هارفي وويليام ويلكس
بعد بضعة أيام أراد الملك والدوق أن يكررا تلك الحيلة من جديد، فخبأنا الطوف ولازمه جيم والدوق، ثم استقللت أنا والملك زورقًا بخاريًّا يعبر النهر، وفيما نحن على متنه أخذ أحد الركاب يحدث الملك؛ أخبرنا عن عائلة بالجوار تتوقع بعض الزوار قريبًا.
قال لنا الشاب إن أخوين يدعيان بيتر وجورج ويلكس قد توفيا قبل وقت قريب. توفي جورج أولًا ثم بيتر، وأخواهما هارفي وويليام آتيان لزيارة منزل العائلة، لأن بيتر أرسل في طلبهما قبل أن يموت، ثم أبلغنا الشاب أن ويليام لا يستطيع السمع أو الكلام.
ثم استطرد قائلًا إن بيتر ترك خطابًا لهارفي يذكر فيه أين خبأ ماله والكيفية التي يود أن توزع بها أملاكه بعد وفاته، فقد أراد أن يتيقن من أن ابنتي جورج ستكونان بخير.
فسأل الملك: «لِم لم يصل هارفي بعد؟ وأين يقيم؟»
فأجاب الشاب: «آه، إنه يقيم في إنجلترا، في شيفيلد، ويلقي العظات هناك. لم يأت هارفي إلى هذا البلد من قبل؛ فهو لا يملك الكثير من الوقت، ولعله لم يتلق حتى الخطاب على الإطلاق.»
فقال الملك: «تلك الفتيات المسكينات! سيتركن وحدهن هكذا في هذا العالم القاسي.»
استمر الملك في طرح الأسئلة إلى أن أفرغ كل ما بجعبة الشاب، فسأل عن الجميع، وعن كل شيء بالبلدة، وعلم كل شيء عن آل ويلكس، واكتشف أن والد بيتر يعمل دباغًا، وأن جورج كان نجارًا وأن هارفي وزيرًا وما إلى ذلك.
سأل الملك: «هل كان بيتر ويلكس ميسور الحال؟»
فأجاب الشاب: «آه، نعم، كان ميسور الحال جدًّا. لقد امتلك منازل وأراضي، ويعتقد أنه ترك ثلاثة أو أربعة آلاف دولار نقدًا مخبأة في مكان ما.»
– «ذكرت أنه توفي متى؟»
– «لم أذكر ذلك، لقد توفي ليلة أمس.»
– «إذن العزاء غدًا على الأرجح، أليس كذلك؟»
– «نعم، يقام في منتصف اليوم.»
– «الأمر برمته محزن للغاية، لكن الموت قدرنا جميعًا، لذا يجدر بنا أن نتأهب لذلك، عندها سنكون بخير.»
– «نعم يا سيدي. تلك هي أفضل طريقة. اعتادت أمي أن تقول لي هذا دائمًا.»
فلما ترجلنا من الزورق البخاري على الجانب الآخر من النهر، وغادر الآخرون جميعًا، قال لي الملك: «الآن عد بسرعة وائت بالدوق إلى هنا واجلب الأخراج. بسرعة!»
علمت ما الذي يدبره، لكنني لم أنبس بكلمة قط بالطبع، فلما عدت بالدوق أخبره الملك كل شيء، وأعاد عليه المعلومات كما قالها الشاب بالضبط؛ أعاد عليه كل كلمة، وحاول طيلة الوقت أن يتحدث كرجل إنجليزي، وقد أجاد ذلك إجادة جيدة، ثم سأل الدوق: «إلى أي مدى تستطيع أن تتظاهر بأنك لا تسمع أو تتكلم يا بيلجووتر؟»
فقال الدوق إنه تظاهر بذلك من قبل على المسرح.
بلغنا القرية فأبصر قدومنا نحو عشرين شخصًا أتوا راكضين للقائنا.
فسألهم الملك بلكنته الغريبة: «هل منكم أيها السادة من يستطيع أن يخبرني أين يقيم السيد بيتر ويلكس؟»
فتبادل الرجال النظر وأومئوا برءوسهم، ثم قال أحدهم برقة ولين: «أنا آسف يا سيدي، لكن أقصى ما نستطيع القيام به هو أن نخبرك أين لفظ آخر أنفاسه مساء البارحة.»
فشرع الملك في البكاء، وقال: «وا أسفاه! وا أسفاه! أخونا المسكين! ذهب ولن نراه مجددًا. آه، كم هذا صعب!»
ثم التفت وصنع للدوق بيده بعض الإشارات باكيًا، فأخذ الأخير أيضًا في البكاء!
فاحتشد الرجال حولهما وحاولوا مواساتهما وقالوا لهما كل أنواع الكلم الطيب، وحملوا خرجيهما لهما إلى أعلى التل، وتركاهما يتكئان عليهم وهم يقصصون للملك آخر لحظات أخيه، فأشار الملك بيده إلى الدوق مخبرًا إياه بكل ما سمعه. لم أر مثيلًا لهذين الرجلين في حياتي.