اعتراف هاك
أيقظني الملك والدوق باكرًا صباح اليوم التالي. أنبأني وجهاهما بأن هناك مشكلة.
سأل الملك: «هل كنت في غرفتي الليلة الماضية أو الليلة السابقة عليها؟»
فأجبته: «كلا، يا صاحب الجلالة.»
– «هل رأيت أحدًا آخر يذهب إلى هناك؟»
فتظاهرت بالتفكير للحظة ثم أخبرتهما بأنني رأيت عدة مرات بعض العبيد يدخلون غرفة الملك.
فقفز كلاهما قليلًا وبدا كأنهما لم يتوقعا هذا قط، ثم تبدلت تعابير وجهيهما وبدا وكأنهما توقعا بالفعل أن يسرق العبيد المال.
بدا عليهما الغضب والانزعاج؛ وقفا مكانهما يفكران ويحكان رأسيهما دقيقة ثم أطلق الدوق ضحكةً خافتةً بصوت أجش، وتحدثا عن ذكاء هؤلاء العبيد الشديد، فسألت هل هناك خطب ما؟ فغضبا بشدة مني لسؤالي هذا ولأنني لم أخبرهما بأنني رأيت العبيد يدخلون الغرفة. كان العبيد قد تركوا المنزل اليوم السابق على ذلك، عندما ذاعت أنباء بأن الملك والدوق ينويان إقامة مزاد لبيع جميع الأملاك.
كنت أعلم أن الملك والدوق لن يودا أن يخبراني باختفاء المال، إذ لم يخطر ببالهما أنني أعلم بأنه كان معهما من الأساس! لم يحسبا أنني قد علمت بخطتهما لسرقة الفتيات.
رأيت ماري جين تبكي في اليوم التالي، فلما ذهبت إليها لأحدثها أخبرتني بأنها تشعر بالحزن لمغادرة منزلها؛ قالت إنها شعرت بالحماسة لأنها ستسافر إلى إنجلترا عما قريب، لكنها مع ذلك تشعر بالحزن لمغادرة منزلها، فلما وجدتها تبكي إلى هذا الحد وتصدق أن هذين المحتالين هما حقًّا عماها، لم أستطع الاستمرار في الكذب عليها.
فقلت: «علي أن أخبرك بالحقيقة، وعليك أن تتأهبي لها يا آنسة ماري، لأنها محزنة. سيكون من الصعب عليك تحملها، لكن لا مفر من ذلك. عماك هذان ليسا عميك على الإطلاق. إنهما محتالان حقيران.»
لا شك أنها دهشت لذلك، لكن بما أنني كنت قد جاوزت أصعب المراحل، مضيت في كلامي وأخبرتها بكل التفاصيل، وصفت كل ما حدث منذ أن التقينا هذا الشاب الأحمق على الزورق البخاري إلى اليوم الذي احتضنتْ فيه الملك وقبلته عندما التقت به.
فوَقَفتْ وقالت وقد اتقد وجهها بالحمرة: «هذا المتوحش! تعال، لا تضيع أي وقت. سنجعلهما ينالا عقابهما ويُكسوان بالقطران والريش ويلقيان في ماء النهر!»
فقلت: «هذان المحتالان قاسيان، وعلي أن أسافر معهما وقتًا أطول سواء أشئتُ أم أبيت. أفضل ألا أخبرك بالسبب. إن كنت تنوين الوشاية بهما، فسأحتمي في هذه البلدة منهما، وسأكون على ما يرام، لكن شخصًا آخر لا تعرفينه سيقع عندئذ في ورطة كبرى، وعلينا إنقاذه. أليس كذلك؟ علينا هذا بالطبع؛ إذن لا يمكننا أن نشي بهما بعد.»
واتتني وأنا أتحدث إليها فكرة لأتخلص من هذين المحتالين؛ فطلبت منها أن تمكث في منزل صديقتها الذي يقع على بعد بضعة أميال، فيما أعمل أنا على خطتي، بعدها تعود هي إلى هنا، وإن لم أكن أنا قد عدت قبل الساعة الحادية عشرة، فستخبر هي الجميع بحقيقة الملك والدوق.
بعد أن غادَرَت ماري جين، خرجت من المنزل قاصدًا المزاد الذي انعقد في ميدان البلدة العام. كان هذا في وقت متأخر من عصر ذلك اليوم، وقد استغرق بيع كل شيء وقتًا طويلًا. ظل الملك يلقي الخطابات ويقاطع الدلال، فيما تظاهر الدوق بأنه يتحدث بلغة الإشارة، وباعا في آخر الأمر كل شيء، لكن لما أوشك المزاد على الانتهاء، أتى حشد من ميناء الزوارق البخارية يصيح ويضحك صانعًا جلبة.
صاح من بالحشد: «ثمة وريثان آخران لثروة بيتر ويلكس العجوز! أخوان آخران!»
سار الحشد مع سيد كبير السن وآخر أصغر سنًّا يبدو وسيمًا. لشد ما صاح الناس وضحكوا! لكنني لم أجد في الأمر ما يضحك. حسبت أن الملك والدوق سيبتئسان قطعًا، لكنهما تأملا القادِمَين، ورسم الملك على وجهه تعبيرًا وكأنه يشعر بالاستياء من وجود محتالين كهاذين القادمين، فيما بدا على السيد اللطيف كبير السن الارتباك. أدركت على الفور أنه يتحدث بلكنة إنجليزية حقيقية، لا تشبه على الإطلاق لكنة الملك الزائفة.
بعدئذ دار الكثير من الجدل. قال القادمان الجديدان إنهما هارفي وويليام ويلكس الحقيقيان، وإن هناك ما أخرهما في رحلتهما إلى هنا، وإن عليهما الآن أن يبرهنا على أنهما يقولان الحقيقة، فقال الدكتور روبينسون العجوز إنه أدرك أن الملك والدوق يكذبان وطالب بإعادة الستة آلاف دولار، فأخبره الملك أن هذا المال سرقه العبيد الذين غادروا البلدة منذ ذاك.
انقسم أهل البلدة في البداية بين معتقد أن الملك والدوق هما أخوا ويلكس الحقيقيان وبين مصدق للقادمين الجديدين، لكنهم لما استمعوا إلى الأخوين الحقيقيين أدرك عدد أكبر من الناس الصادق والكاذب، غير أن الملك لعب دوره جيدًا وأجاب على كل الأسئلة على نحو جيد حتى أصبح إثبات كذبه صعبًا.
طلب السيد العجوز في نهاية الأمر من الملك أن يصف الوشم الذي حمله صدر المتوفى، فقال الملك إنه سهم أزرق صغير، أما السيد العجوز فقال إنه الأحرف الأولى من اسم المتوفى: حرفا الباء والواو، فيما قال الطبيب الذي عاين الجثمان إنه لم ير أي وشوم، فقرر الجميع نبش قبر المتوفى لإلقاء نظرة على جثمانه، وهذا سيحسم حسمًا نهائيًّا من يدلي بالحقيقة.
أؤكد لكم أنني شعرت بالخوف، لكن لم يكن هناك مهرب. أمسك الحشد بنا وسار نحو المقبرة وبدأ الكثيرون في الحفر ولم يمض وقت طويل قبل أن يحل الظلام، ويهطل المطر وتصفر الرياح، ويسطع البرق ويدوي الرعد، إلا أن القوم لم ينتبهوا لهذا؛ كان الجميع يضع نصب عينيه القبر.
استخرجوا التابوت في نهاية الأمر، وبدءوا في إزالة غطائه، ثم صاح شخص ما: «ثمة كيس من الذهب!»
فأفلتني الرجل الذي يمسك بمعصمي واقترب من التابوت مع الجميع، فأخذت أركض بأقصى سرعتي. ركضت عبر البلدة عائدًا في المطر. لم أستطع الرؤية إلا عندما سطع البرق، لكنني واصلت الركض إلى أن أبصرت في آخر الأمر النهر حيث اختبأ جيم والطوف.
عندما قفزت إلى متن الطوف قلت: «جيم انهض! علينا أن نغادر الآن!»
سعد جيم بشدة لرؤيتي، وكلانا كان مسرورًا لتخلصنا من الملك والدوق. قبل أن تمضي بضع ثوان كنا نسير مع ماء النهر، لكن تنامى إلى سمعي صوت مألوف. أرهفت السمع، فلما لمع البرق مجددًا كانا هناك! الدوق والملك! أتيا في زورق وجدفا نحونا بأقصى سرعة.
جاهدت بكل قواي لأمنع نفسي من البكاء.
غضبا مني لأنني فررت، لكن لما تحدثا عن الكيفية التي فرا بها، اتفقا على أني قمت بالصواب. اتضح أنهما بدورهما قد فرا عندما تحرك الحشد لرؤية كيس الذهب الذي يحتويه التابوت. كانا غاضبين لأنهما ضيعا هذا المال ولم يستطيعا أن يفهما كيف وصل كله إلى التابوت، ثم اتهم كل منهما الآخر بمحاولة سرقته، فلما خلدا أخيرًا إلى النوم مساءً، ظللت ساهرًا وأخبرت جيم بكل ما حدث.