زهرة الصخر
آنسْتني بالأمل المغري
يا موحشي بالنظر الشزْرِ
أعوذ من ذكريك بالصبرِ
وأين مني راحة الصبر
يا نجم أرضي يا سماء الهوى
تومض فيها أنجم السحر
خواطري السوداءُ مغروسة
في الذهن، كالسرحة، والصدر
تسودُّ منها الشمس رَأدَ الضحى
فالعيش ليل سابغ الستر
ما لي أرى كفِّيَ مملوءة
من كل ما أكره من دهري
لكنها خالية مما عسى
يحلي مذاقَ الألم المرِّ
يا مجريَ النهر إلى البحرِ
ومُسقط الطلِّ على الزهرِ
وجامعًا بين الثرى والحيا
عند التياح الأرض للقطر
وناظمًا في خيط هذا الدجى
عقودَ هذي الأنجم الزهر
وواهبَ الموجة صدرَ أختها
والأغصنَ الميس للطير
أطفئْ بماء القرب جمرَ الهوى
وزوِّج الحسن من الشعر
لا غرق الساعات في قبلة
من خدِّه الواضح والثغر
ماذا ترى يمنعني قربه
لو أنَّ في العالم من يدري
أبيننا بحرٌ يردُّ الخطى
أم تقذف النيرانُ بالجمر
أم سُدَّت الأرضُ فلا وجهةٌ
أم حال ظل الموت أن نسري؟
أينقضي العمرُ وما صافحت
عيناي عينيه بلا ذعر؟
ولا جرى في مسمعي صوتُه
جَرْيَ نمير الماء في الغُدر
ولا تخطَّيتُ ولو ظلَّه
فما انتفاعي اليومَ بالعمر؟
حتى الكرى يُبديه لي مبهمًا
كالزهر في أكمامه الخضر
أو حاجب الشمس إذ ما بدا
بين غمامٍ؛ دَنِف الذَّر
كأنما الأحلام أستاره
تصرف عنه نظر الفكر
أدعوه في الأحلام حلو الجنى
على سبيل الهزْءِ والسخر
وقد أناديه، وما أفتري،
يا زهرة صيغت من الصخر
وربما سمَّيته باسمه
كأنما لا شك في الأمر
إن كنتَ حقًّا حُلمًا ساحرًا
فهل ترى أحلم بالهجر
وبالأسى والحرقات التي
ما أطفأتْها عبرة تجري
راح على عطفيَ ثوبُ الأسى
مُحلولك المِجول والصدر
وآدني ثِقل الهوى إنه
حقيبةٌ ملأى من الشر
وعمَّق الأحزان أني أرى
نفسيَ في مثل دجى القبر
يا ليت للزفرة روحًا إذا
أصعدتُها تكشف عن سري
لا غايةٌ لي أتعزَّى بها
حينًا ولا أقنع بالذكر
هو المنى لو أن لي حيلةً
آه على ملتمسي الوعر
يا ملءَ عيني وفؤادي أما
تَنَفَّسُ البلجةُ في الفجر
ذكرك نسكٌ ليَ تحت الدجى
فأين محرابيَ وا حرِّي!
وأين لا أين بخور الهوى
أنفاسك القُطرية النشر
يا ربِّ إني حافلٌ أمرَه
ولا أراه حافلًا أمري
لم تقض لي منه سوى حبِّه
وذا قضاءٌ بينُ الجور
فازدحم القلبُ بأحبابه
مثل ازدحام الرأس بالشعر
فليتني كان لحبي صدًى
يُبيته مني على ذكر
يا شقوةَ العاشق أمسي وما
يُحسُّه المعشوق أو يدري
وهل يفيد الصب أن يشتكي
في شعره طورًا وفي النثر
كأنني إذ أتشكَّى الهوى
محدِّثٌ نفسيَ في الجهر
إنْ هيَ إلا أسطرٌ قلما
يعبرها وا ضيعةَ الشعر
دفنت فيها كل ما مرَّ بي
وهل لِما يُدفن من نشر
ما أضأل الآمال زادًا وما
أخونَها في موقف النصر
من زاحف الأيام في جيشها
فبالطلى كرَّ على البُتر
ومن أبى غيرَ المنى حيلةً
أسلمه الحظُّ إلى العثر