مسرحية المخيم
اهتدى الملك والدوق في اليوم التالي إلى طريقة قد يتكسبان بها المال في البلدة الصغيرة المجاورة، فمكث جيم على الطوف، فيما ذهبت أنا معهما إلى هناك.
عندما بلغنا البلدة، كانت الشوارع خاوية، يخيم عليها السكون التام. عثر الدوق على مكتب للطباعة وقال إنه يستطيع الاشتغال ببعض الأعمال هناك وعلم الملك بانعقاد اجتماع في مخيم، فأخذني معه إليه.
كان هناك قرابة ألف شخص في الاجتماع الذي أقيم في سقيفة كبيرة. جلس الجميع على مقاعد وأصغوا إلى أناس يتحدثون عن حياتهم وعن الدين، وارتدت النساء أغطية رأس تحمي من الشمس، وبعض الشابات كن حافيات، أما المسنات فقد طرزن بعض الثياب، وتغازل الفتية والفتيات خلسة.
أثار الواعظ حماسة الجميع، فأخذوا يغنون ويصرخون. شعرت بأن الجنون والهيستيرية قد دبا، ولم ألبث أن وجدت الملك قد أخذ في الصراخ والتحدث كواعظ، حتى إنه تسلق منصة الاجتماع وأخذ يخبر الناس بأنه كان قرصانًا ثلاثين عامًا في المحيط الهندي، وبأنه أتى إلى هنا للبحث عن طاقم جديد، لكنه بعدما استمع إلى هؤلاء القوم أخبرهم بأنه قد تغير، وبأنه يود العودة إلى المحيط الهندي للتحدث مع غيره من القراصنة ليقنعهم بتغيير حياتهم.
ثم انفجر باكيًا، فأخذ الجميع بدورهم يبكون، ثم صاح شخص ما: «اجمعوا له بعض المال، اجمعوا بعض المال!» فمر الملك بين الحشد حاملًا قبعته في يده، وبحلول الوقت الذي بلغنا فيه طوفنا، كان قد جمع سبعة وثمانين دولارًا وخمسة سنتات.
تدرب الملك والدوق صباح اليوم التالي على أدوارهما في مسرحية تدعى روميو وجولييت، كان صوتهما مزعجًا. أخرجا سيفين طويلين صنعهما الدوق من بعض أفرع الأشجار، وتدربا على مبارزة بالسيوف، ثم اختلقا مواقف أخرى لأدائها على المسرح، ثم قررا آخر الأمر أنهما صمما عرضًا شاملًا، وجربا المسرحية في البلدة مساء ذلك اليوم، لكنها كانت مريعة، لم يحضرها أحد تقريبًا.
علم الدوق بوجود سيرك في البلدة المجاورة. كان قد صنع ملصقات إعلانية جديدة من أجل العرض الذي أراد هو والملك تقديمه، كتب عليها إنه عرض «ضخم» ولن يسمح بدخول السيدات والأطفال فيه.
قال الدوق: «إن لم يفلح هذا في حثهم على القدوم إلى العرض، فلا أدري ما الذي عساه أن يفلح في ذلك.»
عمل الدوق والملك بجد في اليوم التالي، فنصبا مسرحًا بستائر ووضعا صفًّا من الشموع لإضاءته، وناقشا بعض الأفكار الجديدة من أجل عرض الليلة. اكتظ المسرح مساءً بالرجال الذين دفع كل منهم خمسين سنتًا لدخول المسرح. لقد أفلح الملصق الإعلاني الذي وضعه الدوق في التأثير فيهم.
خرج الدوق على المسرح وتحدث عن المسرحية وأخبر الحاضرين مرارًا وتكرارًا بأنها مسرحية بالغة العظمة، وبعدما رفع آمال الجميع، رفع ستار المسرح ثم أتى الملك زاحفًا على يديه وركبتيه وجسده كله ملون بألوان مختلفة كقوس قزح. كان هذا ضربًا من الجنون، إلا أنه كان مضحكًا، وكاد الحضور أن يغشى عليهم من الضحك، فلما فرغ الملك من التبختر على المسرح، صاحوا وصفقوا إلى أن عاد ثانية وكرر الأمر، ثم جعلوه يكرره مرة أخرى. كان أي شيء سيضحك لدى رؤية هذا العجوز.
ثم أغلق الدوق ستار المسرح وقال إن العرض قد انتهى، فصاح عشرون رجلًا: «ماذا؟ انتهى؟ هل هذا هو كل شيء؟»
فأجاب الدوق بنعم، ثم ساد الصمت لحظة، بعدها صاح الجميع ووقفوا شاعرين بالسخط، وكادوا يهاجمون المسرح والممثلَين لولا أن صاح بعدئذ رجل ضخم قائلًا: «مهلًا! اسمحوا لي بكلمة فقط أيها السادة. لقد خدعانا بالفعل، لكننا لن نصير أضحوكة البلدة بأسرها. علينا أن نغادر بهدوء وأن نمتدح هذا العرض؛ بإمكاننا أن نقنع البلدة بأسرها به، عندها سنكون جميعًا في مركب واحدة. أليست تلك خطة ذكية؟»
اكتظ المسرح في اليوم التالي. أدى الملك والدوق العرض نفسه للحضور الجدد، ثم اكتظ المسرح مجددًا بالحضور مساء الليلة الثالثة. جميع من حضروا عرض الليلتين الأوليين عادوا. وجدت جميع الرجال جيوبهم ممتلئة، بعضهم حمل حزمًا من شيء ما تحت معطفه، وشممت رائحة بيض وكرنب فاسدين، ولما لم يتسع المسرح لاستيعاب المزيد من الحضور، بدأ الدوق في الاتجاه إلى باب المسرح وتبعته، وما إن اتجهنا إلى ركنه حتى صرنا في الظلام، فقال لي: «سر بسرعة الآن إلى أن تبتعد عن المنازل، ثم اركض إلى الطوف بأقصى سرعة.»
بلغنا الطوف سريعًا ولم يمض وقت طويل قبل أن نصبح جميعًا في النهر مجددًا. قال الدوق إنه علم أن الحضور سيحاولون خداعنا بالعودة لإلقاء الطعام الفاسد علينا، فقد أرادوا الانتقام منا لخداعهم في الليلتين السابقتين.
غير أن الملك والدوق لم ينزعجا بسبب هذا، فقد جمعا أربعمائة وخمسة وستين دولارًا في هاتين الليلتين! لم أر مثل هذا الكم من المال يُغتنم من قبل.