آثوس يحافظ على كلمته ودارتانيان ينجح في خطته
قُبَيل الساعة السادسة، ركب دارتانيان وأصدقاؤه الثلاثة جيادَهم، يتبعهُم خدمُهم الأربعة، وساروا نحو الساحة الهادئة الواقعة وراء قصر لوكسمبورغ. وأصدَروا أوامرهم إلى خدَمهم بأن يرصُدوا ما يقع من أحداث. وبعد بضعِ دقائق، جاءت عَربةٌ إلى المدخل، فنزل منها لورد وينتر وثلاثةُ رجال، وساروا في صمتٍ نحو دارتانيان والفرسان الثلاثة. وتبعًا للتقاليد، تَم التعارُف. وكان جميعُ رفقاء اللورد وينتر من ذوي المكانة، ومن الطبيعي أن كانت الأسماء غير العادية لخصومهم موضع مفاجأةٍ وقلَق.
قال لورد وينتر: «لم نعرف، حتى الآن، من أنتم؛ فنحن لا نُقاتِل أُناسًا لهم هذه الأسماء. إنها ليست أسماءَ أشخاص.»
قال آثوس: «إنها أسماءٌ حركية، كما قد يتبادَر إلى ذهنك.»
وكانت هذه هي الحقيقة؛ إذ لم يعرف أحدٌ أسماءهم الحقيقية، ولا حتى هم أنفسهم لم يعرفْ أحدُهم اسم الآخر، فيما عدا السيد دي تريفي.
ردَّ اللورد بقوله: «يُولِّد هذا فينا رغبةً أكثر في أن نعرف الأسماء الحقيقية. يُقامِر المرء أو يلعب الورق مع أي إنسان، ولكنه لا يُبارِز إلا من يكون نِدًّا له.»
قال آثوس: «وهو كذلك.» وانتحى جانبًا بمن سيُقاتِله، وأخبَره باسمه، همسًا. وفعل بورثوس وأراميس الشيء نفسه.
قال آثوس لخصمه: «أيُرضيكَ هذا؟ أتجد رُتبتي كافيةً لأكونَ في شرف مبارزتك بالسيف؟»
ردَّ الرجل بانحناءةٍ وهو يقول: «أجل.»
واستطرد آثوس يقول ببرود: «حسَنٌ! دعني أخبرك الآن بشيءٍ آخر؛ كان من الحكمة ألا تُصِرَّ على معرفة اسمي. إن الناس يعتقدون أنني ميِّت، ولديَّ من الأسباب ما يجعلني راغبًا في الحفاظ على هذا السِّر؛ ولذلك سأُضطَر إلى قتلكَ حفاظًا على سرِّي!» وحملَق إليه خصمه معتقدًا أنه يمزح، ولكنه لم يكن بمازح؛ فهو لم يعرف المزاح قَط.
قال آثوس، بعد لحظة، يخاطب زملاءه وخصومهم: «أيها السادة، هل نحن جميعًا مستعدُّون؟» وجاء الردُّ منهم جميعًا، وفي صوتٍ واحد: «نعم!»
صاح آثوس: «إذن، فخذوا حِذْركم.»
وفي الحال، تألقت نصال ثمانية سيوفٍ في أشعة الشمس.
بارز آثوس في هدوءٍ وبطريقةٍ مدروسة، وكأنه يتدرَّب في مدرسةٍ للمبارزة بسيوف الشيش. أما بورثوس، فربما كان أقلَّ مجهودًا من المعتاد، قاتَل بمهارةٍ ولكن بحذَر. وأما أراميس، الذي كان لا بد له من أن يُكمِلَ نظم قطعةٍ شعرية ثالثة لقصيدته، فكان من الجليِّ أنه متعجل. ورغم ذلك، كان آثوس أول من هزم خصمَه بضربة سيفٍ في قلبه فأرداه قتيلًا. لقد حافظ على كلمته! ورقَد خصم بورثوس بعده مُمدَّدًا فوق الأعشاب مجروحًا في فخذه، فحملَه بورثوس بذراعَيه ونقله إلى العربة المُنتظِرة. وهاجم أراميس خصمَه بوحشيةٍ حتى إنه سرعان ما استسلم. أما دارتانيان فقاتل ملتزمًا الدفاع في بساطة، حتى أبصر لورد وينتر وقد أنهكَه التعب، فأدار نصل حُسامه دورةً فجائية أطارت الحُسام من يده، فحاول اللورد استعادة سيفه، غير أن قدمه زَلَّت، فوقع على ظهره.
وفي لحظةٍ كان دارتانيان واقفًا فوقه، يشير بسيفه إلى رقبته. وبقي لورد وينتر تحت رحمة دارتانيان. وهكذا حقَّق هذا الأخيرُ الجزء الأول من خطته، التي كان يفكِّر فيها آنفًا.
قال دارتانيان: «بوسعي الإجهاز عليك، ولكني سأُبقي على حياتِك إكرامًا لأُختك.»
نهض لورد وينتر ببطءٍ منتصبًا على قدمَيه، ثم انحنى اعترافًا بفضل دارتانيان، واستدار إلى الفرسان الثلاثة، فأثنى على مهارتهم.
قال لورد وينتر لدارتانيان: «أي صديقي الشاب، إن سمحتَ لي بأن أُناديَك بهذا، أودُّ أن تقابل أختي، ليدي وينتر، كي تُضيفَ شُكرها إلى شُكري.»
أشرق وجه دارتانيان سرورًا، وأبدى موافقته بانحناءةٍ شديدة.
وقبل أن ينصرف اللورد وينتر، أعطى دارتانيان عنوانَ أخته — رقم ٦، الميدان الملكي — وهو يقع في منطقةٍ جِدِّ راقية. ووعدَه بأن يذهب إليه في ذلك المساء لكي يصحبَه إلى هناك، فحدَّد له دارتانيان الساعةَ الثامنة في بيت آثوس.
أسرع دارتانيان إلى بيته مباشرةً، فاستبدَل ملابسَه وارتدى أفضل حُلَّة، وأسرع إلى آثوس فأخبره بخطَطه فيما يختصُّ بميلادي.
أصغى إليه آثوس مليًّا، ثم هزَّ رأسه ببطء، ناصحًا إياه بأن يحتاط جيدًا. ولم يتنبَّه دارتانيان لنغمة الحزن الذي شابَت صَوتَه.
قال دارتانيان: «أنا لم أقع في غرام ميلادي، وإنما هدفي الوحيد، هو أن أكتشف بالضبط، الدَّور الذي تقوم به في البلاط.»
«يا لرحمة السماء! ليس هذا صعبُ التخمين، بعد الذي أخبرتَني به. لا شك في أنها والرجل ذا الندَب من جواسيس الكاردينال. كُنْ على حذَر، وإلا جَرَّتكَ إلى شَركٍ لن تُفلِت منه!»
«عزيزي آثوس، إنك تنظر دائمًا إلى الجانب المُعتِم من الأمور.»
«أنا لا أثِق بالنساء، ولا سيما الجميلات منهن. كيف لي أن أفكِّر في غير ذلك! لقد اشتريتُ خبرتي غاليًا. قل لي، هل ميلادي جميلة؟»
«إنها من أجمل النساء اللائي وقعَت عليهن عيناي!»
«آه، يا عزيزي دارتانيان المسكين!»
«اسمع، يا آثوس، أنا لا أريد إلا أن أكتشف شيئًا ما، وعندما أكتشفه، فلن تهمَّني هي بعد ذلك في كثيرٍ أو قليل.»
قال آثوس كسيفًا: «افعل ما يحلو لك، يا صديقي الصغير، ولكنِ الزَم جانبَ الحذَر.»