منزل في النهر
ظلت مياه النهر ترتفع عشرة أيام أو اثني عشر يومًا، إلى أن فاضت آخر الأمر فوق ضفتيه. بلغ ارتفاع الماء ثلاثة أو أربعة أقدام بالجزيرة، فجدفنا نهارًا في كافة أرجاء الجزيرة في القارب، حيث كان جوف غابة الجزيرة مظلمًا باردًا، حتى إن كانت الشمس حارقة.
أتى منزل مائل من طابقين طافيًا في النهر في إحدى الليالي قبل طلوع ضوء النهار بوقت قصير. جدفنا إليه وتسلقنا إلى نافذة بطابقه العلوي ودخلنا منها. كان جسم ما ممددًا على الأرض في ركن الغرفة، يبدو وكأنه لرجل، فقال جيم: «مرحبًا يا هذا.»
لكن الجسد لم يتحرك قيد أنملة، فصحت أنا، بعدها قال جيم: «هذا الرجل ليس نائمًا، إنه ميت. ابق مكانك، سأذهب لأرى.»
فذهب ونظر إلى الرجل ثم قال: «إنه رجل ميت بالفعل. لقد تلقي رصاصًا في ظهره. يبدو أنه ميت منذ يومين أو ثلاثة أيام. تعال يا هاك، لكن لا تنظر إلى وجهه؛ فهو مخيف جدًّا.»
فلم أنظر إلى الرجل على الإطلاق. ألقى جيم خرقًا قديمة على وجهه ليتأكد من أنني لن أراه، مع أنه لم يكن بحاجة لفعل ذلك، فأنا لم أرد هذا، وحملنا الأشياء التي عثرنا عليها بالمنزل إلى القارب وجدفنا عائدين أدراجنا.
أردت بعد الإفطار أن أتحدث عن الرجل الميت وأخمن الكيفية التي قتل بها، لكن جيم لم يرد ذلك؛ قال إن هذا سيجلب الحظ السيئ، وإن الرجل الميت قد يعود إلى الحياة لمطاردتنا، فلم أتفوه بشيء آخر عن الأمر، لكنني تمنيت أن أعرف من الذي أرداه قتيلًا، وأن أعرف سبب قيامه بذلك.
أخبرت جيم صباح اليوم التالي أنني بدأت أشعر بالملل وبأن الوقت يمضي ببطء؛ أردت القيام بشيء جديد، فقررت أن أعبر النهر لأستطلع ما يجري. أعجبت تلك الفكرة جيم، لكنه رأى أن علي الذهاب إلى هناك في الظلام وأن أكون شديد الحذر، ثم قلب الأمر في رأسه وقال إن علي أن أرتدي بعضًا من الملابس التي عثرنا عليها في المنزل وأن أرتدي ملابس فتاة، بذا لن يظن أحد أن الفتاة هي في الواقع أنا.
جدفت عبر النهر وتحدثت إلى سيدة عجوز كشفت تنكري على الفور، فشعرت بأنني أحمق، لكنها فطنت إلى أنني صبي وحسب، ولم تعلم أنني هاكلبيري فين. لا شك أنها حسبت أنني هارب. علمت منها أن الناس يحسبون بالفعل أنني مت، لكنها قالت أيضًا إنهم اعتقدوا أن جيم هو من قتلني، فقد فر — على حد قولها — في الليلة نفسها التي اختفيت فيها، من ثم رجح أنه القاتل.
الأدهى أن العجوز قالت أيضًا إن جزيرة جاكسون سيجري تمشيطها الليلة، وإنها موقنة من أنه سيتم الإمساك بالقاتل، فاختلقت على الفور عذرًا للمغادرة وعدت أدراجي إلى المخيم، فلما بلغته، كان جيم نائمًا، فقلت له: «استيقظ يا جيم! ما من وقت نضيعه. إنهم في إثرنا.»
فلم يسألني أي أسئلة، بل إنه في الواقع لم يتحدث، لكن بدا من حركاته أنه يشعر بالخوف. حملنا كل شيء إلى طوفنا في غضون نصف ساعة ثم ركبت القارب وتلفت حولي، فلم أر أحدًا قادمًا، فربطنا القارب بالطوف ونزلنا بكليهما النهر وبدأنا في المغادرة. لم ينطق أحدنا بكلمة.