مكعب باندورا
رأت نيكول ديفيد براون جالسًا خلف مكتبه. وفرانشيسكا تميل نحوه، وهي تشير إلى شيء ما في رسم بياني كبير كان منبسطًا أمامهما. طرقت نيكول باب مكتب القائد.
قالت فرانشيسكا وهي تفتح الباب: «أهلًا بك يا نيكول. كيف يمكنني مساعدتك؟»
ردت نيكول: «أتيت لمقابلة دكتور براون. لمناقشته بشأن مهمتي.»
قالت فرانشيسكا: «تفضلي بالدخول.»
سارت نيكول بخطًا متثاقلة، وجلست على أحد المقعدين الموضوعين مقابل المكتب. وجلست فرانشيسكا على الآخر. نظرت نيكول إلى جدران المكتب. لقد تغيرت تمامًا. فصور زوجة الجنرال بورزوف وأولاده، ولوحته المفضلة التي كانت صورة طائر وحيد ذي جناحين منبسطين يحلق فوق نهر نيفا في لينينجراد، جميعها قد استبدلت برسومات بيانية ضخمة متوالية. وكان كل رسم بياني يعلوه اسم مختلف (الرحلة الأولى، الرحلة الثانية، وهلمَّ جرًّا)، وكانت تغطي لوحات الإعلانات من أحد أطراف الجدار إلى الطرف الآخر.
لقد كان مكتب الجنرال بورزوف دافئًا ويغلب عليه طابع الخصوصية. قطعًا أصبحت هذه الغرفة الآن عقيمة ومرعبة. كان الدكتور براون يعلق خلف مكتبه نسختين معدنيتين لاثنتين من أرفع الجوائز العلمية الدولية التي حصل عليها. وقد زاد أيضًا ارتفاع مقعده بحيث أصبح ينظر من عل لأي فرد آخر يجلس في الغرفة.
قالت نيكول: «لقد أتيت لأتحدث إليك في مسألة خاصة.» انتظرت نيكول بضع ثوانٍ متوقِّعة من ديفيد براون أن يطلب من فرانشيسكا أن تغادر الغرفة. لكنه لم ينطق بكلمة. وأخيرًا، طرفت بعينيها باتجاه فرانشيسكا كي توضح مخاوفها.
عندئذٍ فسَّر دكتور براون وجود فرانشيسكا قائلًا: «إنها تساعدني في مهامي الإدارية. لقد وجدت أن بصيرتها الأنثوية غالبًا ما تلتقط إشارات فاتتني تمامًا.»
مكثت نيكول صامتةً خمس عشرة ثانية أخرى. لقد كانت متأهبة للتحدث مع ديفيد براون. لكنها لم تكن متوقعة أن عليها أن تفسر كل الأمور لفرانشيسكا أيضًا. لذا، قالت في نفسها: «ربما عليَّ أن أغادر.» فقد فوجئت نيكول بتوترها من وجود فرانشيسكا هناك.
أخيرًا قالت نيكول بنبرة رسمية: «لقد قرأت مهام الرحلة الأولى، وأود أن أطلب طلبًا. إن مهامي كما هي موضحة في الجدول قليلة للغاية. ويبدو لي أن إيرينا تورجينيف سيكون لديها مهام بسيطة أيضًا في غضون الرحلة التي ستمتد ثلاثة أيام. لذا أقترح أن تكلف إيرينا بمهامي غير الطبية، وأظل أنا على متن نيوتن مع الفريق البحري هيلمان والجنرال أوتول. وسوف أتابع بعناية بالغة سيرَ البعثة، وسأُوجد على الفور عند حدوث أي مشكلة طبية خطيرة. فيما عدا ذلك يمكن لجانوس أن يتولى أمر المسئوليات البيولوجية.»
مرةً أخرى ساد الصمت الغرفة. نظر دكتور براون إلى نيكول ثم إلى فرانشيسكا. وفي آخر المطاف أجابتها فرانشيسكا قائلة: «لماذا تودِّين البقاء على متن نيوتن؟ لقد ظننت أنكِ تتلهَّفين لرؤيةِ ما بداخل راما.»
أجابتها نيكول بطريقة غامضة: «كما ذكرت من قبل، إنها مسألة شخصية بالدرجة الأولى. ما زلت مرهقة للغاية من جرَّاء محنة بورزوف، ولديَّ كثير من العمل المكتبي لأنهيه. إلى جانب أن الرحلة الأولى سهلة. لذا أود أن أستريح تمامًا وأستعد للرحلة الثانية.»
قال ديفيد براون: «إنه لطلب غريب جدًّا، لكن في ظل الظروف الحالية، أعتقد أنه يمكننا أن نفعل هذا.» ثم طرَف بعينيه مرة أخرى إلى فرانشيسكا واسترسل قائلًا: «لكن هل يمكنك أن تسدي إلينا خدمة؟ إذا كنت لا تنوين دخول راما، أفيمكنك إذَن أن تتناوبي العمل مع أوتول كضابط اتصالات بين الفينة والفينة؟ من ثَم يتسنى للفريق البحري هيلمان أن يدخل راما …»
أجابته نيكول قبل أن ينهي كلامه: «بالطبع.»
رد عليها: «حسنًا. أعتقد أننا متفقان جميعًا. وسوف نغير بيان الرحلة الأولى. وأنت ستبقين على متن نيوتن.» بعد أن أنهى دكتور براون حديثه، لم تبرح نيكول كرسيها. فسألها وقد بدأ صبره ينفد: «أي خدمة أخرى؟»
أجابت: «وفقًا للإجراءات التي نتبعها، يعد الطبيب المسئول مذكرة اعتماد لرواد الفضاء قبل كل رحلة. أينبغي أن أقدم نسخة منها إلى الفريق البحري …»
قاطعها دكتور براون: «أعطيني كل هذه المذكرات. فالفريق البحري هيلمان غير معني بشئون العاملين.» نظر العالم الأمريكي إلى نيكول مباشرة. واستطرد قائلًا: «لكنك لست مضطرة لأن تعدي تقارير جديدة للرحلة الأولى. لقد قرأت كل الوثائق التي قدمتِها للجنرال بورزوف. وأرى أنها كافية تمامًا.»
لم تترك نيكول الفزع من نظرة الرجل الحادة الثاقبة يستبد بها. ففكرت في نفسها: «إذَن أنت تعرف ما قد كتبته عنك وعن ويلسون، وأنت تعتقد أنني ينبغي أن أشعر بالذنب أو بالخجل. حسنًا، أنا لا أشعر بهذا. ونظرتي لم تتغير لمجرد أنك أصبحت الآن المسئول من الناحية الظاهرية فقط.»
•••
في تلك الليلة واصلت نيكول تحقيقاتها. وقد أظهر تحليلها المفصَّل لبيانات الإحصاء البيولوجي الخاصة بالجنرال بورزوف، أنه قد تناول جرعات غير معتادة من مادتين كيميائيتين غريبتين قبل موته مباشرة. ولم تستطِع نيكول أن تكتشف مصدرهما. هل تناول دواءً دون علمها؟ هل من الممكن أن تكون تلك المواد الكيميائية المعروفة، وهي تسبب الألم (تُستخدم هذه المواد، وفقًا للموسوعة الطبية، لاختبار حساسية الألم لدى المرضى المصابين بالتهاب الأعصاب)، صُنعت داخليًّا بطريقةٍ ما نتيجة تفاعل الحساسية؟
وماذا عن جانوس؟ لماذا لا يتذكر وصوله إلى صندوق التحكم؟ ولماذا بات قليل الكلام ومنطويًا على نفسه منذ موت بورزوف؟ بدأت نيكول بعد منتصف الليل في غرفتها تستقبل الأفكار الغزيرة المتدفقة على ذهنها. قالت في سرها: «اليوم سيدخل أفراد الطاقم إلى راما وسأمكث أنا هنا وحدي. عليَّ أن أنتظر حتى ذلك الحين لأواصل بحثي.» غير أن نيكول لم تستطِع أن تُنحي كل الشكوك المتدفقة على ذهنها جانبًا. واستطردت تقول في نفسها: «أثَمَّة علاقة بين جانوس والدواء المكتشف في جسم بورزوف؟ هل من الممكن أن يكون موته ليس مجرد حادث عرَضي بالمرة؟»
أخرجت نيكول حقيبتها الخاصة من الخزانة الصغيرة. وفتحتها بعجالة فتبعثرت محتوياتها. أمسكت نيكول بمجموعة من صور عائلتها المتناثرة فوق سريرها. ثم جمعت معظم باقي الأشياء وأرجعتها إلى حقيبتها. احتفظت نيكول في يدها بمكعب البيانات الذي كان قد منحها إياه الملك هنري في دافوس.
ترددت قبل أن تدخل المكعب. وأخيرًا أخذت نفسًا عميقًا ووضعت المكعب في قارئ البيانات الإلكتروني. وعلى الفور ظهر على الشاشة قائمة تحتوي على ثمانية عشر ملفًّا. وكان بإمكانها أن تختار أيًّا من اثني عشر ملفًّا يخصون كل فرد من رواد الفضاء، أو أيًّا من ست مجموعات وثائق حول إحصاءات الطاقم. اختارت نيكول الملف الخاص بجانوس تابوري. كان هناك ثلاث قوائم فرعية تدور حول سيرته الذاتية: أولها قائمة بالبيانات الشخصية، ونبذة تاريخية، ثم تقييم نفسي. واستطاعت أن تستشف من أحجام الملفات المدرجة أن النبذة التاريخية تحتوي على معظم التفاصيل. فتحت نيكول ملف البيانات الشخصية أولًا كي تعتاد شكل الملفات.
لم يضف الجدول المختصر كثيرًا إلى معلوماتها. فجانوس يبلغ من العمر واحدًا وأربعين عامًا وعازب. وقبل أن يلتحق بالعمل لدى وكالة الفضاء العالمية كان يعيش بمفرده في مسكن في بودابست على بعد أربعة مبانٍ فحسب من منزل والدته التي طُلقت مرتين وتعيش بمفردها. وحصل جانوس على درجة البكالوريوس في الهندسة من جامعة المجر عام ٢١٨٣. إضافة إلى معلومات عادية مثل الطول، والوزن، وعدد الأشقاء، ويُدرج أيضًا في الجدول عدد من الأرقام مثل «تقييم الذكاء» و«معامل التكيف الاجتماعي». كان رقم تقييم الذكاء +٣٫٣٧، ومعامل التكيف الاجتماعي ٦٤.
رجعت نيكول إلى القائمة الرئيسية واستدعت مسرد المصطلحات لتسترجع تعريف تقييم الذكاء ومعامل التكيف الاجتماعي. كان المفترض أن رقم تقييم الذكاء يشير إلى القياس المركب للذكاء الشامل بالاستناد إلى مقارنة بأقرانه الطلاب حول العالم. فقد حصل كافة الطلاب على مجموعة من الاختبارات القياسية الموحدة عند وصولهم إلى فترة عمرية معينة، بين الثانية عشرة والعشرين. ودائمًا ما كان يشير المؤشر إلى أس في نظام عشري للقياس. والفرد الذي كان يحصل على صفر في هذا المقياس يعني أنه متوسط الذكاء. أما الرقم +١٫٠٠ فقد كان يشير إلى أن مستوى ذكاء الفرد يفوق ٩٠٪ من السكان، والرقم +٢٫٠٠ يعني أن مستوى الذكاء يفوق ٩٩٪ من السكان، والرقم +٣٫٠٠ يعني أن مستوى الذكاء يفوق ٩٩٫٩٪ من السكان، وهلم جرًّا. أما مؤشرات تقييم الذكاء السالبة فهي تشير إلى ذكاء دون المستوى. وقد حصل جانوس على +٣٫٣٧؛ مما جعله يتبوأ قمة الفئة التي تمثل ٠٫١٪ من السكان.
أما رقم معامل التكيف الاجتماعي فقد كان هناك تفسير أكثر بساطة. لقد كان يقوم أيضًا على مجموعة من الاختبارات القياسية الموحدة التي يخضع لها كافة الطلاب في المرحلة العمرية ما بين الثانية عشرة والعشرين، لكن التفسير هنا كان أيسر في فهمه. فقد كانت أعلى درجة هي ١٠٠. فالشخص الذي كان يقترب من رقم ١٠٠، هو شخص بالفعل يحبه الجميع ويحترمونه، ويمكنه أن ينسجم مع أي مجموعة تقريبًا، ولا يكون محبًّا للنزاع البتة أو متقلب المزاج، ويكون جديرًا بالثقة للغاية. وثمة حاشية ملحقة بتفسير كيفية قياس معامل التكيف الاجتماعي تقر بأن الاختبارات التحريرية لا يمكنها أن تقيس بالضبط الخصال الشخصية في كل الأحوال، وعليه ينبغي استخدام هذه الأرقام بحذر.
وكانت نيكول تذكر نفسها من وقت لآخر بأن تقارن فيما بين درجات تقييم الذكاء ومعامل التكيف الاجتماعي لسائر الرواد. بعدئذٍ دخلت على ملف النبذة التاريخية الخاص بجانوس تابوري. وعلى مدار ستين دقيقة تالية ظلت نيكول مشدوهة. فبصفتها الطبيبة المسئولة، فحصت نيكول بالطبع الملفات الرسمية للعاملين بوكالة الفضاء العالمية الخاصة بكل أفراد الطاقم. وإذا كانت بيانات جانوس تابوري الموجودة على المكعب الذي أعطاها إياه الملك هنري صائبة (وهي لا تملك أي طريقة للمعرفة على أي حال)، فإن ملفات وكالة الفضاء العالمية تكون ناقصة للأسف.
كانت نيكول تعرف من قبلُ أن جانوس اختير مرتين ليكون الطالب المثالي في كلية الهندسة بجامعة المجر، لكنها لم تكن تعلم أنه كان يرأس جمعية بودابست للطلاب الشواذ على مدار عامين. وكانت على علم بأنه التحق بأكاديمية الفضاء عام ٢١٩٢ وأنهى دراسته في ثلاث سنوات فحسب (يُعزى ذلك إلى خبرته السابقة مع المشاريع السوفييتية الهندسية الضخمة)، لكنها لم تُخبر على الإطلاق أنه تقدم مرتين من قبل للالتحاق بالأكاديمية ورُفض في المرتين. فبالرغم من إحرازه لدرجات مرتفعة للغاية تمكنه من الالتحاق، فقد أخفق مرتين في المقابلات الشخصية التي أجراها، وفي كلتا المرتين كان الجنرال فاليري بورزوف هو الذي يرأس لجنة المقابلات الشخصية. وكان جانوس ناشطًا في العديد من منظمات الشواذ حتى عام ٢١٩٠. ومنذ ذلك الحين استقال منها جميعًا ولم يعد ينضم إلى أي أنشطة للشواذ أو يشارك فيها. ولم يكن أيٌّ من هذه المعلومات مسرودًا في الملف الخاص به بالوكالة.
اندهشت نيكول كثيرًا مما علمت. ولم يكن ما أزعجها هو أن يكون جانوس شاذًّا (أو كان)، فلم يكن لدى نيكول محاباة أو تحيز عندما يتعلق الأمر بمسألة التوجه الجنسي. لكن ما أثار سخطها في المقام الأول هو احتمالية أن يكون الملف الرسمي الخاص به قد خضع عن عمد لإخفاء أي إشارات إلى الشذوذ الجنسي أو تعامله السابق مع الجنرال بورزوف.
وكانت المدخلات الأخيرة أيضًا في النبذة التاريخية مفاجئة لنيكول. فطبقًا لما جاء بالملف، إنه من المفترض أن جانوس قد وقع عقدًا مع شميت وهاجينيست، شركة النشر الألمانية الاحتكارية، في الأسبوع الأخير من ديسمبر، قُبيل الانطلاق مباشرة. وكان دوره يتمحور حول تقديم بعض «الأمور الاستشارية» المبهمة لمجموعة كبيرة من المساعي الإعلامية في المرحلة التي تعقب عودة نيوتن، في مساندة لما يُعرَف ﺑ «مشروع براون-ساباتيني». وقد حصل الرائد الفضائي جانوس على أتعاب مبدئية قدرها ثلاثمائة ألف مارك ألماني عند التوقيع. وبعد مرور ثلاثة أيام دخلت والدته — التي كانت تنتظر ما يقرب من عام زراعة مخ صناعي جديد كي يبطل التلف الناجم عن مرض زهايمر — مستشفى بافارين في ميونيخ لإجراء عملية جراحية في جهازها العصبي.
•••
أصيبت عينا نيكول بإجهاد وحرقان شديدين؛ فقد أنهت ملف دكتور ديفيد براون الشامل. وفي غضون الساعات التي كانت تدرس فيها النبذة التاريخية الخاصة به، صنعت لنفسها ملفًّا فرعيًّا خاصًّا للبنود المتضمنة في النبذة التي كانت ذات أهمية خاصة لها. وقبل أن تترك نفسها للنعاس مجددًا، أخذت نيكول تجول في هذا الملف الفرعي الخاص مرة أخرى.
- في صيف عام ٢١٦١: التحق براون الذي كان آنذاك في الحادية عشرة من عمره، بمعسكر لونجهورن تبعًا لرغبة والده رغم معارضة والدته الشديدة. وكان يميز هذه المعسكرات الصيفية النموذجية التي تقع في ريف جبلي بولاية تكساس، المعدة من أجل غلمان الطبقة الأرستقراطية، توافر الألعاب الرياضية من كل نوع، مثل الرماية، والحِرف اليدوية، والتنزه سيرًا على الأقدام. وكان كل عشرة غلمان يعيشون في ثُكنة واحدة، ولم يكن براون يتمتع بأي شعبية على الإطلاق. وفي اليوم الخامس من المعسكر، أمسك به رفقاء الحجرة وهو خارج من الحمام بعد الاستحمام ودهنوا أعضاءه الجنسية باللون الأسود. رفض براون التحرك من فراشه إلى أن وصلت والدته التي قطعت مسافة نحو مائتَي ميل كي تأخذه وتعود به إلى المنزل. وبعد هذه الحادثة تجاهل الأب ابنه تمامًا.
- في سبتمبر ٢١٦٦: بعد أن تخرَّج من إحدى المدارس الثانوية الخاصة بأعلى الدرجات، التحق بكلية الفيزياء بجامعة برينستون. لكنه لم يمكث في نيو جيرسي سوى ثمانية أسابيع. وأنهى دراسته الجامعية من جامعة سازرن ميثوديست وهو جالس في المنزل.
- يونيو ٢١٧٣: حصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء وعلم الفلك من جامعة هارفارد. وقال عنه ويلسون براونيل، الذي كان يشرف على رسالته، إنه: «طالب طموح ومجتهد.»
- يونيو ٢١٧٥: أنهى براون بحث ما بعد الدكتوراه حول نشوء النجوم بالتعاون مع برين موريتشسون بجامعة كامبريدج.
- أبريل ٢١٨٠: تزوَّج من جانيت هادسون من مدينة باسادينا بكاليفورنيا. وكانت السيدة هادسون قد تخرجت في كلية علم الفلك بجامعة ستانفورد. وقد أنجبا طفلتهما الوحيدة أنجيلا في ديسمبر ٢١٨٤.
- نوفمبر ٢١٨١: رفضت لجنة التقييم بقسم دراسة علم الفلك بجامعة ستانفورد تعيينه في القسم؛ إذ اعتقد اثنان من أعضاء اللجنة أن براون قد زيف بعض البيانات العلمية في العديد من منشوراته العلمية. ولم يُبت في هذه القضية بعد.
- يناير ٢١٨٤: عُين في اللجنة الاستشارية الأولى بوكالة الفضاء العالمية. وقد أعدَّ خططًا شاملة لنشر سلسة من التلسكوبات الفلكية الحديثة الكبيرة في الجانب المعتم للقمر.
- مايو ٢١٨٧: رأسَ براون قسم الفيزياء والفلك في جامعة سازرن ميثوديست بدالاس في تكساس.
- فبراير ٢١٨٨: الشجار مع ويندل توماس، المدرس بجامعة برينستون، في الرواق خارج اجتماع الجمعية الأمريكية لتطوير العلوم الذي عُقد بشيكاجو. وكان توماس قد أصر على أن براون سرق بعض الأفكار التي كانا قد ناقشاها معًا ونشرها باسمه.
- أبريل ٢١٩٠: أثار ضجة في الدوائر العلمية، ليس فقط عن طريق نشر النماذج المنقطعة النظير لعملية انفجارات السوبرنوفا، ولكن أيضًا لتنبئه بحدوث عملية انفجارات السوبرنوفا في منتصف مارس عام ٢١٩١. وقد جرى هذا البحث بالتعاون مع إيلين برنستن القادمة من نيويورك، التي كانت تعد الدكتوراه في جامعة سازرن ميثوديست. وقد أكد زملاؤها بشدة على أنها تتمتع بالفعل ببصيرة نافذة. وانطلق براون إلى عالم الشهرة، نتيجة لتنبئه الجريء والصائب.
- يونيو ٢١٩٠: طلق براون زوجته التي كان منفصلًا عنها ثمانية عشر شهرًا. وقد بدأ الانفصال بعد ثلاثة أشهر من بدء إيلين برنستن دراستها العليا.
- ديسمبر٢١٩٠: زواجه من الآنسة برنستن في دالاس.
- مارس ٢١٩١: سطوع سوبرنوفا ٢١٩١ في السماء المظلمة كما تنبأ براون وآخرون.
- يونيو ٢١٩١: توقيع براون عقد تحرير مقالات علمية مع هيئة الإذاعة الكولمبية مدته سنتان. انتقل بعدها إلى العمل بجامعة كولمبيا البريطانية عام ٢١٩٤، ثم إلى المحطة التلفزيونية «أي إن إن» في ٢١٩٧ بتزكية من وكيل أعماله.
- ديسمبر ٢١٩٣: مُنح أعلى ميداليات وكالة الفضاء العالمية نظير إنجازاته العلمية البارزة.
- نوفمبر ٢١٩٩: وقع عقدًا حصريًّا بملايين الماركات لعدة سنوات مع شميت وهاجينيست ﻟ «استغلال» تطبيقات بعثة نيوتن التجارية الممكنة كافة، بما في ذلك الكتب والفيديوهات والمواد التعليمية. وقد كوَّن فريقًا بمشاركة فرانشيسكا ساباتيني باعتبارها مديرًا آخر للمشروع، ورائدَي الفضاء هيلمان وتابوري باعتبارهما مستشارين. وقد حصل نظير التوقيع على مليونَي مارك أُودعت في حساب سري بإيطاليا.
أيقظ المنبه نيكول بعد أن راحت في سبات لما يقرب من ساعتين فحسب. وبصعوبة شديدة غادرت فراشها، وأنعشت جسدها بالاستحمام في الحوض القابل للطي. ثم تحركت بتؤدة في الممر وانعطفت نحو الردهة. كان يجتمع هناك الرواد الأربعة الجدد حول ديفيد براون في مركز التحكم في استطلاع متحمس لتفاصيل الرحلة الأولى.
كان ريتشارد ويكفيلد يقول: «حسنًا، سنركز اهتمامنا على المقاعد الفردية الطائرة الخفيفة الوزن بالقرب من درجات السلم اليمنى واليسرى، وسنعمل مصعدًا للأحمال الثقيلة يمتد من المحور إلى السهل الرئيسي. وعندئذٍ يمكننا أن نقيم مركز تحكم مؤقتًا على حافة السهل، ثم نجمع أجزاء الطوافات الثلاثة ونختبر عملها. وسنبيت هذه الليلة في مخيمات مؤقتة، ثم نقيم مخيمًا في موقع بيتا بالقرب من حافة البحر الأسطواني غدًا. وسوف نرجئ تجميع الطائرتين المروحيتين وإطلاقهما للغد، أما ناقلات الطوارئ والقوارب البخارية فلليوم الثالث.»
أجاب دكتور براون: «إنه لموجز رائع. وستذهب فرانشيسكا مع أربعتكم وأنتم تؤسسون البنية التحتية هذا الصباح. وعندما تنتهون من تثبيت المقاعد الخفيفة الوزن وتشغيلها، سوف نلحق بكم أنا والفريق البحري هيلمان بمعية دكتور تاكاجيشي والسيد ويلسون. سنبيت جميعنا بداخل راما الليلة.»
سأل جانوس تابوري إيرينا تورجينيف: «كم معك من الشُّعَل التي تستمر مضاءة لفترة طويلة؟»
أجابته إيرينا: «اثنتا عشرة. ويُفترض أنها تكفي ليوم.»
قال دكتور تاكاجيشي: «والليلة، عندما نذهب للمبيت هناك، ستكون ليلة حالكة السواد أكثر من أي ليلة شاهدتموها في حياتكم قط. فلن يكون هناك قمر أو أي نجوم أو انعكاس لأي ضوء من الأرض، فقط ظلام مُدلهم في كل الأرجاء.»
سأل ويكفيلد: «وكم ستكون درجة الحرارة؟»
أجابه العالم الياباني: «نحن لا نعلم بالضبط. وطائرات الاستطلاع الخارجية لا تحمل سوى كاميرات. لكن درجة الحرارة في المنطقة بالقرب من طرف النفق كانت هي نفسها في مركبة راما ١. وإن دل ذلك على شيء، فإنه يدل على أن درجة الحرارة ينبغي أن تكون نحو عشر درجات تحت درجة التجمد في موقع المخيم.» وانقطع تاكاجيشي عن الكلام لحظة. ثم تابع قائلًا: «وتصبح أكثر دفئًا. ونحن نوجد الآن داخل مدار كوكب الزهرة. ونتوقع سطوع الضوء في غضون ثمانية أيام أُخر أو تسعة، يعقب ذلك مباشرةً ذوبان البحر الأسطواني بدءًا من القاع.»
عندئذٍ قاطعه ديفيد براون بسخرية: «مهلًا. تتكلم وكأنك واثق تمامًا من كل ما تقوله. ولا تبدو محددًا في «كل» عباراتك، بل في بعضها فقط.»
أجاب تاكاجيشي: «لأن كل البيانات الخاصة بهذه السفينة الفضائية تشير إلى أنها تشبه مثيلتها التي كانت موجودة منذ سبعين عامًا مضت، وكل مدًى تزداد احتمالية أن تكونا متطابقتين. وحتى الآن، إذا غضضنا الطرف عن التوقيت الدقيق لمناورة التصحيح، نجد أن المركبتين متطابقتان في كل شيء.»
دنت نيكول من الجماعة. فقال جانوس بابتسامته العريضة المعهودة: «انظروا، مَن هنا! الرائدة الخامسة والأخيرة.» ولاحظ جانوس عينَي نيكول المنتفختين. فأردف قائلًا: «إن قائدنا الجديد محق. فأنت تبدين بالفعل بحاجة ماسة إلى بعض الراحة.»
قاطعه ريتشارد ويكفيلد: «أما أنا فأشعر بالإحباط؛ لأن الذي سيساعدني الآن في تجميع الطوافة هو ياماناكا بدلًا من السيدة نيكول. فعلى الأقل يمكنني أن أتجاذب مع الطبيبة أطراف الحديث. ربما عليَّ أن أتلو على نفسي أعمال شكسبير كي أبقى مستيقظًا.» ثم ضرب ياماناكا في ضلوعه مداعبًا إياه. ابتسم الطيار الياباني ابتسامة خفيفة.
قالت نيكول: «أتمنى لكم جميعًا حظًّا سعيدًا. ولكن كما تعلم، فأنا متيقنة من أن دكتور براون قد أخبرك، ما زلت أشعر بالإعياء الشديد حتى إنني لن أستطيع مساعدتك. وينبغي أن أسترد نشاطي وأتهيأ للرحلة الثانية.»
علقت فرانشيسكا ساباتيني، وقد نفد صبرها، بعدما جالت بكاميراتها في كل أرجاء الغرفة، والتقطت لقطة أخيرة قريبة لكل وجه: «حسنًا. هل أنتم مستعدون الآن؟»
قال ويكفيلد: «هيا بنا.» ثم اتجهوا صوب غرفة معادلة الضغط في مقدمة سفينة الفضاء نيوتن.