الجهاد في التراث الإسلامي١
(١) الجهاد من أركان الإسلام
في هذا الوقت العصيب الذي يتم فيه التضحية بشعب فلسطين على مذبحة الكيان الصهيوني وشهادة العرب والمسلمين جميعًا، في الوقت الذي يقف فيه شعب فلسطين بمفرده، يدافع عن كيانه ووجوده وأرضه ومستقبله، في الوقت الذي تتصدى فيه المقاومة الفلسطينية للعدوان الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية، نصفها في ١٩٤٨م ونصفها الآخر عام ٢٠٠٢م، يصدر العرب البيانات ويصوغون المبادرات، ويطلقون الشعارات، ويعقدون الاجتماعات، وتتكرر مأساة حصار بيروت في ١٩٨٢م في حصار مدن الضفة الغربية، وفي كلتا الحالتين وقفت الأنظمة العربية تستنكر وتشجب وتدين والدماء تسيل، والجرحى يموتون، والشهداء يتساقطون، والبيوت تدمر، والكل يستنجد بالغير لا بنفسه، والكل يستصرخ الآخرين، الضمير العالمي، والأمم المتحدة، وروسيا، والاتحاد الأوروبي. بل إن الكل يتوسل إلى الجلاد كي يرحم الضحية.
وماذا يفعل المفكر العربي إلا أن يستصرخ أيضًا، يشحذ الهمة، ويشارك انتفاضة الشارع العربي بالكتابة، ويستنصر تراث الأمة وتاريخها وثقافتها لعله يجد في الجهاد والشهادة ما يقوي به المناضلين في فلسطين، يواسي الجرحى، ويعزِّي بالحياة الأبدية، وبالخلاص القريب، وهو هروب إلى الماضي، وعجز عن مواجهة الحاضر.
فما زال الشهيد هو بارقة الأمل الباقية بالرغم من آلام الفراق وعذاب الضمير. في هذا الإطار وفي هذا الوضع النفسي تتم كتابة الجهاد في التراث الإسلامي، لبيان أنه ركن من أركان الإسلام أولًا، وتحليل معاني الجهاد في القرآن الكريم ثانية، وفي السنة النبوية ثالثًا، وفي التراث الفقهي رابعًا، وعند المصلحين المحدثين خامسًا، لعل في ذلك بعض العزاء للنفس وللآخرين.
الجهاد ركن من أركان الإسلام، وهو عند بعض الفقهاء الركن السادس، وعند آخرين الركن الأول لأن الأركان الخمسة الأولى تقوم عليه. فالشهادة فعلان من أفعال الشعور، «لا إله» ثم «إلا الله». الأول للرفض والنفي، نفي الآلهة المزيفة للعصر، الثروة والجاه والشهرة والجنس والترف ومباهج الحياة، والثاني قبول ورضا بأن يتساوى جميع البشر أمام إله واحد، لا ظالم ولا مظلوم، ولا قوي ولا ضعيف، ولا غني ولا فقير، بل الكل متساوون بفعل الخلق، وهي شهادة أي رؤية وإعلان بالقول والعمل، بالفكر والوجدان. فالساكت عن الحق شيطان أخرس، وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ، وهي شهادة حق وليست شهادة زور. هي التزام بقضايا العصر وقبول للتحديات، والعمل في سبيل تقدمه ورفعته.
والصلاة جهاد في الزمان، وحفاظ على الوقت، وقيام وقعود بالبدن، وحياة الفضيلة، وحب الخير للناس، وإيمان عامر بالقلب، وفعل يحقق مصالح الناس، وعمل فردي وجماعي، وتضامن اجتماعي. فالصلاة أحد أنواع الجهاد، جهاد النفس، ومقاومة الكسل والدعة والخمول، والحرص على الوعي اليقظ، واستبعاد الوعي الخامل.
والزكاة جهاد بالمال، وتزكية وتطهير للنفس بالبذل والعطاء، وحق الآخر في مال النفس، ورفض الاكتناز، والعمل على سيولة رأس المال حتى لا يدور في يد حفنة من الأشخاص. هو استثمار جماعي لقضاء حاجات الآخرين، وإيجاد فرص عمل للعاطلين وَالذينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ.
والصيام جهاد النفس، وتقوية للإرادة، وسيطرة على الرغبات والانفعالات والأهواء. هو إحساس بفقر الفقراء، وجوع الجوعى، وحاجة المحتاجين، وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا. الصيام صلة بالله كما أن الجهاد عود إليه.
والحج جهاد سنوي للعمل الجماعي، والتذكير بمصالح الأمة، والاجتماع العلني لكل الناس في مساواة تامة أمام الحق ولإعلان البراءة من الباطل، وتحديد من هم أعداء الأمة ومن هم أصدقاؤها؟ أين معاركها وما إمكانياتها؟ إلى أي مدًى وصل إحساس المسلمين بالأمانة والخلافة في الأرض وتعميرها؟ الحج سفر وجهد ومشقة، وسعي وطواف كما أن الجهاد سفر للأعداء، ومقاومة للعدوان، وسعي وطواف في ساحة القتال. لذلك لا يساوي أي ركن من أركان الإسلام حتى ولو كان الحج ركن الجهاد أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ.
فالجهاد هو كل شيء في الإسلام، له أشكال عديدة. يقوم على شحذ الطاقة، وبذل الوسع، وإفراغ الجهد، وهو المعنى الاشتقاقي للفظ «جهد» قبل أن يتحول إلى «جاهد» أي «قاوم»، و«اجتهد» أي بذل الجهد في الفهم والمعرفة. فالاجتهاد مصدر رابع للتشريع بعد الكتاب والسنة والإجماع وكما كتب السيوطي «الرد على من أخلد إلى الأرض، وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض».
والشهيد والشاهد من نفس الفعل. الشهيد يشمل بالفعل، والشاهد يشهد بالقول، وكلاهما إعلان. الشهيد إعلان عملي والشاهد إعلان نظري، والشهداء مع النبيين والصديقين، فَأُولَئِكَ مَعَ الذينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ. فالأنبياء والشهداء يعرفون الحق النظري والعملي، وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ. وكما أن الأنبياء والصالحين في فوز ونجاة كذلك الشهداء، وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ.
ولفظ الحياة في القرآن اسم أكثر منه فعلًا أي إن الحياة قيمة مستقلة عن أفعالها. هي حياة الأرض والنبات والماء والزرع. فالله أنزل من السماء ماء أحيا به الأرض بعد موتها، والله هو الذي يحيي الإنسان بعد أن يميته، والإيمان هو الذي يحيي الإنسان ويوقظه من الغفلة، ويجعله يؤثر الحياة الآخرة على الحياة الدنيا. والله هو الحي القيوم. فالحياة صفة لله، وصفة للإنسان على حد سواء. الله يحيا والإنسان يحيا.
(٢) الجهاد في القرآن الكريم
والجهاد لفظًّا هو بذل الوسع والجهد واستنفاد الطاقة من أجل تحقيق غاية بصرف النظر عن طبيعة هذه الغاية للحق أم للباطل. فقد يجاهد الآباء الأبناء دفعًا لهم نحو الشرك، وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا، وهي الحالة الوحيدة التي يجوز للأبناء فيها عصيان الآباء، والجهاد جزء من طبيعة الإنسان. فالإنسان طاقة وحركة ونشاط وفاعلية، دافع حيوي أو طاقة روحية كما يقول برجسون، تيار متدفق وإلا تحول إلى بركة آسنة، ركدت وتبخرت وتعفنت.
والجهاد جهاد للنفس، شحذًا لطاقاتها، وتقوية لإرادتها، وإحياءً لمقاصدها. الجهاد للذات قبل الموضوع، للنفس قبل العالم، وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ، وهو ما لاحظه الشاعر الفيلسوف محمد إقبال بأن الذات تتخلق بالمقاصد، وتحيا بالآمال، وتشعر بالجمال، وتدرك الحقائق، وتتحد بحركة الكون والتاريخ. لذلك لا يكون الجهاد إلا قدر الوسع والطاقة لعدم جواز تكليف ما لا يطاق، وَالذينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ.
وإذا كان الجهاد لا يكون فوق الطاقة لعدم جواز تكليف ما لا يطاق فإنه لا يكون أيضًا أقل مما يستطيعه الإنسان، يؤثر عليه الآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشيرة والأموال والتجارة والمساكن، قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا. الجهاد لا يكون إلا في سبيل الله وابتغاء مرضاته، إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي. هو الجهاد الخالص الذي لا يهدف إلى شهرة إعلامية «إني شهيد يا رفاق».
يبدأ الجهاد بالتقوى أي بالإيمان الصادق وإخلاص النية، وهو الطريق إلى الله، اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ، والجهاد بالنفس وبالمال، بالشهادة، وبالعطاء انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ، وهو حكم عام لا استثناء فيه لوجاهة اجتماعية، وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ. الجهاد في سبيل الله هو الجهاد الخالص الذي ينطلق من الإيمان العميق بالقضية، وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ،
والجهاد ليس فقط فعل أمر مباشر للفرد والجماعة، للرسول وللمؤمنين لتحقيق ما يستحيل تحقيقه بل هو حقيقة تاريخية، وممارسة جماعية، قام بها السابقون. لذلك يأتي الفعل في صيغة الماضي أيضًا أكثر من صيغة الأمر تدعيمًا للأمر الحاضر بفعل التاريخ وشهادة المجاهدين السابقين. فالجهاد تجربة ومحك واختبار للفوز والفلاح، أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الذينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ، أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الذينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ. الجهاد ابتلاء، وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ.
ويتطلب الجهاد الإيمان بالقضية. فالجهاد عمل، والعمل جوهر الإيمان، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الذينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ، وهو إيمان يقيني بلا ريب أو شك، يتحول تلقائيًّا إلى فعل جهادي، لَكِنِ الرَّسُولُ وَالذينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ.
وقد يتطلب الجهاد الهجرة في سبيل الله، فأرض الله واسعة، ولا تضيق على المؤمنين بما رحبت. لذلك ارتبط الجهاد بالهجرة في عديد من الآيات القرآنية وَالذينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللهِ، فالأمة واحدة والعدوان عليها واحد، والعرب الأفغان يجاهدون في أفغانستان والشيشان والبوسنة والهرسك وكوسوفو ولبنان وفلسطين وفي أي أرض إسلامية يقع عليها العدوان. فالإسلام أممي لا يعترف بحدود الدولة الوطنية أو القومية، رابطة الأخوة الإسلامية، ووحدة العقيدة دليل على وحدة الأمة.
ويتطلب الجهاد الجمع بين الإيمان والهجرة، فالإيمان بداية، والهجرة طريق، والجهاد نهاية، إِنَّ الذينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالذينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، وهو عمل جماعي لإيواء المجاهدين ونصرتهم والجهاد معهم بالنفس والمال، وَالذينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ، وهم أعظم درجة عند الله.
والإيمان والهجرة والجهاد، كل ذلك يتطلب الصبر، والتخطيط على الأمد الطويل، وقد يفتن الإنسان في جهاده ويضعف استجداء للحق ثم يندم، فإن الله غفور رحيم ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ.
والجهاد فقط ليس أمرًا من الله للرسول وللمؤمنين، وليس فقط حقيقة تاريخية وممارسات في الماضي بل هو أيضًا فعل مستمر في الحاضر، يضم الإيمان والجهاد، تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ. الجهاد حركة مستمرة من أول الخلق حتى نهايته، من البداية إلى النهاية، من الخلق إلى البعث.
والجهاد لا يقتضي القسم بجهد الإيمان بل يتطلب فعل الإيمان وليس قوله. الجهاد بالفعل وليس بالوعد، في الحاضر وليس في المستقبل، في هذه الحالة يكون الإيمان «جهدًا» لا جهادًا أي مجرد إعلان نوايا وليس تحقيق أفعال، وَيَقُولُ الذينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الذينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ. يكون الجهاد مجرد وعد بالإيمان دون تحقيقه، وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا، والقسم عن غير علم جهل مثل القسم على عدم البعث بعد الموت، وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ، والقسم دليل على سوء النية لأن الإيمان لا يحتاج إلى قسم بل إلى فعل، وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ. القسم كلام بلا فعل، وعد بلا تحقق، إعلان بلا التزام، وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ.
ونقيض الجهاد الاستئذان والقعود والتخلف والنكوص، لَا يَسْتَأْذِنُكَ الذينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا، فالاستئذان بعدم الجهاد تناقض بين الإيمان والجهاد. فالجهاد من متطلبات الإيمان، والإيمان بلا جهاد كالإيمان بلا عمل، والقول بلا فعل، والنية بلا تحقق، وهي سمة المنافقين، والتخلف ليس فرحًا بل هو حزن ونكوص، فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا، فالرسول قدوة، والقدوة يؤتم بها.
والجهاد لا يقتضي خوف اللائمين، وحسد الحاسدين، وشماتة الشامتين، يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ. الجهاد صدق النية، وإخلاص القصد، والتوجه إلى الله غاية الغايات، وقصد المقاصد.
لذلك لا يستوي القاعدون مع المجاهدين، لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ، الخائفين على عرض الدنيا، فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً، وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا.
الجهاد إذن مبدأ الحركة في الإسلام ومناط التقدم فيه، نقيضه النكوص والتراجع والقعود والتخلف. الإسلام إقدام لا إحجام، حركة إلى الأمام وليس حركة إلى الخلف، وهو مسار الوحي في التاريخ تدريجيًّا ومرحليًّا، من نبوة إلى نبوة، وهو مسار التشريع داخل النبوة حتى تتم صياغة الشريعة طبقًا للأهلية والقدرة، وهو مثل الاجتهاد في التشريع لا يتوقف طالما أن الحياة مستقرة والزمان متجدد، والواقع متغير.
ليس الجهاد مجرد إعلان عن قصد لا يوجد، والتعبير عن نية هشة في كل مرة تشتد فيها الأزمات، ويزداد فيها الإحساس بالعجز، رغبة في ادعاء بطولة أو استثارة إيمان الجهاد، جهاد بالفعل دون إعلان بالقول. هو جهاد الصامتين وليس بيانات العاجزين.
صحيح أن مداد العلماء مثل دماء الشهداء، ولكن يظل لدماء الشهيد الأولوية المطلقة على مداد العلماء، الدماء تروي الأرض والمداد يجف على الأوراق. الدماء دورة الحياة الأبدية في حين تبلى الأوراق.
(٣) معاني الجهاد في السنة النبوية
وكان الرسول ﷺ يرد عليهم:
فالجهاد ليس فقط عقيدة بل شريعة، وليس فقط أمرًا واجبًا بل سيرة متحققة في التاريخ، الجهاد والمجاهدون، النظر والعمل، الأمر والتحقق.
والجهاد في أي مكان يقع فيه اضطهاد البشر في عقائدهم وحرماتهم، والشهادة في أي مكان وفي أي موقع وفي أي موقف، وأنشد أسير للمسلمين:
قد تشير بعض الأحاديث إلى أن أفضل الأعمال الصلاة على ميقاتها ثم بر الوالدين ثم الجهاد في سبيل الله، وهذا لا يعني تأخير الجهاد إلى الدرجة الثالثة فالكل جهاد، الصلاة، في وقتها وبر الوالدين جهاد بالوقت وجهاد بالعمر والنفس، وكذلك إذا روى «أفضل الجهاد حج مبرور»، «فالحج جهاد بالوقت والجهد والمشقة».
وقد يكون الحج جهادًا لما بينهما من قرينة الجهد والنصب، «نعم الجهاد الحج» خاصة للنساء، وذلك تخرج النساء مع الرجال للقتال لري العطش ومداواة الجرحى كما كانت تفعل نساء الرسول وأمهات المؤمنين، وتحملان القتلى إلى دورهم.
كما أن المجاهد مثل الصائم، جهاد النفس وجهاد العدو، ومع ذلك فقد آثر بعض الصحابة الغزو على الصوم، «من آمن بالله ورسوله وأقام الصلاة وصام رمضان دخل الجنة جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها»، فالجهاد بالأعمال، أعمال الصلاة والصوم.
ويروى في نفس الوقت أنه لا يوجد عمل يعدل الجهاد، «لغزوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها».
ويتمنى الشهيد أن يعود إلى الدنيا حتى يقاتل ويستشهد مرة أخرى، «ما من عبد يموت له عند الله خير يسره أن يرجع إلى الدنيا وأن له الدنيا وما فيها إلا الشهيد لما يرى من فضل الشهادة فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى»، «والذي نفسي بيده لوددت أن أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل»، «لولا أن في ذلك مشقة على الأمة ألا تتخلف عن سرية، ولا تجد حمولة تمنعها من الخروج في سبيل الله وتتخلف عن الركب». ففي الشهادة لذة وفرح وسرور للشهيد ولرفاقه من الشهداء.
والجهاد في المكان دون الهجرة، الجهاد في الأرض في الوقت، «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد نية، وإذا استنفرتم فانفروا»، والدنيا رباط وجهاد، والأمة في رباط إلى يوم القيامة، «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها». الجهاد تثبُّت بالأرض، ودرء العدوان، ودفاع عن الحرمات.
والصبر عند القتال، «إذا لقيتم فاصبروا»، والصمود وقت الزحف، والنفس الطويل ينتصر على النفس القصير، والزمان والتاريخ مع المجاهدين. كانت حروب إسرائيل باستمرار خاطفة، والآن انتفاضة الاستقلال تطول وتصبر وتصمد في حرب المخيمات ونضال المجاهدين، ولا يعني وجود ضعاف في الأمة نكوصًا عن القتال. فالقتال دفاع عن الحرمات، «هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟» القتال دفاع عن النفس ضد العدوان وحماية للضعفاء الذين لا يستطيعون القتال، كالأطفال والنساء والشيوخ والمرضي.
والقتال من أجل الحق وليس من أجل العدوان والغنيمة والسلب والنهب، «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله»، ويعني ذلك الانتصار للحق ومواجهة الظلم دفاعًا عن الحرية والمساواة ضد الاستعلاء والاستكبار. الجهاد لدرء العدوان، والقتال مفروض على المسلمين، «يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية. فإذا لقيتموهم فاصبروا». لذلك كُتب القتال على المسلمين وهو كره لهم لما فيه من نصب. الجهاد للدفاع وليس للعدوان، لدرء المخاطر وليس لتهديد أحد.
والنصر بالرعب، «نُصرت بالرعب». فلا يوجد عدو لا يقهر، والرعب في قلب العدو، رعب الظلم والعدوان على الأبرياء. لذلك يفر العدو عند اللقاء أو يرفض النزال لأنه يعلم أنه مغتصب للأرض.
والحرب خدعة، الحرب فن الانتصار، ويتحقق النصر بعدة طرق وليس بالمواجهة المباشرة فقط، وفن خداع العدو ضمن الفنون العسكرية.
ويحرم قتل النساء والصبيان في الحرب أو حرق الدور والنخيل في حين أنه يجوز قتل العدو المحارب، فللحرب آدابها، وللقتال قواعده، ولا يكون القتال إلا مع المقاتلين القادرين حتى يتكافأ الخصمان.
ويرجز في الحرب، وينشد الشعر في القتال، فالشعر والثورة صنوان، وكان ينشد يوم الخندق:
وكان المسلمون يقرءُون في الحرب سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ. فالشعر والقرآن تقوية للروح المعنوية، ويمثلان الوجدان العربي قبل الإسلام وبعده.
ولا يجوز ربط الأسير أو تجويع الأبرياء أو ترك المرضى يموتون والجرحى ينزفون «فكوا العاني، وأطعموا الجائع، وعودوا المريض». فللحرب آدابها، ولا نزال إلا بين المقاتلين.
ويقاتل عن أهل الذمة ويدافع عنهم، ولا يجوز استرقاقهم، ويوفَّى لهم. فللكنائس والمعابد حرمتها، ومن احتمى بكنيسة أو معبد فله الحماية.
والجهاد بالنفس وبالمال. الجهاد بالمال تجهيز المجاهدين والعناية بأسر الشهداء، «من جهز غازيًا في سبيل الله فقد غزا»، «ومن احتبس فرسًا في سبيل الله إيمانًا بالله وتصديقًا بوعده فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة»، وفرس اليوم هو الطائرة والدبابة والمصفحة والصاروخ والمدفع والبارجة البذل فيها والعطاء لها موزون لصاحبه القيامة.
ويطلب الولد للجهاد كما طلب داود، وللطليعة الفضل في الجهاد، فالسابقون السابقون، وكان الرسول يتعوَّذ من الجبن والكسل والعجز والضعف.
والمجاهد في سبيل الله يركب البحر كما تركب الملوك على الأسرة، وأول جيش من الأمة يغزو البحر فله أجر السبق، «أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا»، وأول جيش للأمة يغزو الروم فله السبق أيضًا، «أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم».
«والخيل معقود لنواصيها الخير إلى يوم القيامة»، والخيل الآن المصفحة والدبابة والطائرة والصاروخ. كانت الخيل هي السلاح الرئيسي عند القدماء. لذلك كثرت الأحاديث فيه، والآن تنوع السلاح في البر والبحر والجو بل وفي هي الفضاء.
والرمي بالرمح قديمًا مثل الرمي براجمات اللهب وبالصواريخ حديثًا، «ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامية»، «مالكم لا ترمون»، «ارموا فأنا معكم كلكم». فإذا تكاثر العدو على المسلمين فالرمي بالنبال، «إذا أَكْثَبوكم فاقتلوا بالنبل» مثل الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات، والرماح للرمي عن بُعد مثل النبال، «جُعل رزقي تحت رمحي وجُعل الذلة والصغار على من خالف أمري».
واليهود ضمن أعداء الأمة، وهم اليهود الذين يخونون العهد، وينقضون الوعد، ويضمرون العدوان، وهم أشبه بصهاينة اليوم، وهم في عداء للمسلمين، والمسلمون في قتال معهم إلى يوم القيامة، «تقاتلون اليهود حتى يختبئ أحدهم وراء الحجر يقول يا عبد الله هذا يهودي ورائي فاقتله»، ولا تقوم الساعة قبل أن يحدث ذلك، فينتصر المسلمون على اليهود، وعلى المسلمين إجلاء اليهود عن أراضي العرب درءًا للعدوان والغدر، ومنعًا لوجود بؤرة استيطانية تتوسع فيما بعد حتى تشمل أراضي العرب، ويظل اليهود كارهين للعرب، فقد تحولت النبوة منهم إليهم، وغضب الله عليهم وحكم عليهم بالتيه، فإما أن يسلموا وإما أن يغادروا، «انطلقوا إلى يهود … أسلموا تسلموا، واعلموا أن الأرض لله ورسوله، وإني أريد أن أجليكم من هذه الأرض، فمن يجد منكم بماله شيئًا فليبعه وإلا فاعلموا أن الأرض لله ورسوله»، وكان الرسول يكبِّر في حروبه مع اليهود «الله أكبر، خربت خيبر»، وقد حاول اليهود سم الرسول، فإن كان كاذبًا يستريحون وإن كان نبيًّا فلن يضره السم.
ويعدد النبي ست مراحل مستقبلية حتى يوم الساعة الأولى من موته حتى فتح بيت المقدس. فبيت المقدس فتح للمسلمين، والثانية والثالثة موتتان ويصبح المسلمون كالغنم، وربما هما الغزوتان، غزوة الصليبيين والاستعمار الحديث من الغرب والتتار والمغول من الشرق، والرابعة وفرة المال حتى ليُعطَى الرجل مائة دينار ويظل ساخطًا، وربما هي فترة النفط وثروة النفط وعوائد النفط، والخامسة فتنة لا تترك بيتًا للعرب إلا دخلته، وهو حال العرب الآن من التفكيك والضعف والحروب الأهلية في لبنان والجزائر أو الحروب بين العرب والمسلمين مثل حربي الخليج الأولى والثانية، والسادسة هدنة بين العرب وبني الأصفر الذين يغدرون بالعرب، ويأتونهم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفًا، وهو حال العرب الذين صالحوا إسرائيل، وعقدوا معاهدات سلام معها، وغدرها بالعرب في فلسطين بعد أوسلو ومدريد، وحصار المدن والمخيمات بمئات من الدبابات والمصفحات والقضاء على السلطة الوطنية المنتخبة.
ومن أعداء الأمة قوم ينتعلون نعال الشعر، عراض الوجوه، صغار الأعين، حمر الوجوه، ذلف الأنوف، وهم أقرب إلى الآريين وإلى الغربيين الرومان أو الشرقيين التتار والمغول، «إن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قومًا ينتعلون نعال الشعر … وأن تقاتلوا قومًا عراض الوجوه كأن وجوههم المجان المطرقة»، وأحيانًا يُعيَّنون بالترك.
لقد نشأ الإسلام وسط الإمبراطوريتين القديمتين، الروم غربًا والفرس شرقًا، وورثهما المسلمون، فلا قيصر غربًا ولا كسرى شرقًا … كان الإسلام هو القوة البازغة في نظام العالم القديم، «هلك كسرى ثم لا يكون كسرى بعده، وقيصر ليهلكن ثم لا يكون قيصر بعده، ولتقسمن كنوزهما في سبيل الله». وهو كذلك أيضًا في نظام العالم الجديد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية في الشرق، وبداية التفسخ في المجتمع الرأسمالي الغربي ومعارضة الشعوب للعولمة ورموزها مثل منظمة التجارة العالمية، ومجموعة الثمانية، واتفاقية الجات، والمجمع الصناعي العسكري، والشركات المتعددة الجنسيات، واقتصاد السوق.
وللمجاهد الشهيد الجنة إن لم يرجع سليمًا مع أجر أو غنيمة. الجهاد بمقاييس الدنيا أخذ وعطاء، فوز وتضحية، غنم وغرم، وبمقاييس الآخرة غنم وفوز، وللمجاهدين في الجنة درجات تبلغ المائة، ما بين درجة وأخرى كما بين السماء والأرض. أوسطها الفردوس، وأعلاها فوق العرش، ومنه تتفجر الأنهار. دار الشهداء أحسن الدور، ويأتي الشهيد يوم القيامة، اللون لون الدم، والرائحة ريح المسك، والشهادة تغفر الذنوب، والتضحية بالنفس تجب كل شيء، «ما اغبرَّت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار»، فتمسه، و«الجنة تحت ظلال السيوف»، وظل الملائكة على الشهيد، «ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها تباركه وتحييه وتسعده».
(٤) معاني الجهاد عند الفقهاء
ولم يتأخر الفقهاء عن التأليف في الجهاد كباب مستقل من أبواب الفقه مثل «كتاب الجهاد» لعبد الله بن المبارك. (١٨١ﻫ)، وكتب الفقه تجميع للآيات القرآنية والأحاديث النبوية حول موضوع واحد اعتمادًا على الحجة النقلية دون العقلية، ومع أقل قدر من التنظير العقلي أو وصف لبنية الموضوع بالرغم من قسمته إلى جزأين.
ويعتبر ابن المبارك أن الجهاد تطبيق لمبدأ وحدة القول والعمل، يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ. فالجهاد عمل لتحقيق القول، والقول إعلان عن الإيمان في الشهادة، يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ، والجنة في مقابل الشهادة، إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ.
والشهيد مثل القائم الصائم الخاشع الراكع الساجد. فالشهادة عبادة، وركن من أركان الإسلام. المجاهد في سبيل الله كالصائم القائم بآيات الليل وآناء النهار. فالشهادة ركن من أركان الإسلام تعادل كل ركن وتفضلها جميعًا، «رباط يوم وليلة كصيام شهر وقيامه». المجاهد للعدو في ساحة الوغى مثل المجاهد نفسه بالصلاة والصيام والزكاة، «يوشك أن يأتي على الناس زمان خير الناس فيه منزلًا، رجل أخذ بعنان فرسه في سبيل الله، كلما سمع هيعة استوى على فرسه ثم طلب الموت مظانه، ورجل في غنيمة في شعب من هذه الشعاب، يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعتزل الناس إلا من خير حتى يأتيه الموت».
ولا يوجد فضل يعادل الشهادة، «والذي نفسي بيده لو أنفقت ما في الأرض ما أدركت فضل غدوتهم». فالتضحية بالنفس أغلى من التضحية بالوقت والشبع والمال والجهد. هي التضحية الشاملة، «لكل أمة رهبانية، ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله. فهي رهبانية الخارج وليست رهبانية الداخل، في العالم وليست مع النفس، و«سياحة الأمة الجهاد في سبيل الله». فالجهاد سعي في الأرض، وانتشار في العالم.
والشهداء أمناء الله، قتلوا أو ماتوا على فراشهم، سقطوا في المعركة أم قُضي نحبهم من جراحهم. فالشهادة نية وفعل، قصد وتحقق، وقد انتقل خالد بن الوليد إلى ربه وهو على فراش الموت ولا توجد بقعة في جسمه إلا وبها ضربة سيف أو طعنة رمح، والشهيد بالنية حتى لو لدغته هامة أو أوقعته دابة. فالشهادة سعي في سبيل الله غدوة ورواحًا، «إن خير الناس رجل مجاهد». فالجهاد لا يعدله فضل صدقة أو عون أو تقوى.
والأمة في رباط إلى يوم القيامة، «إن الله بعثني بالسيف بين يدي الساعة، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالفني، ومن تشبه بقوم فهو منهم». فالأمة حاملة للرسالة، والرسالة أمانة في الأرض، والتدافع قانون تاريخي، ومن ثم تظل الأمة إلى يوم الدين حاملة لهذه الأمانة.
والشهداء على ثلاث درجات. الأول الشهيد الممتحن وهو المؤمن المجاهد بنفسه وماله، وفي خيمة الله تحت عرشه، ولا يفضله إلا النبي، والثاني الشهيد الذي كفر عن ذنوبه بشهادته، فالسيف ممحاة للخطايا، والثالث الشهيد المنافق وهو أقل الدرجات لأن السيف لا يمحو النفاق. فالشهادة صدق في البداية وصدق في النهاية، وأول من يحبهم الله «رجل كان في فئة أو سرية فانكشف أصحابه فنصب نفسه ونحره حتى قتل». فهو شهيد مرتين، مرة لأنه ضحَّى بنفسه، ومرة لأنه أحيا الآخرين. الشهيد من سد الثغرة، وحمى الرفاق، وضحَّى بالنفس في سبيل المجاهدين، و«أفضل الشهداء عند الله الذين يلقون في الصف فلا يلتفتون وجوههم حتى يقتلوا»، أي المجاهد الذي يخلص في القتال، ويواجه العدو دون تردد، الإقدام دون الإحجام، واليقين في المواجهة، والتركيز على العدو.
وأفضل جهاد «من عقر جواده وأريق دمه»، أي من فقد سلاحه وداهمه العدو. فالجهاد قوة إرادة أكثر من كثرة السلاح، ويقاتل الفلسطينيون بسلاح أقل وإرادة أشد عدوًّا بسلاح أكثر وإرادة أضعف، «يوم في سبيل الله خير من القيام فيما سواه». فالزمان تاريخ، والعمر خلود. المجاهد مصب التاريخ، ومحرك الزمان، ومغير الأحوال، ومبدل الأمم والشعوب.
والشهداء أربعة، مؤمن لاقى العدو حتى قتل، ومؤمن أقل إيمانًا أتاه سهم فقتل، ومؤمن خلط عملًا صالحًا بعملٍ طالح، ومسرف على نفسه قاتل فقتل، والكل شهيد ولكن على درجات متفاوتة. أفضلها الإيمان والفعل، وأقلها الفعل حتى وإن ضعف الإيمان، والشهادة عمل صالح لا يختلط بعمل أقل صلاحًا. الجهاد قصد، وغاية الاستشهاد نية وفتح، وليس مجرد إسراف في القتل، قتل النفس أو قتل الآخر.
وخير الناس منزلًا من امتطى فرسه في سبيل الله فجاهد حتى قتل، ثم امرؤ اعتزل يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعتزل شرور الناس. فالجهاد في العالم له الأولوية على الجهاد في النفس. «المجاهد من جاهد نفسه بنفسه».
والجهاد في بقاع الأرض بالشام والعراق واليمن، وخير الجهاد في الشام فإنه جهاد الأنبياء، «إنكم ستجندون أجنادًا، جندًا بالشام، وجندًا بالعراق، وجندًا باليمن … وعليك بالشام، فمن أبى فليلحق بيمنه، وليستق بغدره فإن الله عز وجل تكفل لي بالشام وأهلها»، وفلسطين جزء من الشام والمدخل إليه. فالجهاد في فلسطين لإزاحة الاحتلال الصهيوني والحصار عن شعب العراق مثل الجهاد في الشام، وفي اليمن خير وبركة، فالحكمة يمانية. الشام أرض الأنبياء، والمدخل الشرقي لمصر وأمنها القومي، وقد زرعت إسرائيل بالشام لفصل المشرق العربي عن المغرب العربي وتهديد مصر.
والغزو في البر والبحر. بل إن القتال في البحر خير من القتال في البر، وشهيد البحر له أجران مثل شهيد البر، ومِن ثَم كان الدفاع عن البحر الأحمر كأمن قومي عربي جهاد في سبيل الله، والدفاع عن سواحل الشام والخليج ضد القواعد الأجنبية جهاد في سبيل الله. «من لم يدرك معي فليفز في البحر فإن قتال يوم في البحر خير من قتال يومين في البر، وإن أجر الشهيد في البحر كأجر شهيدين في البر، وإن خيار الشهداء عند الله عز وجل أصحاب الأكف، قوم تكفأ عليهم مراكبهم في البحر». لذلك عبر المسلمون أفريقيا إلى الأندلس ركوبًا للبحر، وفتحوا جزر البحر الأبيض المتوسط قبرص وكريت ومالطة عبر البحر، وانطلقت دولة الخلافة إلى أوروبا الشرقية عبر مضيقي الدردنيل والبوسفور، وانطلق المسلمون شرقًا عبر خليج فارس وبحر العرب حتى ماليزيا وإندونيسيا والفلبين، ومن يركب الناقة قادر على أن يركب الفلك، وامتداد الصحراء في الأفق مثل امتداد المحيطات، ولا نهائية اليابس لا تختلف عن لا نهائية الماء، ومن فاته الغزو في البر مع الرسول فإنه في البحر مع الأمة.
والغزو في البر والبحر لا تراجع فيه، ولا انحسار للفتوحات. فالأرض التي يبلغها الإسلام تظل كذلك إلى يوم الدين، «إنكم ستجندون أجنادًا، وتكون لكم ذمة وخراج، ويكون لكم على سيف البحر مدائن وقصور. فمن أدرك ذلك فاستطاع أن يحبس نفسه في مدينة من تلك المدائن أو قصر من تلك القصور حتى يموت فليفعل».
والشهيد أول من يدخل الجنة قبل العبد المملوك والعفيف المتعفف. فهو أول المستحقين، والاستحقاق بالحياة له الأولوية على الاستحقاق بالفعل، والكل يسبق الجزء. فالشهيد في أعلى عليين. «ومن رمى بسهم فبلغه فله درجة في الجنة». الشهادة نضال في الأرض وفوز في السماء، تحقيق قصد في الأرض ونيل فوز في السماء.
وثلاثة عيون لا تحرقها النار أبدًا، العين الباكية من خشية الله، والعين الساهرة مع كتاب الله، والعين الحارسة للمجاهد في سبيل الله.
وأجر المجاهد على الله. قد يسلب منه الحق في الأرض، وقد يناله بعض السوء من طغيان الحكام، ومع ذلك هو في زمرة الأنبياء والرسل، «إنه سيكون في أمتي قوم يسد بهم الثغور، تؤخذ منهم الحقوق، ولا يعطون حقوقهم، أولئك مني وأنا منهم، أولئك مني وأنا منهم».
وأفضل الشهداء تدركهم الشهادة وهم في رباط مثل شهداء المقاومة الفلسطينية، «يبعث الله عز وجل يوم القيامة أقوامًا يمرون على الصراط كهيئة الريح ليس عليهم حساب ولا عذاب … أقوام يدركهم موتهم في الرباط».
والشهادة عمل مستمر حتى يوم القيامة، عمل يولد أعمالًا صالحة. الشهادة حياة مستمرة في الأرض وفي السماء، وفي الأوطان وفي الجنان، «كل بيت يختم على عمله إلا الذي يموت في سبيل الله فإنه يجرى عليه أجر عمله حتى يبعث».
(٥) معاني الجهاد عند بعض المصلحين
وتبدأ معاني الجهاد عند المصلحين من القرآن والسنة والفقه بالإضافة إلى ظروف العصر وتحدياته والقدرة على الخروج من المنهج النصي إلى المنهج الاجتماعي. فالجهاد ليس فقط أمرًا شرعيًّا بل هو أيضًا حركة اجتماعية، تبدأ من الفرد وتمتد إلى الجماعة، ثم تتحول إلى حركة تاريخية.
فأقرب الكتابات الإصلاحية إلى الكتاب والسنة والفقه القديم هو رسالة «الجهاد في سبيل الله» للإمام الشهيد حسن البنا. إذ يبين أولًا أن الجهاد ركن من أركان الإسلام، وفريضة على كل مسلم ومسلمة. ثم يذكر ثانيًا بعض آيات الجهاد في الكتاب ليس عن طريق تحليل الألفاظ، لفظ «الجهاد»، بل عن طريق معانيه مثل القتال والغزو والاستعداد والتخلف عن القتال والجهاد بالنفس والمال ثم الفوز في الآخرة. فالجهاد فرض، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ. ومع ذلك فعسى أن نكره شيئًا وهو خير لنا. وعسى أن نحب شيئًا وهو شر لنا. فالقتال في الظاهر ألم وفراق وجهد ومشقة واستشهاد، وهو في الباطن فرح ونعيم وسعادة وفوز أبدي، ويظن القاعدون والمخلفون والمنافقون أن التخلف عن الجهاد منجاة من الموت، والموت حكم عام على البشر جميعًا، القاعدين والمجاهدين، يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالذينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ، والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، وَلَا تَحْسَبَنَّ الذينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فالمجاهد هو الذي اشترى الحياة الدنيا بالآخرة، وقاتل في سبيل الله فيؤتيه أجرًا عظيمًا. الجهاد أمر شرعي بالاستعداد لملاقاة العدو، وإرهاب عدو الله، وهو أمر بتحريض النبي المؤمنين على القتال، والقلة الصابرة تغلب الكثرة الباغية، وقتال البغاة جزء من عذاب الله لهم بأيدي المؤمنين، والجهاد استنفار لبذل المال والنفس، انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. أما المخلفون فإنهم يخشون القتال لما به من نصب وجهد ومشقة في الحر، والقاعد أول مرة لن يجاهد ثاني مرة. فالجهاد طواعية لا جبرًا، وحرية لا قسرًا. يرتعشون من سورة القتال بعد نزولها.
والأحاديث كثيرة على الجهاد والقتال. يشير البعض منها إلى تمني الشهيد أن يُقتل ثم يعود إلى الدنيا ليُقتل من جديد لعذوبة الشهادة، والمجاهد من جاهد بنفسه وماله، من امتطى جواده، ومن أعدَّه وجهَّزه، وهو ركن من أركان الإسلام، يعادل الصيام والصلاة والحج، ومن رابط ليلة كمن صام ألف ليلة، والشهيد لا يتألَّم في موته، ولا يشعر بالضربة إلا كقرصة، ومن عاش ولم ينوِ الجهاد مرة لقي ربه خجولًا، «من لقي الله بغير أثر من جهاد لقي الله وفيه ثلمة». الجهاد ترك عرض الدنيا والتوجه لما هو أبقى، «إذا تبايعتم بالنسيئة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم»، ومن مات ولم يغزُ مرة في حياته مات وفي قلبه بعض النفاق، «من مات ولم يغزُ ولم يحدث به نفسه مات على شُعبة من النفاق».
أما حكم الجهاد عند فقهاء الأمة فإنه عند الأحناف بذل الوسع من القول والفعل، ورد البغاة والمعتدين، فهو فرض كفاية، وبداية بالقتال، وعلى الإمام أن يبعث بسرية إلى دار حرب كل سنة مرة أو مرتين مع إعانة الرعية له، وإن لم تقع الكفاية إلا بجميع الناس فإنه يصبح فرض عين كالصلاة ولقول الرسول: «الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة، وإن امرأة سبيت بالمشرق وجب على أهل المغرب تخليصها ما لم تدخل حصونهم وحرزهم»، وعند المالكية الجهاد في سبيل الله فرض كفاية أيضًا إلا إذا جعله الإمام فرض عين كالصلاة إذا ما هجم العدو واعتدى على المسلمين، وعند الشافعية الجهاد فرض كفاية إلا إذا وقع الاعتداء على المسلمين فإنه يصبح فرض عين، وعند الحنابلة هو أيضًا فرض كفاية إلا إذا تقابل الزحفان وإذا وقع الاعتداء على المدن الآمنة وإذا استنفر الإمام المسلمين، وهو فرض على الأقل مرة كل عام.
ويقاتل المسلم استعدادًا لردع العدوان وحماية للأمة لأن الإسلام رسالة هداية وعدل. فإذا ما طلب العدو السلم استُجيب له، وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ، والقصد من الجهاد إعلاء كلمة الله وليس الجاه وحب الظهور والطمع في الغنيمة والغلبة، «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله».
وبالرغم من القتال إلا أن الرحمة واردة في الجهاد. إذ يحرم الاعتداء، وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ، والعدل عام ينطبق على الناس جميعًا أقرباء وأبعاد، وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى. فالغزو باسم الله دون غل أو غدر أو تمثيل أو قتل للأطفال والنساء والشيوخ، «اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله. اغزوا ولا تغلُّوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدًا»، ولا يتطلب القتال تشويه الوجه والتمثيل بالجثة، «إذا قاتل أحدكم فليتجنب الوجه»، وإن من الجهاد أيضًا قول الحق في وجه إمام جائر، «إن من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر». فالجهاد ضد الطغيان في الداخل والخارج.
ويأخذ سيد قطب في رسالته «الجهاد في سبيل الله» نفس الاتجاه التحرري معتمدًا على الكتابات السلفية لابن القيم وتقسيم المجتمعات غير الإسلامية إلى أهل صلح وهدنة، وأهل حرب، وأهل ذمة، ولا يقاتل أهل العهد إلا بعد خرقهم له وإعلامهم بذلك، وأهل الذمة جزء من الأمة. أما أهل الحرب فهم الذين يقاتلون الذين نزلت فيهم سورة «براءة»، وهذا يدل على أن الإسلام يتسم بالواقعية الجدية، والواقعية الحركية، والحركة الدائبة، والضبط التشريعي لعلاقة المجتمعات بعضها بالبعض. الجهاد ضد الاستكبار في الأرض والقوى السياسية التي تقوم عليه، ولا فرق بين دفاع وهجوم كما هو الحال عند المودودي، والإسلام إعلان عام لتحرير الإنسان في الأرض من عبودية العباد إلى عبودية الله، وَهُوَ الذي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ، وهو ليس الحكم الثيوقراطي المعروف في الغرب بل حكم الشريعة. القتال إذن لدرء العدوان، والدفاع عن الحرية، أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الذينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ. فالقتال للبغاة، وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الذينَ يُقَاتِلُونَكُمْ، والجهاد ضد البغاة ومن يساعدونهم، وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً، ولقد أخطأ المستشرقون عندما تصوَّروا أن الإسلام انتشر بالسيف للإكراه على العقيدة مع أن تحرر البشر حركة طبيعية لا تحتاج إلى سيف. السيف للبغي والظلم والعدوان وهو مضاد لطبيعة البشر.
وفي «ضرب الكليم» والذي أعلن فيه الحرب على العصر الحاجز أنشد محمد إقبال شعرًا في الجهاد ضد فتاوى الشيوخ التي تنكر الجهاد وتكتفي بالعلم، في حين أن السيف أصدق إنباءً من الكتب. فالوعظ مجرد لغو في حين أن السيف هو أداة النضال ضد الطغاة. فلدى المسلمين الحق دون القوة، ولدى الغربيين القوة دون الحق.