معاهدَة غراميَّة
أيها القارئ:
نحن طلاب جديد، مبتدعون حتى في سياسة الحب، فلست بواجد هنا ما يتغنى به الناس من
الوفاء والبقاء على العهد؛ لأنهما مما تأباه الطبيعة، والمرء إذا أحب يبدأ بمخادعة
نفسه، ومغالطة قلبه، ثم ينتهي بمخادعة غيره.
والوفاء في حياة القلب كالثبات على رأي واحد في حياة العقل؛ كلاهما ليس إلا اعترافًا
بالإخفاق، وإن في الوفاء لو تدبرت لشيئًا في شهوة الملك، وما أكثر ما نود أن نرميه لولا
خوفنا أن يلتقطه سوانا، وكثيرًا ما يكون الوفاء راجعًا إلى نقص الخيال، أو كسل
العادة.
ولقد غبر زمن كنا نحسب أنفسنا فيه أوفياء، ونتوهم مثل ذلك فيمن اتصلت أسبابنا
بأسبابهم، أما الآن فقد أرحنا واسترحنا، وإليك المعاهدة وديباجتها:
غنني يا ريح حتى تغمضي
أعين الفكر عساه أن ينامْ
وامسحي وجهي وتَغْضِينَ الأسَى
واطردي عنِّي شياطينَ المنامْ
•••
إنَّ في أُذْني أعاصيرَ الشتاءْ
وبقلبي وحشة البيد القِواءْ
تصِف العينُ إذا قلبتُها
كل شيء ليَ في أسر الشقاء
•••
فكأني سامع شكوى الكلالِ
في خرير الماء جيَّاش الضميرْ
وكأني ناظرٌ قَيْدَ الليالي
حول أعضاد الرواسي كالسيور
•••
أسمعُ الزهرَ وإن كان قتيلا
يندب الحسنَ بأشجى منطقِ
وسعتْه الريح تنكيلًا وبيلا
فقضى والحسن لما يخلق
•••
ولقد أسمعُ في الليل البهيمْ
ضجةَ الموتى وأبناء الجحيمْ
وكهمس الموت في أذن الكليمْ
خطرةُ الريح على النبت الوشيم
•••
يا خليليَّ اخبراني واصدقا
هل لليل اليأس صبح ينتظرْ
مرَّ بي الدهر عبوسًا أزرقا
كاشفًا عن ناب نضناض ذكر
•••
هذه كفي على خون العهود!
لا على الرعْي؛ فهذا لا يكونْ
إنها دنيا كِذابٍ وجحود
ولصدقُ النفس أولى لو يهون
•••
هذه كفي على وشك الملال
كل نار سوف يعلوها رماد
آه لو أسطيع تصديق الخيال
أو يكون الجهل شيئًا يستفاد!
•••
هذه كفي علي أن أصطلي
بك نارًا دونها نار سقرْ
وإذا لوَّحتني تترع لي
كأس مُهل في عتيقات القدر
•••
نقْليَ السهد عليها والضَّنَى
ورياحينيَ — لو تدري — الهموم
شجَّها الدهر بمحذور النوى
فنوازيها خَبَال ووجوم
•••
وألاقيك وتلقاني كما
ناطح الموج جلاميد الصخور
مزبدًا حولك مهزومًا وما
إن تبالي كيف هاضتْني الوعور
•••
يا عقيدي طامن الله حشاك!
لن تراني شاكيًا وهْي حبالك
أين من طينتنا أين الفكاك؟
أنت إنسان على فرط جمالك