خطة الدوق
سرت الأنباء إلى كل أنحاء البلدة في غضون دقائق، وفي وقت بالغ القصر أحاط حشد بنا، وامتلأت النوافذ والباحات الأمامية بالناس. في أحيان كثيرة كان أحد الأشخاص يصيح من خلف سور: «أهؤلاء هم؟»
فيجيبه أحد من يسيرون معنا: «لا شك في هذا.»
عندما بلغنا منزل بيتر، كان الشارع الأمامي للمنزل قد اكتظ بالناس، ووقفت ثلاث فتيات عند بابه، لكن من حسن الحظ أننا تعرفنا على الجميع من القصة التي أخبرنا بها الشاب؛ ماري جين كانت الأكبر، وقد اتسمت بجمال بارع، وجهها وعيناها نضحا بالسعادة؛ كانت شديدة السرور بمجيء عميها، ففتح لها الملك ذراعيه، فارتمت بينهما، فيما احتضنت فتاة أخرى خرجت منها الكلمات بصعوبة الدوق، ووقفت الفتاة الثالثة بالجوار تشاهد وحسب.
ثم رأى الملك والدوق تابوت بيتر الذي ارتكز على كرسيين، فسارا إليه والجدية الشديدة بادية عليهما، ثم حجبا عينيهما وكأن المشهد يؤلمهما، وأفسح لهما الجميع، وتوقف الكلام والضجيج، ووقف الملك والدوق أمام التابوت بضع ثوان ثم انفجرا بالبكاء وجثيا إلى جانبه وتظاهرا بالصلاة عليه. نجح هذا في التأثير في الحشد تأثيرًا كبيرًا. إنه مشهد لم تره قط في حياتك. الجميع انفجروا باكين.
لم يمض وقت طويل قبل أن يقف الملك ويلقي خطابًا مليئًا بالدموع والهراء عن مدى صعوبة فقدان بيتر له ولأخيه المسكين، وعن حزنه الشديد لأن رؤية أخيه حيًّا فاتته بعد رحلته الطويلة من إنجلترا، وتحدث تقريبًا عن الجميع في البلدة ذاكرًا قدر المستطاع أشخاصًا بأسمائهم، كما أخبرنا الشاب في اليوم السابق، وذكر كل صغيرة وقعت في وقت ما بالبلدة، أو ما وقع لأسرة جورج وبيتر، وجعل الأمر يبدو وكأن بيتر كاتبه مخبرًا إياه بكل هذه الأمور، لكن هذا كذب، فقد سمع أدق التفاصيل من الشاب الذي كان على متن الزورق البخاري.
فأحضرت ماري جين الخطاب الذي تركه عمها، فقرأه الملك بصوت عالٍ وبكى عليه. شرح الخطاب كيف أراد بيتر أن توزع ثروته بين الفتيات وأخويه، ووصف المكان الذي خُبئت فيه ستة آلاف دولار في قبو المنزل. صحبني النصّابان معهما إلى طابق سفلي، فلما عثرنا على حقيبة النقود، أوقعا المال على الأرض.
قال الدوق: «لدي فكرة. لنصعد إلى الطابق العلوي ونحصي المال ونعطيه للفتيات!»
فقال الملك: «إنها أفضل فكرة واتتك. سيصدقن حتمًا أننا أعمامهن إن أعطيناهن النقود.»
لما عاد الملك إلى الطابق العلوي. ألقى خطبة أخرى عن بيتر ويلكس ثم أعطى الحقيبة المملؤة بالنقود لماري جين، فاحتضنته، وذهبت الابنتان الأخريان لتحتضنا وتقبلا الدوق.
لم يلبث الملك بعدئذ أن خاض مجددًا في حديث عن المتوفى، واضطر الدوق إلى التظاهر بأنه لا يستطيع السمع أو الكلام، لكن الملك لم يجد صعوبة في الكلام، فظل يتحدث بلا انقطاع. شعرت أنه غالى في الأمر كثيرًا، مع أن الغالبية بدا أنها تصدقه.
لكن عندئذ علت ضجة بين الحشد وقال شخص ما: «دكتور روبينسون! أما علمت؟ هذا الرجل هو هارفي ويلكس.»
فابتسم الملك وحاول أن يصافح الدكتور روبينسون.
فقال الأخير: «أبعد يديك عني!»
«أتعتقد أنك تتحدث بلكنة إنجليزية؟ هذا أسوأ تقليد سمعته. أنت لست أخا بيتر ويلكس. أنت محتال!»
أزعج هذا الحشد بشدة؛ كان الملك قد نجح في إقناع الجميع تقريبًا بأنه حقًّا هارفي ويلكس، لكن لما قالت ماري جين إنها تصدقه، حسم هذا الأمر لدى الجميع عدا الدكتور روبينسون العجوز.
حضرنا عشاءً كبيرًا مع بنات جورج مساء ذلك اليوم، ثم أعددن لكل من الملك والدوق غرفة. أمضيت بعض الوقت في الحديث إلى كل منهن، ولم يكن هذا سهلًا، أؤكد لكم هذا؛ إذ كنت أحاول تقليد لكنة الملك الإنجليزية. حسبت أنهن سيكشفن أمري على الفور، لكن ذلك لم يحدث، وبدأت أعتقد أن تلك الفتيات لطيفات ولا يستحققن أن يسلبهن هذان النصابان أموالهن. شعرت بخستي ووضاعتي الشديدة حتى إنني قررت أن أسلب الملك والدوق المال.
عندما استلقيت على فراشي تلك الليلة حاولت أن أصل إلى طريقة لخداع هذين الرجلين. قررت أن أسرق المال منهما وأن أخفيه في مكان ما، بعدها أستطيع أن أترك رسالة لماري جين أخبرها فيه بالمكان الذي سأخبئ فيه المال، بذا تستطيع أن تحصل على المال بعد مغادرتنا.
بدأت أفتش غرفة الملك، لكنني اضطررت إلى الاختباء عندما سمعت الرجلين يصعدان الدرج. دخلا الغرفة وتحدثا عن خطتهما. سماعها أوقع في نفسي الرعب. كنت أعلم مسبقًا أنهما أرادا سرقة الستة آلاف دولار، لكنهما أرادا أيضًا أن يبيعا المنزل وكل ما امتلك بيتر ويلكس. بعبارة أخرى أرادا أن يتركا الفتيات بلا شيء!
تذمر الدوق قائلًا إنه لم يرد سلب الكثير من الأيتام من «كل» ما يملكونه.
فقال الملك: «ما هذا الذي تقوله! لن نسلبهم إلا النقود. من يشتري الأملاك سيضطر إلى إعادتها كلها إلى الفتيات ما إن يكتشفن أننا لسنا حقًّا إخوة ويلكس. هذا هو القانون. لن يعانين على الإطلاق.»
ظل الملك يتحدث ويتحدث إلى أن أقنع الدوق، وبعد أن خبئا كيس النقود، عادا إلى الطابق السفلي ليتمنيا للجميع ليلة هانئة.
حصلت على كيس النقود قبل أن يبلغا منتصف الدرج، ثم عدت إلى غرفتي. خمنت أنهما لن يلحظا اختفاء المال لوقت قصير، لكنهما سيأتيان للبحث عنه عندما يكتشفان اختفاءه، لذا أردت إخفاءه على جناح السرعة.
انتظرت إلى أن تيقنت من أن الجميع نيام، ثم تسللت هابطًا الدرج بالنقود، ورأيت التابوت في صالة الاستقبال. كانت الاستعدادات قد اتخذت لإقامة الجنازة في اليوم التالي. دخلت الصالة ونظرت حولي. المكان الوحيد الذي رأيت إخفاء النقود فيه هو التابوت، فدسست كيس النقود تحت غطائه، تحت يدي الرجل المتوفى المنعقدين بالضبط، فسرت قشعريرة في جسدي. يداه كانتا شديدتا البرودة.
انعقدت الجنازة في اليوم التالي. لا شك أنني استغربت رؤية التابوت يدفن. كنت الوحيد الذي يعلم أن بداخله ستة آلاف دولار مخبأة.
أخبر الملك الفتيات مساء ذلك اليوم أن عليه هو وويليام أن يسارعا بالعودة إلى إنجلترا، وأراد من الفتيات أن يحددن ميراثهما في أسرع وقت ممكن. قال إنه سيقيم مزادًا لبيع المنزل وكافة الأملاك، بل وزعم أنه وويليام سيصحبانهن إلى إنجلترا! شعرت الفتيات بالسعادة البالغة لسماع هذه الأنباء، ووافقن على الفور وطلبن من الملك بيع كل شيء بأقصى سرعة يرتضيها.