اختفاء جيم
لم نرسُ في أي بلدة مجددًا عدة أيام، ظل الطوف يطفو بنا وحسب مع ماء النهر، لكن ما إن شعر المحتالان بأنهما قد نأيا بأنفسهما عن الخطر، حتى بدآ في الاحتيال على القرى مجددًا. جربا كل الخدع والألاعيب لجني المال، لكن لم يبد أن أيًّا منها ينجح، وأفلسا تمامًا في نهاية الأمر، فاستلقيا على الطوف يعتصران ذهنيهما، شاعرين بالحزن والإحباط الشديد.
ثم أخذا يسيران معًا وحدهما بعد برهة، فتسلل القلق إلي أنا وجيم، لم يعجبنا ما بدا عليه الأمر. فطنا إلى أن المحتالين يخططان لعملية أخرى، فقررنا أن ندير ظهرينا لهما ما إن تسنح الفرصة ثم أن نغادر ونتركهما.
قصد الملك البلدة التالية لتقصي أمورها، بعدها تبعته أنا والدوق بعد بضع ساعات، فوجدناه يثير المشكلات ويتورط فيها، فلما تشاجر هو والدوق، فررت؛ فركضت عائدًا إلى الطوف وناديت جيم، لكنني لم أتلق جوابًا. لقد اختفى! فبحثت كثيرًا، إلا أنني لم أجده، وفي نهاية الأمر لم أقو على منع نفسي من البكاء، فجلست أبكي.
رأيت صبيًّا صغيرًا يسير بالقرب مني، فوصفت له جيم وسألته إن كان قد رأى من يشبهه، فقال الصبي إن جيم في مزرعة رجل يدعى سيلاس فيلبس.
ثم أضاف: «جيم هذا كان عبدًا هاربًا وقد أمسكنا به الآن.» ثم أردف قائلًا: «وضعتْ مكافأة قدرها مائتا دولار للقبض عليه. رأيت بنفسي الملصق الذي يعلن عنها. أفصح رجل عجوز لرجال البلدة عن مكانه مقابل أربعين دولارًا فقط، بدا هذا كالعثور على النقود في الطريق.»
فجلست على الطوف وحاولت أن أصل إلى ما علي فعله بعدئذ. ظللت أفكر إلى أن آلمني رأسي، لكنني لم أجد مخرجًا من هذه الورطة. على الرغم من كل ما قمنا به من أجل هذين الوغدين، فسد كل شيء لأن قسوتهما سمحت لهما بخيانة جيم مقابل أربعين دولارًا.
فكرت في كتابة خطاب للسيدة واتسن، لعلها تدرك ما الذي يجب فعله، لكن خطر لي بعدئذ أنني قد أقع في ورطة لمساعدة جيم على الهرب والتسبب في كل هذه المشكلات، لكنني تذكرت كل المعروف الذي أسداه جيم إلي، ومساعدة كل منا الآخر وعنايته به. كنت أعلم أن جيم سيضطر إلى العودة إلى حياته القديمة إن أرسلت هذا الخطاب، لكن إن كان بوسعي إنقاذه فسيصبح حرًّا من جديد، حتى إن عنى هذا أن يظن الناس بي السوء، لم أهتم بظن الناس بي، وعزمت على مساعدته للحصول على حريته.
خبأت الطوف والزورق وكل معداتنا، ثم اتجهت إلى مزرعة فيلبس، فلما بلغتها وجدتها هادئة موحشة. كانت مزرعة قطن صغيرة ذات سور حديدي يحيط بساحة مساحتها فدانان وبمنزل كبير من أحطاب الأشجار مطلي بماء الكلس، لما سرت نحوه، أخذت بعض الكلاب تنبح، ولم تتوقف إلا بعد أن خرجت امرأة في الخامسة والأربعين أو في الخمسين من العمر، ويتبعها طفلان وبعض العبيد. الجميع كان مبتسمًا.
قالت المرأة: «إنه أنت أخيرًا! أليس كذلك؟»
فأجبتها بلا تفكير: «نعم، يا سيدتي.»
فاحتضنتني بقوة وشرعت في البكاء.
ثم قالت لي إنني على عكس ما توقعتْ لا أشبه والدتي.
ثم أردفت: «كم أنا سعيدة برؤيتك! يا أطفال، هذا ابن عمكم توم! تعالوا لتحيته. حسبنا أنك ستصل إلى هنا قبل بضعة أيام. كنا في غاية القلق.»
اختلقت قصة تبرر سبب تأخر زورقي، وفيما تحدثنا حاولت أن أحصل على معلومات عن الشخصية التي أتظاهر بأنني هي، كما حاولت أن أعرف أي شيء عن جيم. خمنتُ أن المرأة هي زوجة السيد فيلبس، ولما أدخلتني إلى بيتها، خمنت أن الرجل الذي بالداخل هو السيد فيلبس.
سأل الرجل عندما رآني: «من هذا؟»
فقالت السيدة: «من برأيك؟ إنه توم سوير؟»