نزاع الأسرتين
قصدنا جميعًا يوم الأحد التالي الكنيسة. طلبت مني الآنسة صوفيا بعد العشاء مساء ذلك اليوم أن أحضر لها كتابها المقدس من الكنيسة لأنها نسته هناك، فقصدت الكنيسة وعثرت عليه. استغربت توترها لذلك، فلما هززت الكتاب سقطت منه ورقة كتب عليها «الثانية والنصف».
ولما عدت إلى البيت صحبتني الآنسة صوفيا إلى غرفتها ونظرت إلى الكتاب، فلما عَثَرَت على الورقة وقرأتها سألتني إن كنت قد قرأتها، فكذبت وزعمت أنني لا أستطيع القراءة، فاحتضنتني وطلبت مني أن أخرج للعب.
كان أحد العبيد بالخارج يتعقبني، فلما سألته عن السبب أخبرني بأن هناك شيئًا مهمًّا عليه أن يريني إياه، فتبعته إلى مستنقع يبعد عن المنزل، فأشار لي إلى نقطة بعيدة طلب مني أن أتفقدها ثم غادر.
وجدت باحة صغيرة مفتوحة بحجم غرفة نوم كبيرة تتدلى من كل أنحائها عناقيد العنب تمدد بها رجل نائم، كان هذا جيم العجوز!
أيقظته، فسعد بشدة لرؤيتي حتى إنه كاد يبكي. قال إنه تبعني في الماء مساء اليوم الذي حيل فيه بينه وبيني، لكنه لم يستطع أن يناديني خشية أن يسمعه أحد ويمسك به.
فسألته: «لمَ لمْ تأت وتأخذني قبل الآن يا جيم؟»
فقال: «كنت منشغلًا بجمع بعض المعدات وإصلاح الطوف.»
– «أي طوف يا جيم؟»
– «طوفنا القديم.»
– «أتعني أنه لم يتحطم تمامًا؟»
– «لا بل تحطم إلى حد كبير، لكنني استطعت إصلاحه إلى درجة جيدة، ولما وجدتك آمنًا في المنزل القديم، صادقت بعض عبيد آل جرينجرفورد، وهم خبئوني هنا.»
فطلبت من جيم أن يلزم مكانه ثم عدت أدراجي إلى المنزل.
لا أود أن أتحدث كثيرًا عن اليوم التالي. أعتقد أنني أستطيع اختصاره. استيقظت مبكرًا ولاحظت أن المكان يخيم عليه الهدوء الشديد، وبدا أنه خلا من الحركة، الأمر الذي كان غريبًا. لم يكن باك أو أي شخص بالمنزل، فخرجت وسألت أحد العبيد عن الأمر، فأخبرني أن الآنسة صوفيا قد فرت مع فرد من آل شيبردسون. كان كل منهما مغرم بالآخر! من ثم ذهب أفراد كلا الأسرتين لقتال بعضهم بعضًا.
اتجهت نحو النهر ولم ألبث أن سمعت صوت طلقات بنادق، فتسلقت إحدى الأشجار وشاهدت المعركة. كانت مخيفة. تقاتلت الأسرتان قتالًا شرسًا. وجدت باك فأخبرني عن فرار الآنسة صوفيا مع الشاب هارني شيبردسون. قال باك إنهما عبرا النهر بأمان، فسعدت بهذا، لكن باك شعر بالسخط لأنه لم يطلق النار من قبل على هارني. لم أسمع قط بشيء كهذا.
فجأة دوى صوت ثلاث أو أربع بنادق: «بوم! بوم! بوم!». قفز باك والفتية الذين معه إلى النهر وبدا أنهم أصيبوا من جراء ذلك، ولما أخذوا يسبحون مع ماء النهر ركض بعض الرجال على الضفة وهم يطلقون النار عليهم. أشعرني هذا بالغثيان الشديد حتى إنني كدت أسقطت من على الشجرة. لن أقص عليكم كل ما وقع بعد ذلك، فسأشعر بالغثيان مجددًا إن فعلت. تمنيت لو أنني لم آت قط إلى الشاطئ مساء ذلك اليوم لأرى هذه الأشياء، لن أنساها قط.
ظللت على الشجرة إلى أن بدأ الظلام يحل. خفت أن أنزل إلى الأرض، إذ تنامت إلى مسامعي في بعض الأحيان أصوات طلقات رصاص من بعيد بالغابة، ورأيت مرتين مجموعة من الرجال يمرون سريعًا حاملين بنادق، فاعتقدت أن المشكلة لا تزال قائمة. شعرت بالإحباط الشديد، فقررت ألا أقرب هذا المنزل مجددًا. ظننت أنني الملام نوعًا ما؛ إذ حسبت أن الورقة عنت أن الآنسة صوفيا كانت ستلقى هاري في مكان ما الساعة الثانية والنصف وتفر. كان علي أن أخبر أباها بأمر تلك الورقة، وبتصرفاتها الغريبة، ربما لم تكن تلك الفوضى الرهيبة لتقع.
عندما نزلت من على الشجرة، زحفت على ضفاف النهر وبكيت باك قليلًا، إذ كان لطيفًا للغاية معي، ثم حل الظلام. لم أقرب ذلك المنزل مجددًا أبدًا، بل شققت طريقي وسط الغابة واتجهت إلى المستنقع، إلا أنني كنت خائفًا! أطلقت صرخةً، فقال صوت: «أهذا أنت؟»
كان هذا صوت جيم، لم أسمع بشيء قط أعذب من ذلك، فركضت على ضفاف النهر وصعدت على متن طوفنا. سعد جيم جدًّا لرؤيتي حتى إنه أمسك بي واحتضنني، ثم قال: «بوركت يا صغير. كنت موقنًا أنك لقيت حتفك مجددًا؛ جاءني العبيد قبل برهة. لقد حسبوا أنك أرديت قتيلًا بالرصاص. كم أنا سعيد بعودتك إليّ مجددًا!»
فقلت: «حسنًا، هذا رائع، لن يعثروا علي. سيحسبون أنني قد قتلت وطفوت مع ماء النهر. لا تضيع الوقت يا جيم. لنغادر الشاطئ ونتجه إلى مياه النهر الهائلة على جناح السرعة.»
سعدت بشدة للفرار من تلك المعركة، وسعد جيم بمغادرة المستنقع. قلنا إن الطوف هو أفضل سكن لنا على أي حال، فالأماكن الأخرى تبدو ضيقة وخانقة، أما الطوف فليس كذلك. يشعر المرء بالحرية والاطمئنان والراحة على الطوف.