هدايا الأب الثلاث
كان لويس الثالث عشر، مَلِك فرنسا، مِن أبرع مَن استخدموا السيف في مملكته، ومع ذلك، فكثيرًا ما سُمِعَ يردد: «لو كان لي صديقٌ يريد المبارزة، ويحتاج إلى من يبارزه، فإني أنصحُه بأن يختارني أنا أولًا، ثم تريفي من بعدي، أو ربما تريفي أولًا.»
وكان السيد دي تريفي من أوفى الأوفياء، ومن أعظمهم إخلاصًا لِلمَلِك. وكان من الضروري في تلك الأيام، أن يُحاطَ المرءُ بالأوفياء أمثال تريفي، ولذلك انتهز الملك لويس الثالث عشر، أول فرصة، فجعله قائدًا لحرسه الملكي، الفرسان.
لم يكن الكاردينال ريشلييه، الذي هو رئيس وزراء الملك، والمرهوب الجانب أكثرَ من الملِك، بأقلَّ جدارةً بالاحترام. ولمَّا رأى المجموعة القوية من الرجال المُختارين، الذين أحاط بهم السيد دي تريفي الملِك، قرَّر أن يكون له حرسُه، هو أيضًا، مثلما للملِك فرسانُه. وقد تنافَس كلٌّ من الرجلَين، في أن يضيف إلى مجموعته أمهَرَ الرجال وأشجَعَهم في استخدام السيف.
وكانت المشاجرات والمعارك وأعمال الشغْب من الأحداث اليومية في تلك الأيام. وكان النبلاء المزهوُّون يتعاركون معًا، أو يَحيكُ كلٌّ منهم المكائد للآخر. وكان هناك اللصوص والمتسولون المحترفون والمغامرون والأوغاد الذين دأبوا على تعكير صفوِ حياة كل فرد. وكان المواطنون يتصدَّون دائمًا لأولئك المتجوِّلين للشر، وكثيرًا ما قاتلوا النبلاء، ولكنهم لم يقاتلوا الكاردينال قط.
إذن، فمن الطبيعي أن يثور فضولُ شعب ميونغ، حين يسمعون ضجيجًا عاليًا بقرب فندق «جولي ميلر»، وأن يتسلَّحوا بكلِّ ما يمكنهم استخدامه من أسلحة، ويندفعوا نحو الفندق، حيث تتزايد حشود الناس سريعًا، يصيحون جميعًا ويصخبون. ولم يكن من الصعب اكتشافُ سبب الاضطراب.
كان سببُ تلك المتاعب رجلًا في الحلقة الثالثة من عمره، ولا شك في أنه كان من أهالي غسقونيا، فمن السهل معرفتُه من عينَيه الذكيتَين الواسعتَين، وأنفه الدقيق. وقد يظُنه ذو العين المُجَرِّبَةِ ابن مُزارِع يقوم برحلة، لولا السيف الطويل المتدلِّي إلى جانبه.
وقد لفَت حِصانُه أنظار كلِّ من رآه. كانت سِنُّه تتراوَح بين اثنتَي عشرة أو أربع عشرة سنة، وكان مُغَطًّى بشعرٍ أصفر اللون، وذَيلُه خاليًا تمامًا من الشَّعر، وكان يسير مُطأطِئ الرأس لأسفلَ من مستوى ركبتَيه. ورغم ذلك، أفلح في أن يسير المسافات المُقرَّرة عليه في كل يوم.
لم يستطع دارتانيان، وهذا هو اسم الشاب، أن يُخفي منظره المُضحِك وهو ممتطٍ صهوةَ مثلِ ذلك الحصان، رغم كونه فارسًا ماهرًا؛ لذا فقد تنهَّد عميقًا عندما قَبِلَه هديةً من أبيه في ذلك الصباح.
قال السيد الغسقوني: «أي بُنيَّ، وُلدَ هذا الحصان في إسطبلي منذ حوالي ثلاثة عشر عامًا، وخدمني بإخلاصٍ منذ ذلك الحين. وهذه الحقيقة يجب أن تكون مَدْعاةً لسرورك أن يكون مِلكًا لك.»
استطرد والد دارتانيان قائلًا: «وحيث إنك، يا ولدي، ستشُق طريقك في الحياة، فضع نصب عينَيك أن تُحافظ على مكانتك، ولا تتقبَّل النقد من أي شخصٍ، باستثناء الكاردينال والملِك. ولا تَخشَ المعارك أبدًا، وابحث عن المغامرة. وقد علَّمْتُكَ كيف تستخدم السيف. وعليكَ بالقتالِ في جميع المناسبات.»
وأضاف الرجل العجوز: «بمجرد أن تبلُغ باريس، اذهب بهذا الخطاب وسلِّمه بنفسك للسيد تريفي؛ إذ كان هذا السيد، فيما مضى، جاري، وحظيَ بشرف اختياره رفيقًا لِمَلِكِنا قبل اعتلائه العرش. إنه الآن قائد الفرسان؛ أي قائد حرس الملك الشخصي.
علاوةً على هذا، فالسيد دي تريفي يربح عشرة آلاف كارون راتبًا سنويًّا له، ولذا فهو يُعَدُّ من النبلاء العظماء. لقد بدأ حياته مثلما تبدؤها أنت. اذهب إليه بهذا الخطاب، واتخذه قدوتك حتى تنجح مثله. ليس لديَّ ما أعطيكه، يا بني، سوى خمسة عشر كراونًا، وحصاني، والنصيحة التي سمعتها الآن. انتهِز كل فرصةٍ سانحةٍ، وعِشْ سعيدًا وطويلًا.»
بعد ذلك، علَّق السيد دارتانيان سيفَه على حمَّالة ابنه، وقبَّله في وجنتَيه وباركه.