الاستقراء
انتهت نيكول من تناول غدائها الذي كان عبارة عن لحم بط وبروكلي وبطاطس مهروسة. أما باقي الرواد فكانوا لا يزالون يأكلون، وساد المائدةَ الطويلةَ هدوءٌ مؤقت. وفي الركن بالمدخل، كانت هناك شاشة ترصد موقع السرطانات الآلية. ولم يتغير نمطهم في الأداء بعد. وكانت الصورة الموجودة على شاشة الرادار التي تظهر السرطانات، تتحرك في اتجاه واحد لمدة تزيد قليلًا عن عشر دقائق ثم ترجع ذاتيًّا إلى موضع البداية مرة أخرى.
سأل ريتشارد ويكفيلد: «ماذا يفعلون بعدما ينتهون من هذه البقعة؟» نظر إلى خارطة إلكترونية للمنطقة ملصقة على لوحة إعلانات مؤقتة.
أجابته فرانشيسكا من الطرف الآخر للطاولة: «في المرة الأخيرة، سلكوا أحد هذه الممرات الموجودة بين أقسام رقعة الشطرنج حتى وصلوا إلى حفرة.» وأردفت: «ثم ألقوا نفايتهم فيها. ولم يلتقطوا أي شيء من هذه البقعة الجديدة، أما ماذا سيفعلون بعدما ينتهون من عملهم، فلا أحد يعلم.»
سأل ريتشارد: «أيوقن الجميع أن السرطانات الآلية هي في الحقيقة رجال تجميع النفاية؟»
قال ديفيد براون: «الدليل بيِّن للغاية. لقد كان يُعتقد أيضًا أن السرطان الآلي الذي كان يسير بمفرده وقابله جيمي بارك داخل مركبة راما الأولى مجمع نفاية.»
تدخَّل شجيرو تاكاجيشي في الحديث بعد صمت طويل: «نحن نداهن أنفسنا.» ثم انتهى من مضغ قضمته الأخيرة وابتلعها. وقال: «إن دكتور براون هو الذي قال بنفسه إنه من المستبعد أننا كبشر يمكننا أن نسبر غور راما. إن حديثنا هذا يذكرني بذلك المثل الهندوسي القديم حول الرجال العمي الذين تحسسوا الفيل. لقد وصفه كل واحد على حدة بطريقة مختلفة عن الآخر؛ إذ لم يلمس كل واحد منهم سوى جزء صغير من الحيوان. ولم يكن أيٌّ منهم على حق.»
عندئذٍ تساءل جانوس تابوري: «ألا تعتقد أن السرطانات تعمل في قسم الصرف الصحي في راما؟»
رد عليه تاكاجيشي: «لم أقل ذلك. أنا أرى فقط أنها عجرفة من جانبنا أن نستنتج بهذه السرعة أن المخلوقات الستة ليس لديها أي أغراض أخرى سوى التخلص من النفاية. إن بياناتنا المتعلقة بالمراقبة، للأسف، غير كافية.»
رد عليه دكتور براون بحدة: «أحيانًا يكون من الضروري أن نستقرئ بل أن نتكهن بالاستناد إلى أدنى قدر من البيانات. أنت تعرف بنفسك أن العلم الحديث يقوم على أكبر قدر من الاحتمالية وليس اليقينية.»
قاطعهم جانوس بابتسامة قائلًا: «قبل أن نخوض في نقاش خاص بالعلم ومناهج بحثه، لديَّ اقتراح رياضي لكما.» ثم وقف في مكانه. وقال: «في الواقع هي فكرة ريتشارد في الأصل، وأنا صغتها في صورة لعبة. وهذه اللعبة تتعلق بالأضواء.»
احتسى جانوس رشفة سريعة من الماء من كوبه. وقال بنبرة رسمية: «بما أننا وصلنا هنا أولًا إلى أرض راما، كان هناك ثلاث مراحل انتقالية في حالة الإضاءة.»
أطلق ويكفيلد صيحة استهجان: «سحقًا. سحقًا»؛ فضحك جانوس.
استرسل المجري الضئيل الحجم بطريقته الارتجالية قائلًا: «حسنًا، يا رجال، ما الخَطب مع الأضواء؟ لقد أضاءت فجأة، ثم انطفأت، ثم أضاءت الآن ثانية. ماذا سيحدث في المستقبل؟ أقترح أن نُجري رهانًا وكل فرد يدفع مثلًا عشرين مارك. وكلٌّ منا سيتنبأ بسلوك الأضواء خلال الوقت المتبقي من البعثة، وسيفوز صاحب أقرب توقع بالمبلغ المراهن به.»
تساءل ريجي ويلسون بنبرة ناعسة: «ومن الذي سيحدد الفائز؟» لقد تثاءب مرات عديدة في غضون الساعة السابقة من شدة النعاس. وأردف: «مع أن هناك زمرة منتقاة من العقول المتميزة ملتفة حول هذه الطاولة، فإنني لا يخال لي أن أحدًا استطاع أن يميز راما بعد. اعتقادي الشخصي أن الأضواء لن تتبع أي نمط بعينه. سوف تظل تضيء وتنطفئ في أوقات عشوائية حتى نظل نُخمن طوال الوقت.»
أجابه جانوس: «دَوِّن هذا وأرسله عبر المودم إلى الجنرال أوتول. لقد اتفقنا أنا وريتشارد على أنه سوف يقدم حكمًا سديدًا. وبانتهاء البعثة سوف يقارن التكهنات بالواقع وسوف يفوز أحدنا بعشاء شهي لفردَين.»
دفع دكتور براون بكرسيه للخلف بعيدًا عن الطاولة. ثم سأل: «هل انتهيت من لعبتك يا تابوري؟» ثم أضاف دون أن ينتظر رده: «إن كان كذلك، فربما يمكننا أن نتخلص من فوضى الغداء هذه، ونواصل خطة العمل المدرَجة بجدولنا.»
قال جانوس: «أهلًا، أيها القائد. أنا أحاول أن أخفف من حدة التوتر فحسب. الجميع مشدودون …»
خرج براون من الكوخ قبل أن يكمل الرائد تابوري جملته.
سأل ريتشارد فرانشيسكا: «ما الذي يزعجه؟»
أجابته فرانشيسكا: «أظن أنه قلق إزاء موضوع الاقتناص. لقد كان متعكر المزاج منذ الصباح. لعله يشعر بثقل المسئولية الواقعة على عاتقه.»
قال ويلسون: «أو لعله مجرد شخص حقير.» ثم نهض من مكانه. وقال: «سأذهب لأغفو قليلًا.»
وبينما كان ويلسون يهم بمغادرة الكوخ الكبير، تذكرت نيكول أنها تريد إجراء فحص الإحصاء البيولوجي للجميع قبل القيام بعملية الصيد والاقتناص. لقد كانت مهمة غاية في السهولة واليسر. فكل ما عليها فعله هو تشغيل شاشتها والوقوف بالقرب من كل رائد لما يقرب من خمس وأربعين ثانية ثم قراءة البيانات المهمة على الشاشة. وإن لم يكن هناك مدخلات في ملفات التحذير، تسير العملية بأكملها بطريقة سلسة. وفي هذا الفحص الخاص، كان الجميع يخلون من أي اضطرابات بما فيهم تاكاجيشي. قالت نيكول لزميلها الياباني بهدوء شديد: «الأمور تسير على ما يرام.»
خرجت نيكول بحثًا عن ديفيد براون وريجي ويلسون. كان كوخ دكتور براون في أقصى المخيم. كان كوخه، مثل باقي السكنات الفردية، يشبه قبعة رفيعة وطويلة منكسة على الأرض. وكانت كل الأكواخ تتلون باللون الأبيض الضارب للصفرة، ويبلغ طولها نحو مترين ونصف، وقاعدة مستديرة يبلغ قطرها أقل من المترين. وقد صنعت بحيث تكون خفيفة الوزن جدًّا، من مواد مرنة تتمتع بخاصيتَي الطي والتخزين السهلين وقوة تحمُّل عالية. لاحظت نيكول أن هذه الأكواخ تشبه الخيام المخروطية المصنوعة من جلود الحيوانات التي كان يسكن فيها سكان أمريكا الأصليون من الهنود.
كان ديفيد براون في كوخه يجلس القرفصاء على الأرض أمام شاشة كمبيوتر محمول. وكان على الشاشة نص من الفصل الذي يدور حول الكائنات الآلية من «أطلس راما» الذي أعده تاكاجيشي. قالت نيكول وهي تُطل برأسها من الباب: «معذرة يا دكتور براون.»
أجاب دون أي محاولة لإخفاء انزعاجه بسبب مقاطعتها له: «نعم، ما الأمر؟»
قالت نيكول: «عليَّ أن أتفقَّد بيانات إحصائك البيولوجي. فأنت لم تخضع للفحص منذ قُبيل الرحلة الأولى.»
رمقها براون بنظرة ساخطة. لم تتراجع نيكول عن موقفها. رفع الرجل الأمريكي كتفيه بلا مبالاة، متبرمًا، ثم التفت نحو الشاشة. جثت نيكول بجانبه ثم أدارت جهاز الفحص.
واقترحت عليه نيكول حين رأته يتململ في وقفته على نحو غير مريح: «ثَمة بعض الكراسي التي تُطوى بأعلى في كوخ المؤن.» بيد أنه تجاهل اقتراحها. ووجدت نيكول نفسها تتساءل: «لماذا يتعامل معي بهذه الطريقة الوقحة؟ هل بسبب التقرير الذي أعددته حوله وحول ويلسون؟» أجابت نيكول على نفسها: «لا، ولكن لأنني لم أذعن له كما يشاء.»
بدأت البيانات تظهر على شاشة نيكول. وأخذت نيكول تضغط بحذر على عدة مفاتيح للمدخلات مما سمح بظهور ملخص للبيانات التحذيرية. ثم قالت بنبرة تخلو من أي عاطفة: «لقد كان ضغط دمك مرتفعًا جدًّا على فترات متقطعة على مدار الاثنتَين والسبعين ساعةً الأخيرة، بما في ذلك اليوم بأكمله تقريبًا. وهذا النمط بالأخص يصاحبه إجهاد.»
توقف دكتور براون عن القراءة عن الكائنات الآلية والتفت ليواجه الطبيبة المسئولة. نظر إلى البيانات الظاهرة على الشاشة دون أن يعي أيًّا منها. قالت نيكول وهي تشير إلى الشاشة: «يبين هذا الرسم البياني مدى ما مررت به من اضطرابات وفتراته. ولا يمثل أحدها على حدة خطورة في حد ذاته. لكن النمط الإجمالي هو ما يثير القلق.»
همهم قائلًا: «لقد كنت تحت ضغط.» وكان ديفيد براون يلاحظ نيكول وهي تستدعي بيانات أخرى تدعم إفاداتها الأصلية. وكان العديد من ملفات التحذير الخاصة ببراون ممتلئة عن آخرها.
استمرت الأضواء تومض على الشاشة. فسألها: «ما هو أسوأ سيناريو متوقع؟»
حدقت نيكول في مريضها. وقالت: «يمكن أن تصاب بسكتة دماغية تُفضي إلى الشلل أو الموت. هذا إذا استمر هذا الوضع أو ساء.»
سألها: «ماذا ينبغي أن أفعل؟»
أجابته نيكول: «قبل كل شيء، عليك أن تبدأ بالحصول على قسط أكبر من النوم. تبين حالة الأيض الخاصة بك أن إجمالي عدد ساعات النوم التي حصلت عليها منذ موت الجنرال بورزوف هي إحدى عشرة ساعة فحسب من الراحة المتواصلة. لمَ لم تخبرني بأنك تعاني اضطرابات في النوم؟»
«لقد اعتقدت أنه مجرد انفعال. حتى إنني تجرَّعت حبة منوِّمة في إحدى الليالي ولم يكن لها أدنى تأثير.»
تجهَّم وجه نيكول. ثم قالت: «لا أتذكر أني أعطيتك أي حبات منوِّمة.»
ابتسم دكتور براون. وقال: «تبًّا، لقد نسيت أن أبلغك. لقد كنت أتحدَّث إلى فرانشيسكا ساباتيني بخصوص معاناتي من الأرق في إحدى الليالي، فقدمت إليَّ حبة. وأخذتها دون تفكير.»
سألت نيكول: «متى كان هذا؟» غيَّرت نيكول العرض الظاهر على شاشتها مرة أخرى واستدعت مزيدًا من البيانات من وحدة التخزين المؤقتة.
قال دكتور براون بعد تردد: «لست متأكدًا. أعتقد أنه …»
قالت نيكول: «ها هي. يمكنني أن أرى هذا في التحليل الكيميائي. كان هذا في الثالث من مارس، الليلة التالية لموت بورزوف. يوم اختيارك أنت وهيلمان قائدين مشاركين. ويمكنني أن أستشف من هذا الانحراف المفاجئ في بيانات المطياف أنك قد تناولت حبة واحدة من عقار مدفيل.»
«هل استدللت على «ذلك» من بيانات إحصائي البيولوجي؟»
قالت نيكول مبتسمة: «ليس تمامًا. فالتفسير وحده غير كافٍ. إن الأمر مثلما ذكرت أنت في وقت الغداء، أحيانًا ما يتطلب الأمر أن نستقرئ … ونتكهَّن.»
تلاقت أعينهما للحظة. تساءلت نيكول في نفسها في حين كانت تحاول أن تفسر نظرة عينيه: «أيمكن أن يكون هذا خوفًا؟» أشاح دكتور براون بنظره بعيدًا. ثم قال بطريقة قاسية: «أشكرك يا دكتورة نيكول على تقريرك حول ضغط دمي. سأحاول أن أسترخي وأنال قسطًا وافيًا من النوم. وأعتذر من عدم إخبارك بشأن الحبة المنومة.» ثم أشار لها أن تنصرف بيديه.
بدا أن نيكول سوف تُعرِب عن أنها لم تنتهِ من حديثها بعد لكنها منعت نفسها. قالت نيكول لنفسها وهي تسير باتجاه كوخ ويلسون: «لن يأخذ بنصيحتي على أي حال. كما أن ضغط دمه ليس في حالة حرجة بلا أدنى شك.» وأخذت تفكر بشأن الدقيقتين الأخيرتين من حديثهما اللذين شابهما التوتر بعدما أذهلته بتحديدها الصائب لنوع الحبة المنومة. وقالت في نفسها: «ثَمة شيء مغلوط هنا. ما الذي فاتني؟»
وكانت تسمع غطيط ريجي ويلسون قبل وصولها لباب كوخه. وبعد مناقشة قصيرة مع نفسها، قررت نيكول أن تفحصه بعد استيقاظه. اتجهت نيكول إلى كوخها، وغفت سريعًا. وبينما هي نائمة اخترق صوت وأيقظها من أحلامها. قال الصوت: «نيكول. نيكول دي جاردان. أنا فرانشيسكا. أود التحدث إليكِ.» وأيقظها.
استيقظت نيكول بتؤدة على فراشها. كانت فرانشيسكا قد دخلت الكوخ بالفعل. وعلا وجْهَ المرأة الإيطالية أرقُّ ابتسامة لها، تلك الابتسامة التي كانت تعرف نيكول جيدًا أنها تختلقها عند التصوير.
قالت فرانشيسكا عندما دنت من الفراش: «كنت أتحدث مع ديفيد من دقائق قلائل وأخبرني بشأن الحديث الذي دار بينكما بعد الغداء.» وبينما كانت نيكول تتثاءب وتتدلى قدمها نحو الأرض، واصلت فرانشيسكا حديثها. قالت: «بالطبع، كان يساورني قلقٌ شديد بشأن ضغط دمه — لا تقلقي، لقد اتفقنا أنا وهو بالفعل على ألا أنشر هذا — لكن ما أزعجني حقًّا هو ما ذكرني ديفيد به، ألا وهو أننا لم نخبرك البتة بشأن الحبة المنومة. أشعر بالحرج الشديد. كان يجدر بنا أن نخبرك في الحال.»
كانت فرانشيسكا تتحدث إلى نيكول بسرعة كبيرة. كانت نيكول من لحظات قليلة مستغرقة في سبات عميق تحلم ببوفوا، والآن، دون أي مقدمات، وجدت نفسها تُنصت إلى اعتراف عقيم من الرائدة الإيطالية.
سألتها نيكول بحدة: «أيمكنك أن تنتظري دقيقة حتى أفيق؟» ثم مالت ناحية فرانشيسكا ناحية الرف الذي يُستعمل كطاولة لتتناول كوبًا من الماء. وتجرعته بتؤدة.
قالت نيكول: «هل لي أن أفهم الآن؟ أتوقظينني من نومي كي تخبريني بأنك قد أعطيت دكتور براون حبة منومة، وهو شيء أعلمه بالفعل؟»
ابتسمت فرانشيسكا وقالت: «بلى. أقصد أن هذا جزء مما جئت لأخبرك به. لكن أدركت أنني قد نسيت أن أخبرك بشأن ريجي أيضًا.»
هزَّت نيكول رأسها. وقالت: «أنا لا أتابع حديثك، يا فرانشيسكا. أتتحدثين عن ريجي ويلسون الآن؟»
ترددت فرانشيسكا لحظة. ثم قالت: «بلى. ألم تفحصيه بجهاز الفحص بعد الغداء مباشرة؟»
هزَّت نيكول رأسها نافيةً مرةً أخرى. وأجابتها: «لا، لقد كان نائمًا بالفعل.» ثم نظرت في ساعتها. وأردفت: «لقد كنت أنوي أن أفحصه قبل بدء الاجتماع. ربما بعد ساعة من الآن.»
ارتبكت فرانشيسكا. ثم قالت: «حسنًا، عندما أخبرني ديفيد أن حبة المدفيل قد ظهرت في بيانات إحصائه البيولوجي، ظننت أن …» توقفت فرانشيسكا عن الكلام في منتصف الجملة. وبدا وكأنها تجمع أفكارها. انتظرت نيكول بصبر.
وأخيرًا أردفت فرانشيسكا قائلة: «بدأ ريجي يشكو من ألم في رأسه من فترة تزيد عن الأسبوع بعدما انضمَّت مركبتا نيوتن للالتقاء براما. ونظرًا لأننا صديقان حميمان، وهو لديه علم بمعرفتي بالأدوية — فأنت تعرفين أنني أستقي هذه المعلومات من عملي في البرامج الوثائقية — فقد طلب مني إن كان بإمكاني أن أعطي له شيئًا للصداع. لقد رفضت في البداية، لكن في آخر الأمر، بعد إلحاح مستمر، أعطيته عقار نيوبيترول.»
تجهمت نيكول. وقالت: «إن هذا عقار قوي للغاية بالنسبة لصداع بسيط. لا يزال هناك بعض الأطباء الذين يرون أنه لا ينبغي وصفه إلا عند الضرورة القصوى …»
أجابت فرانشيسكا: «لقد أخبرته كل هذا. لكنه صعب المراس جدًّا. أنت لا تعرفين ريجي. أحيانًا لا يمكنك إقناعه مطلقًا.»
سألتها نيكول: «ما الكمية التي أعطيتها له؟»
أجابتها فرانشيسكا: «ثماني حبات؛ أي نحو مائتَي مليجرام في المجمل.»
مالت نيكول والتقطت كمبيوتر الجيب الخاص بها الموضوع في طرف الطاولة. وقالت: «لا عجب إذن أنه كان يتصرف بمثل هذه الطريقة الغريبة.» ودخلت نيكول على قاعدة البيانات الطبية الخاصة بها، وقرأت البيانات المختصرة المدرَجة عن النيوبيترول. وعلقت: «لا يوجد الكثير بشأنه هنا. سوف أطلب من أوتول أن ينقل إليَّ البيان الكامل عنه من الموسوعة الطبية. لكن على ما أذكر، ألم يكن هناك جدال بشأن بقاء النيوبيترول في النظام لأسابيع؟»
ردت فرانشيسكا: «لا أذكر.» ثم نظرت إلى الشاشة في يد نيكول وقرأت النص المكتوب سريعًا. كانت نيكول منزعجة. وشرعت في أن تعنف فرانشيسكا لكنها عدلت عن ذلك في اللحظة الأخيرة. وقالت في نفسها: «إذَن أنت أعطيت عقاقير لكلٍّ من ديفيد وريجي.» ثم جال بخاطر نيكول ذكريات صور مبهَمة لفرانشيسكا وهي تقدم لفاليري بورزوف كأس خمر قبل موته بعدة ساعات. عندئذٍ سرَت قشعريرة غريبة في بدن نيكول. أيمكن أن يكون حدسها صائبًا؟
استدارت نيكول ورمقت فرانشيسكا بنظرة فاترة. ثم قالت: «الآن أنت تعترفين بأنك لعبت دور الطبيب والصيدلي لكلٍّ من ديفيد وريجي، هل هناك شيء آخر تودين إخباري إياه؟»
سألتها فرانشيسكا: «ماذا تقصدين؟»
ردت نيكول: «هل أعطيتِ أدوية لأي أحد آخر من أفراد الطاقم؟»
شعرت نيكول بتسارع نبضات قلبها إذ شحب وجه فرانشيسكا شحوبًا طفيفًا وترددت قبل الرد.
ثم جاء ردها: «لا. لا، بالطبع لا.»