شهداء الغُرْبة
بستان آمالنا لقد ذبلت
فيك زهور من آنف الزهر
جنى الردى نورها مخالسة
كالنحل شار الرياض في البكر
في غربة لم تكن مقدرة
أن تغتدي من فواقر الفقر
ورحلة قد حدت إلى سفر
ما بعده من نوًى ولا سفر
أودى بها قبل أن تجرب في الـ
ـعيش امتزاج الصفاء والكدر
بل قبل أن تبلوَ العواطف في الـ
ـصدر وهزم الصروف والغير
بل قبل رود الصلال جنَّتها
ونفثهن السمام في الغُدر
ما قارفوا سبَّة ولا خطموا
أنوفهم بالشنار والعرر
ما لوَّثوا روحهم ولا برزوا
إلا بوجه يفي بمستتر
أبناءنا كنتمو لنا أملا
يعمر قفر المشيب والكبر
كنتم كقوس الغمام في أفق
داج مسف الركام والعكر
نبكيكم بالقلوب دامية
من كرم النفس لا من الخور
أبى لنا الضعف أنَّ واجبنا
ما زال حمل الفوادح الكبر
وأن نروض النفوس مكرهة
على الذي تتقي من الضرر
وننفض الكف غير زاهدة
من الكثير الجليل ذي الخطر
كما نفضنا اليدين وا أسفا
من مدر ضمكم من عفر
كلا لعمري لأنتمو أبدًا
في القلب والذهن مائلو الصور
أفواهنا لا تزال منشدة
ما كان يصبيكمو إلى الصور
وملء كل الصدور أمتكم
لا ملء كل القبور والحفر
أغليتموها — لا عاش مرخصها —
فلم توكلكمو بمنحدر
يا ليت كل البنين مثلكمو
حسن بلاء وطهر مختبر
تشب في صدرهم إذا ذكروا
بلادهم نار حبها الغمر
كأنه نغمة مؤلفة
لكل حر الجنان والوطر
نفوسهم معبد لصورتها
سامي الذرى قائم على العصر
قد زلزلت كل أمة وهوى
كل رفيع موطد الحجر
وراج يبني الطامح هيكله
من نقض هذي الخرائب الكثر
لكن نار الحياة صائحة
تريد تمحيص كل ذي وضر
ستذكرون الغداة في زمر
قد شيعوها بالنفس لا العشر
قد مالت الشمس صوب مغربها
في برد حسن في الأفق مستطر
همت بتوديعنا وقد لبست
أفواف زين لها ومفتخر
تنأى الهوينا كأن عالمنا
معهد لذاتها لدى الصغر
وأي جمع لنا متى انحدرت
يخطو على دق طبلة القدر!