الساعة الثانية عشرة خلف قصر لوكسمبورغ
ذهب دارتانيان إلى حيثُ موعده مع آثوس، لا يرافقه أي صديقٍ؛ إذ لم يكن يعرفُ أحدًا في باريس.
لم يكن هذا الغسقوني الصغير، كما سنعرف الآن، رجلًا عاديًّا؛ فعلى حين كان يؤكِّد لنفسه أنه مقتول لا محالة، لم يفكِّر قطُّ في أن يموت هادئًا مثلما يفعل أي شخصٍ أقل جُرأة. وهنا تَذكَّر نصيحة والده التي تقول: «لا تتقبَّل النقد من أي شخصٍ دون الملك والكاردينال.» فهرول، بدلًا من أن يسير، نحو قصر لوكسمبورغ.
حين وصَل على مرأًى من مكان اللقاء، كانت الساعة تُشير إلى الثانية عشرة، وكان آثوس ينتظر هناك منذ خمسِ دقائق، جالسًا فوق جذع شجرةٍ متداعية؛ إذ كان لا يزال متأثِّرًا بجُرحه. ولمَّا أبصر دارتانيان، نهض وسار في أدبٍ بضع خطواتٍ ليقابله، فخلع دارتانيان قُبَّعتَه وانحنى له.
قال آثوس: «لقد ارتبطتُ، يا سيدي، مع اثنين من أصدقائي ليكونا في صحبتي، ولكنهما، على نقيضِ عادتهما، ولدهشتي العظمى، لم يحضُرا بعدُ!»
قال دارتانيان: «أما من ناحيتي، فليس في صحبتي أحد؛ إذ لا أعرف أحدًا في باريس، حتى الآن، ما خلا السيد دي تريفي، الذي أوصاه بي أبي.»
قال آثوس: «أرجو — بعد إذنك — أن ننتظر هذَين السيدَين؛ فلدينا مُتَّسعٌ من الوقت، وسيكون الأمر أنفَذ. ها هو أحدهما، على ما أعتقد.»
الواقع أن جسم بورثوس العملاق ظهر من بعيد.
صاح دارتانيان قائلًا: «ماذا؟ هل صديقك الأول هو السيد بورثوس؟»
«أجل. هل يقلقك هذا؟»
«لا، إطلاقًا.»
«وها هو ذا الآخر.» واستدار دارتانيان نحو الجهة التي أشار إليها آثوس، فأبصر أراميس.
صاح في دهشةٍ أكبر: «ماذا؟ وهل صديقك الثاني هو السيد أراميس؟»
«بالتأكيد! فإننا لا نُرى أبدًا، واحدًا بغير الآخرَين. ألا تعلم أننا معروفون بين الفرسان باسم الثلاثة الذين لا ينفصلون، ولدى الحرس وفي البلاط، وفي المدينة؟»
أجاب دارتانيان بقوله: «بشرفي هذا اسمٌ طيب!»
في تلك الأثناء، كان بورثوس قد وصل إليهما، فلوَّح له آثوس بيده، ثم استدار نحو دارتانيان وهو دَهِشٌ تمامًا؛ لقد غيَّر بورثوس حِمالةَ سيفه الفخمة، وترك مِعطفَه الجميل في البيت.
قال بورثوس: «رباه! ما معنى هذا؟»
قال آثوس: «هذا هو السيد الذي سأتقاتل معه.»
قال بورثوس: «وأنا أيضًا، سأتقاتل معه.»
قال دارتانيان: «ولكن ليس قبل الساعة الواحدة.»
قال أراميس، الذي كان قد وصل لتوِّه إلى الجماعة: «وأنا أيضًا، سأُقاتل هذا الرجل.»
قال دارتانيان، بنفس الهدوء: «ولكن ليس قبل الساعة الثانية.»
قال أراميس: «علي أي شيءٍ ستتقاتلان، يا آثوس؟»
«بشرفي، لا أعرف تمامًا! ربما آلمني في كتفي. وأنت، يا بورثوس؟»
قال، وقد شَرِقَ وجهه: «سأقاتِل لأنني لا بد أن أُقاتل!»
لاحظ آثوس، الذي لا تَشرُدُ عنه شاردة، ابتسامةً بسيطة على وجه الغسقوني الشاب الذي أجاب بدلًا منه بقوله: «حَدَثَتْ بيننا مشادَّة عن الزي.»
«وأنت، يا أراميس؟»
أجاب أراميس، وهو يغمز بعينه لدارتانيان كي يحتفظ بسبب مبارزتهما سِرًّا: «اختلفنا في موضوعٍ ديني.»
قال دارتانيان: «بما أنكم جميعًا هنا، يا سادة، فاسمحوا لي بأن أقدِّم لكم خالص اعتذاراتي!» عند سماع كلمة «اعتذاراتي» قطَّب آثوس جبينَه، وظَهرَت ابتسامة ازدراءٍ على وجه بورثوس، وأبدى أراميس عدم رضاه صراحة.
قال دارتانيان وهو يرفع رأسَه في خُيلاء: «إنكم لا تفهَمونَني! فإني أطلب الاعتذار في حالة عدم إمكاني مقاتلتَكُم، أنتم الثلاثة معًا.»
وإذ قال دارتانيان ذلك بأشجع لهجةٍ ممكنة، استلَّ سيفه.
قال آثوس وهو يستلُّ سيفه: «حار اليوم، ورغم ذلك، لا أستطيع أن أخلع صِداري. لقد شعرتُ الآن بجرحي ينزف مرةً ثانية، ولا أريد مضايقةَ هذا الرجل بمنظر الدم الذي لم يكن هو السبَب فيه.»
قال دارتانيان: «إذن، فسأُقاتل، أنا أيضًا، وأنا مرتدٍ صِداري.»
صاح بورثوس قائلًا: «هَيَّا، هَيَّا، كفى شكاوى، وتذكَّرا — من فضلكما — أننا ننتظر دَورَينا.»
قاطعه أراميس بقوله: «تَكَلَّم عن نفسك. أعتقد أن ما قالاه جِدُّ صحيحٍ، ويليق بسيدَين.»
ما كاد السيفان يلتقيان معًا، حتى ظَهرَت جماعةٌ من حرس الكاردينال تحت إمرة السيد دي جوساك، عند ناصية القصر.
صاح أراميس وبورثوس، في اللحظة نفسها قائلَين: «حرس الكاردينال! أغمدا سيفَيْكما.»