أرسطو في علوم الحكمة١
(١) بعض الأحكام الشائعة
ولا يعلم أرسطو التاريخ أحد ما دام قد دخل في دائرة الإدراك، ولا حتى في الذهن الإلهي الذي يرى الوحي متطورًا في الزمان والمكان طبقًا لدرجة الوعي الإنساني في الاستقلال عن قهر الطبيعة والسلطان. وهو إشكال الموضوعية والذاتية أو الواقعية والمثالية في الفلسفة. ولما تعددت الرؤى فلا يوجد أرسطو واحد بل تتعدد صوره طبقًا للرائي، الفيلسوف أو المتكلم أو الصوفي. فهو الحكيم عند الفيلسوف. والجدلي عند المتكلم، والمنطقي عند الفقيه، والإشراقي عند الصوفي. وتتعدد الصور بتعدد المواقف. كما تتعدد الصور طبقًا لمسار أرسطو–الفكر في تاريخ الحضارة في تحولها من النقل إلى الإبداع. فأرسطو عند المترجمين غيره عند الشرَّاح، وأرسطو عند الشرَّاح غيره عند الحكماء في درجة التمثل والقراءة وإعادة التوظيف. التقابل إذن بين أرسطو التاريخ وأرسطو الحضارة ليس تقابلًا حديًّا بين نقيضين بل هو تقابل تطوري في مسار واحد متصل مع اختلاف في الدرجة. وهو ما عرضه أرسطو نفسه في «كتاب الشعر» في تمييزه بين التاريخ والشعر لحساب التاريخ وليس لحساب الشعر، وجعل التاريخ نمطًا فكريًّا أعلى من الشعر لأنه كان فيلسوفًا طبيعيًّا أكثر منه شاعرًا على عكس أفلاطون الذي حول الواقع إلى أسطورة، والتاريخ إلى خيال.
ولا تختلف آليات صورة أرسطو في علوم الحكمة في الثقافة العربية الإسلامية وعن آليات صور سقراط وأفلاطون وفيثاغورس وجالينوس وأبقراط وبطليموس والطبائعيين قبل سقراط والأخلاقيين بعد أرسطو بل وشراح أرسطو، الإسكندر وثاسطيوس وأوديموس. فأرسطو ليس فيلسوفًا منعزلًا عن الفلاسفة السابقين عليه أو التالين له. بل إن أرسطو نفسه بالإضافة إلى كونه فيلسوفًا هو مؤرخ للفلسفة، له قراءته الخاصة للفلسفة اليونانية قبله. كما تحول إلى اختيار فلسفي أو «مذهب» عند المدارس الأخلاقية التالية له بل وعند الرومان والمسيحيين واليهود حتى الغرب الحديث. وفي التراث الإسلامي يذكر أرسطو وحده كما يذكر في ثنائية أفلاطون وأرسطو، وثلاثية سقراط وأفلاطون وأرسطو، وبين مجموع حكماء اليونان.
وهناك بعض الأخطاء الشائعة والصور النمطية حول أرسطو في الثقافة العربية. روَّج لها الاستشراق خاصة وامتداداته عند الباحثين العرب. فقد روج الغرب إلى أن العرب مجرد حلقة وسيطة بين اليونان والغرب الحديث، نقلوا التراث اليوناني، حمَّالو بضاعة وليسوا منتجين لها. اليونان هم المبدعون الأول، والعرب هم النقلة إلى المبدعين الثواني في الغرب الحديث. بل إن هذا النقل لم يكن أمينًا، نقلًا حرفيًّا، أرسطو اليوناني، بل كان خليطًا بين أرسطو وأفلوطين بنسبة أجزاء من «تاسوعات» أفلوطين إلى أرسطو حتى تكتمل إلهياته، ويصبح الفيلسوف الكامل. وقد وقعت هذه القراءة الدينية أيضًا في العصر الوسيط الغربي عندما تحوَّل إلى فيلسوف مسيحي عند الشرَّاح اليونان بعد المسيحية مثل الإسكندر الأفروديسي أو عند الأرسطيين اللاتين من أمثال بويثيوس في آخر عصر آباء الكنيسة أو توما الإكويني في العصر الوسيط المتأخر في القرن الثالث عشر، وعند دنزسكوت ووليم أوكام في القرن الرابع عشر حتى برنتانو وهيدجر في القرن العشرين.
ومن الأحكام الشائعة إعجاب المسلمين ﺑ «المعلم الأول». وتلقيب الفارابي بالمعلم الثاني، كما أن بطليموس هو الأول والحسن بن الهيثم بطليموس الثاني. وابن رشد هو «الشارح الأعظم» وكأن قيمته في شرحه لأرسطو وليس في قيمته الذاتية كما تجلت في «فصل المقال» و«مناهج الأدلة» و«تهافت التهافت» و«الكليات» في الطب و«بداية المجتهد ونهاية المقتصد» في الفقه. فعلى أقصى تقدير العرب شراح اليونان. ويعني الشرح، شرح لفظ بلفظ، وعبارة بعبارة، مجرد تكرار دون إضافة جديد. النص أصل والشرح فرع. النص إبداع والشرح تقليد. فإحصاء العلوم، وأقسام الحكمة، المنطق والطبيعيات والإلهيات، بل والإنسانيات التي أضافها إخوان الصفا قسمًا رابعًا «في العلوم الإلهية الناموسية والشرعية» كلها من أرسطو وتبعية له، وأن الحكمة كلها في الاتفاق بين الشريعة الإسلامية التي دنستها الجهالات والحكمة اليونانية الخالية من الشبهات. ولولا هذه الشروح لما عرف الغرب أرسطو وقبل أن يكتشفه مباشرة بعد عصر النهضة، ويعيد طبع نصوصه اليونانية بعيدًا عن الترجمات اللاتينية للشراح العرب.
بل إن المسلمين انتحلوا على أرسطو كما انتحلوا في الشعر. وألفوا على لسانه نصوصًا لم يكتبها وإن كانت تتفق في مجموعها مع نسق أرسطو. والانتحال كذب مثل الأحاديث الموضوعة. والحقيقة أن الانتحال الأرسطي قديم أيضًا عند اليونان كما تم في الشعر العربي. وهو مؤشر على درجة الإبداع داخل كل حضارة واستمرار لروح السابقين في اللاحقين. كما أنه مؤشر على درجة الإبداع في لقاء الحضارات، فالحقيقة الكلية الواحدة تتجاوز الحضارات المتعددة. وقد يكون الانتحال في كلتا الحالتين جزئيًّا، لعدة أبيات أو نصوص أو كليًّا لقصائد بأكملها أو لأعمال كاملة مثل كتب «النبات» لأرسطو أو لشخصيات من صنع الخيال أكثر من سرد الوقائع.
(٢) أرسطو عند المؤرخين
وتتراوح صورة أرسطو في علوم الحكمة في الثقافة العربية الإسلامية بين صورته عند المؤرخين، وعند المترجمين، وعند الشرَّاح، وعند الحكماء، وعند المبدعين إلى صورته عند النقاد في مراحل متتالية من النقل إلى الإبداع، ومن القبول إلى الرفض.
فالمؤرخون ليسوا مجرد راصدين ومجمعين لتواريخ الحكماء. بل هم قراء لها. يؤوِّلون ويبنون ويجدون الدلالات ويركبون. فهم يؤرخون للمتلقي أكثر مما يؤرخون للمتلقي، لصورة الوافد في الموروث وليس للوافد مباشرة. يدونون تاريخًا «ذاتيًّا» وليس تاريخًا «موضوعيًّا» أو على أقصى تقدير الموضوع من خلال الذات كما هو الحال في الفينومينولوجيا المعاصرة.
ويتصدر أرسطو أعلام اليونان في «الملل والنحل» للشهرستاني (٥٤٨ﻫ) كجزء من تاريخ الفرق. ويقسم ابن النديم في «الفهرست» (٣٨٥ﻫ) كتب أرسطو قسمة رباعية: منطقيات وطبيعيات وإلهيات وخلقيات. ويتوارى أرسطو تدريجيًّا في كتب التاريخ مثل «مفتاح السعادة ومصباح السيادة» لطاش كبرى زاده (٩٦٨ﻫ) نظرًا لتواري الوافد كله لصالح الموروث. فقد بعد العهد عليه. بل إن أرسطو لا يُذكر على الإطلاق. وفي «إخبار العلماء بأخبار الحكماء» للقفطي (٤٦٤ﻫ) يتم تصنيف أرسطو أبجديًّا دون أن تكون له أهمية خاصة. وفي «وفيات الأعيان» لابن خلكان (٦٨١ﻫ) يتصدر أرسطو ثم إقليدس ثم أغسطس من مجموع ٤٣٦٩ عَلمًا.
ثم تتم قراءة أرسطو كجزء من قراءة الوافد من خلال الموروث. والقراءة غير التوفيق. القراءة نقل ثقافة الآخر إلى ثقافة الأنا، ورؤية الموضوع من خلال الذات كعدستين فوق بعضهما البعض في حين أن التوفيق رؤية الوافد والموروث بعدستين مختلفتين متجاورتين. قد تكون النتيجة واحدة وهي رؤية وحدة الموضوع من خلال ثنائية النظرة كما هو الحال في الرؤية البشرية لموضوع واحد بعينين متمايزتين. تعني القراءة تأويل التاريخ وإعادة صياغته تحقيقًا لوحدة الحضارة البشرية نظرًا لوحدة الحقيقة بصرف النظر عن مصادرها. والقراءة غير التوفيق. القراءة رؤية الموضوع من خلال الذات، وتفسير حضارة الرائي لحضارة المرئي. في حين أن التوفيق جمع خارجي بين موضوعين متساويين من أجل تركيب مصطنع ثالث.
سقراط وأفلاطون وأرسطو ثلاثي واحد في رؤية متكاملة. فالإنسان وهو سقراط، بين عالمين، عالم المثال عند أفلاطون وعالم الواقع عند أرسطو. سقراط أعرض عن الدنيا، وأفلاطون عبد ربه، وأرسطو هو العقل كما سماه أفلاطون. أرسطو أقرب إلى النبوة منه إلى الحكمة. فليس الوحي قاصرًا على بني إسرائيل وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ. وربما كان إسلام أرسطو بوحي من الله في هيكل بوثيون. ربما رفعه الله إلى السماء كما رفع عيسى ابن مريم. هو أقرب إلى الملك منه إلى الإنسان. وهو معلم الإسكندر التوحيد والنبوة. هو خاتم الفلاسفة كما أن محمد خاتم الأنبياء. اعتمد على العقل كما اعتمد محمد على النبوة. أرسطو هو المعلم الأول الذي وضع علم المنطق. ونسبته إلى المعاني كنسبة الوحي إلى الكلام والعروض إلى الشعر. تعلم النحو واللسان في الصغر فوضع المنطق في الكبر. فنسبة المنطق إلى المعاني كنسبة العروض إلى الشعر. وقد عذل أرسطو أفلاطون لإذاعته الحكمة للناس. يبدو أرسطو صوفيًّا صاحب مقامات وأحوال. يخطب في مسجد يوم الجمعة. ويحمد الله ويشكره على نعمه. وهو متصوف يقول بالذوق. ويتوجه نحو الله والطبيعة في آن واحد. وتضمحل قيمة أرسطو في العصور المتأخرة. ويظل إشراقيًّا موحدًا بالله مطيعًا لأوامره. هو الذي علم الإسكندر التوحيد ناشرًا له في ربوع مصر وفي آسيا. كما ترسم له صورة جسدية ابتداءً من سماته الخلقية وآرائه الفلسفية: أبيض اللون دليلًا على العلم والنور، حسن القامة للمهابة، عظيم العظام كالمنطق، صغير العينين لحدتهما، كث اللحية للمهابة، أقنى الأنف للدقة، صغير الفم للزهد، عريض الصدر لاتساع المعارف، مسرع بمفرده إحساسًا بالزمن، مبطئ مع أصحابه شفقة بهم، والرسول مع أصحابه نموذجًا، ناظر في الكتب لا يمل، يقف عند كل حكم، كثير السؤال قليل الجواب، يتجول في الطبيعة وهو فيلسوف الطبيعة، ويستمع للألحان وأصحاب الجدل، منصف مع نفسه، معتدل الملابس والمأكل والمشرب، فالفضيلة وسط بين طرفين. فالصورة من الفكر إلى الرسم كما توحي بذلك «الفراسة» العربية.
(٣) أرسطو عند المترجمين
ثم يتحول التعليق إلى شرح بعد أن تحولت الترجمة المعنوية إلى تعليق. وقد يكون التعليق لنفس الشارح، وقد يكون الشرح لنفس المعلق. وقد يكون التعليق والشرح كلاهما لنفس المترجم مما يدل على وحدة التعامل مع النص في مراحل مختلفة من الترجمة الحرفية إلى الترجمة المعنوية إلى التعليق إلى الشرح، ثم من الشرح إلى العرض إلى التأليف إلى الإبداع. والخلاف بين هذه الأنواع الأدبية في الدرجة وليس في النوع، درجة القرب من النص المترجم أو البعد عنه. والشرح مثل الترجمة عمل جماعي تراكمي من معلقين وشراح سابقين. مهمته استيعاب النص المترجم وتحويله من وافد إلى وافد موروث. وظيفته إسقاط غير الدال من النص المترجم، وإكمال البنية العقلية للموضوع وإعادة توظيفها لأغراض الحضارة الجديدة واحتواؤها داخلها. وهذا ما تم أيضًا في ترجمة الطبيعة لأرسطو.
(٤) أرسطو عند الشرَّاح
الشرح نوع أدبي مستقل، غايته توضيح المعنى وإسهاب المركز حتى يسهل تمثله واستيعابه واحتواؤه مثل شروح ابن باجه وابن رشد. وأحيانًا يسمى الشرح التفسير إذا ما اتبع أسلوب التفسير القرآني. الفصل بين النص المشروح والنص الشارح. هو أكبر كمًّا من التلخيص والجوامع. وأحيانًا يستعمل مجازًا شاملًا التفسير والتلخيص والجوامع أي قراءة النص المترجم. الغاية منه تجاوز الازدواجية الثقافية بين الوافد والموروث. مزاحمة الوافد للموروث، ومقاومة الموروث للوافد، وتجاوز عزلة الوافد وحتى لا يصبح عنصر جذب وتغريب للموروث، وتجاوز الأنا الحضاري البدوي والإحساس بالدونية أمام الحاضر، وعدم الوقوع في تحجر الموروث وثباته وانغلاقه على ذاته، وإظهار إبداعات الأمة وقدرتها على التفاعل بين الوافد والموروث.
وإذا كان للفكر مستويات ثلاثة، اللفظ والمعنى والشيء فإن الشرح للفظ، والتلخيص للمعنى. والجوامع للشيء. الشرح يبدأ من اللفظ مبينًا معناه، والتلخيص يبدأ من المعنى موضحًا إياه. والجوامع يبدأ من الشيء ورؤيته. وإذا كان الشرح كمًّا ثلاثة أنواع، الأكبر والأوسط والأصغر فإن الشرح الأكبر للفظ وهو التفسير، والأوسط للمعنى وهو التلخيص، والأصغر للشيء وهو الجوامع.
وأكبر ممثل لذلك هو ابن رشد في شروحه الثلاثة: الأكبر والأوسط والأصغر. هدف الأكبر الانتقال من الترجمة إلى الشرح على مستوى اللفظ والعبارة من أجل التحول من الأسلوب العربي المترجم حرفيًّا أو معنويًّا إلى الأسلوب العربي المؤلف، والتخلي كليًّا عن المصطلحات المعربة إلى المنقولة إلى المترجمة، والبرهنة على صحة الأفكار المشروحة والتمثيل لها، ووضع الجزء في إطار الكل، والإحالة إلى الوافد أكثر من الإحالة إلى الموروث من أجل استدراجه داخله، وضبط المعنى غير المتوازن وجعله أكثر اتزانًا، وتقوية يسار الأرسطية ضد يمينها، وتخليص الأرسطي من التأويلات المسيحية اليونانية والإسلامية مع توظيفه إلى الداخل لنقد الأشعرية والتصوف والفلسفة الإشراقية.
والغاية من التلخيص الانتقال من الغموض إلى الوضوح على مستوى المعنى، والعرض العقل النظري الخالص بلا أمثلة، والترابط المنطقي في البنية العقلية على مستوى الاتساق الداخلي للموضوع، وحذف الزائد وإكمال الناقص وبلورة المعنى وتحديد الموضوع، والإقلال من المادة والأمثلة التوضيحية، وتخليص النص المشروع من الأقاويل الجدلية والخطابية وتحويلها إلى برهانية، ووضع الوافد في الموروث منعًا من التغريب والازدواجية.
وأخيرًا يأتي ابن رشد (٥٩٥ﻫ) الشارح الأعظم في «شرح البرهان» و«تفسير ما بعد الطبيعة». وبطبيعة الحال أرسطو هو الأكثر ذكرًا. يبدأ ابن رشد بتحليل الموضوع، ويستشهد بأقوال أرسطو، ويتحقق من صدقها في الواقع. وينتقل من المقال اليوناني إلى المعنى العام ثم تجسيده بمثال عربي. وتبلغ ذروة الشرح عند ابن رشد في «تفسير ما بعد الطبيعة». ويأتي أرسطو في المقدمة أعظم القدماء في نيل الحق. ويعتذر ابن رشد نيابة عنه عما قد يكون في كتابه من تقصير. ويرد ابن رشد موضوعات أرسطو إلى المنهج وهو أنواع الأقاويل. كما يضع أرسطو في تاريخ الفلسفة اليونانية التي اكتملت فيه من سقراط إلى أفلاطون إلى أرسطو، من الإنسان إلى الله إلى الطبيعة. لذلك انتهت الفلسفة اليونانية واكتملت في أرسطو كما انتهت الفلسفة الإسلامية واكتملت في ابن رشد. ولذلك أصبح أرسطو مؤرخًا كما أصبح ابن رشد ناقدًا. ويقارن بين أرسطو وأفلاطون في موضوع نشأة النفس فيتضح الاتجاه الطبيعي عند أرسطو، والثنائي عند أفلاطون. ويحيل إلى نسق أرسطو كله كتابًا كتابًا، وعلمًا علمًا. فلا يفهم الجزء إلا في إطار الكل. وكل ذلك من أجل إعادة توظيف أرسطو في الداخل لنقد إشراقيات الفارابي وابن سينا، والخلط بين العلم الطبيعي والعلم الإلهي. فأرسطو وسيلة وليس غاية، أداة وليس مقصدًا.
والتلخيص نوع أدبي مستقل أيضًا يركز المسهب، ويضم المرسل، ويسقط بعض الأمثلة والتشبيهات من أجل بداية التعامل مع الموضوع نفسه المستقل عن أشكال التعبير عنه مثل تلاخيص ابن رشد، دون فصل بين النص المشروح والنص الشارح البداية بالمشروح والنهاية بالشارح. البداية بأرسطو والنهاية بالموضوع ذاته.
والجوامع نوع ثالث مستقل يتجه نحو الموضوع مباشرة ورؤيته في تجربة مشتركة مع النص المترجم، وقد استعمل الفارابي النوع الأدبي والمصطلح قبل ابن رشد. وكتب «جوامع الشعر» ولا يوجد فيه ذكر للوافد حتى أرسطو. فالجوامع آخر نوع أدبي من الشروح وأقربها إلى التأليف. قد يظهر الموروث حتى يتم تركيب الوافد فيه، اليونان في العرب، والشعر اليوناني في الشعر العربي.
وجوامع الطبيعيات كاملة مثل تلاخيصها. غرضها تجريد الأقاويل العلمية من كتب أرسطو وكما يقتضيها مذهبه وحذف كل ما علق بها من أقوال القدماء؛ لأنها غير نافعة في معرفة مذهبه. الغرض إذن تخليص أرسطو من براثن الشراح والعودة إلى أرسطو كما يفعل الأصولي. وبها قدر كبير من وضوح الفارابي.
(٥) أرسطو عند الحكماء
وقد قام الحكماء بمهمة أخرى غير مهمة المترجمين والشرَّاح وهي مهمة العارضين للفكر من حيث هو فكر، والموضوع من حيث هو موضوع بصرف النظر عن ثنائية المصدر، الوافد أو الموروث، كما يفعل هيجل مع تاريخ الفلسفة. وله أشكال ثلاثة: العرض والتأليف والتراكم.
-
(أ)
العرض: ويعني عرض الموضوعات الوافدة عرضًا مستقلًّا عن النص الأصلي، وكأن الحكيم هنا يأخذ موقف المؤلف للنص الأول، ويصبح هو مؤلفًا بديلًا. وذلك مثل عروض الفارابي. وهي على أنواع العرض الجزئي، والعرض الكلي خاصة عند الفارابي، والعرض النسقي المنطقي عند ابن سينا في موسوعاته الأربع وعند أبي البركات البغدادي، والعرض النسقي الشعبي عند إخوان الصفا.ويعني العرض الجزئي عرض مؤلَّف واحد من مؤلفات أرسطو مثل رسالة الفارابي (٣٣٩ﻫ) في «الإبانة عن غرض أرسطوطاليس في كتاب ما بعد الطبيعة». ويعني العرض الكلي عرض مذهب أرسطو بأكمله مثل رسالة الكندي (٢٥٢ﻫ) عن «كمية كتب أرسطوطاليس وما يحتاج إليه في تحصيل الفلسفة». أما الجمع بين المذهبين فمثل رسالة الفارابي في «الجمع بين رأيي الحكيمين». أما ضم المذهبين في تصور ثالث فمثل ثلاثية الفارابي «تحصيل السعادة» و«فلسفة أفلاطون» و«فلسفة أرسطو». تحصيل السعادة من وضع الفارابي، وأفلاطون وأرسطو جناحان له. هو القلب وهما الرئتان.٢٨
أما العرض النسقي المنطقي فقد وضعه ابن سينا في موسوعاته الأربع وأبو البركات البغدادي في «المعتبر في الحكمة». ففي الموسوعات الأربع «الشفاء» و«النجاة» و«الإشارات والتنبيهات» و«عيون الحكمة» ووضع بنية الفلسفة الثلاثية، الحكمة المنطقية والحكمة الطبيعية والحكمة الإلهية بإسهاب في «الشفاء» واختصار في «النجاة» وتركيز شديد في «عيون الحكمة»، وتحويل ذلك كله إلى فلسفة إشراقية بإضافة المقامات والأحوال في «الإشارات والتنبيهات».
ويحضر أرسطو ويغيب في منطق الشفاء. يغيب في المقولات والسفسطة. ويظهر لقب المعلم الأول في المقولات بعد أوميروش تحولًا من الشخص إلى اللقب. وفي منطق «النجاة» و«الإشارات والتنبيهات» يحال أيضًا إلى المعلم الأول بعد فرفوريوس. وفي البرهان من الشفاء يحال إلى المعلم الأول. وفي «الجدل» في الشفاء يحال إلى التعليم الأول، انتقالًا من الشخص إلى العلم. وفي كتاب «الشعر» يذكر المعلم الأول بعد أوميروس. ويغيب أرسطو في «الرياضي» من الشفاء ويظهر إقليدس.٢٩ ويغيب في الطبيعيات وفي الجزء الأول من الإلهيات. ويحضر في الجزء الثاني كمعلم وتعليم، كشخص وعلم. وبطبيعة الحال يغيب أرسطو من «منطق المشرقيين». ويظهر في «المعتبر في الحكمة» عند أبي البركات البغدادي (٥٤٧ﻫ) مع لقب الحكيم قبل باقي حكماء اليونان. ويذكر الغزالي أرسطو في «مقاصد الفلاسفة» بعد القرآن والحديث مما يدل على غلبة الموروث على الوافد.وفي العرض النسقي الشعبي عند إخوان الصفا يظهر أرسطو بعد فيثاغورس والفيثاغوريين وإقليدس وكتاب إقليدس وأفلاطون مع بعض ألقاب أرسطو مثل الحكيم، والحكيم الفاضل، وحكيم اليونانيين، في المرتبة الرابعة. ويتحول المنطق من قواعد صورية إلى توجيه للسلوك العملي. وتتحول الطبيعة إلى أحد عوامل مجاهدة النفس. ويظهر أرسطو في رسالة «الجامعة» بنفس الصورة مع إعجابه بأستاذه الروحي أفلاطون، ورعايته للدولة من السقوط مثل فقيه الأمة وقاضي القضاة.٣٠وفي العرض الأدبي عند أبي حيان يذكر أرسطو في «المناسبات» كبداية للنقل من خلال المترجمين، وعلاقته بالإسكندر، وبألقابه مثل الفيلسوف الحكيم، وفرفوريوس تلميذ أرسطو ومفسره. وفي «الهوامل والشوامل» يذكر الحكيم أكثر مما يذكر أرسطو مع الاستشهاد بأحد أقواله مع تحويل المقولات إلى قواعد اللغة العربية. وفي «الصداقة والصديق» يأتي أرسطو في المرتبة الرابعة بعد أفلاطون والإسكندر وديوجانس مع لقب الحكيم باعتباره صاحب حكم وأمثال كالصوفية. وفي «الإمتاع المؤانسة» يظهر أرسطو مع الإسكندر كنموذج للصلة بين النظر والعمل، وأفلاطون وسقراط. ويذكر في أقوال أبي حيان وفي أقوال مناظريه مثل المناظرة الشهيرة بين المنطق والنحو بين أبي بشر متى بن يونس وأبي سعيد السيرافي. النحو منطق العرب، والمنطق نحو اليونان، في صراع بين الوافد والموروث حتى يصبح الموروث ناقدًا للوافد عند الفقهاء. وفي «الإشارات الإلهية» يغيب الوافد كلية باستثناء ذكر لفظ «الحكماء» على العموم ودون تخصيص بحكماء اليونان.٣١وفي «الحكمة الشعبية» عند مسكويه في «الحكمة الخالدة» يتغلب الوافد الشرقي، فارس والهند على الوافد الغربي، اليونان والروم. وتتحول الفلسفة اليونانية إلى دائرة حضارية لا مشخصة مع فارس والهند والعرب والإسلاميين. ويأتي أرسطو وأفلاطون في المرتبة الثالثة بعد الإسكندر الأكبر وسقراط. ولا فرق بين اليونان والروم. وفي حكمة الروم يأتي أرسطو مع سقراط في المرتبة الثانية بعد أفلاطون مع الإحالة إلى بعض المنتحلات مثل «وصية أفلاطون لتلميذه أرسطوطاليس» و«وصية أرسطوطاليس للإسكندر» و«آداب أرسطوطاليس» ليعلمها إلى الإسكندر حتى يمكن أن تكون الفلسفة اليونانية بعد تطعيمها بالأخلاق والتصوف أحد مكونات الحكمة الخالدة. و«رسالة أرسطوطاليس إلى الإسكندر في السياسة» أيضًا من المنتحلات. تذكر مناقب الإسكندر بعد ظفره بدارا وتحويله إلى بطل شعبي مثل علي بن أبي طالب.٣٢ -
(ب)
التأليف: والتأليف في الموضوعات تأليفًا شاملًا يتم بضم الوافد إلى الموروث بداية بتمثل الوافد، ثم تمثل الوافد قبل تنظير الموروث ثم تمثل الوافد مع تنظير الموروث عندما يستويان مثل عقارب الساعة عندما تتحرك من الصفر إلى العشر دقائق ثم إلى الثلث ثم إلى النصف.في «تمثل الوافد» يظهر أرسطو بعد أفلاطون عند قسطا بن لوقا في «الفرق بين النفس والروح». ويتصدر أرسطو بعض أعمال يحيى بن عدي. ويذكر في أقل الحدود في بعض الرسائل الطبيعية.٣٣ ولا يحضر أرسطو إلا في أقل الحدود عند السجستاني في رسالته «في المحرك الأول».٣٤ وعند الفارابي في «معاني العقل» يستحوذ أرسطو على أربعة معانٍ من معانٍ ستة للعقل، في المنطق والأخلاق والنفس وما بعد الطبيعة. وفي «المسائل الفلسفية» يظهر أرسطو في ثلاث مسائل، الأولى في حد الخير والشر الإنساني، والثانية في حد النفس، والثالثة في الفرق بين الإرادة والاختيار. ويذكر أرسطو في «الإبصار والمبصر» للعامري مع إقليدس وبطليموس وجالينوس والإسكندر وثامسطيوس الذين اكتفوا بشعاع واحد من المحسوس إلى الحاس حتى تتم الرؤية دون مقابلته بشعاع آخر من الحاس إلى المحسوس كما هو الحال في نظرية الشعاع المزدوج في الظاهريات المعاصرة.ويحضر أرسطو عند ابن سينا كتاريخ للفلسفة اليونانية ومصطلحاتها أو في أحوال النفس وارتباطها بالبدن ضد إشراقية أفلاطون.٣٥ ويحضر عند الحسن ابن الهيثم أقل مما يغيب. وإذا حضر فإنه يأتي في المرتبة الثانية بعد بطليموس أو إقليدس أو أرشميدس.٣٦ وعند علي بن رضوان يظهر أرسطو في «المستعمل في المنطق في العلوم والصنائع» مختصرًا، علم المنطق ومحولًا إياه من منطق صوري إلى منطق مادي، ومطبقًا إياه في الصناعة أكثر من الفكر.ويحيل ابن باجه إلى أرسطو في «الغاية الإنسانية» ورأيه في مجاهدة النفس. كما يحيل إليه في «قول يتلو رسالة الوداع» و«الصورة الأولى والمادة الأولى» كنقطة بداية لتمثل الوافد، ويغيب في «تراتب العقول وخلودها». أما عند ابن رشد فيأتي أرسطو في المرتبة الثانية بعد جالينوس في «في المزاج». ويظهر أرسطو وحده في «البذور والزروع».٣٧وأرسطو ليس كل وافد؛ إذ يغيب أرسطو في كثير من مؤلفات المترجمين مثل المؤلفات الطبية والعلمية لحنين بن إسحاق٣٨ ويغيب من أهم رسالة للكندي «رسالة إلى المعتصم بالله في الفلسفة الأولى» ومن بعض الرسائل الطبيعية.٣٩ فأرسطو ليس ضروريًّا كباعث علمي في التأليف. ويغيب كلية عند الرازي والخازن والقوهي.٤٠ كما يغيب في بعض أعمال العامري (٣٨١ﻫ) وابن سهل (النصف الثاني من القرن الرابع).٤١ ويغيب أيضًا في بعض أعمال الفارابي. فإبداع الفارابي في معظمه مستقل عن أرسطو.٤٢ ويغيب أيضًا في بعض رسائل ابن سينا المعروف بأنه نموذج المشائين الإسلاميين لأن الموضوع لا يحتاج إلى الوافد مثل النفس.٤٣ كما يغيب في بعض أعمال ابن الهيثم، بطليموس الثاني.٤٤وفي «تمثل الوافد قبل تنظير الموروث». يساهم المترجمون أيضًا. وهم أصحاب ثقافتين، وافدة يونانية وموروثة عربية مثل ثابت بن قرة ويحيى بن عدي. ويحضر أرسطو في «تعاليق عدة في معانٍ كثيرة» ليحيى بن عدي (٣٦٤ﻫ) خاصة الكتب المنطقية. ويبين منطقها الداخلي التربوي. وفي نفس الوقت يحال إلى أبي سليمان وأبي بشر. وفي «كتاب أجوبة بشر اليهودي عن مسائله» يتصدر أرسطو مع بعض مؤلفاته المنطقية والطبيعية مع الاعتماد على يحيى النحوي ومتى بن يونس غيرهم من الداخل. وفي مقالة «التوحيد» يذكر أرسطو ومتكلمو عصرنا في آن واحد.٤٥ويحضر أرسطو في «الحاوي» في المرتبة الرابعة عشرة بعد جالينوس. وفي «الشكوك للرازي على كلام فاضل الأطباء جالينوس في الكتب التي نسبت إليه» يأتي أرسطو بعد جالينوس بالإضافة إلى الموروث العربي عند حنين بن إسحاق والسرخسي وآخرين. ويحضر في «المعدة وأعراضها». ويحضر أيضًا في «تدبير الحبالى والأطفال والصبيان وحفظ صحتهم ومداواة الأمراض العارضة لهم» للبلدي (٣٨٠ﻫ) ويأتي في المرتبة الخامسة بعد أبقراط وجالينوس. ويحضر في «مفتاح الطب ومنهاج الطلاب» لابن هندو (٤٢٠ﻫ). ويأتي في المرتبة الثالثة بعد جالينوس وأبقراط. ويذكر حوار أرسطو مع الأطباء.٤٦ويظهر في «تهذيب الأخلاق» لمسكويه (٤٢١ﻫ) في المرتبة الأولى قبل باقي حكماء اليونان. ويحيل إلى «كتاب الأخلاق» لأرسطو من أجل تأسيس الأخلاق على المنطق (التأسيس النظري) وعلى التربية (التأسيس العلمي). ويبدو أرسطو شارحًا لمسكويه ومؤيدًا له. فسهل تعشيق الأخلاق اليونانية في الأخلاق الإسلامية. ثم يتحول أرسطو من الشخص إلى النموذج، ومن الواقع إلى المثال عندما يصبح الحكيم الأول أو الحكيم أو هذا الرجل الفاضل. كما يعتمد على الكندي وعلي بن أبي طالب والحسن البصري وغيرهم وعلى قصص الأنبياء. كما يظهر أرسطو في «في النفس والعقل» في المرتبة الثانية بعد روفس الطبيب من أجل تفنيد حجج الطبيب في الشك. ويجمع بينه وبين أفلاطون.٤٧ويحضر أرسطو في الرسالة «الأضحوية» لابن سينا (٤٢٨ﻫ) في المرتبة الثانية لمناقضته القائلين بالتناسخ وإبطاله، والاستشهاد به في أن النفس ليست من المفارقات. وهي معركة ابن سينا أيضًا. هنا يبدو أرسطو هو الشارح وابن سينا هو المشروح، وبالاعتماد على الموروث من القرآن والحديث. كما يظهر أرسطو في «المبدأ والمعاد» بلقب الفيلسوف وليس بشخصه أي واضع الحقيقة كذهن بشري يتجاوز الزمان والمكان. وفي «مبحث القوى النفسية» يأتي في المرتبة الثانية بعد أفلاطون وفي سياق واحد من أجل التوفيق بينهما في موضوع البصر ونظرية الشعاع المزدوج بالإضافة إلى الموروث الأصلي من القرآن. وفي «رسالة العشق» يحال إلى شرح ابن سينا نفسه للسماع الطبيعي دون ذكر أرسطو. وفي «القانون للطب» يتصدر الوافد الشرقي في الهند والصين على الوافد الغربي عند اليونان. ويأتي أرسطو في المرتبة الرابعة بعد ديسقوريدس وجالينوس وأبقراط وروفس. ويشير في موضوع الأسماء والمسميات تمييزًا بين الشيء واسمه. وفي «أجوبة الشيخ الرئيسي عن مسائل أبي الريحان البيروني» يتصدر أرسطو مع ألقاب الحكيم والفيلسوف وصاحب المنطق. كما يحال إلى بعض أعماله الطبيعية. وتبدأ المسائل بأرسطو لأنه يمثل آخر ما وصلت إليه ثقافة العصر. ويعتمد البيروني (٤٤٠ﻫ) على أرسطو في «كتاب التفهيم لأوائل صناعة التنجيم» في المرتبة الثانية مع هرمس والمجسطي وبعد بطليموس.٤٨وبالرغم من أن أرسطو ليس طبيبًا إلا أن حضوره استمر عند الأطباء. فهو فيلسوف طبيعة، والطب أحد العلوم الطبيعية. ففي «رسالة في الطب والأحداث النفسانية» لابن بختيشوع (٤٥٠ﻫ) يظهر أرسطو في المرتبة الرابعة بعد جالينوس وأفلاطون وأبقراط. ويعتمد على أرسطو في كون العشق ظاهرة طبيعية من «كتاب الفراسة» المنحول ولإثبات النفس من خلال البدن. وفي «الكتاب النافع في كيفية تعليم صناعة الطب» لعلي بن رضوان (٤٥٣ﻫ) يأتي أرسطو مع أفلاطون في المرتبة الخامسة بعد جالينوس وأبقراط وثاسلس وديسقوريدس. فأرسطو هو الذي أعطى جالينوس المبادئ العامة الطبيعية. ويغيب أرسطو في «مصادرات إقليدس» لعمر الخيام (٥١٥ﻫ) نظرًا لارتباط الرياضيات بإقليدس.٤٩ويستمر حضور أرسطو في القرن السادس عند الطغرائي واللوكري وابن باجه. ففي «حقائق الاستشهاد» للطغرائي (٥١٥ﻫ) يأتي أرسطو في المرتبة الرابعة بعد هرمس وبليناس وأفلاطون وفيثاغورس وديموقراطيس لإثبات علم الكيمياء ضد إنكار ابن سينا له. وفي «بيان الحق بضمان الصدق» للوكري (٥١٧ﻫ) يظهر أرسطو تحت لقب المعلم الأول في الفلسفة الأولى انتقالًا من الشخص إلى الموقف. والموضوع العلم الإلهي اعتمادًا على «أثولوجيا» أرسطوطاليس. وفي «تدبير المتوحد» لابن باجه (٥٣٣ﻫ) يظهر أرسطو في المرتبة الثانية بعد أفلاطون، في موضوع نشأة اليقين في التصورات والتصديقات، وفي الحس والمحسوس، وفي الخطابة والأخلاق. ويحال إلى مؤلفات أرسطو بداية بنيقوماخيا ثم البرهان والسماع وأخبار الحيوان والنفس، ثم الحس والمحسوس وحفظ الصحة والمقولات وريطوريقا وما بعد الطبيعة. وفي «رسالة الوداع» يتصدر أرسطو ليفصل ما تركه مجملًا في الحادية عشرة من كتاب «الأخلاق». وفي «اتصال العقل بالإنسان» يتصدر أيضًا أرسطو في رفضه نظرية المثل عند أفلاطون. وفي الوقوف على العقل الفعال» يأتي الحكيم في المرتبة الثانية بعد جالينوس في أن آخر الفكرة أول العمل.٥٠ويستمر حضور أرسطو عند ابن زهر وابن رشد والعرضي في القرن السادس. ففي «التيسير في المداواة والتدبير» لابن زهر (٥٥٧ﻫ) يأتي أرسطو في المرتبة الثالثة بعد جالينوس وأبقراط. يمثل أرسطو مذهبًا طبيًّا علميًّا وجالينوس إليه أقرب اعتمادًا على العقل والتجربة. وفي «الكليات» في الطب لابن رشد (٥٩٥ﻫ) يأتي أيضًا في المرتبة الرابعة بعد جالينوس وأبقراط. ويحاول ابن رشد أيضًا التوفيق بينهما اعتمادًا على العقل والطبيعة مع التأكيد على أهمية الطب العملي.٥١وفي مقالات ابن رشد في المنطق والعلم الطبيعي يتصدر أرسطو والحكيم الوافد. ويحال إلى كتبه المنطقية كلها باعتبار المنطق العلم الشامل. ويتصدر في «لزوم جهات النتائج من المقدمات» لتخليصه من سوء تأويل الشراح وتصورهم المقدمات وجودية في الزمان. وفي «المقول على الكل» يتصدر أيضًا ضد الشراح اليونان والمسلمين عودًا إلى نص أرسطو نفسه. وفي «المقاييس المختلطة» يتقدم أرسطو ويبين ابن رشد غرضه ومخالفة المشائين له. وفي «المقدمة الوجودية أو المطلقة» يتصدر أيضًا من أجل تخليصه من سوء وتأويل الشراح، ويحكم أقواله المتشابهة. وفي «جهات النتائج» يتصدر أرسطو والحكيم دفاعًا عن مذهبه المنطقي الذي يجعل النتائج تابعة للمقدمات الكبرى. وابن رشد هو الذي يقول وأرسطو هو الشارح له بعد عرض أقوال الشرَّاح على نفس أرسطو وعلى الواقع نفسه. وفي «القياس الحملي والشرطي ونقد القياس الاقتراني عند ابن سينا» يتصدر أرسطو والحكيم. وفي «كتاب الحد» يأتي أرسطو في المرتبة الثانية بعد الإسكندر. وأرسطو إلى الحق أقرب من شراحه اليونان والمسلمين. وفي «كليات الجواهر وكليات الأعراض» يتصدر أرسطو والحكيم وحده نظرًا لوضوح كلامه وسهولته على عكس الفارابي في شروحه على القياس. وفي «القول في محمولات البراهين» يتصدر أيضًا أرسطو والحكيم ولكن ابن رشد يؤوِّل نفس البرهان لديه بمصطلحات الأصول. وفي «السابعة والثامنة من السماع الطبيعي» يتصدر أرسطو ضد انحراف الشراح عنه. واستمر حضور أرسطو في القرن السابع عند مؤيد الدين العرضي في كتاب «الهيئة» إلا أنه في المرتبة السادسة بعد بطليموس.٥٢ومع ذلك يغيب أرسطو أحيانًا من بعض الأعمال في هذا النوع الأدبي. يغيب في أعمال بعض المترجمين مثل «الذخيرة للطب» لثابت بن قرة (٢٨٨ﻫ). كما يغيب في «المنصوري» للرازي (٣١٣ﻫ). فالتأليف ممكن في الطب بدون أرسطو. ولا يظهر في «زاد المسافر وقوت الحاضر» لابن الجزار (القرن الرابع الهجري)، وفي «المعدة وأعراضها ومداواتها». ولا يظهر أرسطو في بعض الأعمال الفلكية لابن سينا (٤٢٨ﻫ) مثل «جواب الشيخ الرئيس على سؤال أبي الحسن أحمد السهلي عن علة قيام الأرض وسط السماء» لأن أرسطو ليس هو المصدر الوحيد للعلم لأن المسألة من الداخل وليست من الخارج، من الموروث وليست من الوافد. كما يغيب أرسطو في «الآثار الباقية عن القرون الخالية» للبيروني (٤٤٠ﻫ) لحساب الموروث.٥٣و«تمثل الوافد مع تنظير الموروث» حالة افتراضية لا يمكن ضبطها حسابيًّا. فهناك مساحة صغيرة من التذبذب في أولوية أحدهما على الآخر. ففي «الأمد على الأبد» للعامري (٣٨١ﻫ) يأتي أرسطو في المرتبة الثالثة مع فيثاغورس وأفلاطون بعد ذي القرنين والإسكندر. فأرسطو معلم الإسكندر الذي حارب الشرك دفاعًا عن التوحيد. وهو تلميذ أفلاطون. وفي رسالة «إثبات النبوات وتأويل رموزهم» لابن سينا يتصدر أرسطو. فقد عزل أرسطو أفلاطون لإذاعته الحكمة. وبصرف النظر من عزل من إلا أن الحكمة لا تذاع للجمهور لأنها «المضنون به على غير أهله». وفي «سر القدر» يذكر الحكيم تحولًا من الشخص إلى الرمز. ومع ذلك يمكن التأليف دون ذكر لأرسطو مثل «جواب عن كتاب أبي الجيش النحوي في ما ظنه أن العدو غير متناهٍ» ليحيى بن عدي (٣٦٤ﻫ).٥٤ويتأرجح حضور أرسطو وغيابه في رسائل ابن باجه (٥٣٣ﻫ). ففي «كلامه ما بعث به لأبي جعفر بن يوسف بن حسداي» ذكر أرسطو مع الإسكندر في المرتبة الثانية بعد بطليموس للرد على من زعم أن ما أتي به أرسطو في الحركة والمحرك ليس برهانًا ويضع ابن باجه له نسقًا في موضوع واحد عبر مؤلفاته كلها. ويستشهد به تدعيمًا لموقفه فأرسطو هو الشارح وابن باجه هو المشروح. وفيما «كتب رضي الله عنه إلى الوزير أبي الحسن بن الإمام» يأتي أرسطو مع ثامسطيوس في المرتبة الثانية. وهو موضوع بين الرياضة والمنطق كرؤية واستعداد في «نيقوماخيا». وفي «النفس النزوعية» يتصدر أرسطو ويحال إلى بعض أعماله الطبيعية. وفي «النزوعية» يحال أيضًا إلى أرسطو أولًا وإلى بعض الأعمال المنطقية والطبيعية. وفي «الوحدة والواحد» يتصدر أرسطو ويحال إلى كتاب ما بعد الطبيعة. وفي «المعرفة النظرية والكمال الإنساني أو في الاتصال بالعقل الفعال» يتصدر أرسطو، نموذج العقل الكامل، مثل الأولياء، الإشراقي وليس المنطقي الطبيعي. وفي «الفطر الفائقة والتراتب المعرفي» يذكر أرسطو وحده نموذجًا للمتدين الكامل. ويغيب في عديد من رسائل ابن باجه الأخرى فإبداعه غير مشروط به.٥٥ويستمر حضور أرسطو في التأليف في القرن السابع الهجري عند المجوسي. ففي «كامل الصناعة الطبية» للمجوسي يظهر أرسطو في المرتبة الرابعة بعد أبقراط وجالينوس وأوريناسيوس.٥٦ثم يعود أرسطو للظهور في القرن العاشر عند داود الأنطاكي والقليوبي والمنذري. ففي «تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب» لداود الأنطاكي (١٠٠٨ﻫ) تظهر ألقاب أرسطو بدلًا عنه مثل المعلم الأول، المعلم، الحكيم في المرتبة الثالثة بعد جالينوس وأبقراط والأستاذ بعد أن استقرت نظرياته في تاريخ العلم. وفي «النزهة المبهجة في تشحيذ الأذهان وتعديل الأمزجة» له أيضًا تظهر نفس الألقاب مثل المعلم والحكيم في المرتبة الثالثة بعد جالينوس وأبقراط مع الإحالة إلى بعض كتبه الطبيعية. وفي «كشف الأسرار الخفية في علم الأجرام السماوية والرقوم الحرفية» للمنذري (١١٦٠ﻫ) يتصدر أرسطو مع غيره من حكماء اليونان كتراث فلكي دون غيره خاصة. ويغيب في «تذكرة القليوبي في الطب» بعد أن قارب الإبداع الخالص.٥٧
-
(جـ)
التراكم: التراكم هو استمرار للتأليف بداية بتنظير الموروث قبل تمثل الوافد ثم تنظير الموروث ثم الإبداع الخالص. إذ تستمر عقارب الساعة بعد منتصفها إلى أربعين دقيقة ثم إلى خمسين ثم إلى ستين فتكتمل الدورة من النقل إلى الإبداع.ففي «تنظير الموروث قبل تمثل الوافد» يحضر أرسطو ويغيب عند عديد من المؤلفين، بل عند المؤلف الواحد مثل صدر الدين الشيرازي. ففي «البيزرة» لبازيار المعز بالله الفاطمي (٣٨٦ﻫ) لا يوجد إلا أرسطو من الوافد اليوناني. وفي «السعادة والحجج العشرة على أن النفس الإنسانية جوهر» لابن سينا (٤٢٨ﻫ) يتقدم أرسطو على الإسكندر وثامسطيوس. ويخلص ابن سينا أرسطو من سوء تأويل الشارحين اليونانيين عن علاقة النفس بالبدن عند أرسطو، فلا هي اتحاد ولا هي مفارقة. وفي «رسالة في الحيلة في دفع مضار الأبدان بأرض مصر» لعلي بن رضوان (٤٦٠ﻫ) يأتي أرسطو مع بطليموس وغورس في المرتبة الثالثة ناقدًا آراء السابقين. وفي «جامع الحكمتين» لناصر خسرو (٤٩٨ﻫ) يتصدر أرسطو وألقابه مثل الحكيم اليوناني، الحكيم الفيلسوف، الفيلسوف، سيد المنطق. بل يأخذ أرسطو عنوانًا لأحد الفصول. و«في السعادة المدنية أو السعادة الأخروية أو دفاع عن أبي نصر» لابن باجه (٥٣٦ﻫ) يحال إلى أرسطو من أجل إكمال السعادة الدنيوية لديه بالسعادة الأخروية. وفي «ملحق رسالة الوداع» يتصدر أرسطو بمفرده. وفي «الفاعل القريب والفاعل البعيد وخلود العقل» لا يحيل إلا إلى كتاب «السماع» دون الإشارة إلى صاحبه. فالعلم مستقل عن العالم. وفي «حي بن يقظان» لابن طفيل (٥٨١ﻫ) يتصدر أرسطو وحده من خلال كتبه أو من خلال عرض الفارابي أو ابن سينا له، الوافد من خلال الموروث.٥٨ويحضر أرسطو في ثلاثية ابن رشد (٥٩٥ﻫ) «فصل المقال» و«مناهج الأدلة» و«تهافت التهافت». ففي «فصل المقال» يأتي أرسطو في المرتبة الثانية بعد أفلاطون في قضية خلق العالم وقدمه. وفي «مناهج الأدلة» يأتي أرسطو ولقب الحكيم مع أفلاطون وجالينوس أيضًا في قضية خلق العالم وهل كل جائز محدث. ويبدو أرسطو العقلاني الذي يبحث عن الاتساق العقلي والمنطقي. وفي «تهافت التهافت» يتصدر أرسطو مع الحكيم. ويحال إلى عديد من مؤلفاته المنطقية والطبيعية. وهو الرئيس الأول للفلاسفة. براهينه منطقية. وأقواله صحيحة طالما كانت برهانية بعيدة عن تأويلات المشائين اليونانيين والمسلمين. ويضع ابن رشد أرسطو داخل الفلسفة اليونانية مع السابقين عليه واللاحقين له. فهو جزء من التاريخ. ويحاول أن يضع نسقًا لمؤلفاته لبناء مذهبه.٥٩ويستمر حضور أرسطو في القرن السادس. ففي «حدوث العالم» لابن غيلان ردًّا على قدم العالم عند ابن سينا يتصدر أرسطو وغيره من حكماء اليونان الذين تحدثوا عن المبدأ الأول وهو الله، لا يعلم إلا ذاته توحيدًا بين الذات والصفات كما هو الحال عند المعتزلة. وفي «المناظرة بين فخر الدين الرازي وفريد الدين الغيلاني في مسألة حدوث العالم» لا يظهر إلا أرسطو واضع علم الجدل واحتمالات الحركة.٦٠ويستمر حضور أرسطو في القرنين السابع والثامن. ففي «أزهار الأفكار في جواهر الأحجار» للتيفاشي (٦٥١ﻫ) يتصدر أرسطو مع إحالة إلى كتاب الحيوان. وفي «مصارع المصارع» لنصير الدين الطوسي (٦٧٢ﻫ) ردًّا على «مصارعة الفلاسفة» للشهرستاني يتصدر أرسطو الذي ينتسب إليه ابن سينا مدعيًا عليه منطقًا ليس له. وفي «نخبة الدهر في عجائب البر والبحر» لشيخ الربوة (٧٢٧ﻫ) يتصدر أرسطو في نص منتحل عن الأحجار. وفي «مختصر تذكرة الإمام السويدي» للشعراني يأتي أرسطو في المرتبة الثالثة بعد جالينوس وأبقراط. وفي «اتحاد العاقل والمعقول» لصدر الدين الشيرازي (١٠٥٠ﻫ) يحضر المشَّاءون والمتأخرون بدلًا من أرسطو بعد أن تحول أرسطو إلى مدرسة أو فرقة انتقالًا من أرسطو إلى الأرسطية.٦١ويستمر حضور أرسطو في القرن الحادي عشر عند الداماد (١٠٤١ﻫ). ففي «كتاب المقابسات» يتصدر أرسطو وألقابه مثل الحكيم، الحكيم المعلم، المعلم الأول، معلم الصناعة، معلم المشائين، معلم المشائين ومفيدهم، معلم المشائين اليونانيين، معلم اليونانيين، مفيد الصناعة ومصلحها، مفيد المشائين ومعلمهم. وما زالت «أثولوجيا» تنسب إليه إلى هذا الوقت المتأخر. وفي «أجوبة المسائل القاشانية» لصدر الدين الشيرازي.٦٢وأرسطو ليس كل الوافد؛ إذ يغيب أرسطو ويحضر آخرون مثل أفلاطون أو سقراط أو جالينوس أو إقليدس، منذ القرن الثالث إلى عصر متأخر سواء كان في العلوم الطبيعية أو العلوم الرياضية أو في الفلسفة النظرية الخالصة. والأمثلة على ذلك كثيرة. في الطب يتقدم جالينوس وأبقراط، وفي الطبيعة ديموقريطس، وفي العلوم الرياضية أرشميدس وفيثاغورس، وأبولونيوس وبطليموس وأفلاطون. وفي الحكمة الخالصة سقراط.٦٣«وفي تنظير الموروث» يستمر التأليف بعيدًا عن الوافد كله، أرسطو وغيره من حكماء اليونان. فالتأليف ممكن ابتداءً من تنظير الموروث أي بالمصدر الداخلي دون الخارجي. ويمثل الفكر الشيعي هذا النوع الأدبي لأنه يبدع من الداخل وليس من الخارج، بتفاعل الواقع الاجتماعي والسياسي مع الأصول الأولى. لذلك حل القرآن والحديث محل أرسطو٦٤ ونظرًا لأن قصص الأنبياء نموذج للثورة ضد الحاكم الظالم في التاريخ فقد استلهم الفكر الشيعي نمطه منه وكثرت الإحالة إليه في الأصول الأولى للموروث، القرآن والحديث، وصياغة العقائد في الإبداع والخلق، والنبوة، والمعاد، والإمامة.٦٥ لجأ الفكر الشيعي في تاريخ الأديان بحثًا عن العمق التاريخي لزعزعة النظام السياسي للحاضر في الثقافات الموروثة للشعوب وليس في الوافد إليها.٦٦ وكثير من أعمال ابن سينا، وهو المشائي، لا تعتمد إلا على الموروث الأول، القرآن والحديث.٦٧ بل إن بعض الأعمال المنطقية والعلمية وهي من العلوم الوافدة اعتمدت على تنظير الموروث وحده.٦٨وفي «الإبداع الخالص» يغيب الوافد كله بما في ذلك أرسطو والموروث كله بما في ذلك القرآن والحديث. فقد استقل العقل الفلسفي عن مصدريه المباشرين وأصبح قادرًا على التفكير البرهاني واكتشاف بنية الموضوع. فالعقل والطبيعة شيء واحد. والوحي ضام لهما ومؤسس عليهما. وقد تجلَّى الإبداع في المنطق والرياضيات والفلسفة والعلم. ساهم في الإبداع المنطقي المترجمون مثل يحيى بن عدي (٣٦٤ﻫ) والمؤلفون مثل عمر بن سهلان الساوي (٤٥٠ﻫ)، وابن رشد (٥٩٥ﻫ)، والخونجي (٦٤٦ﻫ)، وابن العسال (القرن السابع)، والكاتبي (٦٧٥ﻫ)، والجرجاني (٨١٦ﻫ)، والسنوسي (٨٩٥ﻫ).٦٩وهناك إبداع فلسفي خالص ساهم فيه المترجمون مثل يحيى بن عدي (٣٦٤ﻫ)، وحكماء الشيعة مثل السجستاني (٣٣١ﻫ)، والعامري (٣٨١ﻫ)، وابن سينا (٤٢٨ﻫ)، وابن هندو (٤٢٠ﻫ)، وبهمنيار بن المرزبان تلميذ ابن سينا (٤٥٨ﻫ)، وابن باجه (٥٣٣ﻫ)، ونصير الدين الطوسي (٦٧٢ﻫ)، وصدر الدين الشيرازي (١٠٥٠ﻫ).٧٠وقد ساهم في الإبداع الرياضي في الحساب والجبر المترجمون مثل يحيى بن عدي (٣٦٤ﻫ)، والقبيصي (٣٨٠ﻫ)، والكرخي (٤٢٩ﻫ)، والفارسي (٧١٨ﻫ)، والمراكشي (٧٢١ﻫ)، والمقدسي (٧٥٣ﻫ)، والقلصاوي (٨٩١ﻫ)، والعاملي (١٠٣١ﻫ)، وشرف الدين الطوسي (النصف الثاني من القرن السادس).٧١ وفي الهندسة أبدع الكندي (٢٥٢ﻫ) في هذا الوقت المبكر، والبوزجاني (٣٨٨ﻫ)، والعلاء بن سهل (القرن الرابع)، وتقي الدين (٩٩٣ﻫ)، والزردكاشي (٨٦٧ﻫ)، والأحدب (٦٩٥ﻫ)، ونصير الدين الطوسي (٦٧٢ﻫ)٧٢ وفي الفلك أبدع ابن الهيثم (٤٣٢ﻫ)، ونصير بن عبد الله المهندس.٧٣ وفي الموسيقى أبدع ابن باجه (٥٣٣ﻫ)، والأرموي (٦٩٣ﻫ)٧٤ وفي العلم الطبيعي وفي المعادن والكيمياء أبدع الكندي (٢٥٢ﻫ)، وفي الإبداع الطبي الرازي (٣١٣ﻫ)، وابن سينا (٤٢٨ﻫ)، وابن النفيس (٦٨٧ﻫ)، والقليوبي (القرن الحادي عشر)، وابن شقرون (القرن الثاني عشر).٧٥
(٦) تجاوز أرسطو
هذه ملحمة أرسطو في الثقافة العربية الإسلامية خاصة في علوم الحكمة تبين كيف أن أرسطو جزء من الوافد وأن الوافد اليوناني جزء من الوافد الغربي، اليوناني الروماني، وأن الوافد الغربي جزء من الوافد العام الغربي والشرقي، وأن الوافد العام أحد عنصري عملية التفاعل بين الوافد والموروث، وأن كليهما جزء من تفاعل الفكر والواقع، والعقل والتاريخ. أليس دور أرسطو في الثقافة العربية مبالغًا فيه، وحكمًا استشراقيًّا شائعًا في الغرب وعند بعض العرب المحدثين. وشتان بين البداية والنهاية، بين النقل والإبداع.