كأسُ النِّسْيَان
(أدهق الكأس! بل تمهل! إن الماضي هو الذي يظل الابتسامات المفقودة التي ستضيء طريقنا مرة أخرى، فأرق الكأس فلا بد لي أن أتذكر!)
هاتِ اسقني سلوةً عن الذكرِ
أنسى بها ما مضى من العُمرِ!
أنسى بها حاضري ومؤتَنَفي
كأنما يُدرجان في الحُفَرِ
بها أنيم الشجونَ قاطبةً
وأتقي الدَّهرَ كرَّة الفِكَر
هات اسقنيها وخلِّ نشوتها
تمحو الذي في الفؤاد من صُوَر
وخدُ كنوز العقول وارمِ بها
من حالقٍ للرياح والمدر
كم غصت في لجة الحياة فما
فزت بغير الصخور والحجر
وكم نفضت اليدين من حجر
حسبته درة من الدرر
فخلِّ كأس العفاء تسلبني
كنزي وتسحو سلاسل الخبر
ما ضرني لو جهلت ما علمتْ
نفسي وما قد أفادني نظري؟
أو لو نسيت الذي شعرت به
في كبري الآن أو لَدنْ صغري؟
أو لو سلوت الذي كلفت به
على الذي كان فيه من شكر؟
أو لو فقدت الذي فرحت به
وما وجدنا في حدة الظفر؟
أثمَّ صوت تعيد نبرته
إليَّ ذكرى الربيع والزهر؟
أثمَّ عين تثير نظرتها
أحلام نفسي في ريِّق البكر؟
وتنشر اللذة المُضيئة لي
حلمًا من العيش جد مبتكر؟
نعم لعمري في الأرض زينتها
من زهر مونق ومن ثمر
كأنها لافترار بهجتها
تحير نطقًا لمدمن البصر
واهًا لقمريِّها إذا اتسقت
أسجاعه واستراح للسحر!
واهًا لسحر في لحظ نرجسها
يسطو بوقع السجوِّ والفتر!
واهًا لأيكاتها إذا همس الـ
ـنسيم في أُذْنها مع القمر!
لكنَّ أغصانهنَّ يا أسفا
بعيدة من منال مهتصر
أصبت في العزم لا الشعور فإن
أدرت لحظي في الشيء لم يدر
وإن مددت اليدين خانهما
عزم الشباب الجريء ذي الأشر
يذعرني الشيء كان يجذبني
لشد ما أستجير بالحذر!
أحمل عبئًا من السِّنين فما
عسى وراء الغايات منكدري
ولي من الذكريات حاشية
في حيث أمضي محشودة الزمر
فهاتها أذعر الشجون بها
حتى أراها تطير كالشرر!
لِم لا أبت الذي يقيدني
بما مضى وانقضى من العصر؟
إني أراني قد حلت وانتسخت
مع الصبي سورة من السور
وصرت غيري فليس يعرفني
إذا رآني صباي ذو الطرر
ولو بدا لي لبت أنكره
كأنني لم أكنه في عمري
كأننا اثنان ليس يجمعنا
في العيش إلا تشبث الذكر
مات الفتى المازنيُّ ثم أتى
من مازن آخرٍ على الأثر
فامح ادكاريه إن ذكرته
تعين صرف الزمان والغير
وأخلني اليوم من شجاي به
أستأنف العيش غير منبهر