في معرفة هذه الحقائق الثابتة، في حين يكتفي الحكماء والمعتزلة بتأويلاتها المجازية، وهو الذي يخطر الأنبياء بتأويلاتها كما هو الحال في قصة يوسف.١٠٨ ويعلم الذين يجادلون في الآيات بغير علم على عكس التأويل الصادق للحديث.١٠٩وهو الذي يعلم إرسال أنبيائه للبشر ويعلم طاعتهم له وعبادتهم إياه.١١٠ يُعلِّمهم الكتاب والحكمة والإنجيل، وهو غير الشعر وسجع الكهان، وهو علم وحكمة، أي علم عملي وتصور عام للكون. هو علم وملك، نظر وعمل، نبوة ودولة مثل داود ومحمد، والله عليم قوي، وعلمه حكمة وقوة.١١١ ولا يشارك في العلم الإلهي إلا القليل، الأصفياء والأطهار، أولو العلم، وأولو الألباب، والراسخون في العلم، ويدَّعي الصوفية أنهم هم المقصودون.١١٢وعلَّم الله آدم الأسماء أي الألفاظ ودلالاتها على الأشياء وتطابق الأسماء مع المسميات، وامتحن الملائكة وراجع علمهم وحفظهم بالإشارة، ولم يمتحن آدم لمعرفته وثقته بعلمه.١١٣ وعلَّمه البيان أي وسائل التعبير والكلام وفنون القول وفي مقدمته القرآن.١١٤ وعلَّم بالأداة، القلم، ما لم يعلم الإنسان، من العالم إلى المتعلم.١١٥وبعض الخطاب الإلهي موجَّه إلى الرسول خاصة لتخفيف أحزانه، فالله يعلم أن الرسول حزين مما يقوله غير المصدقين به، ويضيق صدره بهم، وبإنكار نبوته، وبأن معلِّمه بشر.١١٦والمعلوم الإلهي هو المستقبل الذي لا يعلمه الإنسان، ولو علم الله بوقوع الخير لما منعه. فحوادث المستقبل الخير منها أكثر من الشر مما يستدعي سؤال لماذا لا يمنع الله الشر كله ويترك للإنسان فعل الخير؟ والجواب لو فعل الله ذلك لكان فيه خرق لحرية الإنسان في اختيار الشر وترقب المستقبل.١١٧ ويعلم الله حياة الإنسان ومماته، متقلبه ومثواه.١١٨ومع أن علم الله قبلي إلا أنه أيضًا علم تجريبي، فالله يجرب علمه لإعطاء الدرس للإنسان للتصديق ولإيجاد علم تصدقه التجربة، ومعظم ذلك في صيغة المتكلم الجمع «نعلم». فتحديد القبلة حتى يعلم الله من يتَّبِع الرسولَ، كما يختبر الله أي الحزبين أقدر على الإحصاء، ويريد اختبار الناس من يؤمن بالآخرة منهم، ويقع البلاء حتى يعلم الله المجاهدين والصابرين، والإنسان شاهد على هذا العلم التجريبي، فالتجربة عامة وليست خاصة، جماعية وليست فردية، ودخول الجنة بالتجربة والامتحان في الحياة بالاستحقاق، وقد تكون التجربة مؤلمة وهو ثمن الاستحقاق، ويعلم الله المنافقين والقاعدين بالتجربة.١١٩
-
(٢)
وهو الذي يعلم الظواهر الطبيعية داخل الأرض وخارجها وما في السماء وما بينهما، ويسخر ممن يظن أن الله لا يعلم ما في السموات وما في الأرض، وعلمه مدون في كتاب، أي قوانين الطبيعة الثابتة كما قال هردر واسبينوزا، والعلم الإنساني يشهد على ذلك، وعلم الرسول متوسط بين العلم الإلهي والعلم الإنساني. ويعلم متى ينزل المطر أي قوانين الجغرافيا وما يغيض من الأرحام أي قوانين السكان، ويوم تقوم الساعة أي نهاية الزمان وتناقص الطاقة. يعلم ما في باطن الأرض من ثروات معدنية ومائية وما فوق الأرض من ثروات زراعية وحيوانية، وتأسيس علوم الأرض هو جزء من القصد الإلهي.١٢٠
-
(٣)
والله يعلم.١٢١ يعلم سلوك البشر، دوافعه ومقاصده.١٢٢ يعلم سلوك الأخيار، وإنفاق الخير وتعويضه بخير أعظم.١٢٣ يعلم سلوك البشر، المكذبين والمنافقين. يتوفاهم بالليل ويعلم ما يقترفونه بالنهار. يعلم الخائنين وكيدهم، ويعلم الكفار وما تكسب أيديهم. يعلم المعوقين عن النهوض والذين يريدون إيقاف حركة المجتمع ومسار التاريخ.١٢٤ يعلم العلاقة بين الأزواج، الحقوق والواجبات عليهم.١٢٥ يعلم حركة الواقع الاجتماعي، المستقدمين والمستأخرين.١٢٦ يعلم الضعف البشري ويخفف عن الضعفاء. يمثل ما ينبغي أن يكون وما هو كائن، المثال والواقع، الطموح والإمكان.١٢٧ ومن مظاهر الضعف المرض والإجهاد في السفر. يعلم كيف تنهار المجتمعات وتنقرض الشعوب بإنقاصها من أطرافها ومصادرها طبقًا لقوانين التاريخ الكيفية والكمية،١٢٨ والتاريخ اختبار، فتنة السابقين، وموعظة للاحقين.١٢٩
(ب) المعلوم الإنساني
ولما كان العالم هما الله والإنسان، يشاركان في العلم فإن المعلوم الإنساني أيضًا يتراوح بين عدة حقول دلالية، وهو علم من الدرجة الثانية، علم بأن الله يعلم، أي علم بالعلم، وهي نفس الحقول الدلالية الثلاثة السابقة، الله والعالم والإنسان.
وتأتي معظم صياغات المعلوم الإلهي في «ألم تعلم» الاستفهام الاستنكاري أو التعجبي.
-
(١)
فالله هو الحق، وهو على كل شيء قدير، له ملك السموات والأرض، يعلم ما في السموات وما في الأرض، ليس لله سمي، وعده حق.١٣٠ وهو علم يتم التصديق به بالبرهان وليس فقط بمجرد الإيمان. هو العلم بالسر والعلن، بما يُخفَى وبما يصفح عنه.١٣١ يرى كل شيء، والملائكة حافظون، تعلم ما يفعل البشر وتدوِّنه. وعلم البشر حادث، كان بعد أن لم يكن، علم بعدي. يعلم البشر أن الله غني حميد، غفور رحيم، شديد العقاب، مع المنافقين. هو الحق المبين، السميع العليم، العزيز الحكيم، ليس له ند، يجير ولا يجار عليه، يستمد الأنبياء والأصفياء علومهم منه. ليس فيه حجاج ولجاج. يُسأَل فيه أهل الذكر، وتُضرب الأمثال له من أجل الاقتراب منه.١٣٢ والله غالب على أمره.وقد يخطئ العلم الإنساني كما ادَّعى فرعون أنه ما علم لقومه إلهًا غيره. حتى لو كان يستشيرهم. فالاستشارة آلية وليست قيمة في ذاتها كالتوحيد، ويدعي أن يقدر للناس أرزاقهم بل ويحييهم ويميتهم، الله هو القادر على أن يجعل بين البحرين حاجزًا فلا يلتقيان، ولا يستطيع أحد غيره إجابة الدعاء أو يشفع للناس. مثل من اتخذ إلهًا غير الله مثل من اتخذ بيتًا للعنكبوت وهو أوهن البيوت. هو علم بالوحدانية التي لا ند لها.١٣٣ ويعتمد فرعون في علمه على السحر وليس على العلم الحق، وهو علم يضر أكثر مما ينفع، يفرِّق أكثر مما يجمع.١٣٤
-
(٢)
وهو العلم بنشأة الكون الطبيعي والإنساني، علم من الدرجة الثانية بعد العلم من الدرجة الأولى علم الله الذي أخبر به من خلال الأنبياء، علم السموات والأرض وما فيهما وما بينهما، علم الخلق من الأزواج النباتية والحيوانية، وهو علم الأفلاك ودورانها وعلم الحساب وعلم الحيوان والدواب كوسائل انتقال للبشر، وهو علم النبات وما يخرج من الأرض الخضراء من نبات وفاكهة وما أخرج الله من الطيبات رزقًا للعباد.١٣٥ ولعظمة الكون قد يكون القسم بمواقع النجوم.١٣٦
-
(٣)
والنبي يعلم كما هو الحال في ضيوف إبراهيم الذي علم أنهم ليس لهم حق في بناته، وأن ما أنزلهم إلا رب السموات، وأن الأصنام لا تنطق. يعلم النبي من الله ما لا يعلمه البشر مثل غيب السموات والأرض وما يبدي الناس وما يخفون، ويشكون همهم وحزنهم إلى الله، وهو الذي يبلغ رسالات الله، ويعلم قدرة الله دون ما يدري في نفسه، ومع ذلك لا يعلم النبي كل الغيب وإلا استكثر من الخير وقلل من السوء، ومعظمها في صيغة «أعلم». أنزل الله معه العلم والحكمة، وأعلمه أن وعد الله حق، وأبلغ رسالات ربه، وأبلغه نفاق أهل المدينة، وناله أذى البشر، واستجاب لطلبات قومه من معجزات حتى التعجيزية منها والمادية مثل المائدة من السماء.١٣٧ وجاءت آخر الرسالات مصدقة لما قبلها، ومكملة لها ومهيمنة عليها، تعلن التوحيد النظري وتبين انعكاسه في حياة الفرد والجماعة كتوحيد عملي.١٣٨ وعلى الناس اتباع الرسالة لا الهوى حتى يتبين لهم الطريق السديد.١٣٩ويعلم بعض الآيات ويتخذها هزوًا، والحق أظهر وأسطع. يعلم العلماء ذلك ويعقلونه ثم يحرفونه ويسيئون تأويله بأمانيهم، وينبذون ما يعصى على التأويل ويحرفونه، ويبدلون الآيات حتى تعبر عن أهوائهم، ويطلبون الحديث مع الله شفاهًا مباشرة دون وساطة. إن تبديل آية مقام آية ليس افتراءً بل نسخًا، والحق في معنى الآية يطابق الحق في النفس وفي الكون.١٤٠ ومِن ثَم يستحيل لبس الحق بالباطل والباطل بالحق نظرًا لوجود مقاييس عدة للصدق، مطابقة الوحي مع العقل مع الطبيعة، مطابقة مع الأنفس والآفاق.١٤١ ويمثل قصص الأنبياء الوعي التاريخي وتصديق الوحي في التاريخ، فالمعرفة التاريخية جزء من العلم الإنساني، وهو دليل تجريبي على أن الوحي حق، وأن العلم الإلهي قانون تاريخي.١٤٢ ومِن ثَم كان العلم ضد التقليد؛ لأنه لا يقوم على برهان عقلي ولا على دليل تجريبي.١٤٣والإيمان مقدمة لعلم، ويمثل الحدس، في حين يعطي العلم البرهان.١٤٤ ولا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، فالعلم يعطي درجة للعالم أعلى من الجاهل نظرًا لسمو الرفعة، والأكثر علمًا هو الأكثر قوة، والأصدق علمًا هو الأقدر جهادًا.١٤٥والسفه سبب عدم العلم، فالعلم يقوم على العقل وليس على الخبل أو الجنون. السفه لا ينتج إلا الهوى، والطبع على القلب سبب عدم العلم أي عدم الرؤية والإدراك. العلم يبدأ بالحدس ويتلوه البرهان، رؤية من الداخل إلى الخارج مثل البرهان من الخارج إلى الداخل، وكما هو الحال في نظرية الشعاع المزدوج في نظرية الإدراك عند هوسرل، والهوى ضد العلم ومانع من الفعل كالنساء اللائي يضربن بأرجلهن ليشاهد الناس زينتهن. في الظاهر علم وفي الباطن هوًى. فالعلم نية وقصد وليس خداعًا ونفاقًا. العلم تعبير عن شعور واحد وليس عن شعور مزدوج. العلم صراحة، والهوى نفاق.١٤٦ والدين قيِّم ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وهو الذي يمنع من النفاق والشعور المزدوج.١٤٧ولا يعارض العلم الإنساني العلم الإلهي؛ إذ لا يجوز أن يتعارض العلماء فلا يأمر الله بالفحشاء إلا إذا كان تقولًا عليه، لذلك جعل المعتزلة العقل أساس النقل، وجعل الأصوليون المصلحة أساس التشريع، وجعل الله الإسلام دين الفطرة.١٤٨ إنما الفرق أن معرفة البشر نسبية، تحكم بالظاهر وهو غير الباطن. قد يبدو الخير شرًّا والشر خيرًا، في حين أن المعرفة الإلهية ذات بعد واحد، مطابقة الظاهر والباطن.١٤٩يعلم البشر والأقوام على تعدد مشاربهم ومناهجهم ومقاصدهم، والاستباق في الخير وفي العمل. كل يعتمد على نفسه لا يتطير بأحد ودون تقليد فرد لفرد أو جماعة لجماعة.١٥٠ ومعيارها أقوال الرسول، وأولو الأمر، والمجتهدون الذين يقومون بالاستنباط، وحدود الله الواضحة البينة، وعدم الإصرار على الإثم.١٥١قد يكون العلم بأفعال الخير والشهادة على أفعال الخير والإتيان بأفعال الخير مثل الصدقة وترك البيع أثناء صلاة الجمعة، كما فعل المسيح عندما طرد الباعة والمرابين من المعبد، ويقبل الله التوبة من عباده المتقين، ويبلغهم مأمنهم ويحمدون الله.١٥٢ والعلم بأن الكل إخوة بصرف النظر عن الأبوة والنبوة.١٥٣وكل فرد أو جماعة تعلم صلاتها وتسبيحها أي طريقها، طريق التقوى والإيمان لذلك لا ترجع المؤمنات إلى الكفار. الإيمان والكفر نقيضان. كل جماعة نقيضة للأخرى. الكفر كذب، والإيمان صدق، ولكل طائفة عاقبتها، والأسوأ النفاق، التذبذب بين الإيمان والكفر، والفتنة أشد من القتل.١٥٤ والمؤمنون أحق بالأمن والاطمئنان.١٥٥ويعلم كل قوم ما قاموا به من عدوان على الشريعة في السبت والإفساد في الأرض، والتخلص من يوسف وأخيه، وهو جهل وليس علمًا، وهو ظلم وشراء للدنيا بالآخرة، وليس علمًا من يصلي وهو سكران، ومن يأكل أموال الناس بالباطل، ومن يخرج الناس من ديارهم، ومن يخون أمانة الرسول أو يكفر برسالته، أو من يقعد عن الجهاد ويتخلف ويتثاقل إلى الأرض، أو من لا يؤمن بالغيب،١٥٦ والكذب والظلم والكفر والنفاق واعتبار الدنيا مجرد زينة وتمتع ولهو ولعب، كل ذلك من مظاهر الجهل.١٥٧وتعلم النفس البشرية ما قدمت وأخرت من أعمال في نهاية التاريخ.١٥٨وقد تعلم الجنة الحاضرين فيها تشخيصًا للطبيعة وأنسنةً لها، فهي الوعي المتجسد في النهاية، وكشف الحقائق حيث لا ينفع استرجاع الذكريات، والندم على ما فات.١٥٩ فلكل شيء نهاية، والزمان ينتهي إلى تحقق، والنتائج النهائية تكشف؛ إيجاب وسلب، صدق ونفاق، جزاء وعقاب، فرح وحزن، نعيم وعذاب.١٦٠
مفهوم العلم في القرآن الكريم إذن مفهوم شامل يتناول العلم والعالم والمعلوم في تصور كلي للحياة يجمع بين الفرد والجماعة، بين الأخلاق والسياسة، بين عالم الروح وعالم الطبيعة، بين الداخل والخارج، بين النفس والآفاق. لم يفصل بين حكم القيمة وحكم الواقع، ولم يحول الطبيعة إلى رياضة، والعالم إلى إحصاء، وهي بعض أسباب أزمة العلم الغربي.