الربح والخسارة
أهواك والحب داءٌ أيما داءِ
يا مسبلًا حوله أذيال لألاء
خلقتُ للحسن عبَّادًا أواجهه
كعابد الشمس في صبح وإمساء
يا ليت أنيَ أعمى لا دليل له
أو ليت ما في الورى ما يفتن الرائي
عينيَّ عينىَّ لا بوركتما أبدًا
أطفتما بالحشا أنياب رقشاء
ولو عميتُ إذًا لاشتقت نوركما
بقلب راع وفيٍّ غير نسَّاء
•••
أهبتُ وهنًا بذكراكم فما عبأت
شيئًا بصبٍّ بجنح الليل دعَّاء
وسلمتني إلى الآمال قائلة
عني إلى أمل للروح غذاء
ما لي وللزمن الآني وأقربه
مني إذا استثبتت عيناني كاللاء
سلني إذا شئت عن ماضيك مبتدئًا
أُروِّ قلبك منه أي إرواء
عند الأمانيِّ ما تبغي فإنَّ لها
عينًا موكَّلة بالمقبل النائي
قد استوت فوق عرش الوهم حاكمة
مثل المقادير في منح وإكداء
وما لها دون راجي عرفها حجب
ولا مطال ولا إعراض أبَّاء
من لا تكلفُهُ شيئًا عوارفه
فليس يبخل عن بذل وإيتاء
وخلَّفتني على الأجداث أحرسها
كالكلب يحرس ليلًا عزَّ أحياء
فليس يذكرني إلا أخو عدم
قد صار من ظنه في جدب صحراء
والمرء ما بيننا حيران مضطرب
من لهو وهْمٍ إلى أشباح جوفاء
هذي تضاحكه طورًا وتخدعه
وتلك تبكيه في صبح وإمساء
قد أوسعتكم بني حوَّاء عيشتكم
وطول غفلتكم من كل إزراء
•••
أين الحقيقة؟ ألأمارس موطنها؟
فذاك قلبيَ رمس بين أحنائي
ماضي حياتيَ أحلام ومقبلها
غيبٌ، وحاضرها في كف خرقاء
كم حدثتنيَ نفسي وهْي باكية
عن الشباب وبسِّامين أكفاء
وأذكرتنيَ أيامًا مسلسلة
في ظل وارفة الأظلال لفَّاء
حيث الزمان ربيع والهوى أنفٌ
والأرض صادحة بالعود والنَّاء
تُجنى الكرومُ إذا آنتْ مقاطفها
سمرَ العناقيد في لفاء خضراء
يجري النسيم بأنفاس الورود كما
يجري الرسول ببشرى القرب للنائي
يا حبذا عرفها والريح ساجية
والنجم يلحظنا لحظات هوجاء
والنيل أجراه مجريه للذتنا
من حولنا فلنا عرشٌ على الماء
مطرزٌ بنجوم الليل قاطبة
ومزبدٍ في سماء الليل وضَّاء
أطنابه حُفل الأثمار يانعة
جلَّت عن الوصف في حسن وإغراء
خمري الحسان ولا حسنٌ كحسنهم
ونقليَ اللحظُ يشفي علة الداء
غبوقنا بين أغصان مهدَّلة
ومن صبوحيَ تقبيل الأحباء
إذا نشاء احتسيناها مصفقة
تُسنى لشاربها من كل سراء
أو لم نشأ لم نبع بالسكر لذتنا
في الصحو ما بين بيضاء وحمراء
فأين أين لياليَّ التي سلفت
صارت حديثًا كأخبار ابن ديحاء
لا تدرك النفس منها حين تطلبها
إلا التفجُّعَ أو لدغًا بأحشاء
أضحت حياتيَ ربعًا مقفرًا خربًا
من بعد ما عُمرت للفرح أفناني
يا سوء منقلب عن حسن مختبر
كالصبح يعقبه إدجان ظلماء
•••
بقيتَ يا كوكب الأيام مؤتلقًا
يزيدك الدهر ضوءًا فوق أضواء
ويا ربيع الهوى لا زلت في حلل
خضر تباكرها سحبٌ بأنداء
تنضو وتلبس أفوافًا محبرة
مستبدلًا جُددًا من بعد أنضاء
فأنت لي ولآمالي وإن بعدت
قوس الغمائم في آفاق غمَّائي
اقرأ كلاميَ وابسم حين تقرؤه
وإن يكن لك تحبيري وإنشائي
ولا تُرع لدموع بتُّ أنظمها
وإن تكن عن ضرام بين أحنائي
ولستُ فاعلم أرجِّي منك مرحمة
يندى لها القلب في أعقاب رمضاء
أحبكم ولوَ انِّي أستطيع إذًا
بدلتكم بالهوى والحب بغضائي
كما تبدِّلني من صحتي ألمًا
مرًّا وتوسعني من كل ضراء
قد كنتُ أطرب للدنيا ويعجبني
في رونق الحسن ماءٌ ليس كالماء
وكان يفتنني تهديلُ ورقاء
تسمو إلى الغصن أو تهزيج حسناء
فالآن قد صوَّح الغصنُ الذي صدحت
عليه أطيارُ نفسي يوم نعمائي
وصرت لا شيء في الدنيا أسرُّ به
ولا يفزِّعني دهري بأرزاء
وصرت أنكر أيامي وينكرني
صفو اللذاذات من قصف وإصباء
إذا سمعتُ لريح الليل زمزمةً
حسبتها نادبًا ألحان سرَّائي
كالبحر نفسيَ لا مأوًى ولا سكنٌ
ولا قرار لها من فرط ضوضاء
أقول في الصيف ويلي من سمائمه
وفي الشتاء ألا بعدًا لمشتائي
تمضي الليالي ولكن لا أُحسُّ لها
ما كنت أعهد من نور وظلماء
فلا ندًى فوق خد الزهر يلثمه
ولا يفوح له مسكي بوغاء
قد مات مثليَ إلا صورة ثبتت
نفسٌ قضت وهْي في جثمان أحياء
خطَّ اسمَها الدهرُ في قيد الردى فغدت
لا تنفع الناس إلا يوم إحصاء
كأنما الشجر المخضرُّ في نظري
إذا دلفت له عيدان قصباء
وللنجوم بريق لا أفرِّقه
عن لحظ ميِّتة حسناء عذراء
في أبحر من زجاج لا بهاء لها
ما بين سوداء أو خضراء زرقاء
حتى النهار وحتى الشمس أنكرها
كأنَّ في نورها ديدانَ غبراء
طُردت في الأرض من فردوس نعمائي
طرْد التي غرَّرت قدمًا بحواء
فما أطيق نعيمًا إن ظفرت به
بعد الذي بُزَّ عني يوم إثرائي
أخاف حسنك يومًا أن يذكِّرني
عهدًا مضى فيُهِيج الذكر سودائي
تغلغل السهم في قلبي فإنْ نزعت
كفٌّ قضيتُ فدع سهمي بأحشائي
هذي حياتي فقل لي كيف أندبها
قد جلَّ ما بيَ عن سلوى وتأساء
•••
لكل شيء سكونٌ بعد فورته
وكل عين إلى غمض وإغفاء
ألا ترى اليمَّ تطغى فيه موجته
تَقطُّع القلب من هم وبأساء
حتى إذا بلغتْ مجهودَها فنيت
من بعد جلجلة منها وضوضاء
كذاك للنفس في بحر الردى سكن
تلفى به راحةً من بعد إعياء