سحر الحب
أيا ساعة مُلِّيت فيها بحسنه
نشدتك إلا كرَّ منك نظائر
وإني لأدري أن في البعد راحة
لما تتصبَّاه العيون السواحر
ولكنني جربت قربك والنوى
فما قر لي بال ولا جف حاجر
ولا التذَّ طعم القرب قلبي ولا النوى
ولا رقدت في الحالتين الخواطر
وما أنا إلا كالمخادع نفسه
وقد يخدع النفس الفتى وهو شاعر
تمر بنا كالحلم قصر طوله
لذاذته حتى كأنك طائر
أأهواك أم أقلاك والله إنني
لأجهل ما تطوى عليه الضمائر
وإني لتعروني لمرآك رجفة
كما انتفض المذعور والخطب فاغر
وإني لتعروني لذكرك حنة
كما حنَّ للأهل الغريب المسافر
فأنت جحيمي في الحياة وجنَّتي
وأنت عدوي والحبيب المؤازر
وأول شيء أنت يجري بخاطري
وآخر شيء أنت يُجريه خاطر
ملأتَ شعاب النفس حتى كظظتها
وأخليتها فالنفس صحراء غامر
فواها على عهد السلو وطيبه
وواها له ما أنَّ أو حنَّ ذاكر
حقيبةُ شر ذلك الحب بئس ما
تحمِّلنيهِ في الحياة المقادر
أراه على لذاته ونعيمه
يفاجئنا منه رميض وناعر
وهل تُشترى اللذات إلا بضعفها
من الألم الدامي ومما نحاذر
وما مطلبي سحر العيون كأنها
— إذا لامحت عيني — النجوم الزواهر
ولا نضرة الخد الأسيل كأنما
غذته على الدهر الورود النواضر
ولا الثغر إمَّا يستدير كأنما
تهيَّأ للتقبيل والشوق ثائر
فقد يحرق اللحظ المضيء ويخنق الـ
أريج وترديك الثغور الدوائر
ولكنما أبغي إذا ثار ثائري
فؤادًا أناجيه وعقلًا أسامر
وقلبًا إليه أستريح بدُخلتي
وأفضي إليه بالأسى وأشاور
كما خفقت يومًا على الزهر نحلة
وظلت تشاكيه الهوى وتسارر
قضيتُ حياتي بين آثار من مضوا
ففي حيثما سرَّحت طرفي مقابر
أولئك إخواني الذين اصطفيتهم
وآثرتهم بالود والقلب حائر
فيا بؤس للحي الذي لا يروقه
من الناس إلا من تضم الحفائر
أخادع نفسي فيهمُ وأغشُّها
ويخدعني منهم نصيح وماكر
وما ليَ شغلٌ فيهمُ غير أنه
تُشابه حالي حالهم وتناظر
فيا زائرًا أفديه بالنفس لو درى
أغثني وكن عوني إذا خان ناصر
وأدت حياتي في شبابيَ مكرها
وما امتلأتْ مما تحب النواظر
ولكنما بيني وبين مواردي
حجاز وقد سُدَّت عليَّ المصادر
فعد لي فإني لست أملك مذهبي
وكن لي فإني صادق العهد شاكر
وهبني إذا ما شئت ميتًا تزوره
أليس لمن يقضي من الناس زائر؟