رثاء الشَّهيد محمد بك فريد
زعيم الحزب الوطني
شطنَ المنون ملكتَ أيّ قياد
من مُصعَب ما كان بالمنقاد
فأناخ لا يرجى لديه على البلى
سبق إلى الغايات والآماد
وثوى بمدرجة تساوى عندها
ذل الحقير وعزة الأمجاد
نجمان قد غربا: فذا لمنِية
عجلى، وذاك لغربة وعوادي
وا لهفتاه له، يذوب كِيانه
وجَنانه كالكوكب الوقاد
ويشيع فيه الموت وهو مغالب
بردَ الردَى بحرارة القرصاد
يأبى على وقع الردى ودبيبه
أن لا يمدَّ يدًا غداة تَنادِ
ويغالط القلب القريح كأنما
سهم المقادر ليس في الأكباد
وإذا تمثل حَيْنه لضميره
وخروجه من حلبة الأجناد
نزت الحياة به تَنَزِّي ألسنٍ
للنار مُشفية على الأرماد
ويهون أن يَلقى الخصاصة والأذى
والبعدَ عن أهل وعن أوداد
كل يهون عليه إمَّا أنجح الـ
ـمسعى وفكَّ موَثق الأصفاد
لو شاء كان على الورى مستعليًا
بالمال والألقاب والأعضاد
لكن ترفَّعَ عن جدًى لا يُقتنى
إلا بوسم الخُفِّ في الأجياد
•••
ثَبت البواسل قبل عهدك في الوغى
كالطود راسخ قُنَّةٍ ووِهاد
غضبوا لحوزتهم تُباح فزحزحوا
أمضى قواضبهم عن الأغماد
وتزاحفوا والنفس ملء شعابها
أمل يعد لهم من الأمداد
ومَضوا خفافًا للقاء كأنما
أيامه الجلَّى من الأعياد
حتى أماطوا الضيم عن أوطانهم
بالجود بالأرواح والأجساد
لكنَّ من يمضي إلى مستنقع
للموت لا حلو ولا بِبُراد
وقد استحال الصبح ليلًا حالكًا
وخبت مصابيح الرجاء الهادي
وانفضَّ كل مُناصر ومظاهر
عنه فلا ذو نخوةٍ أوفاد
وإذا أدار العين لم تأخذ سوى
طول الطريق إلى مدى الأبعاد
في حيثما جالت فثمَّ حيالها
مرض النفوس يفتُّ في الأعضاد
ويقول للنفس اثبتي ولوَ انني
وحدي أصاول جحفل الأضداد
هذا الشهيد، وما عدتك صفاته
يا أوحد الأبطال والأنجاد
•••
إلا يكن شرع القنا يهفو بها
عذب البنود لغارة عُصْواد
فهو الغمامة لم تزل تهمي إلي
أن أقلعت عن أرضنا لنفاد
أحيتْ مواتَ الأرض بل قُطانها
من بعد ما كانوا من الأصلاد
في كل نفس نفثة من روحه
حَرَّى تحفِّزها من الأيقاد
وصدًى لنغمة نفسه متوثب
وثب الكواسر عن ذرى الأطواد
لهفي عليك جملت وحدك صابرًا
ضغط النجاوي المرة الأنكاد
وعلى جبينك صورة الأمل الذي
أودى ذواه بنضرة الأعواد
ولقد تبسم والكيان مزلزل
والقلب يقدح فيه كل زناد
وا هولَ ذلك من صراعٍ في الحشا
صعب على الطين الضعيف الكادي
•••
ما كانت ممن لا يزال يقيمه
طورًا ويقعده على الأقتاد
إيجاسه خوف الأُلى يخشونه
من بطشه المتواصل الأزباد
كلا ولا ممن يكظ فجاجه
نفر من الأعداء والأوغاد
لا الصبح يقربه الأمان ولا الدجى
نوم القرير وغطة الكداد
صاح الضمير به فليس لقلبه
أو عينه منجًى سوى التسهاد
بل هذه الأرواح عرشك فوقها
والحب تاجك طي كل فؤاد
لكن قلب الشعب — ويح رجاله —
طوع الجواذب لين التقواد!
•••
وضع الزمان على جلالك ختمه
وأثابك التخليد في الأخلاد
لا يستطيع عداك طيَّ صحائف
نشَّرتها أو طمسَها بسواد
ما في حياتك لوثة موكولة
لتسامح الحسَّاب والنقاد
لا للكبول خلقت أو لمهانة
فتضيم ذكرك ألسن الأحقاد
وبذلت أنفس ما يضن به الورى
طرًّا من الأعلاق والأعتاد
حتى الحياة أذلتها متوخيًا
بالبذل صون كرامة الأجداد
لا الضنك خفت وأنت ضنء أماجد
كلا ولا التشريد عن أولاد
مثل الضحية أنت فينا بارزًا
بوركت من بر بأكرم واد
أيطاول الشجر السماء وإن تكن
أعراقه في الأرض كالأكباد
ويصارع الجبل الرياح وعصفها
والسحب من متروِّح أوغاد
وينام هذا الناس ملء جفونهم
وعليهم الآفاق بالأسداد؟
•••
قد تسقط الأزهار عن أغصانها
ويقر قلب النسر وهو يرادي
وترى النجوم الزهر من أفلاكها
تهوي، من الآباد في الآباد
كل يلم به العفاء وهل ترى
شيئًا يدوم على الزمان العادي؟
لكنما ماضيك أبهر روعة
من أن يضيع كصرخة في واد
لو لم يكن منا سواك مجاهد
لكفى به شرفًا وفخر بلاد!