البحر والظلام
بنات الدجى هذا الذي لم يزل له
فؤادٌ يناجيكن عن كل نائمِ
أناخ على الدنيا الظلامُ بكلكلٍ
وأغرقها في زاخر متلاطم
وأغمض أجفان النجوم بكرهها
وأطلق أشباحًا كحيرى الأراقم
لها لغط مستهول الوقع مُزئدٌ
يجاوبه يمٌّ رهيب الهماهم
يغادر سوَّار الخيال مرَنقًا
يئن من الإعياء أنَّ الكوالم
فيا لك من ليل بهيم كأنه
حداد السماوات على نسل آدم
ويا لك من ريح كأن زفيفها
نواقيس دقت للمنايا الهواجم
ويا لك من بحر كأن ضجيجه
صراخ اليتامى في وجوه المآتم
أحقَّت على الأرضين لعنة ربها
فصب عليها سخطه غير راحم؟
وإلا فما لليل مرًّا كأنني
بقبة قبر حافل بالرمائم
فليست تُحسُّ العين إلا حنادسًا
تضيء مجالي هوله المتفاقم
ولا الأُذْن إلا ما تقص رياحه
على الموج في هبَّاتهن الغواشم
فيضحك منها ساخرًا غير أنه
إذا جلدته ثار ثورة ظالم
ورائي وقدامي وفي القلب ظلمة
فكيف فراري من ظلام ملازمي
ومهوًى سحيق الغور من تحت أخمصي
يحلل من بأس القوي الضُّبارم
يرد عُرام الريح حتى يعيدها
تلوذ بآناف الصخور القدائم
وتصدمه الأمواج في وثباتها
فترفض عنه كالغمام السواجم
لها زأرة الآساد إن هي أقلبت
وخشخشة الأشجار عند الهزائم
جحيم من الأمواه يغلي عبابه
ويعوي عواء الذئب بين المخارم
ويزبد كالمجهود حتى كأنما
أشابته أحداث الليالي الظوالم